فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الاغتسال للمحرم

( قَولُهُ بَابُ الِاغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ)
أَيْ تَرَفُّهًا وَتَنَظُّفًا وتطهرا من الْجَنَابَة قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ وَرُوِيَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ الا من احْتِلَام قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ قَالَ الْمُحْرِمُ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ وَيَنْزِعُ ضِرْسَهُ وَإِذَا انْكَسَرَ ظُفْرُهُ طَرَحَهُ وَيَقُولُ أَمِيطُوا عَنْكُمُ الْأَذَى فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِأَذَاكُمْ شَيْئًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

     وَقَالَ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْبَأُ بِأَوْسَاخِكُمْ شَيْئًا وروى بن أَبِي شَيْبَةَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ قَوْله وَلم ير بن عمر وَعَائِشَة بالحك بَأْسا أما أثر بن عُمَرَ فَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ رَأَيْت بن عُمَرَ يَحُكُّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَفَطِنْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ يَحُكُّ بِأَطْرَافِ أَنَامِلِهِ.
وَأَمَّا أَثَرُ عَائِشَةَ فَوَصَلَهُ مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ وَاسْمُهَا مَرْجَانَةُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَسْأَلُ عَنِ الْمُحْرِمِ أَيَحُكُّ جَسَدَهُ قَالَ نَعَمْ وَلْيُشَدِّدْ .

     وَقَالَتْ  عَائِشةُ لَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ وَلَمْ أَجِدْ إِلَّا أَنْ أَحُكَّ بِرِجْلِي لَحَكَكْتُ اه ومناسبة أثر بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ لِلتَّرْجَمَةِ بِجَامِعِ مَا بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْحَكِّ مِنْ إِزَالَةِ الْأَذَى



[ قــ :1756 ... غــ :1840] .

     قَوْلُهُ  عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ كَذَا فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ وَأَغْرَبَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ فَأَدْخَلَ بَين زيد وَإِبْرَاهِيم نَافِعًا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَذَلِكَ مَعْدُودٌ مِنْ خَطَئِهِ .

     قَوْلُهُ  عَن إِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ بن جُرَيْجٍ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ مولى بن عَبَّاس أخبرهُ كَذَا قَالَ مولى بن عَبَّاسٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ حُنَيْنًا كَانَ مَوْلًى لِلْعَبَّاسِ وَهَبَهُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْلَادُهُ مَوَالٍ لَهُ قَوْله أَن بن عَبَّاس فِي رِوَايَة بن جريج عِنْد أبي عوَانَة كنت مَعَ بن عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرِ .

     قَوْلُهُ  بِالْأَبْوَاءِ أَيْ وَهُمَا نَازِلَانِ بهَا وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الْأَبْوَاءِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى أبي أَيُّوب زَاد بن جُرَيْجٍ فَقَالَ قُلْ لَهُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ بن أَخِيكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَيَسْأَلُكَ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ أَيْ قَرْنَيِ الْبِئْرِ وَكَذَا هُوَ لبَعض رُوَاة الْمُوَطَّأ وَكَذَا فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَهُمَا الْعُودَانِ أَيِ الْعَمُودَانِ الْمُنْتَصِبَانِ لِأَجْلِ عُودِ الْبَكَرَةِ .

     قَوْلُهُ  أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ إِلَخْ قَالَ بن عبد الْبر الظَّاهِر أَن بن عَبَّاسٍ كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَوْ غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ لِأَبِي أَيُّوبَ يَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلَمْ يَقُلْ هَلْ كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ أَوْ لَا عَلَى حَسَبِ مَا وَقع فِيهِ اخْتِلَاف بَين الْمسور وبن عَبَّاسٍ.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ تَصَرَّفَ فِي السُّؤَالِ لِفِطْنَتِهِ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ سَلْهُ هَلْ يَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ أَوْ لَا فَجَاءَ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ فَأَحَبَّ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَّا بِفَائِدَةٍ فَسَأَلَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ وَكَأَنَّهُ خَصَّ الرَّأْسَ بِالسُّؤَالِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّعْرِ الَّذِي يُخْشَى انْتِتَافُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  فَطَأْطَأَهُ أَي أزاله عَن رَأسه وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ جَمَعَ ثِيَابَهُ إِلَى صَدْرِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ حَتَّى رَأَيْتُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ .

     قَوْلُهُ  لِإِنْسَانٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْ أَبُو أَيُّوبَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل زَاد بن عُيَيْنَةَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا فَأَخْبَرْتُهُمَا فَقَالَ الْمِسْوَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ لَا أُمَارِيكَ أَبَدًا أَيْ لَا أُجَادِلُكَ وَأَصْلُ الْمِرَاءِ اسْتِخْرَاجُ مَا عِنْدَ الْإِنْسَانِ يُقَالُ أَمْرَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا اسْتَخْرَجَ مَا عِنْدَهُ قَالَه بن الْأَنْبَارِيِّ وَأُطْلِقَ ذَلِكَ فِي الْمُجَادَلَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَجَادِلَيْنِ يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ الْآخَرِ مِنَ الْحُجَّةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مُنَاظَرَةُ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحْكَامِ وَرُجُوعُهُمْ إِلَى النُّصُوصِ وَقَبُولُهُمْ لِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ تَابِعِيًّا وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ على بعض قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَوْ كَانَ مَعْنَى الِاقْتِدَاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ يُرَاد بِهِ الْفَتْوَى لما احْتَاجَ بن عَبَّاسٍ إِلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ بَلْ كَانَ يَقُولُ لِلْمِسْوَرِ أَنَا نَجْمٌ وَأَنْتَ نَجْمٌ فَبِأَيِّنَا اقْتَدَى مَنْ بَعْدُنَا كَفَاهُ وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْمُزَنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّهُ فِي النَّقْلِ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ عُدُولٌ وَفِيهِ اعْتِرَافٌ لِلْفَاضِلِ بِفَضْلِهِ وَإِنْصَافُ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَفِيهِ اسْتِتَارُ الْغَاسِلِ عِنْدَ الْغُسْلِ وَالِاسْتِعَانَةُ فِي الطَّهَارَةِ وَجَوَازُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ حَالَةَ الطَّهَارَةِ وَجَوَازُ غَسْلِ الْمُحْرِمِ وَتَشْرِيبِهِ شَعْرَهُ بِالْمَاءِ وَدَلْكِهِ بِيَدِهِ إِذَا أَمِنَ تَنَاثُرَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى وُجُوبِ الدَّلْكِ فِي الْغُسْلِ قَالَ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَوْ كَانَ يَتِمُّ بِدُونِهِ لَكَانَ الْمُحْرِمُ أَحَقَّ بِأَنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَخْلِيلَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ بَاقٍ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُكْرَهُ كَالْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ خَشْيَةَ انْتِتَافِ الشَّعْرِ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ أَصْلَبُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فِي حَقِّ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ قَالَهُ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ وَاللَّهُ أعلم