فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم

( قَولُهُ بَابُ إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَيْ فَصَدَقَتُهُ مَقْبُولَةٌ)


[ قــ :1366 ... غــ :1421] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْغَرَائِبِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ بن لَهِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .

     قَوْلُهُ  لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ وَكَرَّرَ كَذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَقَبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَقَولُهُ لَأَتَصَدَّقَنَّ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ كَالنَّذْرِ مَثَلًا وَالْقَسَمُ فِيهِ مُقَدَّرٌ كَأَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ لَأَتَصَدَّقَنَّ .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ أَيْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ سَارِقٌ .

     قَوْلُهُ  فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَيَّةَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى سَارِق وَفِي رِوَايَة بن لَهِيعَةَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى فُلَانٍ السَّارِقِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ تَسْمِيَةَ أَحَدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمْ وَقَولُهُ تُصُدِّقَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَيْ لَا لِي لِأَنَّ صَدَقَتِي وَقَعَتْ بِيَدِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فَلَكَ الْحَمْدُ حَيْثُ كَانَ ذَلِك بإرادتك أَي لَا بِإِرَادَتِي فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ كُلَّهَا جَمِيلَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا عَزَمَ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مُسْتَحِقٍّ فَوَضَعَهَا بِيَدِ زَانِيَةٍ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهَا أَوْ أَجْرَى الْحَمْدَ مَجْرَى التَّسْبِيحِ فِي اسْتِعْمَالِهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ فَلَمَّا تَعَجَّبُوا مِنْ فِعْلِهِ تَعَجَّبَ هُوَ أَيْضًا فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ أَيْ الَّتِي تَصَدَّقْتُ عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ فَأَبْعَدُ مِنْهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ سَلَّمَ وَفَوَّضَ وَرَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّهُ الْمَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ الْحَالِ لَا يُحْمَدُ عَلَى الْمَكْرُوهِ سِوَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى مَا لَا يُعْجِبُهُ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ .

     قَوْلُهُ  فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَأَتَى فِي مَنَامِهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْهُ وَكَذَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُعَيْبٍ وَفِيهِ تَعْيِينُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذكرهَا بن التِّينِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  أُتِيَ أَيْ أُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَوْ سَمِعَ هَاتِفًا مَلَكًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ نَبِيٌّ أَوْ أَفْتَاهُ عَالِمٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَوْ أَتَاهُ مَلَكٌ فَكَلَّمَهُ فَقَدْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تُكَلِّمُ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَقَدْ ظَهَرَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا كُلَّهَا لَمْ تَقَعْ إِلَّا النَّقْلَ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ زَادَ أَبُو أُمَيَّةَ فَقَدْ قُبِلَتْ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بن عقبَة وبن لَهِيعَةَ أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَبِلَ صَدَقَتَكَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مُخْتَصَّةً بِأَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَلِهَذَا تَعَجَّبُوا مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَفِيهِ أَنَّ نِيَّةَ الْمُتَصَدِّقِ إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً قُبِلَتْ صَدَقَتُهُ وَلَوْ لَمْ تَقَعِ الْمَوْقِعَ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِجْزَاءِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفَرْضِ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَلَا عَلَى الْمَنْعِ وَمِنْ ثَمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا تَضَمَّنَ قِصَّةً خَاصَّةً وَقَعَ الِاطِّلَاعُ فِيهَا عَلَى قَبُولِ الصَّدَقَةِ بِرُؤْيَا صَادِقَةٍ اتِّفَاقِيَّةٍ فَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّنْصِيصَ فِي هَذَا الْخَبرِ عَلَى رَجَاءِ الِاسْتِعْفَافِ هُوَ الدَّالُّ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ فَيَقْتَضِي ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَفِيهِ فَضْلُ صَدَقَةِ السِّرِّ وَفَضْلُ الْإِخْلَاصِ وَاسْتِحْبَابُ إِعَادَةِ الصَّدَقَةِ إِذَا لَمْ تَقَعِ الْمَوْقِعَ وَأَنَّ الْحُكْمَ لِلظَّاهِرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ سِوَاهُ وَبَرَكَةُ التَّسْلِيمِ وَالرِّضَا وَذَمُّ التَّضَجُّرِ بِالْقَضَاءِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا تَقْطَعِ الْخِدْمَةَ وَلَوْ ظَهَرَ لَكَ عَدَمُ الْقَبُولِ