فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الصائم يصبح جنبا

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ الصَّائِمُ يُصْبِحُ جُنُبًا)

أَيْ هَلْ يَصِحُّ صَوْمُهُ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي أَوْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ



[ قــ :1842 ... غــ :1925] .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ كَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ مُخْتَصَرًا وَعَقَّبَهُ بِطَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَوْهَمَ أَنَّ سِيَاقَهُمَا وَاحِدٌ لَكِنَّهُ سَاقَ لَفْظَ مَالِكٍ بَعْدَ بَابَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَرْوَانَ وَلَا قِصَّةُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ قَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سُمَيٍّ مُطَوَّلًا وَلِمَالِكٍ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا من رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَتَمَّ مِنْهُ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ أَطْنَبَ النَّسَائِيُّ فِي تَخْرِيجِهَا وَفِي بَيَانِ اخْتِلَافِ نَقَلَتِهَا وَسَأَذْكُرُ مُحَصَّلَ فَوَائِدِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ إِنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَان أَي بن الْحَكَمِ وَإِخْبَارُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِمَا ذُكِرَ لِمَرْوَانَ كَانَ بَعْدَ أَنْ أَرْسَلَهُ مَرْوَانُ إِلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظُهُ كُنْتُ أَنَا وَأَبِي عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ مَرْوَانُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَتَذْهَبَنَّ إِلَى أُمِّي الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَلَتَسْألَنَّهُمَا عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَذَهَبْتُ مَعَه حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ فَسَاقَ الْقِصَّةَ وَبَيَّنَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْهَا وَمِنْ نَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهَا فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ إِلَى عَائِشَةَ فَأَتَيْتُهَا فَلَقِيتُ غُلَامَهَا ذَكْوَانَ فَأَرْسَلْتُهُ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا قَالَ فَأَتَيْتُ مَرْوَانَ فَحَدَّثْتُهُ بِذَلِكَ فَأَرْسَلَنِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَتَيْتُهَا فَلَقِيتُ غُلَامَهَا نَافِعًا فَأَرْسَلْتُهُ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَبَا عِيَاضٍ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُجْمَعُ بِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْغُلَامَيْنِ كَانَ وَاسِطَةً بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي السُّؤَالِ كَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَسَمِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ كِلَاهُمَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَسَأَذْكُرُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فَفِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ جَاءَ إِلَى عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَام وَفِي رِوَايَة يُونُس عَن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ وَسَتَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُمَا كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ قَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَلْهَا فَقَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنِّي فَيَصُومُ وَيَأْمُرُنِي بِالصِّيَامِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُجَامِعُ فِي رَمَضَانَ وَيُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إِلَى بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَيَانا للْجُوَاز وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ لَا مِنَ احْتِلَامٍ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَحْتَلِمُ إِذِ الِاحْتِلَامُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِي قَوْلِهَا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ إِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِ الِاحْتِلَامِ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلِاسْتِثْنَاءِ مَعْنًى وَرُدَّ بِأَنَّ الِاحْتِلَامَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاحْتِلَامَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِنْزَالِ وَقَدْ وَقَعَ الْإِنْزَالُ بِغَيْرِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ فِي الْمَنَامِ وَأَرَادَتْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْجِمَاعِ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عَمْدًا يُفْطِرُ وَإِذَا كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ فَالَّذِي يَنْسَى الِاغْتِسَالَ أَوْ يَنَامُ عَنهُ أولى بذلك قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَمَّا كَانَ الِاحْتِلَامُ يَأْتِي لِلْمَرْءِ عَلَى غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يُرَخِّصُ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّدِ الْجِمَاعَ فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ لِإِزَالَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ .

     قَوْلُهُ  وقَال مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أُقْسِمُ بِاللَّهِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَحَدِّثْهُ بِهَذَا فَقَالَ أَنه لجارى وَأَنه لَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ بِمَا يَكْرَهُ فَقَالَ أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَتَلْقَيَنَّهُ وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِمَرْوَانَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ إِنَّهُ لِي صَدِيقٌ وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِ قَوْله وَبَين بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ سَبَبَ ذَلِكَ فَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ وَمَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ قَالَ فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِهِ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُفْتِي النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنِ احْتَلَمَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ وَاقَعَ أَهْلَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا يَصُمْ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلْيُفْطِرْ فَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ مَرْفُوعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  لَتُفَزِّعَنَّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْفَاءِ وَالزَّايِ مِنَ الْفَزَعِ وَهُوَ الْخَوْفُ أَيْ لَتُخِيفَنَّهُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي تُخَالِفُ فَتْوَاهُ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ لَتَقْرَعَنَّ بِفَتْحٍ فَقَافٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ تَقْرَعُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ سَمْعَهُ يُقَالُ قَرَعْتَ بِكَذَا سَمْعَ فُلَانٍ إِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهِ أعلاما صَرِيحًا قَوْله فِي مَرْوَان يَوْمئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ أَيْ أَمِيرٌ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ .

     قَوْلُهُ  فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ بَيَّنَّا سَبَبَ كَرَاهَتِهِ قِيلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ أَيْضًا أَنْ يُخَالِفَ مَرْوَانَ لِكَوْنِهِ كَانَ أَمِيرًا وَاجِبَ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْرُوفِ وَبَيَّنَ أَبُو حَازِم عَن عبد الْملك بن أبي بكر عَنْ أَبِيهِ سَبَبَ تَشْدِيدِ مَرْوَانَ فِي ذَلِكَ فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرُوا قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ اذْهَبْ فَاسْأَلْ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَذَهَبْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمَا لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَتَيْنَا أُمَّ سَلَمَةَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَتَيْنَا مَرْوَانَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ اخْتِلَافُهُمْ تَخَوُّفًا أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا أَتَيْتَهُ فَحَدَّثْتَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَيِ الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَولُهُ وَكَانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَاكَ أَرْضٌ فِيهِ رَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي سَفَرٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْكَبَنَّ دَابَّتِي فَإِنَّهَا بِالْبَابِ فَلَتَذْهَبَنَّ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَلَتُخْبِرَنَّهُ قَالَ فَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَكِبْتُ مَعَهُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَصَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ لِذَلِكَ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ مَعَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ التَّقْدِيرِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاتِّفَاقِ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا قَصَدَاهُ إِلَى الْعَقِيقِ فَلَمْ يَجِدَاهُ ثُمَّ وَجَدَاهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ لَهُ أَيْضًا بِهَا أَرْضٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ مَرْوَانُ عَزَمْتُ عَلَيْكُمَا لَمَا ذَهَبْتُمَا إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فَلَقِينَا أَبَا هُرَيْرَةَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ هُنَا مَسْجِدُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْعَقِيقِ لَا الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ يُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا الْتَقَيَا بِالْعَقِيقِ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقِصَّةَ مُجْمَلَةً أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا بَلْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذِكْرُ تَفْصِيلِهَا وَسَمَاعُ جَوَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَجَعَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِنِّي أَذْكُرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ .

     قَوْلُهُ  لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ مَعَ الْأَكَابِرِ وَتَقْدِيمُ الِاعْتِذَارِ قَبْلَ تَبْلِيغِ مَا يَظُنُّ الْمُبَلِّغُ أَنَّ الْمُبَلَّغَ يَكْرَهُهُ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ الْفَضْلُ مِثْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُخَالَفَةِ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الْإِبْهَامِ أَنَّ رِوَايَةَ شُعَيْبٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لَمْ يَذْكُرْ فِي أَوَّلِهَا كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَلِكَ أَشْكَلَ أَمْرُ الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ كَذَلِكَ وَوَقَعَ كَلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِهِ سَمِعْتُ ذَلِكَ أَيِ الْقَوْلَ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُهُ مِنَ الْفَضْلِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ وَفِي رِوَايَة معمر عَن بن شِهَابٍ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي الْفَضْلُ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ أَعْلَمُ أَيْ بِمَا روى والعهدة عَلَيْهِ فِي ذَلِك لاعلى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَهُنَّ أَعْلَمُ أَيْ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَفِي رِوَايَةِ بن جُرَيْجٍ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَهُمَا قَالَتَاهُ قَالَ هُمَا أَعْلَمُ وَهَذَا يُرَجِّحُ رِوَايَةَ النَّسَفِيِّ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ هِيَ أَيْ عَائِشَةُ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منا وَزَاد بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَتِهِ فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عِنْد النَّسَائِيّ أَنه رَجَعَ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجَعَ عَنْ فُتْيَاهُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَيَعْلَى بْنِ عُقْبَةَ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَحَالَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ لَكِنْ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ إِنَّمَا كَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِيهَا إِنَّمَا حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةِ أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ مِنْهُمْ مَنْ أَبْهَمَ الرَّجُلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا تَارَةً مُبْهَمًا وَتَارَةً مُفَسَّرًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَدًا وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ فَفِي آخِرِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَكَذَا كنت أَحسب قَوْله.

     وَقَالَ  همام وبن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ أَمَّا رِوَايَةُ هَمَّامٍ فَوَصَلَهَا أَحْمد وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْهُ بِلَفْظِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَحَدُكُمْ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ حِينَئِذٍ وَأما رِوَايَة بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَصَلَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن معمر عَن بن شهَاب عَن بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي اسْمِهِ فَقَالَ شُعَيْب عَنهُ أَخْبَرَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِالْفِطْرِ إِذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ.

     وَقَالَ  عُقَيْلٌ عَنْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ فَاخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ هَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ مُكَبَّرًا أَوْ عُبَيْدُ اللَّهِ مُصَغَّرًا.
وَأَمَّا قَوْلُ المُصَنّف وَالْأول أسْند فاستشكله بن التِّينِ قَالَ لِأَنَّ إِسْنَادَ الْخَبَرِ رَفْعُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنَّ الطَّرِيقَ الْأُولَى أَوْضَحُ رَفْعًا قَالَ لَكِنِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ اتِّصَالًا.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَقْوَى إِسْنَادًا وَهِيَ مِنْ حَيْثُ الرُّجْحَانِ كَذَلِكَ لِأَنَّ حَدِيث عَائِشَة وَأم سلمةفي ذَلِكَ جَاءَا عَنْهُمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا بِمَعْنى وَاحِد حَتَّى قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ صَحَّ وَتَوَاتَرَ.
وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَجَاءَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ هَذَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ بَلَغَ مَرْوَانَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ بَعَثَتْ عَائِشَةُ إِلَى أبي هُرَيْرَة لأتحدث بِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو والقارى سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا أَنَا.

قُلْتُ مَنْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ لَكِنْ بَيَّنَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا مَضَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ بِوَاسِطَةِ الْفَضْلِ وَأُسَامَةَ وَكَأَنَّهُ كَانَ لِشِدَّةِ وُثُوقِهِ بِخَبَرِهِمَا يَحْلِفُ عَلَى ذَلِك وَأما مَا أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَقَدْ أَفْطَرَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ نَعَمْ قَدْ رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ الْفَتْوَى بِذَلِكَ إِمَّا لِرُجْحَانِ رِوَايَةِ أُمَّيِ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ صَرِيحًا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا مَعَ مَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا مِنَ الِاحْتِمَالِ إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ أُمَّيِ الْمُؤْمِنِينَ نَاسِخًا لِخَبَرِ غَيْرِهِمَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَى مَقَالَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذِهِ بَعْضُ التَّابِعِينَ كَمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافه كَمَا جزم بِهِ النَّوَوِيّ وَأما بن دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ صَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا أَوْ كَالْإِجْمَاعِ لَكِنْ مِنَ الْآخِذِينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ تَعَمَّدَ الْجَنَابَةَ وَبَيْنَ مَنِ احْتَلَمَ كَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَا حَكَاهُ بن الْمُنْذر عَن طَاوس أَيْضا قَالَ بن بَطَّالٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قُلْتُ وَلم يَصح عَنهُ فقد أخرج ذَلِك بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُهَزِّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُتِمُّ صَوْمه ذَلِك الْيَوْم ويقضيه حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

قُلْتُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَلَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ فَأَرَى أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَقْضِيَ اه وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ رُجُوعُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ صَرِيحًا فِي إِيجَابِ الْقَضَاءِ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ إِيجَابَ الْقَضَاءِ أَيْضًا وَالَّذِي نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ اسْتِحْبَابه وَنقل بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ وَعَنِ النَّخَعِيِّ إِيجَابَ الْقَضَاءِ فِي الْفَرْضِ وَالْإِجْزَاءَ فِي التَّطَوُّعِ وَوَقَعَ لِابْنِ بطال وبن التِّينِ وَالنَّوَوِيِّ وَالْفَاكِهِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ فِي نَقْلِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مُغَايِرَاتٌ فِي نِسْبَتِهَا لِقَائِلِهَا وَالْمُعْتَمَدُ مَا حَرَّرْتُهُ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ كُلَّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْجُنُبِ.
وَأَمَّا الْمُحْتَلِمُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا النَّقْلُ مُعْتَرَضٌ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ فَاسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ ثُمَّ نَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ فَاسْتَفْتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَفْطِرْ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنِ احْتَلَمَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ وَاقَعَ أَهْلَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا يَصُمْ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ التَّفْرِقَةِ وَحَمَلَ الْقَائِلُونَ بِفَسَادِ صِيَامِ الْجُنُبِ حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ بِقَوْلِهِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ يَكُونُ حُكْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ وَحُكْمُ النَّاسِ عَلَى مَا حَكَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَبِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهَا وَتَرْجَمَ بذلك بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ حَيْثُ قَالَ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَمْ يَكُنِ الْمُصْطَفَى مَخْصُوصًا بِهِ ثُمَّ أَوْرَدَ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ أَيْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي وَذَكَرَ بن خُزَيْمَةَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ تَوَهَّمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ غَلِطَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَغْلَطْ بَلْ أَحَالَ عَلَى رِوَايَةِ صَادِقٍ إِلَّا أَنَّ الْخَبَرَ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ ابْتِدَاءِ فَرْضِ الصِّيَامِ كَانَ مَنَعَ فِي لَيْلِ الصَّوْمِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ بَعْدَ النَّوْمِ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْفَضْلِ كَانَ حِينَئِذٍ ثُمَّ أَبَاحَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَانَ لِلْمُجَامِعِ أَنْ يَسْتَمِرَّ إِلَى طُلُوعِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَقَعَ اغْتِسَالُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ الْفَضْلِ وَلَمْ يَبْلُغِ الْفَضْلَ وَلَا أَبَا هُرَيْرَةَ النَّاسِخُ فَاسْتَمَرَّ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الْفُتْيَا بِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ.

قُلْتُ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا الْأَخِيرِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ لِقَوْلِهِ فِيهَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ وَأَشَارَ إِلَى آيَةِ الْفَتْحِ وَهِيَ إِنَّمَا نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَابْتِدَاءُ فَرْضِ الصِّيَامِ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَى دَعْوَى النّسخ فِيهِ ذهب بن الْمُنْذر والخطابى وَغير وَاحِد وَقَررهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الْوَطْءِ فِي لَيْلَةِ الصَّوْمِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْوَقْتُ الْمُقَارِنُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَلْزَمُ إِبَاحَةُ الْجِمَاعِ فِيهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُصْبِحَ فَاعِلُ ذَلِكَ جُنُبًا وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فَإِنَّ إِبَاحَةَ التَّسَبُّبِ لِلشَّيْءِ إِبَاحَةٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ.

قُلْتُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ سُلُوكِ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ وَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَرْجَحُ لِمُوَافَقَةِ أُمِّ سَلَمَةَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ وَرِوَايَةُ اثْنَيْنِ تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ وَاحِدٍ وَلَا سِيَّمَا وَهُمَا زَوْجَتَانِ وَهُمَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَ الرِّجَالِ وَلِأَنَّ رِوَايَتَهُمَا تُوَافِقُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَدْلُولِ الْآيَةِ وَالْمَعْقُولَ وَهُوَ أَنَّ الْغُسْلَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْإِنْزَالِ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ يَحْرُمُ عَلَى صَائِمٍ فَقَدْ يَحْتَلِمُ بِالنَّهَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَلْ يُتِمُّ صَوْمَهُ إِجْمَاعًا فَكَذَلِكَ إِذَا احْتَلَمَ لَيْلًا بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الصَّائِمُ مِنْ تَعَمُّدِ الْجِمَاعِ نَهَارًا وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ يُمْنَعُ مِنَ التَّطَيُّبِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَكِنْ لَوْ تَطَيَّبَ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَبَقِيَ عَلَيْهِ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَين الْحَدِيثين بَان الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْرُ إِرْشَادٍ إِلَى الْأَفْضَلِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَوْ خَالَفَ جَازَ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ هَذَا عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ سُلُوكُ التَّرْجِيحِ وَعَن بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ سُلُوكُ النَّسْخِ وَيُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْإِرْشَادِ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْأَمْرِ بِالْفِطْرِ وَبِالنَّهْيِ عَنِ الصِّيَامِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ بَعْدَ طُلُوعِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ مَنِ احْتَلَمَ وَعَلِمَ بِاحْتِلَامِهِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَا يَصُوم وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ سَقَطَ لَا مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ وَكَانَ فِي الْأَصْلِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ فَلَا يُفْطِرْ فَلَمَّا سَقَطَ لَا صَارَ فَلْيُفْطِرْ وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهَا يَطْرُقُهَا مِثْلُ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ مَا وَقَفَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا عَلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ دُخُولُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَمُذَاكَرَتُهُمْ إِيَّاهُمْ بِالْعِلْمِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنِ اهْتِمَامِهِ بِالْعِلْمِ وَمَسَائِلِ الدِّينِ وَفِيهِ الِاسْتِثْبَاتُ فِي النَّقْلِ وَالرُّجُوعُ فِي الْمَعَانِي إِلَى الْأَعْلَمِ فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا نُوزِعَ فِيهِ رُدَّ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُهُ وَتَرْجِيحُ مَرْوِيِّ النِّسَاءِ فِيمَا لَهُنَّ عَلَيْهِ الِاطِّلَاعُ دُونَ الرِّجَالِ عَلَى مَرْوِيِّ الرِّجَالِ كَعَكْسِهِ وَأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْأَمْرِ أَعْلَمُ بِهِ مِنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَالِائْتِسَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَفْعَالِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ الْخُصُوصِيَّةِ وَأَنَّ لِلْمَفْضُولِ إِذَا سَمِعَ مِنَ الْأَفْضَلِ خِلَافَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ حَتَّى يَقِفَ عَلَى وَجْهِهِ وَأَنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَصِيرِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِيهِ الْحُجَّةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ فِيهِ كَالرَّجُلِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحَقِّ وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْإِرْسَالَ عَنِ الْعُدُولِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِنَّمَا بَيَّنَهَا لِمَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَفِيهِ الْأَدَبُ مَعَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِ أَمْرِ ذِي الْأَمْرِ إِذَا كَانَ طَاعَةً وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْمَأْمُورِ تَكْمِيلٌ فِي مَعْنَى الْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لَيْلًا ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ اغْتِسَالِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً صِحَّةُ صَوْمِهَا إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّا لَا يُعْلَمُ صَحَّ عَنْهُ أَوْ لَا وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَن الْأَوْزَاعِيّ لَكِن حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَيْضًا وَحكى بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ وَوَصَفَ قَوْلَهُ بِالشُّذُوذِ وَحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إِذَا أَخَّرَتْ غُسْلَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَيَوْمُهَا يَوْمُ فِطْرٍ لِأَنَّهَا فِي بَعْضِهِ غَيْرُ طَاهِرَةٍ قَالَ وَلَيْسَ كَالَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا لِأَنَّ الِاحْتِلَام لَا ينْقض الصَّوْم وَالْحيض ينْقضه