فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب حِفْظِ الْعِلْمِ

( قَولُهُ بَابُ حِفْظِ الْعِلْمِ)
لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ لِلْحَدِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ روى الحَدِيث فِي عصره وَقد كَانَ بن عُمَرَ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ فِي جِنَازَتِهِ وَيَقُولُ كَانَ يَحْفَظُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ بن سَعْدٍ وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ مِنَ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ بِجَمِيعِ مَحْفُوظِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَوْجُودُ مِنْ حَدِيثِهِ أَكْثَرُ مِنَ الْمَوْجُودِ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُكْثِرِينَ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَلَى نَفْسِهِ فِي كَثْرَةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّا قَدَّمْنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ مِنَ الْبَابِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْسَ شَيْئًا سَمِعَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ مِثْلُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ



[ قــ :117 ... غــ :118] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الْأُوَيْسِيُّ الْمَدَنِيُّ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَيْ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَهُ فِيهِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ هُنَا زِيَادَةٌ وَهِيَ وَيَقُولُونَ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ وَبِهَا تَبِينُ الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَوَضْعِهِ الْمُظْهَرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ حَيْثُ قَالَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَكْثَرْتُ .

     قَوْلُهُ  وَلَوْلَا آيَتَانِ مَقُولُ قَالَ لَا مَقُولُ يَقُولُونَ وَقَولُهُ ثُمَّ يَتْلُو مَقُولَ الْأَعْرَجِ وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِصُورَةِ التِّلَاوَةِ وَمَعْنَاهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ذَمَّ الْكَاتِمِينَ لِلْعِلْمِ مَا حَدَّثَ أَصْلًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكِتْمَانُ حَرَامًا وَجَبَ الْإِظْهَارُ فَلِهَذَا حَصَلَتِ الْكَثْرَةُ لِكَثْرَةِ مَا عِنْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ الْكَثْرَةِ بِقَوْلِهِ إِنَّ إِخْوَانَنَا وَأَرَادَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ نَفْسَهُ وَأَمْثَالَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ .

     قَوْلُهُ  يَشْغَلُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَحُكِيَ ضَمُّهُ وَهُوَ شَاذٌّ .

     قَوْلُهُ  الصَّفْقُ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ هُوَ ضَرْبُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ وَجَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ .

     قَوْلُهُ  فِي أَمْوَالِهِمْ أَيِ الْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِ زَرْعِهِمْ وَلِمُسْلِمٍ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرَضِيهِمْ وَلِابْنِ سَعْدٍ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَرَضِيهِمْ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ فِيهِ الْتِفَاتٌ إِذْ كَانَ نَسَقَ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ وَإِنِّي .

     قَوْلُهُ  لِشِبَعٍ بِلَامِ التَّعْلِيلِ لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَلِلْأَصِيلِيِّ بِشِبَعِ بِمُوَحَّدَةٍ أَوَّلَهُ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ .

     قَوْلُهُ  وَيَحْضُرُ أَيْ مِنَ الْأَحْوَالِ وَيَحْفَظُ أَيْ مِنَ الْأَقْوَالِ وَهُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى قَوْلِهِ يَلْزَمُ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ شَاهِدًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَلَفْظُهُ لَا أَشُكُّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا نَسْمَعُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِسْكِينًا لَا شَيْءَ لَهُ ضَيْفًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مَشْيَخَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَدِيثِ فَلَا يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ فَيُرَاجِعُونَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفُوهُ ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ كَذَلِكَ حَتَّى فَعَلَ مِرَارًا فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ النَّاسِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْرَفَنَا بِحَدِيثِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَاخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ هَكَذَا وَوَافَقَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَالْإِسْنَادَانِ جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ صَحَّحَهُمَا الشَّيْخَانِ وَزَادُوا فِي رِوَايَتِهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ شَيْئًا سَنَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّانِي





[ قــ :118 ... غــ :119] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ صَاحِبُ مَالِكٍ وَسَقَطَ .

     قَوْلُهُ  أَبُو مُصْعَبٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ أَيْضًا وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  كَثِيرًا هُوَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ حَدِيثًا لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ .

     قَوْلُهُ  فَغَرَفَ لَمْ يَذْكُرِ الْمَغْرُوفَ مِنْهُ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ إِشَارَةً مَحْضَةً .

     قَوْلُهُ  ضُمَّ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْبَاقِينَ ضُمَّهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِأَجْلِ ضَمَّةِ الْهَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا لَكِنْ مَعَ إِسْكَانِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا .

     قَوْلُهُ  فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بعد هُوَ مَقْطُوعُ الْإِضَافَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ وَتَنْكِيرُ شَيْئًا بَعْدَ النَّفْيِ ظَاهِرُ الْعُمُومِ فِي عَدَمِ النِّسْيَانِ مِنْهُ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَوَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فو الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا حَدَّثَنِي بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ عَدَمِ النِّسْيَانِ بِالْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتَهُ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ النِّسْيَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ فَقَطْ لَكِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ يُونُسَ وَمَنْ وَافَقَهُ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ نَبَّهَ بِهِ عَلَى كَثْرَةِ مَحْفُوظِهِ مِنَ الْحَدِيثِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَحْدَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ لَهُ قَضِيَّتَانِ فَالَّتِي رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ مُخْتَصَّةٌ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ وَالْقَضِيَّةُ الَّتِي رَوَاهَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَامَّةٌ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ بن وَهْبٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ تَحَدَّثْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثٍ فَأَنْكَرَهُ فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ سَمِعْتَهُ مِنِّي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدِي فَقَدْ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي تَخْصِيصِ عَدَمِ النِّسْيَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ لَكِنَّ سَنَدَ هَذَا ضَعِيفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ نَادِرٌ وَيَلْتَحِقُ بِهِ حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ لَا عَدْوَى فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْكَرَهُ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ شَيْئًا غَيْرَهُ فَائِدَةٌ الْمَقَالَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أُبْهِمَتْ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ وَقَدْ وَجَدْتُهَا مُصَرَّحًا بِهَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَسْمَعُ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ فَيَتَعَلَّمُهُنَّ وَيُعَلِّمُهُنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعْجِزَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ وَقَدِ اعْتَرَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ مِنْهُ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَآخَرُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ادْعُوَا فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبِي وَأَمَّنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لَا يُنْسَى فَأَمَّنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا وَنَحْنُ كَذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ سَبَقَكُمَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ وَفِيهِ أَنَّ التَّقَلُّلَ مِنَ الدُّنْيَا أَمْكَنُ لِحِفْظِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ التَّكَسُّبِ لِمَنْ لَهُ عِيَالٌ وَفِيهِ جَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ من فَضِيلَة إِذا اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ وَأُمِنَ مِنَ الْإِعْجَابِ .

     قَوْلُهُ  بن أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا أَشْكَلَ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا عَلَى بعض الشَّارِحين لِأَن بن أَبِي فُدَيْكٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ الْمَذْكُورُ قَبْلُ فَيَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّ السِّيَاقَيْنِ مُتَّحِدَانِ إِلَّا فِي اللَّفْظَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِيهِ وَلَيْسَ كَمَا ظن لِأَن بن أَبِي فُدَيْكٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسلم وَهُوَ ليثي يكنى أَبَا إِسْمَاعِيل وبن دِينَارٍ جُهَنِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَكِنِ اشْتَركَا فِي الرِّوَايَة عَن بن أَبِي ذِئْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِغَيْرِهِ وَفِي كَوْنِهِمَا مَدَنِيَّيْنِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ المُصَنّف بِإِسْنَاد آخر عَن بن أَبِي ذِئْبٍ وَكُلُّ ذَلِكَ غَفْلَةٌ عَمَّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ سَاقَهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَالْمَتْنُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ إِلَّا فِي قَوْلِهِ بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا بِالْإِفْرَادِ.

     وَقَالَ  فِيهَا أَيْضًا فَغَرَفَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ فَحَذَفَ بَدَلَ فَغَرَفَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِمَا وَضَحَ فِي سِيَاقه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَقد رَوَاهُ بن سعد فِي الطَّبَقَات عَن بن أَبِي فُدَيْكٍ فَقَالَ فَغَرَفَ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ .

     قَوْلُهُ  حَفِظْتُ عَنْ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ بَدَلَ عَنْ وَهِيَ أَصْرَحُ فِي تَلَقِّيهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَاسِطَةٍ .

     قَوْلُهُ  وِعَاءَيْنِ أَيْ ظَرْفَيْنِ أَطْلَقَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ بِهِ الْحَالَّ أَيْ نَوْعَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي كُنْتُ لَا أَكْتُبُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ مَحْفُوظَهُ مِنَ الْحَدِيثِ لَوْ كُتِبَ لَمَلَأَ وِعَاءَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمْلَى حَدِيثَهُ عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ فَكَتَبَهُ لَهُ وَتَرَكَهُ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَوَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ حَفِظْتُ ثَلَاثَةَ أَجْرِبَةٍ بَثَثْتُ مِنْهَا جِرَابَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِحَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْوِعَاءَيْنِ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْآخَرِ بِحَيْثُ يَجِيءُ مَا فِي الْكَبِيرِ فِي جِرَابَيْنِ وَمَا فِي الصَّغِيرِ فِي وَاحِدٍ وَوَقَعَ فِي الْمُحَدِّثِ الْفَاضِلِ لِلرَّامَهُرْمُزِي مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ أَجْرِبَةٍ وَهُوَ إِنْ ثَبَتَ مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَشَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا لَمْ يَنْشُرْهُ





[ قــ :119 ... غــ :10] .

     قَوْلُهُ  بَثَثْتُهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ تُدْغَمُ فِي الْمُثَنَّاةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَيْ أَذَعْتُهُ وَنَشَرْتُهُ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ الْبُلْعُومُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنِ الْقَتْلِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَقُطِعَ هَذَا يَعْنِي رَأْسَهُ وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ الْوِعَاءَ الَّذِي لَمْ يَبُثَّهُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَبْيِينُ أَسَامِي أُمَرَاءِ السُّوءِ وَأَحْوَالِهِمْ وَزَمَنِهِمْ وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَكُنِّي عَنْ بَعْضِهِ وَلَا يُصَرِّحُ بِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ كَقَوْلِهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السِّتِّينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ يُشِيرُ إِلَى خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَاتَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بن الْمُنِيرِ جَعَلَ الْبَاطِنِيَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ ذَرِيعَةً إِلَى تَصْحِيحِ بَاطِلِهِمْ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ لِلشَّرِيعَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَذَلِكَ الْبَاطِنُ إِنَّمَا حَاصِلُهُ الِانْحِلَالُ مِنَ الدّين قَالَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ قُطِعَ أَيْ قَطَعَ أَهْلُ الْجَوْرِ رَأْسَهُ إِذَا سَمِعُوا عَيْبَهُ لِفِعْلِهِمْ وَتَضْلِيلَهُ لِسَعْيِهِمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَكْتُوبَةَ لَوْ كَانَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا وَسِعَهُ كِتْمَانُهَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَمِّ مَنْ كَتَمَ الْعِلْمَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالْمَلَاحِمِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيُنْكِرُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفْهُ وَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مَنْ لَا شُعُور لَهُ بِهِ