فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من قلد القلائد بيده

(قَولُهُ بَابُ مَنْ قَلَّدَ الْقَلَائِدَ بِيَدِهِ)
أَيِ الْهَدَايَا وَلَهُ حَالَانِ إِمَّا أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ وَيَقْصِدَ النُّسُكَ فَإِنَّمَا يُقَلِّدُهَا وَيُشْعِرُهَا عِنْدَ إِحْرَامِهِ وَإِمَّا أَنْ يَسُوقَهُ وَيُقِيمَ فَيُقَلِّدَهَا مِنْ مَكَانِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبَابِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يُقَلِّدُ بِهِ بَعْدَ بَابٍ وَالْغَرَضُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِابْتِدَاءِ التَّقْلِيدِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا بعده قَالَ بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عَائِشَةَ ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدِهِ بَيَانًا لِحِفْظِهَا لِلْأَمْرِ وَمَعْرِفَتِهَا بِهِ ويُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَاوَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَعَلِمَ وَقْتَ التَّقْلِيدِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ يَمْتَنِعُ مِنْهُ الْمُحْرِمُ لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ اسْتَبَاحَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ



[ قــ :1626 ... غــ :1700] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَقَطَ عَمْرٌو مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَعَمْرَةُ هِيَ خَالَةُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْهَا وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَأَنَّ شَيْخَ مَالِكٍ حَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَمَا كَانَ يُقَال لَهُ إِلَّا زِيَاد بن أَبِيهِ وَقَبْلَ اسْتِلْحَاقِ مُعَاوِيَةَ لَهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ عُبَيْدٍ وَكَانَتْ أُمُّهُ سُمَيَّةُ مَوْلَاةَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ الثَّقَفِيِّ تَحْتَ عُبَيْدٍ الْمَذْكُورِ فَوَلَدَتْ زِيَادًا عَلَى فِرَاشِهِ فَكَانَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ شَهِدَ جَمَاعَةٌ عَلَى إِقْرَارِ أَبِي سُفْيَانَ بِأَنَّ زِيَادًا وَلَدَهُ فَاسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ لِذَلِكَ وَزَوَّجَ ابْنَهُ ابْنَتَهُ وَأَمَّرَ زِيَادًا عَلَى الْعِرَاقَيْنِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ جَمَعَهُمَا لَهُ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَن بن زِيَادٍ بَدَلَ قَوْلِهِ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْغَسَّانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَجَمِيعُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَهُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيِي فَاكْتُبِي إِلَيَّ بِأَمْرِكِ زَادَ الطَّحَاوِيّ من رِوَايَة بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَوْ مُرِي صَاحِبَ الْهَدْيِ أَيِ الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ أَيْ بِمَا يَصْنَعُ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ عَمْرَةُ هُوَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ عَنْ عَائِشَةَ الْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ كَمَا مَضَى قَرِيبًا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ عَنْهَا أَيْضًا مَسْرُوقٌ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مُخْتَصَرًا وَأَوْرَدَهُ فِي الضَّحَايَا مُطَوَّلًا وَتَرْجَمَ هُنَاكَ عَلَى حُكْمِ مَنْ أَهْدَى وَأَقَامَ هَلْ يَصِيرُ مُحْرِمًا أَوْ لَا وَلَمْ يُتَرْجِمْ بِهِ هُنَا وَلَفْظُهُ هُنَاكَ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ وَلَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي حَدِيثِ مَسْرُوقٍ قَالَ قلت لعَائِشَة إِن رجَالًا هَا هُنَا يَبْعَثُونَ بِالْهَدْيِ إِلَى الْبَيْتِ وَيَأْمُرُونَ الَّذِي يَبْعَثُونَ مَعَهُ بِمُعَلِّمٍ لَهُمْ يُقَلِّدُهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا يَزَالُونَ مُحْرِمِينَ حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَدِّثٌ عَنْ عَائِشَةَ وَقِيلَ لَهَا إِنَّ زِيَادًا إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَوَلَهُ كَعْبَةٌ يَطُوفُ بِهَا قَالَ وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ زِيَادًا بَعَثَ بِالْهَدْيِ وَتَجَرَّدَ فَقَالَتْ إِنْ كُنْتُ لَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَهُوَ مُقِيمٌ عِنْدَنَا مَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا إِنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ قَالَ رَبِيعَةُ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ بِدعَة وَرب الْكَعْبَة وَرَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الثَّقَفِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ رَبِيعَةَ أخبرهُ أَنه رأى بن عَبَّاسٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ مُتَجَرِّدًا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَذَكَرَهُ فَعُرِفَ بِهَذَا اسْمُ الْمُبْهَمِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَالَ بن التِّين خَالف بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا جَمِيعَ الْفُقَهَاءِ وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَتْهُ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ وَلَعَلَّ بن عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْهُ انْتَهَى وَفِيهِ قُصُورٌ شَدِيدٌ فَإِن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ بَلْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم بن عمر رَوَاهُ بن أبي شيبَة عَن بن علية عَن أَيُّوب وبن الْمُنْذر من طَرِيق بن جريج كِلَاهُمَا عَن نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُلَبِّي وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمسيب عَنهُ نَحْو ذَلِك وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ بِبَدَنَتِهِ أَنَّهُ يُمْسِكُ عَمَّا يمسك عَنهُ الْمحرم وَهَذَا مُنْقَطع.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وبن عمر وبن عَبَّاس وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وبن سِيرِينَ وَآخَرُونَ مَنْ أَرْسَلَ الْهَدْيَ وَأَقَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يحرم على الْمحرم.

     وَقَالَ  بن مَسْعُود وَعَائِشَة وَأنس وبن الزُّبَيْرِ وَآخَرُونَ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحْرِمًا وَإِلَى ذَلِكَ صَارَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَمِنْ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّ قَمِيصَهُ مِنْ جَيْبِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ.

     وَقَالَ  إِنِّي أَمَرْتُ بِبُدْنِيَ الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ الْيَوْمَ وَتُشْعَرَ عَلَى مَكَانِ كَذَا فَلَبِسْتُ قَمِيصِي وَنَسِيتُ فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي الْحَدِيثَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لضعف إِسْنَاده إِلَّا أَن نِسْبَة بن عَبَّاسٍ إِلَى التَّفَرُّدِ بِذَلِكَ خَطَأٌ وَقَدْ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ إِلَّا الْجِمَاعَ لَيْلَةَ جمع رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَعَمْ جَاءَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقر على خلاف مَا قَالَ بن عَبَّاسٍ فَفِي نُسْخَةِ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ أَوَّلُ مَنْ كَشَفَ الْعَمَى عَنِ النَّاسِ وَبَيَّنَ لَهُمُ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ عَائِشَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْهَا قَالَ فَلَمَّا بَلَغَ النَّاسَ قَول عَائِشَة أخذُوا بِهِ وَتركُوا فَتْوَى بن عَبَّاسٍ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْفَتْوَى إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ صَارَ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِهِ الْهَدْي محرما حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ.

     وَقَالَ  أَصْحَابُ الرَّأْيِ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَأَمَّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَلَّدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ قَالَ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ لَا يَصِيرُ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ مُحْرِمًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْي مثل قَول بن عَبَّاسٍ وَهُوَ خَطَأٌ عَلَيْهِمْ فالطَّحَاوِيُّ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْهُ وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ ظَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  بِيَدِي فِيهِ رَفْعُ مَجَازِ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهَا فَتَلَتْ بِأَمْرِهَا .

     قَوْلُهُ  مَعَ أَبِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَبَاهَا أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ وَاسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ وَقْتَ الْبَعْثِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ عَامَ حَجَّ أَبُو بكر بِالنَّاسِ قَالَ بن التِّينِ أَرَادَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ عِلْمَهَا بِجَمِيعِ الْقِصَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ حَجَّ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ فَأَرَادَتْ إِزَالَةَ هَذَا اللَّبْسِ وَأَكْمَلَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ أَيْ وَانْقَضَى أَمْرُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ وَتَرْكُ إِحْرَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْرَى وَأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى فِي وَقْتِ الشُّبْهَةِ فَلَأَنْ يَنْتَفِيَ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ أَوْلَى وَحَاصِل اعْتِرَاض عَائِشَة على بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى مَا أَفْتَى بِهِ قِيَاسًا لِلتَّوْلِيَةِ فِي أَمْرِ الْهَدْيِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ لَهُ فَبَيَّنَتْ عَائِشَةُ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَا اعْتِبَارَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الظَّاهِرَةِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ تَنَاوُلُ الْكَبِيرِ الشَّيْءَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ إِذَا كَانَ مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْ إِقَامَةِ الشَّرَائِعِ وَأُمُورِ الدِّيَانَةِ وَفِيهِ تَعَقُّبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ وَرَدُّ الِاجْتِهَادِ بِالنَّصِّ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّأَسِّي بِهِ حَتَّى تَثْبُتَ الْخُصُوصِيَّةُ
(