فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: ما أدي زكاته فليس بكنز

( قَولُهُ بَابُ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة)
قَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ وَجْهُ اسْتِدْلَالِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الْكَنْزَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ الْمُوجِبُ لِصَاحِبِهِ النَّارَ لَا مُطْلَقُ الْكَنْزِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَدِيثُ لَا صَدَقَةَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ كُلَّ مَالٍ أُخْرِجَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ فَلَا وَعِيدَ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا يُسَمَّى مَا يَفْضُلُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ الصَّدَقَةُ كَنْزًا.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ مَا دُونَ الْخَمْسِ وَهُوَ الَّذِي لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْ عُفِيَ عَنِ الْحَقِّ فِيهِ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ قَطْعًا وَاللَّهُ قَدْ أَثْنَى عَلَى فَاعِلِ الزَّكَاةِ وَمَنْ أُثْنِيَ عَلَيْهِ فِي وَاجِبِ حَقِّ الْمَالِ لَمْ يَلْحَقْهُ ذَمٌّ مِنْ جِهَةِ مَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ الْمَالُ انْتَهَى وَيَتَلَخَّصُ أَنْ يُقَالَ مَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ لَا يُسَمَّى كَنْزًا لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَلْيَكُنْ مَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ مَا وَجَبَ مَنْهُ فَلَا يُسَمَّى كَنْزًا ثُمَّ إِنَّ لَفْظَ التَّرْجَمَةِ لَفْظُ حَدِيثٍ رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفا عَن بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ كُلُّ مَا أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَكُلُّ مَا لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْرَدَهُ مَرْفُوعًا ثُمَّ قَالَ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَالْمَشْهُورُ وَقْفُهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَنْزِ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ أَذْهَبْتَ عَنْكَ شَرَّهُ وَرَجَّحَ أَبُو زُرْعَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقْفَهُ كَمَا عِنْدَ الْبَزَّارِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ.

     وَقَالَ  حَسَنٌ غَرِيب وَصَححهُ الْحَاكِم وَهُوَ على شَرط بن حِبَّانَ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ بن الْقطَّان أَيْضا وَأخرجه أَبُو دَاوُد.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ سَنَدَهُ جَيِّدٌ وَعَن بن عَبَّاس أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَفِيه قصَّة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكَنْزَ الْمَذْمُومَ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ فَذَكَرَ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الطُّرُقِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ كَأَبِي ذَرٍّ وَسَيَأْتِي شَرْحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ



[ قــ :1350 ... غــ :1404] .

     قَوْلُهُ  وقَال أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَهُوَ الذُّهْلِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ بِإِسْنَادِهِ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي جُزْءِ الذُّهْلِيِّ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ مِمَّا فِي الْبُخَارِيِّ وَزَادَ فِيهِ سُؤال الْأَعرَابِي أترث الْعمة قَالَ بن عمر لَا أَدْرِي فَلَمَّا أدبر قبل بن عمر يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ نِعْمَ مَا قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي نَفْسَهُ سُئِلَ عَمَّا لَا يَدْرِي فَقَالَ لَا أَدْرِي وَزَادَ فِي آخِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ طُهْرَةٌ لِلْأَمْوَالِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ مَا أُبَالِي لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا أَعْلَمُ عَدَدَهُ أُزَكِّيهِ وَأَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ الله تَعَالَى وَهُوَ عِنْد بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ تَأْوِيلِ الْأَمْوَالِ أَوْ عَوْدًا إِلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا أَكْثَرُ أَوْ كَانَ وُجُودُهَا فِي زَمَنِهِمْ أَكْثَرُ مِنَ الذَّهَبِ أَوْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِبَيَانِ حَالِهَا عَنْ بَيَانِ حَالِ الذَّهَبِ وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ رِعَايَةُ لَفْظِ الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ يُنْفِقُونَهَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَفْرَدَ ذَهَابًا إِلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُمْلَةٌ وَافِيَةٌ وَقِيلَ الْمَعْنَى وَلَا يُنْفِقُونَهَا وَالذَّهَبُ كَذَلِكَ وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ وَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ أَيْ وَقَيَّارٌ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ هَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى الِاكْتِنَازِ وَهُوَ حَبْسُ مَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ عَنِ الْمُوَاسَاةِ بِهِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ وَقُدِّرَتْ نُصُبُ الزَّكَاةِ فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِنُزُولِ الزَّكَاةِ بَيَانُ نُصُبِهَا وَمَقَادِيرِهَا لَا إِنْزَالُ أَصْلهَا وَالله أعلم وَقَول بن عُمَرَ لَا أُبَالِي لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِ بن عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى مَالٍ تَحْتَ يَدِ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ أَوْ يَكُونَ لَهُ لَكِنَّهُ مِمَّنْ يُرْجَى فَضْلُهُ وَتُطْلَبُ عَائِدَتُهُ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَدَّخِرَ عَنِ الْمُحْتَاجِينَ مِنْ رَعِيَّتِهِ شَيْئًا وَيُحْمَلَ حَدِيثُ بن عُمَرَ عَلَى مَالٍ يَمْلِكُهُ قَدْ أَدَّى زَكَاتَهُ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ لِيَصِلَ بِهِ قَرَابَتَهُ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يَحْمِلُ الْحَدِيثَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَلَا يرى بادخار شَيْء أصلا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَرَدَتْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ آثَارٌ كثير تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مَجْمُوعٍ يَفْضُلُ عَنِ الْقُوتِ وَسَدَادِ الْعَيْشِ فَهُوَ كَنْزٌ يُذَمُّ فَاعِلُهُ وَأَنَّ آيَةَ الْوَعِيدِ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَمَلُوا الْوَعِيدَ عَلَى مَانِعِي الزَّكَاةِ وَأَصَحُّ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ حَدِيثُ طَلْحَةَ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ كَمَا تقدم عَن بن عمر وَقد اسْتدلَّ لَهُ بن بَطَّالٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفو أَيْ مَا فَضَلَ عَنِ الْكِفَايَةِ فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ الشِّدَّةُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ ثُمَّ يُرَخِّصُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَسْمَعُ الرُّخْصَةَ وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي البَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أبي سعيد فِي تَقْدِيرِ نُصُبِ زَكَاةِ الْوَرِقِ وَغَيْرِهِ





[ قــ :1351 ... غــ :1405] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ تَعَقَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ بِأَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ نَجْدَةَ خَالَفَ إِسْحَاقَ بْنَ يَزِيدَ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَحَمَّادٌ وَرَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ وَهِشَامُ بْنُ خَالِدٍ جَمِيعًا عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى غَيْرَ مَنْسُوبٍ.

     وَقَالَ  الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ رَوَاهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْيَمَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَنْهُ الْخَلْقُ وَقَدْ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ عَنْ شُعَيْبٍ فَقَالَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ انْتَهَى وَقَدْ تَابَعَ إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيَّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ شُعَيْبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ دَلَّتْ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مَوْهُومَةٌ أَوْ مُدَلَّسَةٌ وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهَا الْبُخَارِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى بَعْدَ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ بَابًا ثَانِيَهَا حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ مَعَ مُعَاوِيَةَ





[ قــ :135 ... غــ :1406] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ هُشَيْمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ مَشَايِخِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ طِبْرَاخٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ وَوَقَعَ فِي أَطْرَافِ الْمِزِّيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيِّ وَهُوَ خَطَأٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ هُوَ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْمُخَضْرَمِينَ .

     قَوْلُهُ  بِالرَّبَذَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُعْجَمَةِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ نَزَلَ بِهِ أَبُو ذَرٍّ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ وَمَاتَ بِهِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبَبُ نُزُولِهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مُبْغِضِي عُثْمَانَ كَانُوا يُشَنِّعُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَفَى أَبَا ذَرٍّ وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو ذَرٍّ أَنَّ نُزُولَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ نَعَمْ أَمَرَهُ عُثْمَانُ بِالتَّنَحِّي عَنِ الْمَدِينَةِ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي خَافَهَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ مَذْهَبِهِ الْمَذْكُورِ فَاخْتَارَ الرَّبَذَةَ وَقَدْ كَانَ يَغْدُو إِلَيْهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَفِيهِ قِصَّةٌ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ وَرَوَيْنَا فِي فَوَائِدِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ جَذْلَمٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ فَحَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَعْنِي الْخَوَارِجَ فَقَالَ إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ ائْذَنْ لِي بِالرَّبَذَةِ قَالَ نَعَمْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ دُونَ آخِرِهِ.

     وَقَالَ  بَعْدَ قَوْلِهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ وَلَا أُدْرِكُهُمْ سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ وَاللَّهِ لَوْ أَمَرْتنِي أَنْ أَقُومَ مَا قعدت وَفِي طَبَقَات بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالُوا لِأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَعَلَ بِكَ وَفَعَلَ هَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَنَا رَايَةً يَعْنِي فَنُقَاتِلُهُ فَقَالَ لَا لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ سَيَّرَنِي مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ بِالشَّامِ يَعْنِي بِدِمَشْقَ وَمُعَاوِيَةُ إِذْ ذَاكَ عَامِلُ عُثْمَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ بَيَّنَ السَّبَبَ فِي سُكْنَاهُ الشَّامَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَ الْبِنَاءُ أَيْ بِالْمَدِينَةِ سَلْعًا فارْتَحِلْ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا بَلَغَ الْبِنَاءُ سَلْعًا قَدِمْتُ الشَّامَ فَسَكَنْتُ بِهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ وَعِنْدَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ إِنَّهُ يُؤْذِينَا فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ لَا وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَنْ بَقِيَ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ وَأَنَا بَاقٍ على عَهده قَالَ فَأمره أَنْ يَلْحَقَ بِالشَّامِ وَكَانَ يُحَدِّثُهُمْ وَيَقُولُ لَا يَبِيتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِلَّا مَا يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ يَعُدُّهُ لِغَرِيمٍ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ إِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمْ عَلَيَّ فَقَدِمَ .

     قَوْلُهُ  فِي وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ فَقَرَأْتُ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ مَا هَذِهِ فِينَا .

     قَوْلُهُ  فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُمْ كَثُرُوا عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِ مِنَ الشَّامِ قَالَ فَخَشِيَ عُثْمَانُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا خَشِيَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ .

     قَوْلُهُ  إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتُ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ فَقَالَ لَهُ تَنَحَّ قَرِيبا قَالَ وَاللَّهِ لَنْ أَدَعَ مَا كُنْتُ أَقُولُهُ وَكَذَا لِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ عَنْ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ وَاللَّهِ لَا أَدَعُ مَا.

قُلْتُ .

     قَوْلُهُ  حَبَشِيًّا فِي رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ أَيِ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ قَالَ آتِي الشَّامَ قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهَا قَالَ أَعُودُ إِلَيْهِ أَيِ الْمَسْجِدَ قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ قَالَ أضْرب بسيفي قَالَ أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقْرَبُ رُشْدًا قَالَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَتَنْسَاقُ لَهُمْ حَيْثُ سَاقُوكَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ إِنْكَارَ أَبِي ذَرٍّ كَانَ عَلَى السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْمَالَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا يُنْفِقُونَهُ فِي وَجْهِهِ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِالْإِبْطَالِ لِأَنَّ السَّلَاطِينَ حِينَئِذٍ كَانُوا مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخُونُوا.

قُلْتُ لِقَوْلِهِ مَحْمَلٌ وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حِينَئِذٍ مَنْ يَفْعَلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِاتِّفَاقِ أَبِي ذَرٍّ وَمُعَاوِيَةَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَفِيهِ مُلَاطَفَةُ الْأَئِمَّةِ لِلْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَجْسُرْ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ حَتَّى كَاتَبَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فِي أَمْرِهِ وَعُثْمَانُ لَمْ يَحْنَقْ عَلَى أَبِي ذَرٍّ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي تَأْوِيلِهِ وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنَ الشِّقَاقِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالتَّرْغِيبُ فِي الطَّاعَةِ لِأُولِي الْأَمْرِ وَأَمْرُ الْأَفْضَلِ بِطَاعَةِ الْمَفْضُولِ خَشْيَةَ الْمَفْسَدَةِ وَجَوَازُ الِاخْتِلَافِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْأَخْذُ بِالشِّدَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فِرَاقِ الْوَطَنِ وَتَقْدِيمِ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّ فِي بَقَاءِ أَبِي ذَرٍّ بِالْمَدِينَةِ مَصْلَحَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ بَثِّ عِلْمِهِ فِي طَالِبِ الْعِلْمِ وَمَعَ ذَلِكَ فَرَجَحَ عِنْدَ عُثْمَانَ دَفْعُ مَا يُتَوَقَّعُ مِنَ الْمَفْسَدَةِ مِنَ الْأَخْذِ بِمَذْهَبِهِ الشَّدِيدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ مُجْتَهِدًا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :1353 ... غــ :1407] قَوْله حَدثنَا عَيَّاش هُوَ بن الْوَلِيد الرقام وَعبد الْأَعْلَى هُوَ بن عَبْدِ الْأَعْلَى وَالْجُرَيْرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ هُوَ سَعِيدٌ وَأَبُو الْعَلَاءِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَأَرْدَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْإِسْنَادَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْهُ لِتَصْرِيحِ عبد الصَّمد وَهُوَ بن عَبْدِ الْوَارِثِ فِيهِ بِتَحْدِيثِ أَبِي الْعَلَاءِ لِلْجُرَيْرِيِّ وَالْأَحْنَفِ لِأَبِي الْعَلَاءِ وَقَدْ رَوَى الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ يَزِيدَ الْمَذْكُورِ عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ طَرَفًا مِنْ آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ لِحَدِيثِ الْأَحْنَفِ لِأَنَّ حَدِيثَ الْأَحْنَفِ أَتَمُّ سِيَاقًا وَأَكْثَرُ فَوَائِدَ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ لِيَزِيدَ فِيهِ شَيْخَانِ .

     قَوْلُهُ  جَلَسْتُ إِلَى مَلَأٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَمَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ .

     قَوْلُهُ  خَشِنُ الشَّعْرِ إِلَخْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِمُعْجَمَتَيْنِ مِنَ الْخُشُونَةِ وَلِلْقَابِسِيِّ بِمُهْمَلَتَيْنِ مِنَ الْحُسْنِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَخْشَنُ الثِّيَابِ أَخْشَنُ الْجَسَدِ أَخْشَنُ الْوَجْهِ فَقَامَ عَلَيْهِمْ وَلِيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنِ الْأَحْنَف قدمت الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ آدَمُ طِوَالٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَقَالُوا هَذَا أَبُو ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  بَشِّرِ الْكَانِزِينَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَشِّرِ الْكَنَّازِينَ .

     قَوْلُهُ  بِرَضْفٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ هِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ وَاحِدُهَا رَضْفَةٌ .

     قَوْلُهُ  نُغْضُ بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ الْعَظْمُ الدَّقِيقُ الَّذِي عَلَى طَرَفِ الْكَتِفِ أَوْ عَلَى أَعلَى الْكَتِفِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الشَّاخِصُ مِنْهُ وَأَصْلُ النُّغْضِ الْحَرَكَةُ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ نُغْضًا لِأَنَّهُ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ .

     قَوْلُهُ  يَتَزَلْزَلُ أَيْ يَضْطَرِبُ وَيَتَحَرَّكُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَيَتَجَلْجَلُ بِجِيمَيْنِ وَزَادَ إِسْمَاعِيل فِي هَذِه الرِّوَايَة فَوضع الْقَوْم رؤوسهم فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا قَالَ فَأَدْبَرَ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ عَنِ الْأَحْنَفِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا أَبُو ذَرٍّ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا شَيْءٌ سَمِعْتُكَ تَقُولُهُ قَالَ مَا.

قُلْتُ إِلَّا شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الْبَاهِلِيِّ عَنِ الْأَحْنَفِ كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَفِرُّ مِنْهُ النَّاسُ حِينَ يَرَوْنَهُ.

قُلْتُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ.

قُلْتُ مَا نَفَّرَ النَّاسَ عَنْكَ قَالَ إِنِّي أَنْهَاهُمْ عَنِ الْكُنُوزِ الَّتِي كَانَ يَنْهَاهُمْ عَنْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا وَقَولُهُ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ فَقُلْتُ مَا لَكَ وَلِإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ لَا تَعْتَرِيهِمْ وَلَا تُصِيبُ مِنْهُمْ قَالَ وَرَبِّكَ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا إِلَخْ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ وَمَنْ خَلِيلُكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلُ قَالَ هُوَ أَبُو ذَرٍّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ كَأَنَّهُ قَالَ خَلِيلِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَقَطَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ فَقَطْ وَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ظَنَّهَا مُكَرَّرَةً فَحَذَفَهَا وَلَا بُدَّ مِنَ إِثْبَاتِهَا .

     قَوْلُهُ  يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أَحَدًا وَهُوَ حَدِيثٌ مُسْتَقِلٌّ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إِلَّا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ أَبُو ذَرٍّ لِلْأَحْنَفِ لِتَقْوِيَةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَمِّ اكْتِنَازِ الْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرْجَمَةِ الَّتِي تليه فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ هُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي ذَرٍّ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا لِكَلَامِهِ وَلِرَبْطِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ بَاب إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ وَأَوْرَدَ فِيهِ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ لِأَنَّ جَمْعَ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنِ الْجَامِعُ مسؤول عَنْهُ وَفِي الْمُحَاسَبَةِ خَطَرٌ وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ أَسْلَمَ وَمَا وَرَدَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي تَحْصِيلِهِ وَإِنْفَاقِهِ فِي حَقِّهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَثِقَ بِأَنَّهُ يَجْمَعُهُ مِنَ الْحَلَالِ الَّذِي يَأْمَنُ خَطَرَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَنْفَقَهُ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا كَمَا تَقَدَّمَ شَاهِدُهُ فِي حَدِيثِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِلْمِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى جَوَازِ إِنْفَاقِ جَمِيعِ الْمَالِ وَبَذْلِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْخُرُوجِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى حِرْمَانِ الْوَارِثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا منع مِنْهُ الشَّرْع