فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

( قَولُهُ بَابُ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ)
لَيْسَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ .

     قَوْلُهُ  فِي الدِّينِ وَثَبَتَتْ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ



[ قــ :71 ... غــ :71] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ هُوَ سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغرًا قَوْله عَن بن شِهَابٍ قَالَ حُمَيْدٌ فِي الِاعْتِصَامِ لِلْمُؤَلِّفِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ وَلِمُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ زَادَ تَسْمِيَةَ جده قَوْله سَمِعت مُعَاوِيَة هُوَ بن أَبِي سُفْيَانَ .

     قَوْلُهُ  خَطِيبًا هُوَ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالِاعْتِصَامِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمل على ثَلَاثَة أَحْكَام أَحدهَا فضل التفقه فِي الدِّينِ وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُعْطِيَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ وَثَالِثُهَا أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَبْقَى عَلَى الْحَقِّ أَبَدًا فَالْأَوَّلُ لَائِقٌ بِأَبْوَابِ الْعِلْمِ وَالثَّانِي لَائِقٌ بِقَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي الْخُمُسِ وَالثَّالِثُ لَائِقٌ بِذِكْرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ لِالْتِفَاتِهِ إِلَى مَسْأَلَةِ عَدَمِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ هُنَاكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَمْرِ اللَّهِ هُنَا الرِّيحُ الَّتِي تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مَنْ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيْهِمْ تقوم السَّاعَة وَقد تتَعَلَّق الْأَحَادِيث الثَّلَاثَةِ بِأَبْوَابِ الْعِلْمِ بَلْ بِتَرْجَمَةِ هَذَا الْبَابِ خَاصَّةً مِنْ جِهَةِ إِثْبَاتِ الْخَيْرِ لِمَنْ تَفَقَّهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِالِاكْتِسَابِ فَقَطْ بَلْ لِمَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ وَأَنَّ مَنْ يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَزَالُ جِنْسُهُ مَوْجُودًا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَقَدْ جَزَمَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ يحْتَمل أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الطَّائِفَةُ فِرْقَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مُجَاهِدٍ وَفَقِيهٍ وَمُحَدِّثٍ وَزَاهِدٍ وَآمِرٍ بِالْمَعْرُوفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مُتَفَرِّقِينَ.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  يُفَقِّهْهُ أَيْ يُفَهِّمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ سَاكِنَةُ الْهَاءِ لِأَنَّهَا جَوَابُ الشَّرْطِ يُقَالُ فَقُهَ بِالضَّمِّ إِذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً وَفَقَهَ بِالْفَتْحِ إِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إِلَى الْفَهْمِ وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ إِذَا فَهِمَ وَنَكَّرَ خَيْرًا لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ أَيْ يَتَعَلَّمْ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْفُرُوعِ فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ بِهِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمُورَ دِينِهِ لَا يَكُونُ فَقِيهًا وَلَا طَالِبَ فِقْهٍ فَيَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ الْخَيْرُ وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ ظَاهِرٌ لِفَضْلِ الْعُلَمَاءِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ وَلِفَضْلِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى سَائِرِ الْعُلُومِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ الْخُمُسِ وَالِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَولُهُ لَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ يَعْنِي بَعْضَ الْأُمَّةِ كَمَا يَجِيءُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى