فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: من أين يخرج من مكة؟

( قَولُهُ بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا)
أورد فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْمَبِيتِ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الدُّخُولِ نَهَارًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ كَانَ لَا يَقْدُمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا.
وَأَمَّا الدُّخُولُ لَيْلًا فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا فَقَضَى أَمْرَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ رَجَعَ لَيْلًا فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَدِيثِ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ دُخُولُ مَكَّةَ لَيْلًا وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ نَهَارا ويخرجوا مِنْهَا لَيْلًا وَأخرج عَن عطاءإن شِئْتُمْ فَادْخُلُوا لَيْلًا إِنَّكُمْ لَسْتُمْ كَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ كَانَ إِمَامًا فَأَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ انْتَهَى وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ اسْتحبَّ لَهُ أَن يدخلهَا نَهَارا .

     قَوْلُهُ  بَابٌ مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث مَالك عَن نَافِع عَن بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى أَخْرَجَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا رَأَيْتُهُ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى وَقَدْ تَابَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمُنْذِرِ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيُّ وَقَدْ عَزَّ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ اسْتِخْرَاجُهُ فَأَخْرَجَهُ عَن بن نَاجِيَةَ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِثْلَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ يَعْنِي ثَنِيَّتَيْ مَكَّةَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ قَدْ أَخْرَجَهَا أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ حَيْثُ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى مِثْلَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ نَافِع وسياقه أبين من سِيَاق مَالك .

     قَوْلُهُ 



[ قــ :1511 ... غــ :1576] مِنْ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يُصْرَفُ وَهَذِهِ الثَّنِيَّةُ هِيَ الَّتِي يَنْزِلُ مِنْهَا إِلَى الْمُعَلَّى مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْحَجُونُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَكَانَتْ صَعْبَةَ الْمُرْتَقَى فَسَهَّلَهَا مُعَاوِيَةُ ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيُّ ثُمَّ سَهُلَ فِي عَصْرِنَا هَذَا مِنْهَا سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ مَوْضِعٌ ثُمَّ سُهِّلَتْ كُلُّهَا فِي زَمَنِ سُلْطَانِ مِصْرَ الْمَلِكِ الْمُؤَيَّدِ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَكُلُّ عَقَبَةٍ فِي جَبَلٍ أَوْ طَرِيقٍ عَالٍ فِيهِ تُسَمَّى ثَنِيَّةً .

     قَوْلُهُ  الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى ذُكِرَ فِي ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَخَرَجَ مِنْ كُدَا وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ مَقْصُورٌ وَهِيَ عِنْدَ بَابِ شَبِيكَةَ بِقُرْبِ شِعْبِ الشَّامِيِّينَ مِنْ نَاحِيَةِ قُعَيْقِعَانَ وَكَانَ بِنَاءُ هَذَا الْبَابِ عَلَيْهَا فِي الْقَرْنِ السَّابِع .

     قَوْلُهُ  مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ كَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ فَقَلَبَهُ وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ عَمْرٌو وَحَاتِمٌ عَنْ هِشَامٍ دَخَلَ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ أَبِي أُسَامَةَ فَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَلَى الصَّوَابِ





[ قــ :1513 ... غــ :1578] .

     قَوْلُهُ  قَالَ هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْ كِلْتَيْهِمَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَى بَدَلَ مِنْ .

     قَوْلُهُ  وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كُدَا بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ لِلْجَمِيعِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ وَوُهَيْبٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ فِيهِ اعْتِذَارُ هِشَامٍ لِأَبِيهِ لِكَوْنِهِ رَوَى الْحَدِيثَ وَخَالَفَهُ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَتْمٍ لَازِمٍ وَكَانَ رُبَّمَا فَعَلَهُ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ غَيْرَهُ بِقَصْدِ التَّيْسِيرِ قَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ كَدَاءٍ وَكُدَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْعُلْيَا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالسُّفْلَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ قَالُوا وَاخْتَلَفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ خَالَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ طَرِيقَيْهِ فَقِيلَ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ كُلُّ مَنْ فِي طَرِيقِهِ فَذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْعِيدِ وَقَدِ اسْتَوْعَبْتُ مَا قِيلَ فِيهِ هُنَاكَ وَبَعْضُهُ لَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُهُ هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الْمُنَاسَبَةُ بِجِهَةِ الْعُلُوِّ عِنْدَ الدُّخُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَكَانِ وَعَكْسُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى فِرَاقِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنْهَا وَقِيلَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج مِنْهَا مختفيا فِي الْهِجْرَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا ظَاهِرًا عَالِيًا وَقِيلَ لِأَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ كَانَ مُسْتَقْبِلًا لِلْبَيْتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ دَخَلَ مِنْهَا يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ لِلْعَبَّاسِ لَا أُسْلِمُ حَتَّى أَرَى الْخَيْلَ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَ شَيْءٌ طَلَعَ بِقَلْبِي وَأنَّ اللَّهَ لَا يُطْلِعُ الْخَيْلَ هُنَاكَ أَبَدًا قَالَ الْعَبَّاسُ فَذَكَّرْتُ أَبَا سُفْيَانَ بِذَلِكَ لَمَّا دَخَلَ وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيث بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ فَأَنْشَدَهُ عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا تُثِيرُ النَّقْعَ مَطْلَعُهَا كَدَاءُ فَتَبَسَّمَ.

     وَقَالَ  ادْخُلُوهَا مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ تَنْبِيهٌ حَكَى الْحُمَيْدِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْعَذَرِيِّ أَنَّ بِمَكَّةَ مَوْضِعًا ثَالِثًا يُقَالُ لَهُ كُدَيٌّ وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالتَّصْغِيرِ يُخْرَجُ مِنْهُ إِلَى جِهَةِ الْيَمَنِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ حَقَّقَهُ الْعَذَرِيُّ عَنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِمَكَّةَ قَالَ وَقَدْ بُنِيَ عَلَيْهَا بَابُ مَكَّةَ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ أَهْلُ الْيَمَنِ تَنْبِيهَاتٌ أَوَّلُهَا مَحْمُودٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ من حَدِيث عَائِشَة هُوَ بن غيلَان وَعَمْرو فِي الطَّرِيق الثَّالِثَة هُوَ بن الْحَارِثِ وَأَحْمَدُ فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْحَج أَحْمد عَن بن وَهْبٍ وَأَنَّهُ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا وَحَاتِمٌ فِي الطَّرِيقِ الثَّالِثَة هُوَ بن إِسْمَاعِيلَ التَّنْبِيهُ الثَّانِي اخْتُلِفَ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي وَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِرْسَالِهِ وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الْوَجْهَيْنِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْإِرْسَالِ لَا تَقْدَحُ فِي رِوَايَةِ الْوَصْلِ لِأَنَّ الَّذِي وَصله حَافظ وَهُوَ بن عُيَيْنَةَ وَقَدْ تَابَعَهُ ثِقَتَانِ وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أَوْرَدَ الطَّرِيقَيْنِ الْمُرْسَلَيْنِ لِيَسْتَظْهِرَ بِهِمَا عَلَى وَهَمِ أَبِي أُسَامَةَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَوَّلًا الثَّالِثُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كداء وكدا موضعان وَالْمُرَادُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ غَيْرُ مُفِيدٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ بِمُجَرَّدِ السِّيَاقِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ بِنَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ ضبط وَتَعْيِين جِهَة كل مِنْهُمَا