فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب عمرة التنعيم

( قَولُهُ بَابُ عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ)
يَعْنِي هَلْ تَتَعَيَّنُ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ هَلْ لَهَا فَضْلٌ عَلَى الِاعْتِمَارِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ جِهَاتِ الْحِلِّ أَوْ لَا قَالَ صَاحِبُ الْهَدْيِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مُدَّةَ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَّا دَاخِلًا إِلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَعْتَمِرْ قَطُّ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَلَا ثَبَتَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا عَائِشَةَ وَحْدَهَا انْتَهَى وَبَعْدَ أَنْ فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ بِأَمْرِهِ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَخَالَفَهُ مُطَرِّفٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ إِلَّا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ الْبَائِتَ بِمِنًى لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَفِيهِ وَجْهٌ اخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَتَعَيَّنُ التَّنْعِيمُ لِمَنِ اعْتَمَرَ مِنْ مَكَّةَ فَرَوَى الْفَاكِهِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ قَالَ مَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَلْيَخْرُجْ إِلَى التَّنْعِيمِ أَوْ إِلَى الْجِعْرَانَةِ فَلْيُحْرِمْ مِنْهَا وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتًا أَيْ مِيقَاتًا مِنْ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مِيقَاتَ لِلْعُمْرَةِ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ إِلَّا التَّنْعِيمُ وَلَا يَنْبَغِي مُجَاوَزَتُهُ كَمَا لَا يَنْبَغِي مُجَاوَزَةُ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي لِلْحَجِّ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ الْحِلُّ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِالْإِحْرَامِ مِنَ التَّنْعِيمِ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْحِلِّ من مَكَّة ثمَّ رُوِيَ من طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِهَا قَالَتْ وَكَانَ أَدْنَانَا مِنَ الْحَرَمِ التَّنْعِيمُ فَاعْتَمَرْتُ مِنْهُ قَالَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مِيقَاتَ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ وَأَنَّ التَّنْعِيمَ وَغَيْرَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ



[ قــ :1705 ... غــ :1784] قَوْله عَن عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ يَعْنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَلَفْظُ أَنَّهُ مِمَّا يُحْذَفُ مِنَ الْإِسْنَادِ خَطَأٌ فِي الْغَالِبِ كَمَا تُحْذَفُ إِحْدَى لَفْظَتَيْ قَالَ وَقَدْ بَيَّنَ سُفْيَانُ سَمَاعَهُ لَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي آخِرِهِ وَوَقَعَ عِنْد الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سُفْيَانُ هَذَا مِمَّا يُعْجِبُ شُعْبَةَ يَعْنِي التَّصْرِيحَ بِالْإِخْبَارِ فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ .

     قَوْلُهُ  وَيُعْمِرُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِعْمَارَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَى بَكْرٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَرْدِفْ أُخْتَكَ عَائِشَةَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ الْحَدِيثَ وَنَحْوُهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ السَّابِقَةُ فِي أَوَائِلِ الْحَج عَن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ وَرِوَايَةُ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ السَّابِقَةُ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ قَالَ فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْأَسْوَدِ وَالْقَاسِمِ جَمِيعًا عَنْهَا بِلَفْظِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ ذَلِكَ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا السَّابِقَةِ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ حَيْثُ أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ احْمِلْهَا خَلْفَكَ حَتَّى تَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ فَوَاللَّهِ مَا قَالَ فَتُخْرِجُهَا إِلَى الْجِعْرَانَةِ وَلَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لِضَعْفِ أبي عَامر الخراز الرَّاوِي لَهُ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ إِلَخْ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَ عَائِشَةَ قَالَهُ مُتَمَسِّكًا بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ فَأَخْرَجَهَا مِنَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةَ بِالتَّنْعِيمِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُطْلَقَةِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَإِذَا هَبَطْتَ بِهَا مِنَ الْأَكَمَةِ فَلْتُحْرِمْ فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَذَلِكَ لَيْلَةَ الصَّدَرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّالِ أَيِ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى وَفِي قَوْلِهِ فَإِذَا هَبَطْتَ بِهَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ وَالتَّنْعِيمُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ خَارِجَ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى جِهَةِ الْمَدِينَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْفَاكِهِيُّ.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ التَّنْعِيمُ أَبْعَدُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ إِلَى مَكَّةَ بِقَلِيلٍ وَلَيْسَ بِطَرَفِ الْحِلِّ بَلْ بَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ مِيلٍ وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَدْنَى الْحِلِّ فَقَدْ تَجَوَّزَ.

قُلْتُ أَوْ أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّةِ الْجِهَاتِ وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمَ لِأَنَّ الْجَبَلَ الَّذِي عَنْ يَمِينِ الدَّاخِلِ يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالَّذِي عَنِ الْيَسَارِ يُقَالُ لَهُ مُنَعَّمٌ وَالْوَادِي نَعْمَانُ وَرَوَى الْأَزْرَقِيّ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ رَأَيْتُ عَطَاءً يَصِفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي اعْتَمَرَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ قَالَ فَأَشَارَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَنَى فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ الْمَسْجِدَ الَّذِي وَرَاءَ الْأَكَمَةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الخرب وَنقل الفاكهي عَن بن جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ ثَمَّ مَسْجِدَيْنِ يَزْعُمُ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّ الْخَرِبَ الْأَدْنَى مِنَ الْحَرَمِ هُوَ الَّذِي اعْتَمَرَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ وَقِيلَ هُوَ الْمَسْجِدُ الْأَبْعَدُ عَلَى الْأَكَمَةِ الْحَمْرَاءِ وَرَجَّحَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ.

     وَقَالَ  الْفَاكِهِيُّ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ بن أَبِي عُمَرَ يَذْكُرُ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ سَفَرًا وَحَضَرًا وَإِرْدَافُ الْمُحْرِمِ مَحْرَمَهُ مَعَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَعَيُّنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْحِلِّ لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ وَالثَّانِي تَصِحُّ الْعُمْرَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ على أَن أَفْضَلَ جِهَاتِ الْحِلِّ التَّنْعِيمُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِحْرَامَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ إِنَّمَا وَقَعَ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ جِهَةِ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ لَا أَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ هَذَا فِي بَابِ أَجْرِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ





[ قــ :1706 ... غــ :1785] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَطَاءٍ هُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْهَدْيَ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ أَفْلَحَ عَنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ذَكَرَ مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ وَهُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ طَلْحَةُ مِمَّنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلَّ وَهَذَا شَاهِدٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي ذِكْرِ طَلْحَةَ فِي ذَلِكَ وَشَاهِدٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَنَّ طَلْحَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ وَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهَا وَذَوِي الْيَسَارِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ فِي رِوَايَةِ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ سِعَايَتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي .

     قَوْلُهُ  بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة بن جريج عَن عَطاء عَن جَابر وَعَن بن جريج عَن طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الشَّرِكَةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  الْآخَرُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَابِ مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِهْلَالِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً زَادَ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيهِ وَأَصِيبُوا النِّسَاءَ قَالَ عَطَاءٌ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ يَعْنِي إِتْيَانَ النِّسَاءِ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْإِحْلَالِ إِبَاحَةَ إِتْيَانِ النِّسَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ نَفْسِهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ بِسَرِفَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ دُخُولَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَشَكْوَاهَا ذَلِكَ لَهُ كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ طُهْرَهَا كَانَ بِعَرَفَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا وَطَهُرَتْ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ عَرَفَةَ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى وَلَهُ مِنْ طَرِيقِهِ فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنًى فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيْتِ الْحَدِيثَ وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا حَتَّى إِنَّهَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى النَّقْلِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ يَوْمَ السَّبْتِ ثَالِثِ ذِي الْحِجَّةِ وَطَهُرَتْ يَوْمَ السَّبْتِ عَاشِرِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِنَّمَا أَخذه بن حَزْمٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَقَوْلِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَهِيَ بِعَرَفَةَ وَلَمْ تَتَهَيَّأْ لِلِاغْتِسَالِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ مِنًى أَوِ انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا بِعَرَفَةَ وَمَا رَأَتِ الطُّهْرَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ مِنًى وَهَذَا أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ عَائِشَةَ لَمَّا حَاضَتْ تَرَكَتْ عُمْرَتَهَا وَاقْتَصَرَتْ عَلَى الْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّ سُرَاقَةَ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا يَعْنِي وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ هَذَا فِيهِ بَيَانُ الْمَكَانِ الَّذِي سَأَلَ فِيهِ سُرَاقَةُ عَنْ ذَلِكَ وَرِوَايَةُ مُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ كَذَلِكَ وَسِيَاقُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوا حَجَّهُمْ عُمْرَةً وَبِذَلِكَ تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ إِنَّ سُؤَالَهُ كَانَ عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ عَنِ الْعُمْرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَقَعَ عَنِ الْأَمْرَيْنِ لِتَعَدُّدِ الْمَكَانَيْنِ .

     قَوْلُهُ  أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ أَلَنَا هَذِهِ خَاصَّةً وَفِي رِوَايَة جَعْفَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَامَ سُرَاقَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذِهِ أَمْ لِلْأَبَدِ فَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى.

     وَقَالَ  دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ أَبَدًا قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْعُمْرَةَ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إِبْطَالًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَوَازُ الْقِرَانِ أَيْ دَخَلَتْ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ سَقَطَ وُجُوبُ الْعُمْرَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي النَّسْخَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَوَازُ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سِيَاقَ السُّؤَالِ يُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الْفَسْخِ وَالْجَوَابَ وَقَعَ عَمَّا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَتَنَاوَلَ التَّأْوِيلَاتِ الْمَذْكُورَةَ إِلَّا الثَّالِثَ وَالله أعلم