فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ لَا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إِلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الْحَلَالُ)

أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ فَاتَّفَقُوا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ إِلَى الصَّيْدِ لِيُصْطَادَ وَعَلَى سَائِرِ وُجُوهِ الدَّلَالَاتِ عَلَى الْمُحْرِمِ لَكِنْ قَيَّدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الِاصْطِيَادُ بِدُونِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ إِذَا دَلَّ الْحَلَالُ عَلَى الصَّيْدِ بِإِشَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَضْمَنُ الْمُحْرِمُ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ دَلَّ الْحَلَالُ حَلَالًا عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ قَالُوا وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْإِعَانَةِ وَالْإِشَارَةِ إِنَّمَا وَقَعَ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ هَلْ يَحِلُّ لَهُمْ أَكْلُهُ أَوْ لَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْجَزَاءِ وَاحْتَجَّ الْمُوَفَّقُ بِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وبن عَبَّاسٍ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَأجِيب بِأَنَّهُ اخْتلف فِيهِ على بن عَبَّاسٍ وَفِي ثُبُوتِهِ عَنْ عَلِيٍّ نَظَرٌ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ انْفِصَالِ الدَّالِّ عَنْهُ فَصَارَ كَمَنْ دَلَّ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا عَلَى امْرَأَةٍ فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِالدَّلَالَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ



[ قــ :1742 ... غــ :1824] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عُثْمَان هُوَ بن مَوْهَبٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَمَوْهَبٌ جَدُّهُ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ رَوَى هُنَا عَنْ تَابِعِيٍّ أَكْبَرَ مِنْهُ قَلِيلًا .

     قَوْلُهُ  خَرَجَ حَاجًّا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي عُمْرَةٍ.
وَأَمَّا الْخُرُوجُ إِلَى الْحَجِّ فَكَانَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ وَكَانَ كُلُّهُمْ عَلَى الْجَادَّةِ لَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَلَعَلَّ الرَّاوِيَ أَرَادَ خَرَجَ مُحْرِمًا فَعَبَّرَ عَنِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ غَلَطًا.

قُلْتُ لَا غَلَطَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنَ الْمَجَازِ السَّائِغِ وَأَيْضًا فَالْحَجُّ فِي الْأَصْلِ قَصْدُ الْبَيْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ خَرَجَ قَاصِدًا لِلْبَيْتِ وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْعُمْرَةِ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ ثُمَّ وَجَدْتُ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيِّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِلَفْظِ خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ وَقَدْ جَزَمَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَبَا قَتَادَةَ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِغَيْرِهِ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ بِالرَّفْعِ وَوَقَعَ بِالنَّصْبِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ بن مَالِكٍ فِي التَّوْضِيحِ حَقُّ الْمُسْتَثْنَى بِإِلَّا مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ أَنْ يُنْصَبَ مُفْرَدًا كَانَ أَوْ مُكَمَّلًا مَعْنَاهُ بِمَا بَعْدَهُ فَالْمُفْرَدُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى الْأَخِلَّاءُ يَوْمئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ الا الْمُتَّقِينَ وَالْمُكَمَّلُ نَحْوَ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدرنَا أَنَّهَا لمن الغابرين وَلَا يَعْرِفُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ فِي هَذَا النَّوْعِ إِلَّا النَّصْبَ وَقَدْ أَغْفَلُوا وُرُودَهُ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ مَعَ ثُبُوتِ الْخَبَرِ وَمَعَ حَذْفِهِ فَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّابِتِ الْخَبَرِ قَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فالا بِمَعْنى لَكِن وَأَبُو قَتَادَة مُبْتَدأ وَلم يُحْرِمْ خَبَرُهُ وَنَظِيرُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مصيبها مَا أَصَابَهُم فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ امْرَأَتَكَ بَدَلًا مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَسِرْ مَعَهُمْ فَيَتَضَمَّنُهَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِينَ وَتَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَسِرْ بِهَا لَكِنَّهَا شَعَرَتْ بِالْعَذَابِ فَتَبِعَتْهُمْ ثُمَّ الْتَفَتَتْ فَهَلَكَتْ قَالَ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يُوجِبُ دُخُولَهَا فِي الْمُخَاطَبِينَ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَحْذُوف الْخَبَر .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ أَيْ لَكِنِ الْمُجَاهِرُونَ بِالْمَعَاصِي لَا يُعَافَوْنَ وَمِنْهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ أَيْ لَكِنْ قَلِيلٌ مِنْهُمْ لَمْ يَشْرَبُوا قَالَ وَلِلْكُوفِيِّينَ فِي هَذَا الثَّانِي مَذْهَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلُوا إِلَّا حَرْفَ عَطْفٍ وَمَا بَعْدَهَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا اه وَفِي نِسْبَةِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ لِابْنِ أَبِي قَتَادَةَ دُونَ أَبِي قَتَادَةَ نَظَرٌ فَإِنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ قَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ حَيْثُ قَالَ إِنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ إِلَى أَنْ قَالَ أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ وَقَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ وَلَا حَاجَةَ إِلَى جَعْلِهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَمِنْ تَوْجِيهِ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ عَلِيُّ بْنُ أَبُو طَالِبٍ .

     قَوْلُهُ  فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فِي هَذَا السِّيَاقِ زِيَادَةٌ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى إِفْرَادِ الْحِمَارِ بِالرُّؤْيَةِ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحُمُرِ وَأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ أَتَانًا أَيْ أُنْثَى فَعَلَى هَذَا فِي إِطْلَاقِ الْحِمَارِ عَلَيْهَا تَجَوُّزٌ .

     قَوْلُهُ  فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ الْآتِيَةِ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ فَرُحْنَا وَخَبَّأْتُ الْعَضُد معي وَفِيه مَعكُمْ مِنْهُ بِشَيْء فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَلَهُ فِي الْجِهَادِ قَالَ مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ قَدْ رَفَعْنَا لَكَ الذِّرَاعَ فَأَكَلَ مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا لَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوِ اصْطَدْتُمْ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشَرْتُمْ أَوِ اصْطَدْتُمْ أَوْ قَتَلْتُمْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا صِيغَةُ الْأَمْرِ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ عَنِ الْجَوَازِ لَا عَنِ الْوُجُوبِ فَوَقَعَتِ الصِّيغَةُ عَلَى مُقْتَضَى السُّؤَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَتَيْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ كَمَا تَرَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ غَيْرُهُ وَوَافَقَهُ صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَأَبِي عَوَانَةَ وَلَفْظُهُ فَقَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُونِي وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ نَفْسِهِ إِلَّا الْمُطَّلِبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَوَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي صَالِحٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ إِسْحَاقَ وَمِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ تَمِيمٍ وَسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَتَفَرَّدَ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِزِيَادَةٍ مُضَادَّةٍ لِرِوَايَتَيْ أبي حَازِم كَمَا أخرجه إِسْحَاق وبن خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَذَكَرْتُ شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْتُ إِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَكَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصطدته لَهُ قَالَ بن خُزَيْمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْجَوْزَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَة معمر قَالَ بن خُزَيْمَةَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَحْفُوظَةً احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ ذَلِكَ الْحِمَارِ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ اصْطَادَهُ مِنْ أَجْلِهِ فَلَمَّا أَعْلَمَهُ امْتَنَعَ اه وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهُ إِلَى أَنْ أَعْلَمَهُ أَبُو قَتَادَةَ بِأَنَّهُ صَادَهُ لِأَجْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ.
وَأَمَّا إِذَا أُتِيَ بِلَحْمٍ لَا يَدْرِي أَلَحْمُ صَيْدٍ أَوْ لَا فَحَمَلَهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَى الْآكِلِ وَعِنْدِي بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ وَقْفَةٌ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الَّذِي تَأَخَّرَ هُوَ الْعَضُدُ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا أَيْ لَمْ يُبْقِ مِنْهَا إِلَّا الْعَظْمَ وَوَقَعَ عِنْد البُخَارِيّ فِي الْهِبَةِ حَتَّى نَفِدَهَا أَيْ فَرَّغَهَا فَأَيُّ شَيْءٍ يَبْقَى مِنْهَا حِينَئِذٍ حَتَّى يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ بِأَكْلِهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْآتِيَةَ فِي الصَّيْدِ أَبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كُلُوا فَهُوَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ فَأَشْعَرَ بِأَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا غَيْرُ الْعَضُدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي حُكْمِ مَا يَصِيدُهُ الْحَلَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحْرِمِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ تَمَنِّي الْمُحْرِمِ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْحَلَالِ الصَّيْدُ لِيَأْكُلَ الْمُحْرِمُ مِنْهُ لَا يَقْدَحُ فِي إِحْرَامِهِ وَأَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ لِنَفْسِهِ جَازَ لِلْمُحْرِمِ الْأَكْلُ مِنْ صَيْدِهِ وَهَذَا يُقَوِّي مِنْ حَمْلِ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر عَلَى الِاصْطِيَادِ وَفِيهِ الِاسْتِيهَابُ مِنَ الْأَصْدِقَاءِ وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الصَّدِيقِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ عِنْدِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ مَنْ أَكَلَ مِنْهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُمْ وَفِيهِ تَسْمِيَةُ الْفَرَسِ وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ بِهِ الْحِمَارَ فَتَرْجَمَ لَهُ فِي الْجِهَادِ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ قَالُوا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ لِمَا لَا يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ وَلَا يُجِيبُ إِذَا نُودِيَ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ رُبَّمَا أَدْمَنَ عَلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ يَصِيرُ يُمَيِّزُ اسْمَهُ إِذَا دُعِيَ بِهِ وَفِيهِ إِمْسَاكُ نَصِيبِ الرَّفِيقِ الْغَائِبِ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ احْتِرَامُهُ أَوْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ أَوْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ ظُهُورُ حُكْمِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا وَفِيهِ تَفْرِيقُ الْإِمَامِ أَصْحَابَهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَاسْتِعْمَالُ الطَّلِيعَةِ فِي الْغَزْوِ وَتَبْلِيغُ السَّلَامِ عَنْ قُرْبٍ وَعَنْ بُعْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ رَدِّ السَّلَامِ مِمَّنْ بَلَغَهُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَنْفِيهِ وَفِيهِ أَنَّ عَقْرَ الصَّيْدِ ذَكَاتُهُ وَجَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هُوَ اجْتِهَادٌ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِي حَضْرَتِهِ وَفِيهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ تَضَادَّ الْمُجْتَهِدَانِ وَلَا يُعَابُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَكَأَنَّ الْآكِلَ تَمَسَّكَ بِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَالْمُمْتَنِعَ نَظَرَ إِلَى الْأَمْرِ الطارىء وَفِيهِ الرُّجُوعُ إِلَى النَّصِّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَرَكْضُ الْفَرَسِ فِي الِاصْطِيَادِ وَالتَّصَيُّدُ فِي الْأَمَاكِنِ الْوَعِرَةِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِالْفَارِسِ وَحَمْلُ الزَّادِ فِي السَّفَرِ وَالرِّفْقُ بِالْأَصْحَابِ وَالرُّفَقَاءِ فِي السَّيْرِ وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِي الْفِعْلِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْقَوْلِ لِأَنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا الضَّحِكَ فِي مَوْضِعِ الْإِشَارَةِ لِمَا اعْتَقَدُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَحِلُّ وَفِيهِ جَوَازُ سَوْقِ الْفَرَسِ لِلْحَاجَةِ وَالرِّفْقُ بِهِ مَعَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ وَأَسِيرُ شَأْوًا وَنُزُولُ الْمُسَافِرِ وَقْتَ الْقَائِلَةِ وَفِيهِ ذِكْرُ الْحُكْمِ مَعَ الْحِكْمَةِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ تَكْمِلَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الصَّيْدِ إِلَّا إِنْ صَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا فَيَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالله أعلم