فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب المباشرة للصائم

( قَولُهُ بَابُ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ)
أَيْ بَيَانُ حُكْمِهَا وَأَصْلُ الْمُبَاشَرَةِ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ سَوَاءٌ أَوْلَجَ أَوْ لَمْ يُولِجْ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ مُرَادًا بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ .

     قَوْلُهُ  وقَالتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا وَصَلَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عُقَيْلٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عِقَالٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا يَحْرُمُ عَلَيَّ مِنِ امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ فَرْجُهَا إِسْنَادُهُ إِلَى حَكِيمٍ صَحِيحٌ وَيُؤَدِّي مَعْنَاهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ صَائِمًا قَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ



[ قــ :1843 ... غــ :1927] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ سَعِيدٍ بِمُهْمَلَةٍ وَآخِرُهُ دَالٌ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَلَيْسَ فِي شُيُوخِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَحَدٌ اسْمُهُ سعيد حَدثهُ عَن الحكم وَالْحكم الْمَذْكُور هُوَ بن عُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَلَى الصَّوَابِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلْقَمَةَ وَشُرَيْحَ بْنَ أَرْطَاةَ رَجُلَانِ مِنَ النَّخَعِ كَانَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ سَلْهَا عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ قَالَ مَا كُنْتُ لِأَرْفُثَ عِنْدَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَوَاهُ غُنْدَرٌ وبن أَبِي عَدِيٍّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالُوا عَنْ عَلْقَمَةَ وَحَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ عَنِ الْأَسْوَدِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَصَرَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْهُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ.

قُلْتُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْبُخَارِيِّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ عَنْ شُعْبَةَ فَلَعَلَّ شُعْبَةَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ لَمْ يَقُولُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الْأَسْوَدِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَرِوَايَةِ يُوسُفَ الْمُتَقَدّمَة وَصورتهَا الْإِرْسَال وَكَذَا أخرجه النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ شُعْبَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَشُرَيْحٍ وَقَدْ تَرْجَمَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَالِاخْتِلَافَ عَلَى الْحَكَمِ وَعَلَى الْأَعْمَشِ وَعَلَى مَنْصُورٍ وَعَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ كُلُّهُمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ خَرَجَ نَفَرٌ مِنَ النَّخَعِ فِيهِمْ رَجُلٌ يُدْعَى شُرَيْحًا فَحَدَّثَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَ رَأْسَكَ بِالْقَوْسِ فَقَالَ قُولُوا لَهُ فَلْيَكُفَّ عَنِّي حَتَّى نَأْتِيَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أَتَوْهَا قَالُوا لِعَلْقَمَةَ سَلْهَا فَقَالَ مَا كُنْتُ لِأَرْفُثَ عِنْدَهَا الْيَوْمَ فَسَمِعَتْهُ فَقَالَتْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ عَنْ مَنْصُورٍ فَجَعَلَ شُرَيْحًا هُوَ الْمُنَكَّرَ وَأَبْهَمَ الَّذِي حَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ اسْتَوْعَبَ النَّسَائِيُّ طُرُقَهُ وَعُرِفَ مِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ جَمِيعًا فَلَعَلَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً يَجْمَعُ وَتَارَةً يُفَرِّقُ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كُلُّهَا صِحَاحٌ وَعُرِفَ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلِ سَبَبُ تَحْدِيثِ عَائِشَةَ بِذَلِكَ وَاسْتِدْرَاكِهَا عَلَى مَنْ حَدَّثَ عَنْهَا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهَا وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ فَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ لِمَنْ يَكُونُ مَالِكًا لِنَفْسِهِ دُونَ مَنْ لَا يَأْمَنُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا يَحْرُمُ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ الْأَسْوَدُ.

قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ قَالَتْ لَا.

قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ إِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ خُصُوصِيَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ وَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْهَا وَقَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ يَعْنِي الْآتِي ذِكْرُهُ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْوَاقِعَةِ.

قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ صَرِيحًا إِبَاحَةُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهَا الْمُتَقَدِّمِ إِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ بِحَمْلِ النَّهْيِ هُنَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَإِنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِبَاحَةَ وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لِيُوسُفَ الْقَاضِي مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ بِلَفْظِ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَتْهَا وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَصْدِيرِ الْبُخَارِيِّ بِالْأَثَرِ الْأَوَّلِ عَنْهَا لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ مُرَادَهَا بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي طَرِيقِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرَى بِتَحْرِيمِهَا وَلَا بِكَوْنِهَا مِنَ الْخَصَائِصِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا وَهُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُلَاعِبَهَا وَتُقَبِّلَهَا قَالَ أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ التَّقْبِيلُ أَخَصُّ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ كَانَ يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَوْمِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَهَا قَوْمٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرَوَى بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَنَقَلَ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَالْآن باشروهن الْآيَةَ فَمَنَعَ الْمُبَاشَرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَهَارًا وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ لَا مَا دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِإِفْطَارِ مَنْ قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيّ عَن قوم لم يسمهم والزم بن حَزْمٍ أَهْلَ الْقِيَاسِ أَنْ يُلْحِقُوا الصِّيَامَ بِالْحَجِّ فِي منع الْمُبَاشَرَةِ وَمُقَدِّمَاتِ النِّكَاحِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إِبْطَالِهِمَا بِالْجِمَاعِ وَأَبَاحَ الْقُبْلَةَ قَوْمٌ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَةٌ بَلْ بَالَغَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَاسْتَحَبَّهَا وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ فَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ وَأَبَاحَهَا لِلشَّيْخِ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثَانِ مَرْفُوعَانِ فِيهِمَا ضَعْفٌ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْآخَرُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ وَكَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ وَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلصَّائِمِ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ أَنْ يُقَبِّلَ وَإِلَّا فَلَا لِيَسْلَمَ لَهُ صَوْمُهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّابَّ وَالشَّيْخَ سَوَاءٌ لِأَنَّ عُمَرَ حِينَئِذٍ كَانَ شَابًّا وَلَعَلَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَا بَلَغَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ زَوْجُهَا يُرَخِّصُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِيمَا يَشَاءُ فَرَجَعَتْ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ قَالَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ أَمَذَى فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ يَقْضِي إِذَا أَنْزَلَ فِي غَيْرِ النَّظَرِ وَلَا قَضَاءَ فِي الْإِمْذَاءِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ يَقْضِي فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ إِلَّا فِي الْإِمْذَاءِ فَيَقْضِي فَقَطْ وَاحْتُجَّ لَهُ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ أَقْصَى مَا يُطْلَبُ بِالْجِمَاعِ مِنَ الِالْتِذَاذِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ عُلِّقَتْ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِنْزَالٌ فَافْتَرقَا وروى عِيسَى بن دِينَار عَن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فِيمَنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ وَلَمْ يُمْذِ وَلَا أَنْزَلَ وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ حُذَيْفَةَ مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف.

     وَقَالَ  بن قُدَامَةَ إِنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَ وَفِيه نظر فقد حكى بن حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ أَنْزَلَ وَقَوَّى ذَلِكَ وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَسَأَذْكُرُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ زِيَادَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  لِأَرَبِهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ حَاجَتُهُ وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ عُضْوُهُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنَ التَّفْسِيرِ .

     قَوْلُهُ  وقَال بن عَبَّاسٍ مَأْرَبٌ حَاجَةٌ مَأْرَبٌ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاء وَهَذَا وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ حَاجَةٌ أُخْرَى كَذَا فِيهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْجَمْعِ بِالْوَاحِدِ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِيهَا حَاجَاتٌ أَوْ حَوَائِجُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ حَوَائِجُ أُخْرَى قَوْله.

     وَقَالَ  طَاوس غير أولى الاربة الْأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ غَيْرِ أُولِي الاربة قَالَ هُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي النِّسَاءِ حَاجَةٌ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْأَثَرُ بِعُلُوٍّ فِي جُزْءِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ الْمَرْوِيِّ مِنْ طَرِيقِ السِّلَفِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِهِ لِأَرَبِهِ وَرَأَيْتُ بِخَطِّ مُغَلْطَايْ فِي شَرْحِهِ هُنَا قَالَ.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ أَيْ فِي تَفْسِيرِ أُولِي الْإِرْبَةِ الْمُقْعَدُ.

     وَقَالَ  بن جُبَيْرٍ الْمَعْتُوهُ.

     وَقَالَ  عِكْرِمَةُ الْعِنِّينُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقُطْبَ لَمَّا أَخْرَجَ أثر طَاوس قَالَ بعده وَعَن بن عَبَّاس المعقد إِلَخْ وَلَمْ يُرِدِ الْقُطْبُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْقُطْبُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ .

     قَوْلُهُ  وقَال جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ وَصله بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ هَرَمٍ سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ نَظَرَ إِلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَأَمْنَى مِنْ شَهْوَتِهَا هَلْ يُفْطِرُ قَالَ لَا وَيُتِمُّ صَوْمَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ قَرِيبًا تَنْبِيهٌ وَقَعَ هَذَا الْأَثَرُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ هُنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ فِي أَوَّلِ الْبَاب الَّذِي بعده وَذكره بن بَطَّالٍ فِي الْبَابَيْنِ مَعًا وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْبَابَيْنِ مِنْ جِهَةِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ بِاخْتِيَارِهِ بَين مَنْ يَقَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى