فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الكلام في الطواف

( قَولُهُ بَابُ الْكَلَامِ فِي الطَّوَافِ)
أَيْ إِبَاحَتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ لَا بِمُطْلَقِ الْكَلَامِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إِلَّا بِخَيْرٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حبَان وَقد استنبط مِنْهُ بن عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ فَيَكُونُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَفْضَلَ قَالَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَجُّ عَرَفَةُ فَلَا يَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ مُعْظَمُ الْحَجِّ عَرَفَةُ بَلْ يَجُوزُ إِدْرَاكُ الْحَجِّ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَمَا لَا يَتَقَوَّمُ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَنْجَبِرُ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ فَلَا تَفْضِيلَ



[ قــ :1553 ... غــ :1620] .

     قَوْلُهُ  بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ زَادَ أَحْمَدُ عَن عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ إِلَى إِنْسَانٍ آخَرَ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ من طَرِيق حجاج عَن بن جُرَيْجٍ بِإِنْسَانٍ قَدْ رَبَطَ يَدَهُ بِإِنْسَانٍ .

     قَوْلُهُ  بِسَيْرٍ بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا يُقَدُّ مِنَ الْجِلْدِ وَهُوَ الشِّرَاكُ .

     قَوْلُهُ  أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ كَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَضْبِطْ مَا كَانَ مَرْبُوطًا بِهِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ رَجُلَيْنِ وَهُمَا مُقْتَرِنَانِ فَقَالَ مَا بَالُ الْقِرَانِ قَالَا إِنَّا نَذَرْنَا لَنَقْتَرِنَنَّ حَتَّى نَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَقَالَ أَطْلِقَا أَنْفُسَكُمَا لَيْسَ هَذَا نَذْرًا إِنَّمَا النَّذْرُ مَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَإِسْنَادُهُ إِلَى عَمْرٍو حَسَنٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ صَرِيحًا إِلَّا أَنَّ فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ثُمَّ لَقِيَهُ هُوَ وَابْنَهُ طَلْقَ بْنَ بِشْرٍ مُقْتَرِنَيْنِ بِحَبْلٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ حَلَفْتُ لَئِنْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ مَالِي وَوَلَدِي لَأَحُجَّنَّ بَيْتَ اللَّهِ مَقْرُونًا فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَبْلَ فَقَطَعَهُ.

     وَقَالَ  لَهُمَا حُجَّا إِنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِشْرٌ وَابْنُهُ طَلْقٌ صَاحِبَيْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ قِيلَ اسْمُ الرَّجُلِ الْمَقُودِ هُوَ ثَوَابٌ ضِدَّ الْعِقَابِ انْتَهَى وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ .

     قَوْلُهُ  قُدْ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ فِعْلُ أَمْرٍ وفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ قُدْهُ بِإِثْبَاتِ هَاءِ الضَّمِيرِ وَهُوَ لِلرَّجُلِ الْمَقُودِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَطْعُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السَّيْرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إِزَالَةُ هَذَا الْمُنْكَرِ إِلَّا بِقَطْعِهِ أَوْ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى صَاحِبِهِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ.

قُلْتُ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثَيْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَخَلِيفَةَ بْنِ بشر.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ يَجُوزُ لِلطَّائِفِ فِعْلُ مَا خَفَّ مِنَ الْأَفْعَالِ وَتَغْيِيرُ مَا يَرَاهُ الطَّائِفُ مِنَ الْمُنْكَرِ وَفِيهِ الْكَلَامُ فِي الْأُمُور الْوَاجِبَة والمستحبة والمباحة قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَوْلَى مَا شَغَلَ الْمَرْءُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الطَّوَافِ ذِكْرُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ إِلَّا أَنَّ الذِّكْرَ أَسْلَمُ وَحكى بن التِّينِ خِلَافًا فِي كَرَاهَةِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ وَعَنْ مَالك تَقْيِيد الْكَرَاهَة بِالطّوافِ الْوَاجِب قَالَ بن الْمُنْذر وَاخْتلفُوا فِي الْقِرَاءَة فَكَانَ بن الْمُبَارَكِ يَقُولُ لَيْسَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَفَعَلَهُ مُجَاهِدٌ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَيَّدَهُ الْكُوفِيُّونَ بِالسِّرِّ وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ وَالْحَسَنِ كَرَاهَتُهُ وَعَنْ عَطَاءٍ وَمَالِكٍ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَعَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا أَخْفَاهُ وَلَمْ يكثر مِنْهُ قَالَ بن الْمُنْذِرِ مَنْ أَبَاحَ الْقِرَاءَةَ فِي الْبَوَادِي وَالطُّرُقِ وَمَنَعَهُ فِي الطَّوَافِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَنَقَلَ بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ نَذَرَ مَا لَا طَاعَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ قُدْهُ بِيَدِهِ انْتَهَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ لَهُ بِأَنْ يَقُودَهُ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا أَنْكَرَهُ مِنَ النَّذْرِ فَمُتَعَقَّبٌ بِمَا فِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِث عَن بن جُرَيْجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ نَذْرٌ وَلِهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَبْوَابِ النَّذْرِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَشْرُوحًا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى