فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» إذا كان النوح من سنته "

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ)
هَذَا تَقْيِيدٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ لِمُطْلَقِ الْحَدِيثِ وَحمْلٌ مِنْهُ لِرِوَايَةِ بن عَبَّاس الْمقيدَة بالبعضية على رِوَايَة بن عُمَرَ الْمُطْلَقَةِ كَمَا سَاقَهُ فِي الْبَابِ عَنْهُمَا وَتَفْسِير مِنْهُ للْبَعْض الْمُبْهم فِي رِوَايَة بن عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ النَّوْحُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَحْذُورَ بَعْضُ الْبُكَاءِ لَا جَمِيعُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ و.

     قَوْلُهُ  إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ بَقِيَّة الحَدِيث الْمَرْفُوع وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ كَلَام الْمُصَنِّفُ قَالَهُ تَفَقُّهًا وَبَقِيَّةُ السِّيَاقِ يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ مِنْ سُنَّتِهِ فَلِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ طَرِيقَتُهُ وَعَادَتُهُ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَتَانِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ أَيْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ أَنَّهُ رَجَّحَ هَذَا وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ فَقَالَ وَأَيُّ سُنَّةٍ لِلْمَيِّتِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بَلِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِإِشْعَارِهِ بِالْعِنَايَةِ بِذَلِكَ إِذْ لَا يُقَالُ مِنْ سُنَّتِهِ إِلَّا عِنْدَ غَلَبَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاشْتِهَارِهِ بِهِ.

قُلْتُ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أُلْهِمَ هَذَا الْخِلَافَ فَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ حَيْثُ اسْتَشْهَدَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ مَا استبعده بن نَاصِرٍ بِقَوْلِهِ وَأَيُّ سُنَّةٍ لِلْمَيِّتِ.
وَأَمَّا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالنَّوْحِ فَمُرَادُهُ مَا كَانَ مِنَ الْبُكَاءِ بِصِيَاحٍ وَعَوِيلٍ وَمَا يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مِنْ لَطْمِ خَدٍّ وَشَقِّ جَيْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ .

     قَوْلُهُ  لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَامٌّ فِي جِهَاتِ الْوِقَايَةِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مُولَعًا بِأَمْرٍ مُنْكَرٍ لِئَلَّا يَجْرِيَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ أَوْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ أَنَّ لِأَهْلِهِ عَادَةٌ بِفِعْلِ أَمْرٍ مُنْكَرٍ وَأَهْمَلَ نَهْيَهَمْ عَنْهُ فَيَكُونَ لَمْ يَقِ نَفْسَهُ وَلَا أَهْلَهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ رَاعٍ الْحَدِيثَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ رِعَايَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ الشَّرُّ مِنْ طَرِيقَتِهِ فَيَجْرِيَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَرَاهُمْ يَفْعَلُونَ الشَّرَّ فَلَا ينهاهم عَنهُ فيسئل عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَاخَذُ بِهِ وَقَدْ تُعُقِّبَ اسْتِدْلَالُ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ نَاطِقٌ بِأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَالْآيَةُ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِيَانِ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِسُنَّتِهِ فَلَمْ يَتَّحِدِ الْمَوْرِدَانِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْجَمْعِ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْعُمُومَاتِ وَتَقْيِيدِ بَعْضِ الْمُطْلَقَاتِ فَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى تَعْذِيبِ كُلِّ مَيِّتٍ بِكُلِّ بُكَاءٍ لَكِنْ دَلَّتْ أَدِلَّةٌ أُخْرَى عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْبُكَاءِ كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ وَتَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَنْ كَانَتْ تِلْكَ سُنَّتُهُ أَوْ أَهْمَلَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ طَرِيقَتُهُ إِلَخْ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ أَيْ كَمَنْ كَانَ لَا شُعُورَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُمْ فَهَذَا لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ بِفِعْلِ غَيره وَمن ثمَّ قَالَ بن الْمُبَارَكِ إِذَا كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاتِهِ فَفَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ .

     قَوْلُهُ  فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ أَيْ كَمَا اسْتَدَلَّتْ عَائِشَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى أَيْ وَلَا تَحْمِلْ حَامِلَةً ذَنْبًا ذَنْبَ أُخْرَى عَنْهَا وَهَذَا حُمِلَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّهَا أَنْكَرَتْ عُمُومَ التَّعْذِيبِ لِكُلِّ مَيِّتٍ بُكِيَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ذُنُوبًا إِلَى حِمْلِهَا وَلَيْسَتْ ذُنُوبًا فِي التِّلَاوَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ فَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَمَوْقِعُ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ الْمُذْنِبَةَ لَا يُؤَاخَذُ غَيْرُهَا بِذَنْبِهَا فَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ الْمُذْنِبَةَ لَا يَحْمِلُ عَنْهَا غَيْرُهَا شَيْئًا مِنْ ذُنُوبِهَا وَلَوْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَدَعَتْ إِلَيْهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَسَبُّبٌ وَإِلَّا فَهُوَ يُشَارِكُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ واثقالا مَعَ أثقالهم وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَقَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَا رُخِّصَ لَنَا فِي الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ لَكِنْ لَيْسَ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَاكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الدَّالَّةِ عَلَى مُقْتَضَاهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا الْحَدِيثَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدِّيَاتِ وَغَيْرِهَا وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ الْمَذْكُورَ يُشَارِكُ مَنْ صَنَعَ صَنِيعَهُ لِكَوْنِهِ فَتَحَ لَهُ الْبَابَ وَنَهَجَ لَهُ الطَّرِيقَ فَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ النَّوْحَ عَلَى الْمَيِّتِ يَكُونُ قَدْ نَهَجَ لِأَهْلِهِ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ فَيُؤَاخَذُ عَلَى فِعْلِهِ الْأَوَّلِ وَحَاصِلُ مَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ فَمَنْ أَثْبَتَ تَعْذِيبَ شَخْصٍ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَمُرَادُهُ هَذَا وَمَنْ نَفَاهُ فَمُرَادُهُ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْوِزْرَ يَخْتَصُّ بِالْبَادِئِ دُونَ مَنْ أَتَى بَعْدَهُ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ التَّعْذِيبُ بِأَوَّلِ مَنْ سَنَّ النَّوْحَ عَلَى الْمَوْتَى وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَنْفِي الْإِثْمَ عَنْ غَيْرِ الْبَادِئِ فَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَذَّبُ إِلَّا بِذَنْبٍ بَاشَرَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ قَدْ يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْأَلَةِ تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قِصَّةِ عُمَرَ مَعَ صُهَيْبٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ تَقَعُ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّهْيِ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فَلِذَلِكَ بَادَرَ إِلَى نَهْيِ صُهَيْبٍ وَكَذَلِكَ نَهْيِ حَفْصَةَ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ عَنْهُ وَمِمَّنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَيْضًا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَةَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنَّ رَافِعًا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا طَاقَةَ لَهُ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَيُقَابِلُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ قَوْلُ مَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَارَضَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ الْإِنْكَارُ مُطْلَقًا أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ لَئِنِ انْطَلَقَ رَجُلٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاسْتُشْهِدَ فَعَمَدَتِ امْرَأَتُهُ سَفَهًا وَجَهْلًا فَبَكَتْ عَلَيْهِ لَيُعَذَّبَنَّ هَذَا الشَّهِيدُ بِذَنْبِ هَذِهِ السَّفِيهَةِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلْحَالِ أَيْ أَنَّ مَبْدَأَ عَذَابِ الْمَيِّتِ يَقَعُ عِنْدَ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ بُكَائِهِمْ غَالِبًا إِنَّمَا تَقَعُ عِنْدَ دَفْنِهِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُسْأَلُ وَيُبْتَدَأُ بِهِ عَذَابُ الْقَبْرِ فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ حَالَةَ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بُكَاؤُهُمْ سَبَبًا لِتَعْذِيبِهِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَلَعَلَّ قَائِلَهُ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِمَعْصِيَتِهِ أَوْ بِذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ خَاصًّا بِبَعْضِ الْمَوْتَى وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ سَمِعَ بَعْضَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضَهُ وَأَنَّ اللَّامَ فِي الْمَيِّتِ لِمَعْهُودٍ مُعَيَّنٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَغَيْرُهُ وَحُجَّتُهُمْ مَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي رَابِعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ ذُكِرَ لِعَائِشَةَ أَن بن عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْكَافِرِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُعَذَّبُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ أَصْلًا وَهُوَ بَين من رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ ثَالِثُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ عَنْ عَائِشَةَ مُتَخَالِفَةٌ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَرُدَّ الْحَدِيثَ بِحَدِيثٍ آخَرَ بَلْ بِمَا اسْتَشْعَرَتْهُ مِنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ أَثْبَتَتْ مَا نَفَتْهُ عَمْرَةُ وَعُرْوَةُ عَنْهَا إِلَّا أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِالْكَافِرِ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَزْدَادُ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَزْدَادَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ يُعَذَّبَ ابْتِدَاءً.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ إِنْكَارُ عَائِشَةَ ذَلِكَ وَحُكْمُهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلَا وَجْهَ لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ وَقَدْ جَمَعَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ حَدِيثَيْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ بِضُرُوبٍ مِنَ الْجَمْعِ أَوَّلُهَا طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهَا ثَانِيهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ مَا إِذَا أَوْصَى أَهْلَهُ بِذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَآخَرُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ حَتَّى قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ إِنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ قَالُوا وَكَانَ مَعْرُوفًا لِلْقُدَمَاءِ حَتَّى قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الْوَصِيَّةِ وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ وُقُوعِ الِامْتِثَالِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ حَصْرٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ أَنْ لَا يَقَعَ إِذَا لَمْ يَمَتَثِلُوا مَثَلًا ثَالِثُهَا يَقَعُ ذَلِكَ أَيْضًا لِمَنْ أَهْمَلَ نَهْيَ أَهْلِهِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَطَائِفَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُمْ بِذَلِكَ عَادَةٌ وَلَا ظَنَّ أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك قَالَ بن الْمُرَابِطِ إِذَا عَلِمَ الْمَرْءُ بِمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّوْحِ وَعَرَفَ أَنَّ أَهْلَهُ مِنْ شَأْنِهِمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْهُمْ بِتَحْرِيمِهِ وَلَا زَجَرَهُمْ عَنْ تَعَاطِيهِ فَإِذَا عُذِّبَ عَلَى ذَلِكَ عذب بِفعل نَفْسِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِهِ رَابِعُهَا مَعْنَى قَوْلِهِ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ أَيْ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيهِ أَهْلُهُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي يُعَدِّدُونَ بِهَا عَلَيْهِ غَالِبًا تَكُونُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَنْهِيَّةِ فَهُمْ يَمْدَحُونَهُ بِهَا وَهُوَ يُعَذَّبُ بِصَنِيعِهِ ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ مَا يَمْدَحُونَهُ بِهِ وَهَذَا اخْتِيَار بن حزم وَطَائِفَة وَاسْتدلَّ لَهُ بِحَدِيث بن عُمَرَ الْآتِي بَعْدَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ فِي قِصَّةِ موت إِبْرَاهِيم بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ وَلَكِنْ يعذب بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه قَالَ بن حَزْمٍ فَصَحَّ أَنَّ الْبُكَاءَ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ الْإِنْسَانُ مَا كَانَ مِنْهُ بِاللِّسَانِ إِذْ يَنْدُبُونَهُ برياسته الَّتِي جَار فِيهَا وشجاعته الَّتِي صرفا فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَجُودِهِ الَّذِي لَمْ يَضَعْهُ فِي الْحَقِّ فَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَفَاخِرِ وَهُوَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَثُرَ كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

     وَقَالَ  كُلُّ مُجْتَهدا عَلَى حَسَبِ مَا قُدِّرَ لَهُ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا حَضَرَنِي وَجْهٌ لَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُغِيرُونَ وَيَسبُونَ وَيَقْتُلُونَ وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَاتَ بَكَتْهُ بَاكِيَتُهُ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ فَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ الَّذِي يَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُهُ بِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُنْدَبُ بِأَحْسَنِ أَفْعَالِهِ وَكَانَتْ مَحَاسِنُ أَفْعَالِهِمْ مَا ذُكِرَ وَهِيَ زِيَادَةُ ذَنْبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ عَلَيْهَا خَامِسُهَا مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَوْبِيخُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِمَا يَنْدُبُهُ أَهْلُهُ بِهِ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إِذَا قَالَتِ النَّائِحَةُ وَا عضداه وَا ناصراه وَا كاسياه جُبِذَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ عَضُدُهَا أَنْتَ ناصرها أَنْت كاسيها وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ يُتَعْتِعُ بِهِ وَيُقَالُ أَنْتَ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَتَقُومُ نَادِبَتُهُ فَتَقُولُ وَاجَبَلَاهْ وَاسَنَدَاهْ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ أَهَكَذَا كُنْتَ وَشَاهِدُهُ مَا رَوَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَتَقُولُ وَاجَبَلَاهْ وَاكَذَا وَاكَذَا فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَلِكَ سَادِسُهَا مَعْنَى التَّعْذِيبِ تَأَلُّمُ الْمَيِّتِ بِمَا يَقَعُ مِنْ أَهْلِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ من الْمُتَقَدِّمين وَرجحه بن المرابط وعياض وَمن تبعه وَنَصره بن تَيْمِيَّةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَأَبُوهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ ثَقَفِيَّةٌ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَلَدْتُهُ فَقَاتَلَ مَعَكَ يَوْمَ الرَّبَذَةِ ثُمَّ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَمَاتَ وَنَزَلَ عَلَيَّ الْبُكَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَغْلِبُ أَحَدَكُمْ أَنْ يُصَاحِبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَإِذَا مَاتَ اسْتَرْجَعَ فو الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِرُ إِلَيْهِ صُوَيْحِبُهُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تَعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ حَسَنِ الْإِسْنَاد أخرجه بن أبي خَيْثَمَة وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ أَطْرَافًا مِنْهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى أَقْرِبَائِهِمْ مِنْ مَوْتَاهُمْ ثُمَّ سَاقَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ بن الْمُرَابِطِ حَدِيثُ قَيْلَةَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا يعدل عَنهُ وَاعْتَرضهُ بن رَشِيدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا وَإِنَّمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَيَسْتَعْبِرُ إِلَيْهِ صُوَيْحِبُهُ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَيِّتُ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ صَاحِبُهُ الْحَيُّ وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ حِينَئِذٍ بِبُكَاءِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ فَيُنْزَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا مَنْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ النَّوْحَ فَمَشَى أَهْلُهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ أَوْ بَالَغَ فَأَوْصَاهُمْ بِذَلِكَ عُذِّبَ بِصُنْعِهِ وَمَنْ كَانَ ظَالِمًا فَنُدِبَ بِأَفْعَالِهِ الْجَائِرَةِ عُذِّبَ بِمَا نُدِبَ بِهِ وَمَنْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْ أَهْلِهِ النِّيَاحَةَ فَأَهْمَلَ نَهْيَهُمْ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ عُذِّبَ بِالتَّوْبِيخِ كَيْفَ أَهْمَلَ النَّهْيَ وَمَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحْتَاطَ فَنَهَى أَهْلَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ خَالَفُوهُ وَفَعَلُوا ذَلِكَ كَانَ تَعْذِيبُهُ تَأَلُّمَهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْهُمْ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَبِّهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَحَكَى الْكَرْمَانِيُّ تَفْصِيلًا آخَرَ وَحَسَّنَهُ وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالِ الْبَرْزَخِ وَحَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَمَا أَشْبَهَهُ عَلَى الْبَرْزَخِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ التَّعْذِيبِ عَلَى الْإِنْسَانِ بِمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْبَرْزَخِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أُسَامَة



[ قــ :1237 ... غــ :1284] قَوْله حَدثنَا عَبْدَانِ وَمُحَمّد هُوَ بن مقَاتل وَعبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي أَوَاخِرِ الطِّبِّ عَنْ عَاصِمٍ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ .

     قَوْلُهُ  أَرْسَلَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ زَيْنَبُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْمَذْكُورِ فِي مُصَنَّفِ بن أَبِي شَيْبَةَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ ابْنًا لِي قِيلَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ مِنْ زَيْنَبَ كَذَا كَتَبَ الدِّمْيَاطِيُّ بِخَطِّهِ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُسَمًّى فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ عَلِيًّا الْمَذْكُورَ عَاشَ حَتَّى نَاهَزَ الْحُلُمَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ صَبِيٌّ عُرْفًا وَإِنْ جَازَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَوَجَدْتُ فِي الْأَنْسَابِ لِلْبَلَاذُرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ رُقَيَّةَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ وَضَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَة قَالَ ثقل بن لِفَاطِمَةَ فَبَعَثَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي الْبُكَاءِ فَعَلَى هَذَا فَالِابْنُ الْمَذْكُورُ مُحْسِنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّهُ مَاتَ صَغِيرًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الِابْنُ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ لِصَبِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمُرْسِلَةَ زَيْنَبُ لَكِنَّ الصَّوَابَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْمُرْسِلَةَ زَيْنَبُ وَأَنَّ الْوَلَدَ صَبِيَّةٌ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ زَادَ سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ فِي الثَّانِي مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهِيَ لِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَنَفْسُهَا تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ سَعْدَانَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ أُمَيْمَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَهِيَ أُمَامَةُ الْمَذْكُورَةُ فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ أَنَّ زَيْنَبَ لَمْ تَلِدْ لِأَبِي الْعَاصِ إِلَّا عَلِيًّا وَأُمَامَةَ فَقَطْ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ ثُمَّ عَاشَتْ عِنْدَ عَلِيٍّ حَتَّى قُتِلَ عَنْهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ أَيْ قَارَبَ أَنْ يُقْبَضَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ أَرْسَلَتْ تَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي الْمَوْتِ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ إِنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّ ابْنِي أَوِ ابْنَتِي وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ مَنْ قَالَ ابْنَتِي لَا ابْنِي وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ اسْتُعِزَّ بِأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ فَبَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ تَقُولُ لَهُ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أُسَامَةَ وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ سَعْدٍ فِي الْبُكَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اسْتُعِزَّ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ أَيِ اشْتَدَّ بِهَا الْمَرَضُ وَأَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أكْرم نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَمَّا سَلَّمَ لِأَمْرِ رَبِّهِ وَصَبَّرَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَمْلِكْ مَعَ ذَلِكَ عَيْنَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ بِأَنْ عَافَى اللَّهُ ابْنَةَ ابْنَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَخَلَصَتْ مِنْ تِلْكَ الشِّدَّةِ وَعَاشَتْ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  يُقْرِئُ السَّلَامَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَخْذِ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوَاقِعِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَهُ هُوَ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ فَإِنْ أَخَذَهُ أَخَذَ مَا هُوَ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي الْجَزَعُ لِأَنَّ مُسْتَوْدَعَ الْأَمَانَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْزَعَ إِذَا اسْتُعِيدَتْ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ إِعْطَاءَ الْحَيَاةِ لِمَنْ بَقِيَ بَعْدَ الْمَيِّتِ أَوْ ثَوَابَهُمْ عَلَى الْمُصِيبَةِ أَوْ مَا هُوَ أَعم من ذَلِك وَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرِيَّةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً والعائد مَحْذُوف فعلى الْأَوَّلِ التَّقْدِيرُ لِلَّهِ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ وَعَلَى الثَّانِي لِلَّهِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَلَهُ مَا أَعْطَى مِنْهُمْ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَكُلُّ أَيْ مِنَ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ أَوْ مِنَ الْأَنْفُسِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَيَجُوزُ فِي كُلُّ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إِنَّ فَيَنْسَحِبُ التَّأْكِيدُ أَيْضًا عَلَيْهِ وَمَعْنَى الْعِنْدِيَّةِ الْعِلْمُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ وَالْأَجَلُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَدِّ الْأَخِيِرِ وَعَلَى مَجْمُوعِ الْعُمُرِ وَقَولُهُ مُسَمًّى أَيْ مَعْلُومٌ مُقَدَّرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَلْتَحْتَسِبْ أَيْ تَنْوِي بِصَبْرِهَا طَلَبَ الثَّوَابِ مِنْ رَبِّهَا لِيُحْسَبَ لَهَا ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهَا الصَّالِحِ .

     قَوْلُهُ  فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا رَاجَعَتْهُ مَرَّتَيْنِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَامَ فِي ثَالِثِ مَرَّةٍ وَكَأَنَّهَا أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ أَنَّهَا نَاقِصَةُ الْمَكَانَةِ عِنْدَهُ أَوْ أَلْهَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حُضُورَ نَبِيِّهِ عِنْدَهَا يَدْفَعُ عَنْهَا مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْأَلَمِ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَحُضُورِهِ فَحَقَّقَ اللَّهُ ظَنَّهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ امْتَنَعَ أَوَّلًا مُبَالَغَةً فِي إِظْهَارِ التَّسْلِيمِ لِرَبِّهِ أَوْ لِيُبَيِّنَ الْجَوَازَ فِي أَنَّ مَنْ دُعِيَ لِمِثْلِ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ بِخِلَافِ الْوَلِيمَةِ مَثَلًا .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ وَمَعَهُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ فَقَامَ وَقَامَ مَعَهُ رِجَالٌ وَقَدْ سُمِّيَ مِنْهُمْ غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ فِي أَوَائِلِ التَّوْحِيدِ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ أَنَّ أُسَامَةَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ كَانَ مَعَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَأَبِي أَوْ أُبَيٌّ كَذَا فِيهِ بِالشَّكِّ هَلْ قَالَهَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَوْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالتَّشْدِيدِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَعَهُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَيْضًا لَكِنَّ الثَّانِي أَرْجَحُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ شُعْبَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَرَفَعَ كَذَا هُنَا بِالرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ فَدَفَعَ بِالدَّالِ وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ أَنَّهُ وُضِعَ فِي حِجْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا السِّيَاقِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ فَمَشَوْا إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى بَيْتِهَا فَاسْتَأْذَنُوا فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَرُفِعَ وَوَقَعَ بَعْضُ هَذَا الْمَحْذُوفِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَلَفْظُهُ فَلَمَّا دَخَلْنَا نَاوَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيَّ .

     قَوْلُهُ  وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَلَفْظُهُ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ وَالْقَعْقَعَةُ حِكَايَةُ صَوْتِ الشَّيْءِ الْيَابِسِ إِذَا حُرِّكَ وَالشَّنُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْقِرْبَةُ الْخَلِقَةُ الْيَابِسَةُ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ شَبَّهَ الْبَدَنَ بِالْجِلْدِ الْيَابِسِ الْخَلِقِ وَحَرَكَةَ الرُّوحِ فِيهِ بِمَا يُطْرَحُ فِي الْجِلْدِ مِنْ حَصَاةٍ وَنَحْوِهَا.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ النَّفْسَ بِنَفْسِ الْجِلْدِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى شِدَّةِ الضَّعْفِ وَذَلِكَ أَظْهَرُ فِي التَّشْبِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ شُعْبَة قَوْله فَقَالَ سعد أَي بن عُبَادَةَ الْمَذْكُورُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِد وَوَقع فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَالصَّوَابُ مَا فِي الصَّحِيحِ .

     قَوْلُهُ  مَا هَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ أَتَبْكِي زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَتَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ هَذِهِ أَيِ الدَّمْعَةُ أَثَرُ رَحْمَةٍ أَيْ أَنَّ الَّذِي يَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِنْ حُزْنِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا اسْتِدْعَاءٍ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْجَزَعُ وَعَدَمُ الصَّبْرِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي أَوَاخِرِ الطِّبِّ وَلَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ وَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ عِبَادِهِ بَيَانِيَّةٌ وَهِيَ حَال من الْمَفْعُول قدمه فَيكون أوقع والرحماء جَمْعُ رَحِيمٍ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَخْتَصُّ بِمَنِ اتَّصَفَ بِالرَّحْمَةِ وَتَحَقَّقَ بِهَا بِخِلَافِ مَنْ فِيهِ أَدْنَى رَحْمَةٍ لَكِنْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ وَالرَّاحِمُونَ جَمْعُ رَاحِمٍ فَيَدْخُلُ كُلُّ مَنْ فِيهِ أَدْنَى رَحْمَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَرْبِيُّ مُنَاسَبَةَ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الرُّحَمَاءِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ دَالٌّ عَلَى الْعَظَمَةِ وَقَدْ عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ حَيْثُ وَرَدَ يَكُونُ الْكَلَامُ مَسُوقًا لِلتَّعْظِيمِ فَلَمَّا ذُكِرَ هُنَا نَاسَبَ ذِكْرَ مَنْ كَثُرَتْ رَحْمَتُهُ وَعَظَمَتُهُ لِيَكُونَ الْكَلَامُ جَارِيًا عَلَى نَسَقِ التَّعْظِيمِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنَّ لَفْظَ الرَّحْمَنِ دَالٌّ عَلَى الْعَفْوِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ كُلُّ ذِي رَحْمَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ اسْتِحْضَارِ ذَوِي الْفَضْلِ لِلْمُحْتَضَرِ لِرَجَاءِ بَرَكَتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ وَجَوَازُ الْقَسَمِ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ وَجَوَازُ الْمَشْيِ إِلَى التَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ بِغَيْرِ إِذْنٍ بِخِلَافِ الْوَلِيمَةِ وَجَوَازُ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُوهِمِ لِمَا لَمْ يَقَعْ بِأَنَّهُ يَقَعُ مُبَالَغَةً فِي ذَلِكَ لِيَنْبَعِثَ خَاطِرُ الْمَسْئُولِ فِي الْمَجِيءِ لِلْإِجَابَةِ إِلَى ذَلِكَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِبْرَارِ الْقَسَمِ وَأَمْرُ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ بِالصَّبْرِ قَبْلَ وُقُوعِ الْمَوْتِ لِيَقَعَ وَهُوَ مُسْتَشْعِرٌ بِالرِّضَا مُقَاوِمًا لِلْحُزْنِ بِالصَّبْرِ وَإِخْبَارُ مَنْ يَسْتَدْعِي بِالْأَمْرِ الَّذِي يُسْتَدْعَى مِنْ أَجْلِهِ وَتَقْدِيمُ السَّلَامِ عَلَى الْكَلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا أَوْ صَبِيًّا صَغِيرًا وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعُوا النَّاسَ عَنْ فَضْلِهِمْ وَلَوْ رُدُّوا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاسْتِفْهَامُ التَّابِعِ مِنْ إِمَامِهِ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مِمَّا يَتَعَارَضُ ظَاهِرُهُ وَحُسْنُ الْأَدَبِ فِي السُّؤَالِ لِتَقْدِيمِهِ قَوْلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ وَالتَّرْهِيبُ مِنْ قَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَجُمُودِ الْعَيْنِ وَجَوَازُ الْبُكَاءِ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ وَنَحْوِهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ





[ قــ :138 ... غــ :185] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ وَأَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ هِلَالٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْآتِيَةِ بَعْدَ أَبْوَابٍ حَدَّثَنَا هِلَالٌ .

     قَوْلُهُ  شَهِدْنَا بِنْتًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ زَوْجُ عُثْمَانَ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَأخرجه بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَكَذَا الدُّولَابِيُّ فِي الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَوَاهُ حَمَّادِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فَسَمَّاهَا رُقَيَّةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا أَدْرِي مَا هَذَا فَإِنَّ رُقَيَّةَ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ لَمْ يَشْهَدْهَا.

قُلْتُ وَهِمَ حَمَّادٌ فِي تَسْمِيَتِهَا فَقَطْ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ بن سَعْدٍ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ كُلْثُومٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ نَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا أَبُو طَلْحَةَ وَأَغْرَبَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ هَذِهِ الْبِنْتُ كَانَتْ لِبَعْضِ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَةَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هِيَ الْمُحْتَضَرَةُ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنْتُهُ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يُقَارِفْ بِقَافٍ وَفَاء زَاد بن الْمُبَارَكِ عَنْ فُلَيْحٍ أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ الْمَرْأَةِ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَكَذَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ فُلَيْحٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لم يُجَامع تِلْكَ اللَّيْلَة وَبِه جزم بن حَزْمٍ.

     وَقَالَ  مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَبَجَّحَ أَبُو طَلْحَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ انْتَهَى وَيُقَوِّيهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ لَا يَدْخُلِ الْقَبْرَ أَحَدٌ قَارَفَ أَهْلَهُ الْبَارِحَةَ فَتَنَحَّى عُثْمَانُ وَحُكِيَ عَنِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُقَارِفْ تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ لَمْ يُقَاوِلْ أَيْ لَمْ يُنَازِعْ غَيْرَهُ الْكَلَامَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْحَدِيثَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ تَغْلِيطٌ لِلثِّقَةِ بِغَيْر مُسْتَنَدٍ وَكَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَقَعَ لِعُثْمَانَ ذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخَاطِرِ الشَّرِيفِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَرَضُ الْمَرْأَةِ طَالَ وَاحْتَاجَ عُثْمَانُ إِلَى الْوِقَاعِ وَلَمْ يَظُنَّ عُثْمَانُ أَنَّهَا تَمُوتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ وَاقَعَ بَعْدَ مَوْتِهَا بَلْ وَلَا حِينَ احْتِضَارِهَا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْبُكَاءِ كَمَا تَرْجَمَ لَهُ وَإِدْخَالُ الرِّجَالِ الْمَرْأَةَ قَبْرَهَا لِكَوْنِهِمْ أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ وَإِيثَارُ الْبَعِيدِ الْعَهْدِ عَنِ الْمَلَاذِ فِي مُوَارَاةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً عَلَى الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَقِيلَ إِنَّمَا آثَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَنْعَتَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَهُ لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ جِمَاعٌ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يُذَكِّرَهُ الشَّيْطَانُ بِمَا كَانَ مِنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَة وَحكى عَن بن حَبِيبٍ أَنَّ السِّرَّ فِي إِيثَارِ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ قَدْ جَامَعَ بَعْضَ جَوَارِيهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَتَلَطَّفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْعِهِ مِنَ النُّزُولِ فِي قَبْرِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ الْقَبْرَ وَفِيهِ جَوَازُ الْجُلُوسِ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ عِنْدَ الدَّفْنِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْت وَحكى بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِحَدِيثِ جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنَّ فِيهِ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ يَعْنِي إِذَا مَاتَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْمُرَادُ لَا تَرْفَعْ صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ قَدْ يُفْضِي بِهِنَّ الْبُكَاءُ إِلَى مَا يُحْذَرُ مِنَ النَّوْحِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِعُثْمَانَ لِإِيثَارِهِ الصِّدْقَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَةٌ الْحَدِيثُ الثَّالِث





[ قــ :139 ... غــ :186] قَوْله عبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ .

     قَوْلُهُ  بِنْتٌ لِعُثْمَانَ هِيَ أُمُّ أَبَانَ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ .

     قَوْلُهُ  وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا أَوْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا هَذَا شكّ من بن جريج وَلمُسلم من طَرِيق أَيُّوب عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ بن عُمَرَ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جِنَازَةَ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ عُثْمَان وَعِنْده عَمْرو بن عُثْمَان فجَاء بن عَبَّاس يَقُودهُ قائده فَأرَاهُ أخبرهُ بمَكَان بن عُمَرَ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَكُنْتُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ وَفِي رِوَايَةِ عَمْرو بن دِينَار عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ فَبَكَى النِّسَاءُ فَظَهَرَ السَّبَب فِي قَول بن عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ مَا قَالَ وَالظَّاهِرُ أَن الْمَكَان الَّذِي جلس فِيهِ بن عَبَّاسٍ كَانَ أَوْفَقَ لَهُ مِنَ الْجُلُوسِ بِجَنْبِ بن عمر أَو أخْتَار أَن لَا يُقيم بن أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ مَكَانِهِ وَيَجْلِسُ فِيهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ يَعْنِي بِالْقَتْلِ وَأَفَادَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَقِبَ الْحَجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَفْظُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا لَمْ يَلْبَثْ عُمَرُ أَنْ أُصِيبَ وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ طُعِنَ قَوْله قَالَ بن عَبَّاسٍ فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَن حَدِيث عَائِشَة من رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْهَا وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ تُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا وَالْقِصَّةُ كَانَتْ بَعْدَ مَوْتِ عَائِشَة لقَوْله فِيهَا فجَاء بن عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدُهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَمِيَ فِي أَوَاخِر عمره وَيُؤَيّد كَون بن أَبِي مُلَيْكَةَ لَمْ يَحْمِلْهُ عَنْهَا أَنَّ عِنْدَ مُسلم فِي أَوَاخِر الْقِصَّة قَالَ بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ لما بلغ عَائِشَة قَول بن عُمَرَ قَالَتْ إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنِي عَنْ غَيْرِ كَاذِبِينَ وَلَا مُكَذَّبِينَ وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ وَهَذَا يَدُلُّ على أَن بن عُمَرَ كَانَ قَدْ حَدَّثَ بِهِ مِرَارًا وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِذَلِكَ أَيْضًا لَمَّا مَاتَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُكُونِ نُونِ لَكِنْ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا .

     قَوْلُهُ  حَسْبُكُمْ بِسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ كَافِيكُمْ الْقُرْآنُ أَيْ فِي تَأْيِيدِ مَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مِنْ رَدِّ الْخَبَر قَوْله قَالَ بن عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ حَدِيثِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى أَيْ أَن الْعبْرَة لَا يملكهَا بن آدَمَ وَلَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهَا فَكَيْفَ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فَضْلًا عَنِ الْمَيِّتِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي الْجَمِيلِ مِنَ الْبُكَاءِ فَلَا يُعَذِّبُ عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ غَرَضُهُ تَقْرِيرُ قَوْلِ عَائِشَةَ أَيْ أَنَّ بُكَاءَ الْإِنْسَانِ وَضَحِكَهُ مِنَ اللَّهِ يُظْهِرُهُ فِيهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  مَا قَالَ بن عُمَرَ شَيْئًا قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ ظَهَرَتْ لِابْنِ عُمَرَ الْحُجَّةُ فَسَكَتَ مُذْعِنًا.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ سُكُوتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْعَانِ فَلَعَلَّهُ كَرِهَ الْمُجَادَلَةَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَيْسَ سُكُوتُهُ لِشَكٍّ طَرَأَ لَهُ بَعْدَ مَا صَرَّحَ بِرَفْعِ الْحَدِيثِ وَلَكِنِ احْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مَحْمَلٌ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ إِذْ ذَاكَ أَوْ كَانَ الْمَجْلِسُ لَا يَقْبَلُ الْمُمَارَاةَ وَلَمْ تَتَعَيَّنِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِك حِينَئِذٍ وَيحْتَمل أَن يكون بن عمر فهم من استشهاد بن عَبَّاسٍ بِالْآيَةِ قَبُولَ رِوَايَتِهِ لِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكُ بِهَا فِي أَنَّ لِلَّهِ أَنْ يُعَذِّبَ بِلَا ذَنْبٍ فَيَكُونُ بُكَاءُ الْحَيِّ عَلَامَةً لِذَلِكَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكَرْمَانِيُّ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ





[ قــ :140 ... غــ :189] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا مَرَّ كَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ مُخْتَصَرًا وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ ذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ يعذب ببكاء الْحَيّ عَلَيْهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ كَذَلِكَ وَزَادَ أَنَّ بن عُمَرَ لَمَّا مَاتَ رَافِعٌ قَالَ لَهُمْ لَا تَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ بُكَاءَ الْحَيِّ عَلَى الْمَيِّتِ عَذَابٌ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَتْ عَمْرَةُ فَسَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ يَرْحَمُهُ اللَّهُ إِنَّمَا مَرَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَرَافِعٌ الْمَذْكُورُ هُوَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ





[ قــ :141 ... غــ :190] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي بُرْدَةَ هُوَ بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ جعل صُهَيْب يَقُول وَا أَخَاهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ عَلَامَ تَبْكِي .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَيَّ مَنْ يُقَابِلُ الْمَيِّتَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبِيلَةَ وَتَكُونُ اللَّامُ فِيهِ بَدَلَ الضَّمِيرِ وَالتَّقْدِيرُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ حَيِّهِ أَيْ قَبِيلَتِهِ فَيُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ مَنْ يَبْكِي عَلَيْهِ يُعَذَّبْ وَلَفْظُهَا أَعَمُّ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ خَاصًّا بِالْكَافِرِ وَعَلَى أَنَّ صُهَيْبًا أَحَدُ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ نَسِيَهُ حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهِ عُمَرُ وَزَادَ فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ فَقَالَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ إِنَّمَا كَانَ أُولَئِكَ الْيَهُودُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى صُهَيْبٍ بكاءه لرفع صَوته بقوله وَا أَخَاهُ فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ إِظْهَارَهُ لِذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ عُمَرَ يُشْعِرُ بِاسْتِصْحَابِهِ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ عَلَيْهِ فَابْتَدَرَهُ بِالْإِنْكَارِ لِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ إِنْ قِيلَ كَيْفَ نَهَى صُهَيْبًا عَنِ الْبُكَاءِ وَأَقَرَّ نِسَاءَ بَنِي الْمُغِيرَةِ عَلَى الْبُكَاءِ عَلَى خَالِدٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ لِصَوْتِهِ مِنْ بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي قِصَّةِ خَالِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ نقع أَو لقلقَة