فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: متى يصح سماع الصغير؟

( قَولُهُ بَابُ مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ)
زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ وَمَقْصُودُ الْبَابِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي التَّحَمُّلِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ إِنَّ مَعْنَى الصِّحَّةِ هُنَا جَوَازُ قَبُولِ مَسْمُوعِهِ.

قُلْتُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِثَمَرَةِ الصِّحَّةِ لَا لِنَفْسِ الصِّحَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا إِلَى اخْتِلَافِ وَقَعَ بَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ يَحْيَى قَالَ أَقَلُّ سِنِّ التَّحَمُّلِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لِكَوْنِ بن عُمَرَ رُدَّ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ لَمْ يَبْلُغْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ فَقَالَ بَلْ إِذَا عَقَلَ مَا يسمع وَإِنَّمَا قصَّة بن عُمَرَ فِي الْقِتَالِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ أَشْيَاءَ مِمَّا حَفِظَهَا جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الصِّغَرِ وَحَدَّثُوا بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقُبِلَتْ عَنْهُم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد وَمَا قَالَه بن مَعِينٍ إِنْ أَرَادَ بِهِ تَحْدِيدَ ابْتِدَاءِ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ فَمُوَجَّهٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ رَدَّ حَدِيثِ مَنْ سَمِعَ اتِّفَاقًا أَوِ اعْتَنَى بِهِ فَسَمِعَ وَهُوَ صَغِير فَلَا وَقد نقل بن عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ هَذَا وَفِيهِ دَلِيل على أَن مُرَاد بن مَعِينٍ الْأَوَّلُ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الْبَرَاءَ وَغَيْرَهُ يَوْمَ بَدْرٍ مِمَّنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِتَالَ يُقْصَدُ فِيهِ مَزِيدُ الْقُوَّةِ وَالتَّبَصُّرُ فِي الْحَرْبِ فَكَانَتْ مَظِنَّتُهُ سِنَّ الْبُلُوغِ وَالسَّمَاعُ يُقْصَدُ فِيهِ الْفَهْمُ فَكَانَتْ مَظِنَّتُهُ التَّمْيِيزَ وَقَدِ احْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لسبع



[ قــ :76 ... غــ :76] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى حِمَارٍ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَقَوْلِكَ بَعِيرٌ وَقَدْ شَذَّ حِمَارَةٌ فِي الْأُنْثَى حَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ وَأَتَانٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَشَذَّ كَسْرُهَا كَمَا حَكَاهُ الصَّغَانِيُّ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْحَمِيرِ وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْأُنْثَى أَتَانَةٌ حَكَاهُ يُونُسُ وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ فَجَاءَ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَحِمَارٌ أَتَانٌ بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا عَلَى النَّعْتِ أَوِ الْبَدَلِ وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ وَذكر بن الْأَثِيرِ أَنَّ فَائِدَةَ التَّنْصِيصِ عَلَى كَوْنِهَا أُنْثَى لِلِاسْتِدْلَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُنَّ أَشْرَفُ وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ إِلَّا أَنَّ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ لَا يُدْفَعُ بِمِثْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  نَاهَزْتُ أَيْ قَارَبْتُ وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِلَامِ الْبُلُوغُ الشَّرْعِيُّ .

     قَوْلُهُ  إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ أَيْ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَسِيَاقُ الْكَلَام يدل على ذَلِك لِأَن بن عَبَّاسٍ أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ لَيْسَ لِشَيْءٍ يَسْتُرُهُ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ هُوَ مَجَازٌ عَنِ الْأَمَامِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ الصَّفَّ لَيْسَ لَهُ يَدٌ وَبَعْضُ الصَّفِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ صَفٌّ مِنَ الصُّفُوفِ أَوْ بَعْضٌ مِنْ أَحَدِ الصُّفُوفِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  تَرْتَعُ بِمُثَنَّاتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ تَأْكُلُ مَا تَشَاءُ وَقِيلَ تُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ وَجَاءَ أَيْضًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ بِوَزْنِ يَفْتَعِلُ مِنَ الرَّعْيِ وَأَصْلُهُ تَرْتَعِي لَكِنْ حُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَجِّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ .

     قَوْلُهُ  وَدَخَلْتُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَدَخَلْتُ بِالْفَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ قِيلَ فِيهِ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْخَفِيفَةِ لِأَنَّ الْمُرُورَ مَفْسَدَةٌ خَفِيفَةٌ وَالدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ وَاسْتَدَلَّ بن عَبَّاسٍ عَلَى الْجَوَازِ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ لِانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ إِذْ ذَاكَ وَلَا يُقَالُ مَنَعَ مِنَ الْإِنْكَارِ اشْتِغَالُهُمْ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ نَفَى الْإِنْكَارَ مُطْلَقًا فَتَنَاوَلَ مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَأَيْضًا فَكَانَ الْإِنْكَارُ يُمْكِنُ بِالْإِشَارَةِ وَفِيهِ مَا تُرْجِمَ لَهُ أَنَّ التَّحَمُّلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَيُلْحَقُ بِالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْفَاسِق وَالْكَافِر وَقَامَت حِكَايَة بن عَبَّاسٍ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقْرِيرُهُ مَقَامُ حِكَايَةِ قَوْلِهِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فِي شَرَائِطِ الْأَدَاءِ فَإِنْ قِيلَ التَّقْيِيدُ بِالصَّبِيِّ وَالصَّغِيرِ فِي التَّرْجَمَةِ لَا يُطَابق حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ غَيْرُ الْبَالِغِ وَذِكْرَ الصَّبِيَّ مَعَهُ مِنْ بَابِ التَّوْضِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الصَّغِيرِ يَتَعَلَّقُ بِقِصَّةِ مَحْمُودٍ وَلَفْظُ الصَّبِيِّ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مَعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَاقِي مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :77 ... غــ :77] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الْبِيكَنْدِيُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا الْفِرْيَابِيُّ فَلَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ وَكَانَ أَبُو مُسْهِرٍ شَيْخُ الشَّامِيِّينَ فِي زَمَانِهِ وَقَدْ لَقِيَهُ الْبُخَارِيُّ وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَة وَذكر بن المرابط فِيمَا نَقله بن رَشِيدٍ عَنْهُ أَنَّ أَبَا مُسْهِرٍ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بن الْمُرَابِطِ فَإِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُصَفَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَوْصَاءَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَلِيلِ وَأَبِي التَّقِيِّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْقَافِ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ غَيْرُ أَبِي مُسْهِرٍ رَوَوْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ فَكَأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِهِ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ وَهَذَا الْإِسْنَادُ إِلَى الزُّهْرِيِّ شَامِيُّونَ وَقَدْ دَخَلَهَا هُوَ وَشَيْخُهُ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سُرَاقَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ وَحَدِيثُهُ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ الْآتِي فِي الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَفِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي مَحْمُود قَوْله عقلت هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ حَفِظْتُ .

     قَوْلُهُ  مَجَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَالْمَجُّ هُوَ إِرْسَالُ الْمَاءِ مِنَ الْفَمِ وَقِيلَ لَا يُسَمَّى مَجًّا إِلَّا إِنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَحْمُودٍ إِمَّا مُدَاعَبَةً مِنْهُ أَوْ لِيُبَارَكَ عَلَيْهِ بِهَا كَمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ مَعَ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ .

     قَوْلُهُ  وَأَنا بن خَمْسِ سِنِينَ لَمْ أَرَ التَّقْيِيدَ بِالسِّنِّ عِنْدَ تَحَمُّلِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ لَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَانِيدِ إِلَّا فِي طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ هَذِهِ وَالزُّبَيْدِيُّ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَتَّى قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُفَضِّلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ خَطَأٌ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَكِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْخَطِيبِ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَمِرٍ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بن خَمْسِ سِنِينَ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الْوَاقِعَةَ الَّتِي ضَبَطَهَا كَانَتْ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعين وَهُوَ بن أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً وَهُوَ مُطَابِقٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِلْمَاعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي بعض الرِّوَايَات أَنه كَانَ بن أَرْبَعٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا صَرِيحًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بَعْدَ التَّتَبُّعِ التَّامِّ إِلَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الِاسْتِيعَاب إِنَّه عقل المجة وَهُوَ بن أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسٍ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا التَّرَدُّدِ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ إِنَّهُ كَانَ بن ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ لَمَّا مَاتَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ لِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِدِيِّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ إِنْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ أَلْغَى الْكَسْرَ وَجَبَرَهُ غَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا تَحَرَّرَ هَذَا فَقَدِ اعْتَرَضَ الْمُهَلَّبُ عَلَى الْبُخَارِيِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يذكر هُنَا حَدِيث بن الزُّبَيْرِ فِي رُؤْيَتِهِ وَالِدَهُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُرَاجَعَتِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَفِيهِ السَّمَاعُ مِنْهُ وَكَانَ سِنُّهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعًا فَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ مَحْمُودٍ وَلَيْسَ فِي قِصَّةِ مَحْمُودٍ ضَبْطُهُ لِسَمَاعِ شَيْءٍ فَكَانَ ذِكْرُ حَدِيث بن الزبير أولى لهذين الْمَعْنيين وَأجَاب بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ إِنَّمَا أَرَادَ نَقْلَ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ لَا الْأَحْوَالِ الْوُجُودِيَّةِ وَمَحْمُودٌ نَقَلَ سُنَّةً مَقْصُودَةً فِي كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّ مَجَّةً فِي وَجْهِهِ بَلْ فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ فَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ تُثْبِتُ كَوْنَهُ صحابيا وَأما قصَّة بن الزُّبَيْرِ فَلَيْسَ فِيهَا نَقْلُ سُنَّةٍ مِنَ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ أَنْشَدَ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِالَّذِي فِيهِ انْتَهَى وَهُوَ جَوَابٌ مُسَدَّدٌ وَتَكْمِلَتُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِلَفْظِ السَّمَاعِ فِي التَّرْجَمَةِ هُوَ أَوْ مَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ مِنْ نَقْلِ الْفِعْلِ أَوِ التَّقْرِيرِ وَغَفَلَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ يَحْتَاجُ الْمُهلب إِلَى ثُبُوت أَن قصَّة بن الزُّبَيْرِ صَحِيحَةٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ انْتَهَى وَالْبُخَارِيُّ قد أخرج قصَّة بن الزُّبَيْرِ الْمَذْكُورَةَ فِي مَنَاقِبِ الزُّبَيْرِ فِي الصَّحِيحِ فَالْإِيرَادُ مُوَجَّهٌ وَقَدْ حَصَلَ جَوَابُهُ وَالْعَجَبُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ عَلَى كِتَابِ يَغْفُلُ عَمَّا وَقَعَ فِيهِ فِي الْمَوَاضِعِ الْوَاضِحَةِ وَيَعْتَرِضُهَا بِمَا يُؤَدِّي إِلَى نَفْيِ وُرُودِهَا فِيهِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ دَلْوٍ زَادَ النَّسَائِيُّ مُعَلَّقٍ وَلِابْنِ حِبَّانَ مُعَلَّقَةٍ وَالدَّلْوُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الرِّقَاقِ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مِنْ دَلْوٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ وَلَهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بِئْرٍ بَدَلَ دَلْوٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَاءَ أُخِذَ بِالدَّلْوِ مِنَ الْبِئْرِ وَتَنَاوَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدَّلْوِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ إِحْضَارِ الصِّبْيَانِ مَجَالِسَ الْحَدِيثِ وَزِيَارَةُ الْإِمَامِ أَصْحَابَهُ فِي دُوِرِهِمْ وَمُدَاعَبَتُهُ صِبْيَانَهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى تَسْمِيعِ مَنْ يكون بن خَمْسٍ وَمَنْ كَانَ دُونَهَا يُكْتَبُ لَهُ حُضُورٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا فِي تَبْوِيبِ الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلِ الَّذِي يَنْبَغِي فِي ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْفَهْمِ فَمَنْ فَهِمَ الْخِطَابَ سَمِعَ وَإِن كَانَ دون بن خمس وَإِلَّا فَلَا.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِتَحْدِيدِ الْخَمْسِ أَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ لَا أَنَّ بُلُوغَهَا شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَرِيبٌ مِنْهُ ضَبْطُ الْفُقَهَاءِ سِنَّ التَّمْيِيزِ بِسِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَالْمُرَجَّحُ أَنَّهَا مَظِنَّةٌ لَا تَحْدِيدٌ وَمِنْ أَقْوَى مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي أَنَّ الْمَرَدَّ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَهْمِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ مَا أَوْرَدَهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ ذهبت بِابْني وَهُوَ بن ثَلَاث سِنِين إِلَى بن جُرَيْجٍ فَحَدَّثَهُ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِ الصَّبِيِّ الْحَدِيثَ وَالْقُرْآنَ وَهُوَ فِي هَذَا السِّنِّ يَعْنِي إِذَا كَانَ فَهِمًا وَقِصَّةُ أَبِي بكر بن الْمُقْرِئ الْحَافِظِ فِي تَسْمِيعِهِ لِابْنِ أَرْبَعٍ بَعْدَ أَنِ امتحنه بِحِفْظ سور من الْقُرْآن مَشْهُورَة