فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 28]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عميق)
قِيلَ إِنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنَّ الرَّاحِلَةَ لَيْسَتْ شرطا للْوُجُوب.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ لِمَالِكٍ أَنَّ الرَّاحِلَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِ السَّبِيلِ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ يَزْعُمُ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّاجِلِ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ قَالَ قَالَ مُجَاهِدٌ كَانُوا لَا يَرْكَبُونَ فَأَنْزَلَ الله يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر فَأَمَرَهُمْ بِالزَّادِ وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَتْجَرِ وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَن بن عَبَّاسٍ مَا فَاتَنِي شَيْءٌ أَشَدُّ عَلَيَّ أَنْ لَا أَكُونَ حَجَجْتُ مَاشِيًا لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر فَبَدَأَ بِالرِّجَالِ قَبْلَ الرُّكْبَانِ .

     قَوْلُهُ  فِجَاجًا الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ قَالَ يَحْيَى الْفَرَّاءُ فِي الْمَعَانِي فِي سُورَةِ نُوحٍ .

     قَوْلُهُ  فِجَاجًا وَاحِدُهَا فَجٌّ وَهِيَ الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ يُقَالُ الْفَجُّ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ الطَّرِيقُ فَجًّا كَذَا قَالَ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ الْفَجَّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّ الْفَجَّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعِ فِي جَبَلٍ أَوْ فِي قِبَلِ جَبَلٍ وَهُوَ أوسع من الشّعب وروى بن أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ فِجَاجًا يَقُولُ طُرُقًا مُخْتَلِفَةً وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ طُرُقًا وأعلاما وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ فَجٌّ عَمِيقٌ أَيْ بَعِيدُ الْقَعْرِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْعَمِيقِ يُقَالُ بِئْرٌ عَمِيقَةُ الْقَعْرِ أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ ثُمَّ ذكر المُصَنّف حَدِيث بن عُمَرَ فِي إِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَحَدِيثَ جَابِرٍ نَحْوَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَغَرَضُهُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا أَفْضَلُ لِتَقْدِيمِهِ فِي الذِّكْرِ عَلَى الرَّاكِبِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَفْضَلَ لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ذَكَرَ ذَلِك بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلْآيَةِ أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ فَجٌّ عَمِيقٌ وَالرُّكُوبُ مُنَاسِب لقَوْله وعَلى كل ضامر.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثَيْنِ شَيْءٌ مِمَّا تَرْجَمَ الْبَابَ بِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِمَا الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَشْي



[ قــ :1455 ... غــ :1515] قَوْله رَوَاهُ أنس وبن عَبَّاسٍ أَيِ إِهْلَالُهُ بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ أَنَسٍ مَوْصُولًا فِي بَابِ مَنْ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ قَبْلَهُ فِي بَابِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ فِي أثْنَاء حَدِيث قَالَ بن الْمُنْذِرِ اخْتُلِفَ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ لِلْحُجَّاجِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الرُّكُوبُ أَفْضَلُ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِكَوْنِهِ أَعْوَنَ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ.

     وَقَالَ  إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ الْمَشْيُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى شيخ المُصَنّف فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَقَعَ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَوَافَقَهُ أَبُو عَلِيٍّ الشَّبُّوِيُّ وَأَهْمَلَهُ الْبَاقُونَ وَإِبْرَاهِيمُ شَيْخُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَعَ مُهْمَلًا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ وَهُوَ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرَّاءِ الصَّغِيرِ