فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدهن

( قَولُهُ بَابُ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ)
أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْخَلُوقِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثِّيَابِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا يُمْنَعُ اسْتِدَامَتُهُ عَلَى الْبَدَنِ وَأَضَافَ إِلَى التَّطَيُّبِ الْمُقْتَصَرِ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الترَّجْلَ وَالِادِّهَانَ لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّرَفُّهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ يَلْحَقُ بِالتَّطَيُّبِ سَائِرُ التَّرَفُّهَاتِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ كَذَا قَالَ بن الْمُنِيرِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ كريب عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بعد مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ الْحَدِيثَ وَقَولُهُ تَرَجَّلَ أَيْ سَرَّحَ شَعْرَهُ وَكَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ طَيَّبْتُهُ فِي مَفْرِقِهِ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعُ تَرْجِيلٍ وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِزِيَادَةِ وَفِي أصُول شعره قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ إِلَخْ أَمَّا شَمُّ الرَّيْحَانِ فَقَالَ سَعِيدُ بن مَنْصُور حَدثنَا بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا لِلْمُحْرِمِ بِشَمِّ الرَّيْحَانِ وَرُوِّينَا فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ مِثْلَهُ عَن عُثْمَان وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرٍ خِلَافَهُ وَاخْتُلِفَ فِي الرَّيْحَانِ فَقَالَ إِسْحَاقُ يُبَاحُ وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ كُلَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الطِّيبُ يَحْرُمُ بِلَا خِلَافٍ.
وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا.
وَأَمَّا النَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيِّ عَنْهُ عَن هِشَام بن حسان عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمرْآة وَهُوَ محرم وَأخرجه بن أبي شيبَة عَن بن إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامٍ بِهِ وَنَقَلَ كَرَاهَتَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا التَّدَاوِي فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَتَدَاوَى الْمُحْرِمُ بِمَا يَأْكُلُ.

     وَقَالَ  أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أبي إِسْحَاق عَن الضَّحَّاك عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا شُقِّقَتْ يَدُ الْمُحْرِمِ أَوْ رِجْلَاهُ فَلْيَدْهُنْهُمَا بِالزَّيْتِ أَوْ بِالسَّمْنِ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ يَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وهما بِالْجَرِّ فِي روايتنا وَصحح عَلَيْهِ بن مَالِكٍ عَطْفًا عَلَى مَا الْمَوْصُولَةِ فَإِنَّهَا مَجْرُورَةٌ بِالْبَاءِ وَوَقَعَ فِي غَيْرِهَا بِالنَّصْبِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ هُوَ الْآكِلُ لَا الْمَأْكُولُ لَكِنْ يَجُوزُ عَلَى الِاتِّسَاعِ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ رَدٌّ عَلَى مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ إِنْ تَدَاوَى بِالسَّمْنِ أَوِ الزَّيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ تَنْبِيهٌ .

     قَوْلُهُ  يَشَمُّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا .

     قَوْلُهُ  وقَال عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ مُعَرَّبٌ يُشْبِهُ تِكَّةَ السَّرَاوِيلِ يُجْعَلُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَيُشَدُّ فِي الْوَسَطِ وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق الثَّوْريّ عَن بن إِسْحَاق عَن عَطَاءٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ وَالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ وَالْأول أصح وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وبن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عَبَّاس مَرْفُوعا وَإِسْنَاده ضَعِيف قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجَازَ ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَأَجَازُوا عَقْدَهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ كَرَاهَتُهُ إِلَّا عَن بن عُمَرَ وَعَنْهُ جَوَازُهُ وَمَنَعَ إِسْحَاقُ عَقْدَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ وَلَكِنْ لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ السَّيْرَ وَلَكِنْ يَلُفُّهُ لَفًّا.

     وَقَالَ  بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ رَأَيْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ خَاتَمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَعَلَى عَطاء قَوْله وَطَاف بن عُمَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ قَالَ رَأَيْت بن عُمَرَ يَسْعَى وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عَقَدَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا غرز طرفه على إزَاره وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ سَمِعت بن عُمَرَ يَقُولُ لَا تَعْقِدُ عَلَيْكَ شَيْئًا وَأَنْتَ محرم قَالَ بن التِّينِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَدَّهُ عَلَى بَطْنِهِ فَيَكُونُ كَالْهِمْيَانِ وَلَمْ يَشُدَّهُ فَوْقَ الْمِئْزَرِ وَإِلَّا فَمَالِكٌ يَرَى عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ بَأْسًا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الَّذِينَ إِلَخْ التُّبَّانُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ سَرَاوِيلُ قَصِيرٌ بِغَيْرِ أَكْمَامٍ وَالْهَوْدَجُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَبِالْجِيمِ مَعْرُوفٌ وَيَرْحَلُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ رَحَلْتُ الْبَعِيرَ أَرْحَلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ رَحْلًا إِذَا شَدَدْتُ عَلَى ظَهْرِهِ الرَّحْلَ قَالَ الْأَعْشَى رَحَلَتْ أُمَيْمَةُ غَدْوَةً أَجْمَالَهَا وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ اسْتِشْهَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ وَعَلَى هَذَا فَوَهِمَ مَنْ ضَبَطَهُ هُنَا بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ وَصَلَ أَثَرَ عَائِشَةَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَجَّتْ وَمَعَهَا غِلْمَانٌ لَهَا وَكَانُوا إِذَا شَدُّوا رَحْلَهَا يَبْدُو مِنْهُمُ الشَّيْءُ فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا التَّبَابِينَ فَيَلْبَسُونَهَا وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ يَشُدُّونَ هَوْدَجَهَا وَفِي هَذَا رد على بن التِّينِ فِي قَوْلِهِ أَرَادَتِ النِّسَاءُ لِأَنَّهُنَّ يَلْبَسْنَ الْمَخِيطَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ وَكَأَنَّ هَذَا رَأْيٌ رَأَتْهُ عَائِشَةُ وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التُّبَّانِ وَالسَّرَاوِيلِ فِي مَنْعِهِ لِلْمُحْرِمِ



[ قــ :1475 ... غــ :1537] .

     قَوْلُهُ  سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر والإسناد إِلَى بن عُمَرَ كُوفِيُّونَ وَكَذَا إِلَى عَائِشَةَ قَولُهُ يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ أَيْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُطَيَّبًا كَمَأ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخر عَنهُ مَرْفُوعا وَالْمَوْقُوف عَنهُ أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَهُوَ أَصَحُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْغُسْلِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِر أَن بن عُمَرَ قَالَ لَأَنْ أُطْلَى بِقَطْرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَطَيَّبَ ثُمَّ أُصْبِحَ مُحْرِمًا وَفِيهِ إِنْكَار عَائِشَة عَلَيْهِ وَكَانَ بن عُمَرَ يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ أَبَاهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ اسْتِدَامَةَ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُنْكِرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ الطِّيبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ فَدَعَوْتُ رجلا وَأَنا جَالس بِجنب بن عُمَرَ فَأَرْسَلْتُهُ إِلَيْهَا وَقَدْ عَلِمْتُ قَوْلَهَا وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْمَعَهُ أَبِي فَجَاءَنِي رَسُولِي فَقَالَ إِنَّ عَائِشَةَ تَقُولُ لَا بَأْسَ بِالطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَأَصِبْ مَا بَدَا لَكَ قَالَ فَسَكَتَ بن عُمَرَ وَكَذَا كَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُخَالِفُ أَبَاهُ وَجَدَّهُ فِي ذَلِكَ لحَدِيث عَائِشَة قَالَ بن عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ فِي الطِّيبِ ثُمَّ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ سَالِمٌ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ هُوَ مَقُولُ مَنْصُورٍ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ يُشِيرُ إِلَى مَا بَيَّنْتُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَّا ذِكْرُ الْفِعْلِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَفْزَعَ فِي النَّوَازِلِ إِلَى السُّنَنِ وَأَنَّهُ مُسْتَغْنًى بِهَا عَنْ آرَاءِ الرِّجَالِ وَفِيهَا الْمَقْنَعُ .

     قَوْلُهُ  كَأَنِّي أَنْظُرُ أَرَادَتْ بِذَلِكَ قُوَّةَ تَحَقُّقِهَا لِذَلِكَ بِحَيْثُ إنَّهَا لِشِدَّةِ اسْتِحْضَارِهَا لَهُ كَأَنَّهَا نَاظِرَةٌ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَبِيصِ بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ وَآخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ الْبَرِيقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ قَوْلُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ إِنَّ الْوَبِيصَ زِيَادَةٌ عَلَى الْبَرِيقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّلَأْلُؤُ وَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ عَيْنٍ قَائِمَةٍ لَا الرِّيحَ فَقَطْ .

     قَوْلُهُ  فِي مَفَارِقِ جَمْعُ مَفْرِقٍ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَفْتَرِقُ فِيهِ الشَّعْرُ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ قِيلَ ذَكَرْتُهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ تَعْمِيمًا لِجَوَانِبِ الرَّأْسِ الَّتِي يُفَرَّقُ فِيهَا الشَّعْرُ





[ قــ :1476 ... غــ :1539] .

     قَوْلُهُ  لإِحْرَامِهِ أَيْ لِأَجْلِ إِحْرَامِهِ وَلِلنَّسَائِيِّ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  وَلِحِلِّهِ أَيْ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهَا كُنْتُ أُطَيِّبُ عَلَى أَنَّ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لِأَنَّهَا لَمْ يَقَعْ مِنْهَا ذَلِكَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ صَرَّحَتْ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْهَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُدَّعَى تَكْرَارُهُ إِنَّمَا هُوَ التَّطَيُّبُ لَا الْإِحْرَامُ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَتَكَرَّرَ التَّطَيُّبُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مَعَ كَوْنِ الْإِحْرَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي تَكْرَارًا وَلَا اسْتِمْرَارًا وَكَذَا قَالَ الْفَخْرُ فِي الْمَحْصُول وَجزم بن الْحَاجِبِ بِأَنَّهَا تَقْتَضِيهِ قَالَ وَلِهَذَا اسْتَفَدْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ كَانَ حَاتِمٌ يُقْرِي الضَّيْفَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ.

     وَقَالَ  جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ظُهُورًا وَقَدْ تَقَعُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ لَكِنْ يُسْتَفَادُ مِنْ سِيَاقِهِ لِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ تُكَرِّرُ فِعْلَ التَّطَيُّبِ لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْإِحْرَامِ لِمَا اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ مِنَ اسْتِحْبَابِهِ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ عَنْهَا عَلَيْهَا فَسَيَأْتِي لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ شَيْخِ مَالِكٍ فِيهِ هُنَا بِلَفْظِ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرُ الطُّرُقِ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّطَيُّبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَجَوَازُ اسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ مَالِكٍ يَحْرُمُ وَلَكِنْ لَا فِدْيَةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تَجِبُ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَهُ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ بَعْدَ أَنْ تَطَيَّبَ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة بن الْمُنْتَشِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْغُسْلِ ثُمَّ طَافَ بِنِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالطَّوَافِ الْجِمَاعُ وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْقَى لِلطِّيبِ أَثَرٌ وَيَرُدُّهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ أَيْضًا ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ نَضْحَ الطِّيبِ وَهُوَ ظُهُورُ رَائِحَتِهِ كَانَ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَالتَّقْدِيرُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ يَنْضَحُ طِيبًا ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا خِلَافَ الظَّاهِرِ وَيَرُدُّهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ثُمَّ أَرَاهُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِك وللنسائي وبن حِبَّانَ رَأَيْتُ الطِّيبَ فِي مَفْرِقِهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ إِنَّ الْوَبِيصَ كَانَ بَقَايَا الدُّهْنِ الْمُطَيِّبِ الَّذِي تَطَيَّبَ بِهِ فَزَالَ وَبَقِيَ أَثَرُهُ مِنْ غَيْرِ رَائِحَةٍ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ عَائِشَةَ يَنْضَحُ طِيبًا.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ بَقِيَ أَثَرُهُ لَا عينه قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ عَيْنَهُ بَقِيَتْ انْتَهَى وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا نُضَمِّخُ وُجُوهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ قَبْلَ أَنْ نُحْرِمَ ثُمَّ نُحْرِمَ فَنَعْرَقَ فَيَسِيلَ عَلَى وُجُوهِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَانَا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ عَيْنِ الطِّيبِ وَلَا يُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ سَوَاءٌ فِي تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ إِذَا كَانُوا مُحْرِمِينَ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ كَانَ ذَلِكَ طِيبًا لَا رَائِحَةَ لَهُ تَمَسُّكًا بِرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِطِيبٍ لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ قَالَ بَعْضُ رُوَاتِهِ يَعْنِي لَا بَقَاءَ لَهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ وَلِلطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيق نَافِع عَن بن عمر عَن عَائِشَة بالغالية الجيدة وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا بِطِيبٍ لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ أَيْ أَطْيَبُ مِنْهُ لَا كَمَا فَهِمَهُ الْقَائِلُ يَعْنِي لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَه الْمُهلب وَأَبُو الْحسن الْقصار وَأَبُو الْفَرَجِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ فَنَهَى النَّاسَ عَنْهُ وَكَانَ هُوَ أَمْلَكَ النَّاسِ لِإِرْبِهِ فَفَعَلَهُ وَرَجَّحَهُ بن الْعَرَبِيِّ بِكَثْرَةِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ إِنَّمَا خُصَّ بِذَلِكَ لِمُبَاشَرَتِهِ الْمَلَائِكَةَ لِأَجْلِ الْوَحْيِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْخُصُوصِيَّةِ وَكَيْفَ بِهَا وَيَرُدُّهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَيَّبْتُ أَبِي بِالْمِسْكِ لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَبِقَوْلِهَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْهَا وَسَيَأْتِي مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ وَأَشَارَتْ بِيَدَيْهَا وَاعْتَذَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا حَجَّ جَمَعَ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَالِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ فَسَأَلَهُمْ عَنْ التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَكُلُّهُمْ أَمَرَ بِهِ فَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّابِعِينَ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يُدَّعَى مَعَ ذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ .

     قَوْلُهُ  وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَيْ لِأَجْلِ إِحْلَالِهِ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلِلنَّسَائِيِّ من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ولحله بعد مَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى حِلِّ الطِّيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيَسْتَمِرُّ امْتِنَاعُ الْجِمَاعِ وَمُتَعَلَّقَاتِهِ عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَيْنِ فَمَنْ قَالَ إِنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُوقِفُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ رَمَى ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ طَافَ فَلَوْلَا أَنَّ الطِّيبَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَمَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الطَّوَافِ فِي قَوْلِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرُ كَلَام بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ إِلَّا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةَ فَأَوْجَبُوا فِيهِ الْفِدْيَةَ قِيَاسًا عَلَى اللُّبْسِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ لُبْسٌ وَاسْتِدَامَةَ الطِّيبِ لَيْسَ بِطِيبٍ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِمَا لَوْ حَلَفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَقُّبُ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِرِيقِ الدُّهْنِ أَوْ أَثَرِ الطِّيبِ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ