فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ لَا يُتَقَدَّمُ)

بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا أَيِ الْمُكَلَّفُ



[ قــ :1832 ... غــ :1914] .

     قَوْلُهُ  لَا يُتَقَدَّمُ رَمَضَانُ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَيْ لَا يُتَقَدَّمُ رَمَضَانُ بِصَوْمِ يَوْمٍ يُعَدُّ مِنْهُ بِقَصْدِ الِاحْتِيَاطِ لَهُ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُرْتَبِطٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّكَلُّفِ وَاكْتَفَى فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِ الْخَبَرِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ وَنَحْوُهُ لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى .

     قَوْلُهُ  لَا يَتَقَدَّمْنَ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ لَا تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِصَوْمِ وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ وَلِأَحْمَدَ عَنْ رَوْحٍ عَنْ هِشَامٍ لَا تَقَدَّمُوا قَبْلَ رَمَضَانَ بِصَوْمٍ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ تَامَّةٌ أَيْ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ رَجُلٌ .

     قَوْلُهُ  يَصُومُ صَوْمًا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى عِنْدَ أَحْمَدَ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صِيَامًا فياتي ذَلِك عَلَى صِيَامِهِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ رَوْحٍ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صِيَامًا فَلْيَصِلْهُ بِهِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصِيَامٍ عَلَى نِيَّةِ الِاحْتِيَاطِ لِرَمَضَانَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَمَّا أَخْرَجَهُ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ اهـ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ التَّقَوِّي بِالْفِطْرِ لِرَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِيهِ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ جَازَ وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ قَرِيبًا وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ خَشْيَةُ اخْتِلَاطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالرُّؤْيَةِ فَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَدْ حَاوَلَ الطَّعْنَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ فَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ اعْتَادَهُ وَأَلِفَهُ وَتَرْكُ الْمَأْلُوفِ شَدِيدٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنِ اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ فِي شَيْءٍ وَيُلْتَحَقُ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ وَالنُّذُرُ لِوُجُوبِهِمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَثْنَى الْقَضَاءُ وَالنُّذُرُ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ الْقَطْعِيُّ بِالظَّنِّ وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَرَى تَقْدِيمَ الصَّوْمِ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَالرَّافِضَةِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِجَوَازِ صَوْمِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ التَّقَدُّمُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ وَاسْتَدَلَّ بِلَفْظِ التَّقَدُّمِ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الصِّيَامُ بِنْيَةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لَكِنَّ السِّيَاقَ يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَدْفَعُهُ وَفِيهِ بَيَانٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّأْقِيتِ لَا لِلتَّعْلِيلِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَمَعَ كَوْنِهَا مَحْمُولَةً عَلَى التَّأْقِيتِ فَلَا بُدَّ مِنَ ارْتِكَابِ مَجَازٍ لِأَنَّ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ اللَّيْلُ لَا يَكُونُ مَحَلَّ الصَّوْمِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بُقُولِهِ صُومُوا انْوُوا الصِّيَامَ وَاللَّيْلُ كُلُّهُ ظَرْفٌ لِلنِّيَّةِ.

قُلْتُ فَوَقَعَ فِي الْمَجَازِ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ لِأَنَّ النَّاوِيَ لَيْسَ صَائِمًا حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بَعْدَ النِّيَّةِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَفِيهِ مَنْعُ إِنْشَاءِ الصَّوْمِ قَبْلَ رَمَضَانَ إِذَا كَانَ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمَفْهُومُهُ الْجَوَازُ وَقِيلَ يَمْتَدُّ الْمَنْعُ لِمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّقْدِيمُ بِالصَّوْمِ فَحَيْثُ وُجِدَ مُنِعَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِمَّنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ وَقَالُوا أَمَدُ الْمَنْعِ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ لِحَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.

     وَقَالَ  الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ التَّقَدُّمُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَيُكْرَهُ التَّقَدُّمَ مِنْ نِصْفِ شَعْبَانَ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ.

     وَقَالَ  أَحْمد وبن مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى ضَعْفِهِ فَقَالَ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ وَكَذَا صَنَعَ قَبْلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَظْهَرَ بِحَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَعْبَانُ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَاسْتَظْهَرَ أَيْضًا بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ شَيْئًا قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ جُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَحَدِيثُ الْبَابِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَحْتَاطُ بِزَعْمِهِ لِرَمَضَانَ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ وَاللَّهُ أعلم