فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «العقيق واد مبارك»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا حَكَاهُ عَنِ الْآتِي الَّذِي أَتَاهُ لَكِنْ رَوَى أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا تَخَيَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى هَذَا وَقَولُهُ تَخَيَّمُوا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ أَمْرٌ بِالتَّخَيُّمِ وَالْمُرَادُ بِهِ النُّزُول هُنَاكَ وَذكر بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ حَمْزَةَ الْأَصْبَهَانِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ التَّصْحِيفِ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَلِمَا قَالَهُ اتِّجَاهٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْخَاتَمِ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ الْحَدِيثَ وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ



[ قــ :1473 ... غــ :1534] .

     قَوْلُهُ  آتٍ مِنْ رَبِّي هُوَ جِبْرِيلُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ يَعْنِي وَادِيَ الْعَقِيقِ وَهُوَ بِقُرْبِ الْبَقِيعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ رَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ أَنَّ تُبَّعًا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْمَدِينَةِ انْحَدَرَ فِي مَكَانٍ فَقَالَ هَذَا عَقِيقُ الْأَرْضِ فَسُمِّيَ الْعَقِيقَ .

     قَوْلُهُ  وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ بِرَفْعِ عُمْرَةٍ لِلْأَكْثَرِ وَبِنَصْبِهَا لِأَبِي ذَرٍّ عَلَى حِكَايَةِ اللَّفْظِ أَيْ قُلْ جَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ عُمْرَةٌ مُدْرَجَةٌ فِي حَجَّةٍ أَيْ إِنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ يَدْخُلُ فِي عَمَلِ الْحَجِّ فَيُجْزِي لَهَمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ.

     وَقَالَ  مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْتَمِرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ فَرَاغِ حَجِّهِ وَهَذَا أَبْعَدُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ نَعَمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ لِيُعَلِّمَهُمْ مَشْرُوعِيَّةَ الْقِرَانِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَج قَالَه الطَّبَرِيّ وَاعْتَرضهُ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ فَقَالَ لَيْسَ نَظِيرُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَخَلْتْ إِلَخْ تَأْسِيسُ قَاعِدَةٍ وَقَولُهُ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ بِالتَّنْكِيرِ يَسْتَدْعِي الْوَحْدَةَ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْفِعْلِ الْوَاقِعِ مِنَ الْقِرَانِ إِذْ ذَاكَ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ بِلَفْظِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الْعَقِيقِ كَفَضْلِ الْمَدِينَةِ وَفَضْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ نُزُولِ الْحَاجِّ فِي مَنْزِلَةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ الْبَلَدِ وَمَبِيتِهِمْ بِهَا لِيَجْتَمِعَ إِلَيْهِمْ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مِمَّنْ أَرَادَ مُرَافَقَتَهُمْ وَلِيَسْتَدْرِكَ حَاجَتَهُ مَنْ نَسِيَهَا مَثَلًا فَيَرْجِعَ إِلَيْهَا مِنْ قريب قَوْله فِي حَدِيث بن عُمَرَ





[ قــ :1474 ... غــ :1535] أَنَّهُ أُرِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ فِي الْمَنَام وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة رُؤِيَ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ أَيْ رَآهُ غَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ مُعَرَّسٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي مُعَرَّسٍ بِالتَّنْوِينِ وَقَوله بِبَطن الْوَادي تبين من حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ وَادِي الْعَقِيقِ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ هُوَ مَقُولُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الرَّاوِي عَنْهُ وَقَولُهُ يَتَوَخَّى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي يقْصد والمناخ بِضَمِّ الْمِيمِ الْمَبْرَكُ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ أَسْفَلَ بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَقَولُهُ بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ الْمُعَرَّسِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ بَيْنَهُمْ أَيْ بَيْنَ النَّازِلِينَ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَقَولُهُ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ بَطْنِ الْوَادِي وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَعِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَسَطًا مِنْ ذَلِك بِالنّصب



( قَولُهُ بَابُ غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ)
الْخَلُوقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ مُرَكَّبٌ فِيهِ زَعْفَرَانٌ



[ قــ :1474 ... غــ :1536] .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَاصِمٍ هُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ أَرَهُ عَنْهُ إِلَّا بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِلَا خَبَرٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ فَقَالَ ذُكِرَهُ بِلَا رِوَايَةٍ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدَّثَنَا مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو عَاصِم وَمُحَمّد هُوَ بن معمر أَو بن بَشَّارٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ ذِكْرُ الْخَلُوقِ وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ بِلَفْظِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ قَوْله أَن يعلى هُوَ بن أُمَيَّةَ التَّمِيمِيُّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُنْيَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهِيَ أُمُّهُ وَقِيلَ جَدَّتُهُ وَهُوَ وَالِدُ صَفْوَانَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ وَلَيْسَتْ رِوَايَةُ صَفْوَانَ عَنْهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِوَاضِحَةٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا إِنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ فَإِنْ يَكُنْ صَفْوَانُ حَضَرَ مُرَاجَعَتَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  جَاءهَ رَجُلٌ سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ بِلَفْظِ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ لَكِن ذكر بن فَتْحُونٍ فِي الذَّيْلِ عَنْ تَفْسِيرِ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّ اسْمه عَطاء بن منية قَالَ بن فَتْحُونٍ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ أَخُو يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ رَاوِي الْخَبَرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خطأ اسْمِ الرَّاوِي فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ عَنْ أَبِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ عَطَاءٍ وَيَعْلَى أَحَدًا وَوَقَعَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ مَا نَصُّهُ هَذَا الرَّجُلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ إِذْ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَخَلِّقٌ فَقَالَ وَرْسٌ وَرْسٌ حُطَّ حُطَّ وَغَشِيَنِي بِقَضِيبٍ بِيَدِهِ فِي بَطْنِي فَأَوْجَعَنِي الْحَدِيثَ فَقَالَ شَيْخُنَا لَكِنْ عَمْرٌو هَذَا لَا يُدْرَكُ ذَا فَإِنَّهُ صَاحب بن وَهْبٍ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ مُعْتَرَضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَمَّا أَوَّلًا فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ شَبِيهَةً بِهَذِهِ الْقِصَّةِ حَتَّى يُفَسَّرَ صَاحِبُهَا بِهَا.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَفِي الِاسْتِدْرَاكِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يتخيل فِيهِ أَنه صَاحب بن وَهْبٍ صَاحِبِ مَالِكٍ بَلْ إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ آخَرُ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَهُ وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِيهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ عَلَى شَيْخِنَا وإِنَّمَا الَّذِي فِي الشِّفَاءِ سَوَادُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ سَوَادَةُ بْنُ عَمْرٍو أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَفْصِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَعْلَى أَنَّهُ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَخَلِّقٌ فَقَالَ أَلَكَ امْرَأَةٌ قَالَ لَا قَالَ اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ فَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ هُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ وَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ قِصَّةِ صَاحِبِ الْإِحْرَامِ نَعَمْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْب حَدثنَا عبد الرَّحْمَن هُوَ بن زِيَادٍ الْوَضَّاحِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْزِعَهَا قَالَ قَتَادَةُ.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ إِنَّمَا كُنَّا نَرَى أَنْ نَشُقَّهَا فَقَالَ عَطَاءٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ .

     قَوْلُهُ  قَدْ أُظِلَّ بِهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ جُعِلَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وبن أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ يَسْتَدْعِي وُجُوبَ اجْتِنَابِ مَا يَقَعُ فِي الْعُمْرَةِ .

     قَوْلُهُ  يَغِطُّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَنْفُخُ وَالْغَطِيطُ صَوْتُ النَّفْسِ الْمُتَرَدِّدِ مِنَ النَّائِمِ أَوِ الْمُغْمَى وَسَبَبُ ذَلِكَ شِدَّةُ ثِقَلِ الْوَحْيِ وَكَانَ سَبَبُ إِدْخَالِ يَعْلَى رَأْسَهُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ لَوْ رَآهُ فِي حَالَةِ نُزُولِ الْوَحْيِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ حِينَئِذٍ تَعَالَ فَانْظُرْ وَكَأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَشُقُّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  سُرِّيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ كُشِفَ عَنْهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ كَمَا تَصْنَعُ وَسَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ بِلَفْظِ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يعرف أَعمال الْحَج قبل ذَلِك قَالَ بن الْعَرَبِيِّ كَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَخْلَعُونَ الثِّيَابَ وَيَجْتَنِبُونَ الطِّيبَ فِي الْإِحْرَامِ إِذَا حَجُّوا وَكَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ .

     قَوْلُهُ  واصْنَعْ مَعْنَاهُ اتْرُكْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ قَالَ وَأما قَول بن بَطَّالٍ أَرَادَ الْأَدْعِيَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التُّرُوكَ مُشْتَرَكَةٌ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ فِي الْحَجِّ أَشْيَاءَ زَائِدةً عَلَى الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ وَمَا بعده.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ كَمَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَزَادَ وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْحَجُّ.

     وَقَالَ  الْبَاجِيُّ الْمَأْمُورُ بِهِ غَيْرُ نَزْعِ الثَّوْبِ وَغَسْلِ الْخَلُوقِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ لَهُ بِهِمَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْفِدْيَةُ كَذَا قَالَ وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْحَصْرِ بَلِ الَّذِي تَبَيَّنَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْغَسْلُ وَالنَّزْعُ وَذَلِكَ أَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ عَطَاءٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَا كُنْتُ صَانِعًا فِي حَجِّكَ قَالَ أَنْزِعُ عَنِّي هَذِهِ الثِّيَابَ وَأَغْسِلُ عَنِّي هَذَا الْخَلُوقَ فَقَالَ مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ قَوْله فَقلت لعطاء الْقَائِل هُوَ بن جُرَيْجٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَادَ لَفْظَةَ اغْسِلْهُ مَرَّةً ثُمَّ مَرَّةً عَلَى عَادَتِهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تكلم بِكَلِمَة أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْخَلُوقَ كَانَ عَلَى الثَّوْبِ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مُتَضَمِّخًا وَقَولُهُ لَهُ اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ يُوَضِّحُ أَنَّ الطِّيبَ لَمْ يَكُنْ فِي ثَوْبِهِ وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْجُبَّةِ لَكَانَ فِي نَزْعِهَا كِفَايَةٌ مِنْ جِهَةِ الْإِحْرَامِ اه وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ عَلَى عَادَتِهِ يُشِيرُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ وَسَيَأْتِي فِي محُرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ عَلَيْهِ قَمِيصٌ فِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ وَالْخَلُوقُ فِي الْعَادَةِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الثَّوْبِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ بِلَفْظِ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ جُبَّةٌ عَلَيْهَا أَثَرُ خَلُوقٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ.

     وَقَالَ  سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَنْصُورٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْرَمْتُ وَعَلَيَّ جُبَّتِي هَذِهِ وَعَلَى جُبَّتِهِ رَدْغٌ مِنْ خَلُوقٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ اخْلَعْ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ هَذَا الزَّعْفَرَانَ وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ يَعْلَى عَلَى مَنْعِ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ أَثَرِهِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ قِصَّةَ يَعْلَى كَانَتْ بِالْجِعِرَّانَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهَا عِنْدَ إِحْرَامِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الَّذِي بَعْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنَ الْأَمْرِ وَبِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِغَسْلِهِ فِي قِصَّةِ يَعْلَى إِنَّمَا هُوَ الْخَلُوقُ لَا مُطْلَقُ الطِّيبِ فَلَعَلَّ عِلَّةَ الْأَمْرِ فِيهِ مَا خَالَطَهُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ تَزَعْفُرِ الرَّجُلِ مُطْلَقًا مُحْرِمًا وَغَيْرَ مُحْرِمٍ وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ الْآتِي قَرِيبًا وَلَا يَلْبَسُ أَيِ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْآتِي أَيْضًا وَلَمْ يَنْهَ إِلَّا عَنِ الثِّيَابِ الْمُزَعْفَرَةِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ طِيبٌ فِي إِحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ فَبَادَرَ إِلَى إِزَالَتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ إِنْ طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ مُطْلَقًا وَعَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا صَارَ عَلَيْهِ الْمَخِيطُ نَزَعَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَمْزِيقُهُ وَلَا شَقُّهُ خِلَافًا لِلنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ حَيْثُ قَالَا لَا يَنْزِعُهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مغطيا لرأسه أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ وَكَذَا عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي قِلَابَةَ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ فَخَلَعَهَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَعَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ وَالْحَاكِمَ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْحُكْمَ يُمْسِكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ وَعَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ بِالْوَحْيِ وَإِن لم يكن مِمَّا يُتْلَى لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمْ بِالِاجْتِهَادِ إِلَّا إِذَا لَمْ يحضرهُ الْوَحْي