فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الخروج في طلب العلم

( قَولُهُ بَابُ الْخُرُوجِ أَيِ السَّفَرِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ)
لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا مَرْفُوعًا صَرِيحًا وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْمُصَنِّفُ لِاخْتِلَافٍ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا هُوَ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ هُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ حَدِيثٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا ثُمَّ شَدَدْتُ رَحْلِي فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ قُلْ لَهُ جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ بن عَبْدِ اللَّهِ.

قُلْتُ نَعَمْ فَخَرَجَ فَاعْتَنَقَنِي فَقُلْتُ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَتَمَّامٌ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ يَبْلُغُنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فِي الْقِصَاصِ وَكَانَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ بِمِصْرَ فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا فَسِرْتُ حَتَّى وَرَدْتُ مِصْرَ فَقَصَدْتُ إِلَى بَابِ الرَّجُلِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَلَهُ طَرِيقٌ ثَالِثَةٌ أَخْرَجَهَا الْخَطِيبُ فِي الرِّحْلَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَارُودِ الْعَنْسِيِّ وَهُوَ بِالنُّونِ السَّاكِنَةِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَلَغَنِي حَدِيثٌ فِي الْقِصَاصِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَادَّعَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ هَذَا يَنْقُضُ الْقَاعِدَةَ الْمَشْهُورَةَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَيْثُ يُعَلِّقُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ يَكُونُ صَحِيحًا وَحَيْثُ يُعَلِّقُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ يَكُونُ فِيهِ عِلَّةٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْجَزْمِ هُنَا ثُمَّ أَخْرَجَ طَرَفًا مِنْ مَتْنِهِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ الْحَدِيثَ وَهَذِهِ الدَّعْوَى مَرْدُودَةٌ وَالْقَاعِدَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ غَيْرُ مُنْتَقَضَةٍ وَنَظَرُ الْبُخَارِيِّ أَدَقُّ مِنْ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ الِارْتِحَالَ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ حَسَنٌ وَقَدِ اعتضد وَحَيْثُ ذكر طرقا مِنَ الْمَتْنِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ لِأَنَّ لَفْظَ الصَّوْتِ مِمَّا يُتَوَقَّفُ فِي إِطْلَاقِ نِسْبَتِهِ إِلَى الرب وَيحْتَاج إِلَى تَأْوِيل فَلَا يَكْفِي فِيهِ مَجِيءُ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا وَلَوِ اعْتُضِدَتْ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ شُفُوفُ عِلْمِهِ وَدِقَّةُ نَظَرِهِ وَحُسْنُ تَصَرُّفِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَهَمَ بن بَطَّالٍ فَزَعَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَحَلَ فِيهِ جَابِرٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ هُوَ حَدِيثُ السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ فَإِنَّ الرَّاحِلَ فِي حَدِيثِ السَّتْرِ هُوَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَحَلَ فِيهِ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ أَتَانِي جَابِرٌ فَقَالَ لِي حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَرْوِيهِ فِي السَّتْرِ فَذَكَرَهُ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرَهُ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ فِي حَدِيثٍ وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ بَلَغَنِي حَدِيثٌ عِنْدَ عَلِيٍّ فَخِفْتُ إِنْ مَاتَ أَنْ لَا أَجِدَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَرَحَلْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الْعِرَاقَ وَتَتَبُّعُ ذَلِكَ يَكْثُرُ وَسَيَأْتِي قَوْلُ الشَّعْبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرْحَلُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ إِنْ كُنْتُ لَأَرْحَلُ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَسَيَأْتِي نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَلَمْ يُقْنِعْهُ حَتَّى رَحَلَ فَأَخَذَهُ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَسَيَأْتِي عَن بن مَسْعُودٍ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ قَالَ كُنَّا نَسْمَعُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نَرْضَى حَتَّى خَرَجْنَا إِلَيْهِمْ فَسَمِعْنَا مِنْهُمْ وَقِيلَ لِأَحْمَدَ رَجُلٌ يَطْلُبُ الْعِلْمَ يَلْزَمُ رَجُلًا عِنْدَهُ عِلْمٌ كَثِيرٌ أَوْ يَرْحَلُ قَالَ يَرْحَلُ يَكْتُبُ عَنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فَيُشَافِهُ النَّاسَ وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ وَفِيهِ جَوَازُ اعْتِنَاقِ الْقَادِمِ حَيْثُ لَا تَحْصُلُ الرِّيبَةُ



[ قــ :78 ... غــ :78] .

     قَوْلُهُ  خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَإِنَّمَا أَعَدْتُهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الزَّرْكَشِيِّ مَضْبُوطًا بِلَامٍ مُشَدَّدَةٍ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ خَطَأٌ مِنَ النَّاسِخِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحر سَقَطت هُوَ من رِوَايَة بن عَسَاكِرَ فَعَطَفَ عَلَى الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِ تَأْكِيدٍ وَلَا فَصْلٍ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُ هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلُ بِبَابَيْنِ وَلَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتِلَافٌ إِلَّا فِيمَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَهُوَ قَلِيلٌ وَفِيهِ فَضْلُ الِازْدِيَادِ مِنَ الْعِلْمِ وَلَوْ مَعَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّصَبِ بِالسَّفَرِ وَخُضُوعُ الْكَبِيرِ لِمَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُمْ فَتَدْخُلُ أُمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ هَذَا الْأَمْرِ الا فِيمَا ثَبت نسخه