فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب موت يوم الاثنين

( قَولُهُ بَابُ مَوْتِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تَعَيُّنُ وَقْتِ الْمَوْتِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ اخْتِيَارٌ لَكِنْ فِي التَّسَبُّبِ فِي حُصُولِهِ مَدْخَلٌ كَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ فَمَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْإِجَابَةُ أُثِيبَ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَكَأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي وَرَدَ فِي فَضْلِ الْمَوْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا وَافَقَ شَرْطَهُ وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ



[ قــ :1332 ... غــ :1387] .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ عَائِشَةُ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَعْنِي أَبَاهَا زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَرَأَيْتُ بِهِ الْمَوْتَ فَقُلْتُ هَيْجٌ هَيْجٌ مَنْ لَا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا فَإِنَّهُ فِي مَرَّةٍ مَدْفُوقُ فَقَالَ لَا تَقُولِي هَذَا وَلَكِن قولي وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ فِي أَيِّ يَوْمٍ الْحَدِيثَ وَهَذِه الزِّيَادَة أخرجهَا بن سَعْدٍ مُفْرَدَةً عَنْ أَبِي سَامَةَ عَنْ هِشَامٍ وَقَوْلُهَا هَيْجٌ بِالْجِيمِ حِكَايَةَ بُكَائِهَا .

     قَوْلُهُ  فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ كَمْ ثَوْبًا كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَقَولُهُ فِي كَمْ مَعْمُولٌ مُقَدَّمٌ لِكَفَّنْتُمْ قِيلَ ذَكَرَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ تَوْطِئَةً لَهَا لِلصَّبْرِ عَلَى فَقْدِهِ وَاسْتِنْطَاقًا لَهَا بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَعْظُمُ عَلَيْهَا ذِكْرُهُ لِمَا فِي بُدَاءَتِهِ لَهَا بِذَلِكَ مِنْ إِدْخَالِ الْغَمِّ الْعَظِيمِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ نَسِيَ مَا سَأَلَ عَنْهُ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْ قَدْرِ الْكَفَنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِ الْبَيْعَةِ.
وَأَمَّا تَعْيِينُ الْيَوْمِ فَنِسْيَانُهُ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ التَّرَدُّدُ هَلْ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوِ الثُّلَاثَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْكَفَنِ فِي مَوْضِعِهِ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِالنَّصْبِ أَيْ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَقَوْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.

قُلْتُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ بِالرَّفْعِ أَيْ هَذَا يَوْمُ الِاثْنَيْنِ .

     قَوْلُهُ  أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي اللَّيْلَةَ وَلِابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَوَّلُ بَدْءِ مَرَضِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا فَحُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمَاتَ مَسَاءَ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَشَارَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَأَخُّرِ وَفَاتِهِ عَنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيُرَغِّبُ فِيهِ لِكَوْنِهِ قَامَ فِي الْأَمْرِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَاسَبَ أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  بِهِ رَدْعٌ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ لَطْخٌ لَمْ يَعُمَّهُ كُلَّهُ قَوْله وزيدوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ زَاد بن سَعْدٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ جَدِيدَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَكَفِّنُونِي فِيهِمَا أَيِ الْمَزِيدَ وَالْمَزِيدَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ فِيهَا أَيِ الثَّلَاثَةَ .

     قَوْلُهُ  خَلَقٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ غَيْرُ جَدِيدٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ بن سَعْدٍ أَلَا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا قَالَ لَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَرَى عَدَمَ الْمُغَالَاةِ فِي الْأَكْفَانِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْأَمْرِ بِتَحْسِينِ الْكَفَنِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ التَّحْسِينِ عَلَى الصِّفَةِ وَحَمْلِ الْمُغَالَاةِ عَلَى الثَّمَنِ وَقِيلَ التَّحْسِينُ حَقُّ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَوْصَى بِتَرْكِهِ اتُّبِعَ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اخْتَارَ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ لِمَعْنًى فِيهِ مِنَ التَّبَرُّكِ بِهِ لِكَوْنِهِ صَارَ إِلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ جَاهَدَ فِيهِ أَوْ تَعَبَّدَ فِيهِ وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا هُوَ أَيِ الْكَفَنُ .

     قَوْلُهُ  لِلْمُهْلَةِ قَالَ عِيَاضٌ رُوِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا قلت جزم بِهِ الْخَلِيل.

     وَقَالَ  بن حَبِيبٍ هُوَ بِالْكَسْرِ الصَّدِيدُ وَبِالْفَتْحِ التَّمَهُّلُ وَبِالضَّمِّ عَكَرُ الزَّيْتِ وَالْمُرَادُ هُنَا الصَّدِيدُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا هُوَ أَيِ الْجَدِيدُ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُهْلَةِ عَلَى هَذَا التَّمَهُّلِ أَيْ إِنَّ الْجَدِيدَ لِمَنْ يُرِيدُ الْبَقَاءَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ريطة بَيْضَاء وريطة مُمَصَّرَةٍ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنفه وَفِيه أخرجه بن سَعْدٍ وَلَهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَهْلِ وَالتُّرَابِ وَضَبَطَ الْأَصْمَعِيُّ هَذِهِ بِالْفَتْحِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّكْفِينِ فِي الثِّيَابِ الْبِيضِ وَتَثْلِيثِ الْكَفَنِ وَطَلَبِ الْمُوَافَقَةِ فِيمَا وَقَعَ للأكابر تبركا بذلك وَفِيهِ جَوَازُ التَّكْفِينِ فِي الثِّيَابِ الْمَغْسُولَةِ وَإِيثَارِ الْحَيِّ بِالْجَدِيدِ وَالدَّفْنِ بِاللَّيْلِ وَفَضْلُ أَبِي بَكْرٍ وَصِحَّةُ فِرَاسَتِهِ وَثَبَاتُهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ وَفِيهِ أَخْذُ الْمَرْءِ الْعِلْمَ عَمَّنْ دُونَهُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُمَرَ فِيهِ أَنَّ التَّكْفِينَ فِي الثَّوْبِ الْجَدِيدِ وَالْخَلَقِ سَوَاءٌ وَتُعُقِّبَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ اخْتَارَهُ لِمَعْنًى فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ على الْمُسَاوَاة