فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما ينهى من سب الأموات

( قَولُهُ بَابُ مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَفْظُ التَّرْجَمَةِ يُشْعِرُ بِانْقِسَامِ السَّبِّ إِلَى مَنْهِيٍّ وَغَيْرِ مَنْهِيٍّ وَلَفْظُ الْخَبَرِ مَضْمُونُهُ النَّهْيُ عَنِ السَّبِّ مُطْلَقًا وَالْجَوَابُ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ثَنَائِهِمْ بِالْخَيْرِ وَبِالشَّرِّ وَجَبَتْ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْأَمْوَاتِ عَهْدِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِسَبِّهِمْ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ وَجَبَتْ يَحْتَمِلُ أَجْوِبَةً الْأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِالشَّرِّ كَانَ مُسْتَظْهِرًا بِهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ لَا غِيبَةَ لِفَاسِقٍ أَوْ كَانَ مُنَافِقًا ثَانِيَهَا يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَالْجَوَازُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِيَتَّعِظَ بِهِ مَنْ يَسْمَعُهُ ثَالِثَهَا يَكُونُ النَّهْيُ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا فَيَكُونُ نَاسِخًا وَهَذَا ضَعِيف.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ السَّبَّ يَنْقَسِمُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ أَمَّا الْكَافِرُ فَيُمْنَعُ إِذَا تَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ الْمُسْلِمُ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَحَيْثُ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ كَأَنْ يَصِيرَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ يَجِبُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمَيِّتِ كَمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِشَهَادَةِ زُورٍ وَمَاتَ الشَّاهِدُ فَإِنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ إِنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ يُرَدُّ إِلَى صَاحِبِهِ قَالَ وَلِأَجْلِ الْغَفْلَةِ عَنْ هَذَا التَّفْصيلِ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ سَهَا عَنْ حَدِيثِ الثَّنَاءِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْبُخَارِيُّ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْجَائِزَ كَانَ عَلَى مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَهَذَا الْمَمْنُوعُ هُوَ عَلَى مَعْنَى السَّبِّ وَلَمَّا كَانَ الْمَتْنُ قَدْ يُشْعِرُ بِالْعُمُومِ أَتْبَعَهُ بِالتَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَهُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ التَّرْجَمَةَ الْأُولَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً وَالْوَجْهُ عِنْدِي حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ إِلَّا مَا خَصَّصَهُ الدَّلِيلُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الشَّهَادَةِ وَقَصْدِ التَّحْذِيرِ يُسَمَّى سبا فِي اللُّغَة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ سَبُّ الْأَمْوَاتِ يَجْرِي مَجْرَى الْغِيبَةِ فَإِنْ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِ الْمَرْءِ الْخَيْرَ وَقَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْفَلْتَةُ فَالِاغْتِيَابُ لَهُ مَمْنُوعٌ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا مُعْلِنًا فَلَا غِيبَةَ لَهُ فَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَالْمُبَاحُ ذِكْرُ الرَّجُلِ بِمَا فِيهِ قَبْلَ الدَّفْنِ لِيَتَّعِظَ بِذَلِكَ فُسَّاقُ الْأَحْيَاءِ فَإِذَا صَارَ إِلَى قَبْرِهِ أُمْسِكَ عَنْهُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى مَا قَدَّمَ وَقَدْ عَمِلَتْ عَائِشَةُ رَاوِيَةُ هَذَا الْحَدِيثِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنِ اسْتَحَقَّ عِنْدَهَا اللَّعْنُ فَكَانَتْ تَلْعَنُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَلَمَّا مَاتَ تَرَكَتْ ذَلِكَ وَنَهَتْ عَنْ لَعْنِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ



[ قــ :1340 ... غــ :1393] .

     قَوْلُهُ  أَفْضَوْا أَيْ وَصَلُوا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ سَبِّ الْأَمْوَاتِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَمْوَاتَ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ يَجُوزُ ذِكْرُ مَسَاوِيهِمْ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ جَرْحِ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الرُّوَاةِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا .

     قَوْلُهُ  وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الْأَعْمَشِ أَيْ مُتَابِعَيْنِ لِشُعْبَةَ وَأَنَسٍ وَالِدِ مُحَمَّدٍ كَالْجَادَّةِ وَهُوَ كُوفِيٌّ سَكَنَ الدِّينَوَرَ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيّ وَأما بن عَبْدِ الْقُدُّوسِ فَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ فَقَالَ إِنَّهُ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ قَوْمٍ ضُعَفَاءَ وَاخْتَلَفَ كَلَامُ غَيْرِهِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ وَوَقَعَ لَنَا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الرِّفَاعِيِّ عَنْهُ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى مُجَاهِدٍ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا فَعَلَ يَزِيدُ الْأَرْجِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ قَالُوا مَاتَ قَالَتْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَالُوا مَا هَذَا فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ إِنَّ عَلِيًّا بَعَثَ يَزِيدَ بْنَ قَيْسٍ الْأَرْجِيِّ فِي أَيَّامِ الْجَمَلِ بِرِسَالَةٍ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ جَوَابًا فَبَلَغَهَا أَنَّهُ عَابَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَكَانَتْ تَلْعَنُهُ ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهَا مَوْتُهُ نَهَتْ عَنْ لَعْنِهِ .

     وَقَالَتْ  إِنَّ رَسُولَ الله نَهَانَا عَن سبّ الْأَمْوَات وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ بِالْقِصَّةِ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّقَاقِ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَمُحَمَّدُ بن عرْعرة وبن أَبِي عَدِيٍّ لَمْ أَرَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بن عرْعرة مَوْصُولا وَطَرِيق بن أَبِي عَدِيٍّ ذَكَرَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَوَصَلَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ شُعْبَةَ وَهُوَ عِنْد أَحْمد عَنهُ