فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب مثل المتصدق والبخيل

( قَولُهُ بَابُ مَثَلُ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَامَ التَّمْثِيلُ فِي خَبَرِ الْبَابِ مَقَامَ الدَّلِيلِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى الْبَخِيلِ فَاكْتفى المُصَنّف بذلك على أَنْ يُضَمِّنَ التَّرْجَمَةَ مَقَاصِدَ الْخَبَرِ عَلَى التَّفْصِيلِ



[ قــ :1386 ... غــ :1443] قَوْله حَدثنَا مُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي وبن طَاوُسٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَلَمْ يَسُقِ الْمَتْنَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ الْأُولَى هُنَا وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي الْجِهَادِ عَنْ مُوسَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ قَوْله أَن عبد الرَّحْمَن هُوَ بن هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ .

     قَوْلُهُ  مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ قَالَ عِيَاضٌ وَهُوَ وَهَمٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَذَفَ مُقَابِلَهُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ.

قُلْتُ قَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَأَحْمَدُ وبن أبي عمر وَغَيرهم فِي مسانيدهم عَن بن عُيَيْنَةَ فَقَالُوا فِي رِوَايَتِهِمْ مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ أَخْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ فِي اللِّبَاسِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَمَنْ رَوَاهُ فِيهَا بِالنُّونِ فَقَدْ صَحَّفَ وَكَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ طَاوُسٍ بِالنُّونِ وَرُجِّحَتْ لِقَوْلِهِ مِنْ حَدِيدٍ وَالْجُنَّةُ فِي الْأَصْلِ الْحِصْنُ وَسُمِّيَتْ بِهَا الدِّرْعُ لِأَنَّهَا تُجِنُّ صَاحِبَهَا أَيْ تُحَصِّنُهُ وَالْجُبَّةُ بِالْمُوَحَّدَةِ ثَوْبٌ مَخْصُوصٌ وَلَا مَانِعَ مِنَ إِطْلَاقِهِ عَلَى الدِّرْعِ وَاخْتُلِفَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا بِالْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  مِنْ ثُدَيِّهِمَا بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ ثدي وتراقيهما بِمُثَنَّاةٍ وَقَافٍ جَمْعُ تَرْقُوَةٍ .

     قَوْلُهُ  سَبَغَتْ أَيْ امْتَدَّتْ وَغَطَّتْ .

     قَوْلُهُ  أَوْ وَفَرَتْ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنَ الْوُفُورِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ انْبَسَطَتْ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ أَيْ تَسْتُرُ أَصَابِعَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ حَتَّى تُجِنَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ بِمَعْنَى تُخْفِي وَذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْبُخَارِيِّ كَرِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ وَبَنَانُهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَنُونَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ الْإِصْبَعُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ثِيَابُهُ بِمُثَلَّثَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ حَتَّى تُغَشِّيَ بِمُعْجَمَتَيْنِ أَنَامِلَهُ .

     قَوْلُهُ  وَتَعْفُو أَثَرَهُ بِالنَّصْبِ أَيْ تَسْتُرُ أَثَرَهُ يُقَالُ عَفَا الشَّيْءُ وَعَفَوْتُهُ أَنَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ وَيُقَالُ عَفَتِ الدَّارُ إِذَا غَطَّاهَا التُّرَابُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَسْتُرُ خَطَايَاهُ كَمَا يُغَطِّي الثَّوْبُ الَّذِي يُجَرُّ عَلَى الْأَرْضِ أَثَرَ صَاحِبِهِ إِذَا مَشَى بِمُرُورِ الذَّيْلِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  لَزِقَتْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ انْقَبَضَتْ وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ غَاصَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَلَصَتْ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْمُفَادُ وَاحِدٌ لَكِنَّ الْأُولَى نَظَرَ فِيهَا إِلَى صُورَةِ الضِّيقِ وَالْأَخِيرَةِ نَظَرَ فِيهَا إِلَى سَبَبِ الضِّيقِ وَزعم بن التِّينِ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْبَخِيلَ يُكْوَى بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ فَشَبَّهَهُمَا بِرَجُلَيْنِ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَلْبَسَ دِرْعًا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْ سِلَاحِ عَدُّوِهِ فَصَبَّهَا عَلَى رَأْسِهِ لِيَلْبَسَهَا وَالدُّرُوعُ أَوَّلُ مَا تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَالثَّدْيَيْنِ إِلَى أَنْ يُدْخِلَ الْإِنْسَانُ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهَا فَجَعَلَ الْمُنْفِقَ كَمَنْ لَبِسَ دِرْعًا سَابِغَةً فَاسْتَرْسَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى سَتَرَتْ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى تَعْفُوَ أَثَرَهُ أَيْ تَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَجُعِلَ الْبَخِيلُ كَمَثَلِ رَجُلٍ غُلَّتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ كُلَّمَا أَرَادَ لُبْسَهَا اجْتَمَعَتْ فِي عُنُقِهِ فَلَزِمَتْ تَرْقُوَتَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ قَلَصَتْ أَيْ تَضَامَّتْ وَاجْتَمَعَتْ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَوَادَ إِذَا هَمَّ بِالصَّدَقَةِ انْفَسَحَ لَهَا صَدْرُهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ فَتَوَسَّعَتْ فِي الْإِنْفَاقِ وَالْبَخِيلُ إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالصَّدَقَةِ شَحَّتْ نَفْسُهُ فَضَاقَ صَدْرُهُ وَانْقَبَضَتْ يَدَاهُ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ يَسْتُرُ الْمُنْفِقَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِخِلَافِ الْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَفْضَحُهُ وَمَعْنَى تَعْفُو أَثَرَهُ تَمْحُو خَطَايَاهُ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ جَاءَ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ كَائِنٍ قَالَ وَقِيلَ هُوَ تَمْثِيلٌ لِنَمَاءِ الْمَالِ بِالصَّدَقَةِ وَالْبُخْلِ بِضِدِّهِ وَقِيلَ تَمْثِيلٌ لِكَثْرَةِ الْجُودِ وَالْبُخْلِ وَأَنَّ الْمُعْطِيَ إِذَا أَعْطَى انْبَسَطَتْ يَدَاهُ بِالْعَطَاءِ وَتَعَوَّدَ ذَلِكَ وَإِذَا أَمْسَكَ صَارَ ذَلِكَ عَادَةً.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ قَيَّدَ الْمُشَبَّهَ بِهِ بِالْحَدِيدِ إِعْلَامًا بِأَنَّ الْقَبْضَ وَالشِّدَّةَ مِنْ جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ وَأَوْقَعَ الْمُتَصَدِّقَ مَوْقِعَ السَّخِيِّ لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَخِيلِ إِشْعَارًا بِأَنَّ السَّخَاءَ هُوَ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعَ وَنَدَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ لَا مَا يَتَعَانَاهُ الْمُسْرِفُونَ .

     قَوْلُهُ  فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ وَهَذَا يُوهِمُ أَنْ يَكُونَ مُدْرَجًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِرَفْعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ أبي هُرَيْرَة فَفِي رِوَايَة بن طَاوُسٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا وَلَا تَتَّسِعُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَسَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمَا فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا فِي جَيْبِهِ فَلَوْ رَأَيْتُهُ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَإِنَّهَا لَا تَزْدَادُ عَلَيْهِ إِلَّا اسْتِحْكَامًا وَهَذَا بِالْمَعْنَى .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال حَنْظَلَةُ عَنْ طَاوُسٍ ذَكَرَهُ فِي اللِّبَاسِ أَيْضًا تَعْلِيقًا بِلَفْظِ.

     وَقَالَ  حَنْظَلَةُ سَمِعْتُ طَاوُسًا سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ حَنْظَلَةَ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ هُوَ بن ربيعَة وبن هُرْمُزَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ وَلَمْ تَقَعْ لي رِوَايَةُ اللَّيْثِ مَوْصُولَةٌ إِلَى الْآنَ وَقَدْ رَأَيْته عَنهُ بِإِسْنَاد آخر أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ عَنِ اللَّيْث عَن بن عجلَان عَن أبي الزِّنَاد بِسَنَدِهِ