فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الجمع بين الصلاتين بعرفة

( قَولُهُ بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ)
لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَكُونُ مُسَافِرًا بِشَرْطِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْجَمْعَ بِعَرَفَةَ جَمْعٌ لِلنُّسُكِ فَيَجُوزُ لكل أحد وروى بن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ سَمِعت بن الزُّبَيْرِ يَقُولُ إِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنَّ الْإِمَامَ يَرُوحُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَخْطُبُ فَيَخْطُبُ النَّاسَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ إِلَخْ وَصَلَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي الْمَنَاسِكِ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَوْضِيُّ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّ نَافِعًا حَدثهُ أَن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْإِمَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي مَنْزِلِهِ وَأَخْرَجَ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيِّ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ بن الْمُنْذِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا يَخْتَصُّ الْجَمْعُ بِمَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَخَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَاهُ وَالطَّحَاوِيُّ وَمن أقوى الْأَدِلَّة لَهُم صَنِيع بن عُمَرَ هَذَا وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَجْمَعُ وَحْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ وَمِنْ قواعدهم أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا خَالَفَ مَا رَوَى دَلَّ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا بِأَنَّ مُخَالِفَهُ أَرْجَحُ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا هُنَا وَهَذَا فِي الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ.
وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ تَأْخِيرُهَا إِلَى الْعِشَاءِ فَلَوْ صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ أَعَادَ وَعَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ لِمَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عُذْرٌ فَيُصَلِّيهَا لَكِنْ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَعَنِ الْمُدَوَّنَةِ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ جَمْعًا وَكَذَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَعَنْ أَشْهَبَ إِنْ جَاءَ جَمْعًا قَبْلَ الشَّفق جمع.

     وَقَالَ  بن الْقَاسِمِ حَتَّى يَغِيبَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا قَبْلَ جَمْعٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ نَزَلَهَا أَوْ أَفْرَدَ أَجْزَأَ وَفَاتَتِ السُّنَّةُ وَاخْتِلَافُهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ لِلنُّسُكِ أَوْ لِلسَّفَرِ



[ قــ :1592 ... غــ :1662] .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ إِلَخْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَأَبِي صَالِحٍ جَمِيعًا عَنِ اللَّيْث قَوْله سَأَلَ عبد الله يَعْنِي بن عمر قَوْله فَهجر بِالصَّلَاةِ أَي صلى بِالْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأن بن عُمَرَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ وَلَدِهِ سَالِمٍ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ أَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَعًا فَأَجَابَ بِذَلِكَ فَطَابَقَ كَلَامَ وَلَدِهِ.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيُّ .

     قَوْلُهُ  فِي السُّنَّةِ هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَجْمَعُونَ أَيْ مُتَوَغِّلِينَ فِي السُّنَّةِ قَالَهُ تَعْرِيضًا بِالْحَجَّاجِ .

     قَوْلُهُ  فَقلت لسالم الْقَائِل هُوَ بن شِهَابٍ وَقَولُهُ أَفَعَلَ بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ وَقَولُهُ وهَلْ يَتَّبِعُونَ بِذَلِكَ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنَ الْأَتْبَاعِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ يَبْتَغُونَ فِي ذَلِكَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ مِنَ الِابْتِغَاءِ أَيْ لَا يَطْلُبُونَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ إِلَّا سُنَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ بِحَذْفِ فِي وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ