فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب يكبر مع كل حصاة

( قَولُهُ بَابُ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ)
قَالَهُ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ بَابٍ



[ قــ :1673 ... غــ :1750] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عبد الْوَاحِد هُوَ بن زِيَاد الْبَصْرِيّ قَوْله سَمِعت الْحجَّاج يَعْنِي بن يُوسُفَ الْأَمِيرَ الْمَشْهُورَ وَلَمْ يَقْصِدِ الْأَعْمَشَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَحْكِيَ الْقِصَّةَ وَيُوَضِّحَ خَطَأَ الْحَجَّاجِ فِيهَا بِمَا ثَبَتَ عَمَّنْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَجَّاجِ وَكَانَ لَا يَرَى إِضَافَةَ السُّورَةِ إِلَى الِاسْمِ فَرَدَّ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَن بن مَسْعُودٍ مِنَ الْجَوَازِ .

     قَوْلُهُ  جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ هِيَ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ هِيَ حَدُّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ وَهِيَ الَّتِي بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ عِنْدَهَا عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجَمْرَةُ اسْمٌ لِمُجْتَمَعِ الْحَصَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا يُقَالُ تَجَمَّرَ بَنُو فُلَانٍ إِذَا اجْتَمَعُوا وَقِيلَ إِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْحَصَى الصِّغَارَ جِمَارًا فَسُمِّيَتْ تَسْمِيَةَ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ آدَمَ أَوْ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا عَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ فَحَصَبَهُ جَمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ أَسْرَعَ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقِيلَ لَهُ أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  حَاذَى بِمُهْمَلَةٍ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْمُحَاذَاةِ وَقَولُهُ اعْتَرَضَهَا أَيِ الشَّجَرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ شَجَرَةٌ عِنْد الْجَمْرَة وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ رَأَيْتُ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا وَنَافِعًا يَرْمُونَ مِنَ الشَّجَرَةِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاوَزَ الشَّجَرَةَ رَمَى الْعَقَبَةَ مِنْ تَحْتِ غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَقَولُهُ فَرَمَى أَيِ الْجَمْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَخْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ لَمَّا أَتَى عَبْدُ اللَّهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ اسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا شَاذٌّ فِي إِسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ وَقَدِ اخْتَلَطَ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْجَمْرَةَ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْعَلُ الْجَمْرَةَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ رَمَاهَا جَازَ سَوَاءٌ اسْتَقْبَلَهَا أَوْ جَعَلَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ مِنْ فَوْقِهَا أَوْ مِنْ أَسْفَلِهَا أَوْ وَسَطِهَا وَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ .

     قَوْلُهُ  مَقَامُ الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة قَالَ بن الْمُنِيرِ خَصَّ عَبْدُ اللَّهِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا الرَّمْيَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنٌ لِمُرَادِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

قُلْتُ وَلَمْ أَعْرِفْ مَوْضِعَ ذِكْرِ الرَّمْيِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مَذْكُورٌ فِيهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَنَاسِكِ مُنَبِّهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ تَوْقِيفِيَّةٌ وَقِيلَ خَصَّ الْبَقَرَةَ بِذَلِكَ لِطُولِهَا وَعِظَمِ قَدْرِهَا وَكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ أَوْ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً لِقَوْلِهِ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ عَطَاءٌ وَصَاحِبُهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَا لَوْ رَمَى السَّبْعَ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَهَيْئَةٍ وَلَا سِيَّمَا فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَفِيهِ التَّكْبِيرُ عِنْدَ رَمْيِ حَصَى الْجِمَارِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُكَبِّرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الحَدِيث عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مغفورا