فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الوقوف بعرفة

( قَولُهُ بَابُ التَّعْجِيلِ إِلَى الْمَوْقِفِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ بِغَيْرِ حَدِيثٍ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ أَصْلًا وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا مَا لَفْظُهُ يَدْخُلُ فِي الْبَابِ حَدِيثُ مَالك عَن بن شِهَابٍ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ فِيهِ غَيْرَ مُعَادٍ يَعْنِي حَدِيثًا لَا يَكُونُ تَكَرَّرَ كُلُّهُ سَنَدًا وَمَتْنًا.

قُلْتُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ أَصْلَ قَصْدِهِ أَنْ لَا يُكَرَّرَ فَيُحْمَلَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ تَكْرَارِ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ هُنَاكَ مُغَايَرَةٌ إِمَّا فِي السَّنَدِ وَإِمَّا فِي الْمَتْنِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَنْ شَيْخَيْنِ حَدَّثَاهُ بِهِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مُعَادًا وَلَا مُكَرَّرًا وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ لَكِنِ اخْتَصَرَ مِنَ الْمَتْنِ شَيْئًا أَوْ أَوْرَدَهُ فِي مَوْضِعٍ مَوْصُولًا وَفِي مَوْضِعٍ مُعَلَّقًا وَهَذِهِ الطَّرِيقُ لَمْ يُخَالِفْهَا إِلَّا فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ مَعَ طُولِ الْكِتَابِ إِذَا بَعُدَ مَا بَيْنَ الْبَابَيْنِ بُعْدًا شَدِيدًا وَنَقَلَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ يُزَادُ فِي هَذَا الْبَابِ هَمْ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنِ بن شِهَابٍ وَلَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ فِيهِ مُعَادًا أَيْ مُكَرَّرًا.

قُلْتُ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ حِينَئِذٍ طَرِيقٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ الطَّرِيقَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُ حَدِيثًا إِلَّا لِفَائِدَةٍ إِسْنَادِيَّةٍ أَوْ مَتْنِيَّةٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي نَقَلَهَا الْكِرْمَانِيُّ هَمْ فَهِيَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ قِيلَ إِنَّهَا فَارِسِيَّةٌ وَقِيلَ عَرَبِيَّةٌ وَمَعْنَاهَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى أَيْضًا.

قُلْتُ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ بِبَغْدَادَ بِأَنَّهَا لَفْظَةٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ بَغْدَادَ وَلَيْسَتْ بِفَارِسِيَّةٍ وَلَا هِيَ عَرَبِيَّةٌ قَطْعًا وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ الصَّغَانِيِّ فِي نُسْخَتِهِ الَّتِي أَتْقَنَهَا وَحَرَّرَهَا وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ خُلُوَّ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ قَولُهُ بَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَيْ دُونَ غَيْرِهَا فِيمَا دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ الأول

[ قــ :1594 ... غــ :1664] قَوْله حَدثنَا سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  أَضْلَلْتُ بَعِيرًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِي كَمَا فِي الْأُولَى .

     قَوْلُهُ  فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي يَوْمَ عَرَفَةَ فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ بِعَرَفَةَ فَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  يَوْمَ عَرَفَةَ يَتَعَلَّقُ بِأَضْلَلْتُ فَإِنَّ جُبَيْرًا إِنَّمَا جَاءَ إِلَى عَرَفَةَ لِيَطْلُبَ بِعِيرَهُ لَا لِيَقِفَ بِهَا .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْحُمْسِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ .

     قَوْلُهُ  فَمَا شَأْنه هَا هُنَا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وبن أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ فَمَا لَهُ خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنَ الْحُمْسِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُوهِمُ أَنَّهَا مِنْ أَصْلِ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ بَيَّنَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مَا شَأْنه هَا هُنَا قَالَ سُفْيَانُ وَالْأَحْمَسُ الشَّدِيدُ عَلَى دِينِهِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمَّى الْحُمْسَ وَكَانَ الشَّيْطَانُ قَدِ اسْتَهْوَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّكُمْ إِنْ عَظَّمْتُمْ غَيْرَ حَرَمِكُمُ اسْتَخَفَّ النَّاسُ بِحَرَمِكُمْ فَكَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَرَمِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَا لَهُ خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ قَالَ سُفْيَانُ الْحُمْسُ يَعْنِي قُرَيْشًا وَكَانَتْ تُسَمَّى الْحُمْسَ وَكَانَتْ لَا تُجَاوِزُ الْحَرَمَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ لَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُ بِعَرَفَةَ وَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَفِيضُوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس انْتَهَى وَعُرِفَ بِهَاتَيْنِ الزِّيَادَتَيْنِ مَعْنَى حَدِيثِ جُبَيْرٍ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَهُمَا اسْتِغْنَاءً بِالرِّوَايَةِ عَنْ عُرْوَةَ لَكِنَّ فِي سِيَاقِ سُفْيَانَ فَوَائِدَ زَائِدَةً وَقَدْ روى بعض ذَلِك بن خُزَيْمَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مَوْصُولًا من طَرِيق بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَمِّهِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ إِنَّمَا تَدْفَعُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْحُمْسُ فَلَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ وَقَدْ تَرَكُوا الْمَوْقِفَ بِعَرَفَةَ قَالَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ ثُمَّ يُصْبِحُ مَعَ قَوْمِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَيَقِفُ مَعَهُمْ وَيَدْفَعُ إِذَا دفعُوا وَلَفظ يُونُس بن بكير عَن بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مُخْتَصَرًا وَفِيهِ تَوْفِيقًا مِنَ اللَّهِ لَهُ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ أَيْضًا عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ أَضْلَلْتُ حِمَارًا لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَوَجَدْتُهُ بِعَرَفَةَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ فَلَمَّا أَسْلَمْتُ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ وَفَّقَهُ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحُمْسِ فَرَوَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ بن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَنْ كَانَ يَأْخُذُ مَأْخَذَهَا مِنَ الْقَبَائِلِ كَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَخُزَاعَةَ وَثَقِيفٍ وَغَزْوَانَ وَبَنِي عَامِرٍ وَبَنِي صَعْصَعَةَ وَبَنِي كِنَانَةَ إِلَّا بَنِي بَكْرٍ وَالْأَحْمَسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الشَّدِيدُ وَسُمُّوا بِذَلِكَ لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا إِذَا أَهَلُّوا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَأْكُلُونَ لَحْمًا وَلَا يَضْرِبُونَ وَبَرًا وَلَا شَعْرًا وَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ وَضَعُوا ثِيَابَهُمُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَدَنِيِّ قَالَ سُمُّوا حُمْسًا بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا حَمْسَاءُ حَجَرُهَا أَبْيَضُ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ انْتَهَى وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَأَنَّهُ مِنَ التَّحَمُّسِ وَهُوَ التَّشَدُّدُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى تَحَمَّسَ تَشَدَّدَ وَمِنْهُ حَمِسَ الْوَغَى إِذَا اشْتَدَّ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ رِوَايَةَ جُبَيْرٍ لَهُ لِذَلِكَ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ جُبَيْرٌ وَهُوَ نَظِيرُ رِوَايَتِهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ جُبَيْرٌ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ التَّعَقُّبَ عَلَى السُّهَيْلِيِّ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ رِوَايَةَ جُبَيْرٍ لِذَلِكَ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ انْظُرْ كَيْفَ أَنْكَرَ جُبَيْرٌ هَذَا وَقَدْ حَجَّ بِالنَّاسِ عَتَّابٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَبُو بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ ثُمَّ قَالَ إِمَّا أَنْ يَكُونَا وَقَفَا بِجَمْعٍ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جُبَيْرٌ لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُمَا الْمَوْسِمَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ وَقْفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ وَكَانَ جُبَيْرٌ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ إِنْكَارًا أَوْ تَعَجُّبًا فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ نُزُولُ قَوْله تَعَالَى ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ حِكْمَةِ الْمُخَالَفَةِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْحُمْسُ فَلَا إِشْكَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْفَةٌ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْتُهُ قَبْلُ بِدَلَائِلِهِ وَكَأَنَّهُ تَبِعَ السُّهَيْلِيَّ فِي ظَنِّهِ أَنَّهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ أَوْ وَقَعَ لَهُ اتِّفَاقًا وَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس الْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ سِيَاقِ الْآيَةِ أَنَّهَا الْإِفَاضَةُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِلَفْظَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَمْرِ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ الَّتِي سِيقَتْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ لِمَا وَرَدَ مِنْهُ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تُشْرَعُ الْإِفَاضَةُ مِنْهُ فَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا أَفَضْتُمُ اذْكُرُوا ثُمَّ لِتَكُنْ إِفَاضَتُكُمْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ لَا مِنْ حَيْثُ كَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ أَوِ التَّقْدِيرُ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَهُ وَلْتَكُنْ إِفَاضَتُكُمْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُفِيضُ فِيهِ النَّاسُ غَيْرُ الْحُمْسِ الْحَدِيثُ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  قَالَ عُرْوَةُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ زَادَ مَعْمَرٌ وَكَانَ مِمَّنْ وَلَدَتْ قُرَيْشٌ خُزَاعَةُ وَبَنُو كِنَانَةَ وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ أَنَّ مِنْهُمْ أَيْضًا غَزْوَانَ وَغَيْرَهُمْ وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا خَطَبَ إِلَيْهِمُ الْغَرِيبُ اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنَّ وَلَدَهَا عَلَى دِينِهِمْ فَدَخَلَ فِي الْحُمْسِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ ثَقِيفٌ وَلَيْثٌ وَخُزَاعَةُ وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ يَعْنِي وَغَيْرَهُمْ وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْقَبَائِلِ مَنْ كَانَتْ لَهُ مِنْ أُمَّهَاتِهِ قُرَيْشِيَّةٌ لَا جَمِيعُ الْقَبَائِلِ الْمَذْكُورَةِ





[ قــ :1595 ... غــ :1665] .

     قَوْلُهُ  فَأَخْبَرَنِي أَبِي الْقَائِلُ هُوَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالْمَوْصُولُ مِنَ الْحَدِيثِ هَذَا الْقَدْرُ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمُّ مِنْ هَذَا وَقَولُهُ فَدَفَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَرَفَعُوا بِالرَّاءِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى عَرَفَاتٍ لِيَقِفُوا بِهَا ثُمَّ يُفِيضُوا مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ جُبَيْرٍ سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَعُرِفَ بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفِيضُوا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ كَانَ لايقف بِعَرَفَة من قُرَيْش وَغَيرهم وروى بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ هُنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَنْهُ الْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامُ وَعَنْ غَيْرِهِ آدَمُ وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ النَّاسِي بِكَسْرِ السِّينِ بِوَزْنِ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ نَعَمِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مَوْرُوثٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ كُنَّا وُقُوفًا بِعَرَفَةَ فَأَتَانَا بن مريع فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ الْحَدِيثَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس بَلْ هُوَ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَالسَّبَبُ فِيهِ مَا حَكَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَأَمَّا الْإِتْيَانُ فِي الْآيَةِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ فَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَقِيلَ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ لَا لِمَحْضِ التَّرْتِيبِ وَالْمَعْنَى فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ثُمَّ اجْعَلُوا الْإِفَاضَةَ الَّتِي تُفِيضُونَهَا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ لَا مِنْ حَيْثُ كُنْتُمْ تُفِيضُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَوْقِعُ ثُمَّ هُنَا مَوْقِعُهَا مِنْ قَوْلِكَ أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ ثُمَّ لَا تُحْسِنْ إِلَى غَيْرِ كَرِيمٍ فَتَأْتِي ثُمَّ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْكَرِيمِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ بَيَّنَ لَهُمْ مَكَانَ الْإِفَاضَةِ فَقَالَ ثمَّ أفيضوا لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْإِفَاضَتَيْنِ وَأَنَّ إِحْدَاهُمَا صَوَابٌ وَالْأُخْرَى خَطَأٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَضَمَّنَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس الْأَمْرَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْد اجْتِمَاع قبله وَكَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَزَادَ وَبَيَّنَ الشَّارِعُ مُبْتَدَأَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ومنتهاه