فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة

( .

     قَوْلُهُ  بَاب هَلْ يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ أَيْ لِسَبَبٍ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ مَنَعَ إِخْرَاجَ الْمَيِّتِ)

مِنْ قَبْرِهِ مُطْلَقًا أَوْ لِسَبَبٍ دُونَ سَبَبٍ كَمَنْ خَصَّ الْجَوَازَ بِمَا لَوْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أَوْ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْأَوَّلِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ إِذَا كَانَ فِي نَبْشِهِ مَصْلَحَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْبَرَكَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ .

     قَوْلُهُ  فِي التَّرْجَمَةِ مِنَ الْقَبْرِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الثَّانِي دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْإِخْرَاجِ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحَيِّ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي دَفْنِ مَيِّتٍ آخَرَ مَعَهُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ جَابِرٌ بِقَوْلِهِ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّحْدُ لِأَنَّ وَالِدَ جَابِرٍ كَانَ فِي لَحْدٍ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ قِصَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ قَابِلَةٌ لِلتَّخْصِيصِ وَقِصَّةَ وَالِدِ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِالرَّفْعِ قَالَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ عَمْرو وَهُوَ بن دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ وَزَادَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَمِيصه وَالْعَبَّاس الْمَذْكُور هُوَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



[ قــ :1297 ... غــ :1350] .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَانُ.

     وَقَالَ  أَبُو هَارُونَ إِلَخْ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهَا وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ.

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَذَا فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَأَبُو هَارُونَ الْمَذْكُورُ جَزَمَ الْمِزِّيُّ بِأَنَّهُ مُوسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطُ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ الْمَدَنِيُّ وَقِيلَ هُوَ الْغَنَوِيُّ وَاسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ مِنْ شُيُوخِ الْبَصْرَةِ وَكِلَاهُمَا مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ فَالْحَدِيثُ مُعْضَلٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَسَمَّاهُ عِيسَى وَلَفْظُهُ حَدثنَا عِيسَى بن أبي مُوسَى فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَانُ فَيَرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ بِالْعَبَّاسِ هَذَا الْقَدْرُ مُتَّصِلٌ عِنْدَ سُفْيَانَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ فِي بَابِ كُسْوَةِ الْأُسَارَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يُقْدَرُ عَلَيْهِ فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  فَلِذَلِكَ مِنْ كَلَامِ سُفْيَانَ أُدْرِجَ فِي الْخَبَرِ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَسَأَسْتَوْفِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :198 ... غــ :1351] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ هَكَذَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ حُسَيْنٍ وَلَمْ أَرَهُ بَعْدَ التَّتَبُّعِ الْكَثِيرِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى جَابِرٍ إِلَّا فِي الْبُخَارِيِّ وَقَدْ عَزَّ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ مَخْرَجُهُ فَأَخْرَجَهُ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ.
وَأَمَّا أَبُو نُعَيْمٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ فَقَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ.

     وَقَالَ  بَعْدَهُ لَيْسَ أَبُو نَضْرَةَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَزِيزَةٌ جِدًّا.

قُلْتُ وَطَرِيقُ سَعِيدٍ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ وبن سَعْدٍ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ وَاحْتَمَلَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ لِبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ فِيهِ شَيْخَانِ إِلَى أَنْ رَأَيْتُهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ قَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ بِشْرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو الْأَشْعَثِ عَنْ بِشْرٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي الْإِكْلِيلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى جَابِرٍ وَلَفْظُهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ سَوَاءٌ فَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حِينَئِذٍ أَنَّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَ وَهْمًا لَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي مِمَّنْ هُوَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَشْعَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَقَّبَ هَذِهِ الطَّرِيقَ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مُخْتَصَرًا لِيُوَضِّحَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مَا أُرَانِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ سَبَبَ ظَنِّهِ ذَلِكَ مَنَامٌ رَآهُ أَنَّهُ رَأَى مُبَشِّرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَ مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ يَقُولُ لَهُ أَنْتَ قَادِمٌ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ الْمَذْكُورَةِ عِنْد بن السَّكَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ إِنِّي معرض نَفسِي للْقَتْل الحَدِيث.

     وَقَالَ  بن التِّينِ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِشَارَةً إِلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ سَيُقْتَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي الْمَغَازِي .

     قَوْلُهُ  وَإنَّ عَلَيَّ دَيْنًا سَيَأْتِي مِقْدَارُهُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَاقْضِ كَذَا فِي الْأَصْلِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فَاقْضِهِ .

     قَوْلُهُ  بِأَخَوَاتِكَ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذِكْرِ عِدَّتِهِنَّ وَمَنْ عُرِفَ اسْمُهَا مِنْهُنَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ هُوَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ صَدِيقَ وَالِدِ جَابِرٍ وَزَوْجِ أُخْتِهِ هِنْدِ بِنْتِ عَمْرٍو وَكَأَنَّ جَابِرًا سَمَّاهُ عَمُّهُ تَعْظِيمًا قَالَ بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ اجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَادِقَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتْ هِنْدَ بِنْتَ عَمْرٍو تَسُوقُ بَعِيرًا لَهَا عَلَيْهِ زَوْجُهَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَأَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ لِتَدْفِنَهُمَا بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّ الْقَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ الدِّمْيَاطِيِّ إِنَّ قَوْلَهُ وَعَمِّي وَهَمٌ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ لَهُ مَحْمَلًا سَائِغًا وَالتَّجَوُّزُ فِي مِثْلِ هَذَا يَقَعُ كَثِيرًا وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَمِّي تَصْحِيفٌ مِنْ عَمْرٍو وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ قُتِلَ عَمْرو بن الجموح وبن أَخِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُعِلَا فِي قَبْرٍ وَاحِد قَالَ بن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد لَيْسَ هُوَ بن أَخِيه وَإِنَّمَا هُوَ بن عَمِّهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَلَعَلَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَيْ مِنْ يَوْمِ دَفْنِهِ وَهَذَا يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ مَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي صعصعة أَنه بلغه أَن عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سنة وَقد جمع بَينهمَا بن عَبْدِ الْبَرِّ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ فِي قَبْرٍ وَحْدَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمَا وُجِدَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قُرْبَ الْمُجَاوَرَةِ أَوْ أَنَّ السَّيْلَ خَرَقَ أَحَدَ الْقَبْرَيْنِ فَصَارَا كقبر وَاحِد وَقد ذكر بن إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي الْمَغَازِي فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَةُ عَيْنَهُ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ انْفَجَرَتِ الْعَيْنُ عَلَيْهِمْ فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا يَعْنِي عَمْرًا وَعَبْدَ اللَّهِ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوهُهُمَا وَعَلَى أَقْدَامِهِمْا شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَأَخْرَجْنَاهُمَا يَتَثَنَّيَانِ تَثَنِّيًا كَأَنَّهُمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ وَلَهُ شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح عِنْد بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي السَّكَنِ وَالنَّسَفِيِّ غَيْرَ هُنَيَّةٍ فِي أُذُنِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ بِتَقْدِيمِ غَيْرَ وَزِيَادَةِ فِي وَفِي الْأَوَّلِ تَغْيِيرٌ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ هُنَيَّةً أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا وَهُوَ بِنُونٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مُصَغَّرًا وَهُوَ تَصْغِيرُ هَنَةٍ أَيْ شَيْءٍ فَصَغَّرَهُ لِكَوْنِهِ أَثَرًا يَسِيرًا انْتَهَى وَقَدْ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَقِبَ سِيَاقِهِ بِلَفْظِ الْأَكْثَرِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ.

قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيٍّ لَكِنْ يَبْقَى فِي الْكَلَامِ نَقْصٌ ويبينه مَا فِي رِوَايَة بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ غَسَّانَ بْنِ مُضَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِلَفْظِ وَهُوَ كَيَوْمِ دَفَنْتُهُ إِلَّا هُنَيَّةً عِنْدَ أُذُنِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ من حَيْثُ الْمَعْنى لرِوَايَة بن السَّكَنِ الَّتِي صَوَّبَهَا عِيَاضٌ وَجَمَعَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْعَثِ بَيْنَ لَفْظِ غَيْرَ وَلَفْظِ عِنْدَ فَقَالَ غَيْرَ هُنَيَّةٍ عِنْدَ أُذُنِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ غَيْرَ أُذُنِهِ سَقَطَ مِنْهَا لَفْظُ هُنَيَّةٍ وَهُوَ مُسْتَقِيمُ الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ فِي أَفْرَادِ البُخَارِيّ وَالْمرَاد بالاذن بَعْضهَا وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ فِي رِوَايَتِهِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ مَنْصُوبَةٌ ثُمَّ هَاءُ الضَّمِيرِ أَيْ عَلَى حَالَتِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ بن السَّكَنِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ بِلَفْظِ غَيْرَ أَنَّ طَرَفَ أُذُنِ أَحَدِهِمْ تَغَيَّرَ وَلِابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ إِلَّا شَعَرَاتٍ كُنَّ مِنْ لَحَيَّتِهِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الشَّعَرَاتُ الَّتِي تَتَّصِلُ بِشَحْمَةِ الْأُذُنِ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ سَبَبَ تَغَيُّرِ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ مَثَّلُوا بِهِ فَجَدَعُوا أَنْفَهُ وَأُذُنَيْهِ الْحَدِيثَ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَطَعُوا بَعْضَ أُذُنَيْهِ لَا جَمِيعَهَمَا وَالله أعلم





[ قــ :199 ... غــ :135] قَوْله عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ عَنْ مُجَاهِدٍ بَدَلَ عَطَاءٍ قَالَ وَالَّذِي رَوَاهُ غَيْرُهُ أَصَحُّ.

قُلْتُ وَكَذَا أخرجه بن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَآخَرُونَ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي قِصَّةِ وَالِدِ جَابِرٍ مِنَ الْفَوَائِدِ الْإِرْشَادُ إِلَى بِرِّ الْأَوْلَادِ بِالْآبَاءِ خُصُوصًا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِمْ بِمَكَانَتِهِمْ مِنَ الْقَلْبِ وَفِيهِ قُوَّةُ إِيمَانِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ لِاسْتِثْنَائِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ جَعَلَ وَلَدَهُ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَفِيهِ كَرَامَتُهُ بِوُقُوعِ الْأَمْرِ عَلَى مَا ظَنَّ وَكَرَامَتُهُ بِكَوْنِ الْأَرْضِ لَمْ تُبْلِ جَسَدَهُ مَعَ لُبْثِهِ فِيهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِ الشَّهَادَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِجَابِرٍ لِعَمَلِهِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَكَانِهِ