فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من مات وعليه صوم

( قَولُهُ بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ)
أَيْ هَلْ يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ عَنْهُ أَمْ لَا وَإِذَا شُرِعَ هَلْ يَخْتَصُّ بِصِيَامٍ دُونَ صِيَامٍ أَوْ يَعُمُّ كُلَّ صِيَامٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الصَّوْمُ أَوْ يُجْزِئُ الْإِطْعَامُ وَهَلْ يَخْتَصُّ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ أَوْ يَصِحُّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الذَّبْحِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ الضُّبَعِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَجُمِعَ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَصَامُوا عَنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فِي الْمَذْهَبِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ.

قُلْتُ لَكِنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِصَوْمٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّتَابُعُ لِفَقْدِ التَّتَابُعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ



[ قــ :1869 ... غــ :1952] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن خَالِد أَي بن خَلِيٍّ بِمُعْجَمَةٍ وَزْنُ عَلِيٍّ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَجَزَمَ الْجَوْزَقِيُّ بِأَنَّهُ الذُّهْلِيُّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ عَنْهُ.

     وَقَالَ  أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ أَيْن يَحْيَى وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ وَصَنِيعُ الْمِزِّيِّ يُوَافِقُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ نَسَبَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا إِلَى جَدِّ أَبِيهِ لِأَنَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ وَشَيْخَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ أَدْرَكَهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْمِصْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  مَنْ مَاتَ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ لِقَرِينَةٍ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ وَقَولُهُ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ تَقْدِيرُهُ فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبَالَغَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَادَّعَوُا الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَوْجَبَهُ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَازَ الصِّيَامَ عَنِ الْمَيِّتِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَابِتَةٌ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ كُلُّ مَا.

قُلْتُ وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ فَخُذُوا بِالْحَدِيثِ وَلَا تُقَلِّدُونِي.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَامُ عَنِ الْمَيِّتِ.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَا يُصَامُ عَنْهُ إِلَّا النَّذْرُ حَمْلًا لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَحَدِيث بن عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ سَأَلَ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ عَامَّة وَقد وَقعت الْإِشَارَة فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَى نَحْوِ هَذَا الْعُمُومِ حَيْثُ قِيلَ فِي آخِرِهِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى.
وَأَمَّا رَمَضَانُ فَيُطْعِمُ عَنْهُ فَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِدَعْوَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَعَادَتِهِمْ وَادَّعَى الْقُرْطُبِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ أَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَلَيْسَ الِاضْطِرَابُ فِيهِ مُسَلَّمًا كَمَا سَيَأْتِي.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلَا اضْطِرَاب فِيهِ وَاحْتج الْقُرْطُبِيّ بِزِيَادَة بن لَهِيعَةَ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُعْظَمَ الْمُجِيزِينَ لَمْ يُوجِبُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا قَالُوا يَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الْجَدِيدِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَيْ فَعَلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ التُّرَابُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ قَالَ فَسَمَّى الْبَدَلَ بِاسْمِ الْمُبْدَلِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَاعْتَلُّوا لِعَدَمِ الْقَوْلِ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ قَالَتْ يُطْعَمُ عَنْهَا وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَبِمَا رُوِيَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ قَالَ يُطْعَمُ عَنْهُ ثَلَاثُونَ مِسْكِينًا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وروى النَّسَائِيّ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ قَالُوا فَلَمَّا أفتى بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ بِخِلَافِ مَا رَوَيَاهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَيَاهُ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَهُمْ مَعْرُوفَةٌ إِلَّا أَنَّ الْآثَارَ الْمَذْكُورَة عَن عَائِشَة وَعَن بن عَبَّاسٍ فِيهَا مَقَالٌ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الصِّيَامَ إِلَّا الْأَثَرُ الَّذِي عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا رَوَاهُ لَا ماراه لاحْتِمَال أَن يُخَالف ذَلِك لاجتهاد وَمُسْتَنَدُهُ فِيهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَإِذَا تَحَقَّقَتْ صِحَّةُ الْحَدِيثِ لَمْ يُتْرَكِ الْمُحَقَّقُ لِلْمَظْنُونِ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُصُولِ وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَلِيُّهُ فَقِيلَ كُلُّ قَرِيبٍ وَقِيلَ الْوَارِثُ خَاصَّةً وَقِيلَ عَصَبَتُهُ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَالثَّانِي قَرِيبٌ وَيَرُدُّ الثَّالِثَ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْ عَنْ نَذْرِ أُمِّهَا وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَابَةِ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ إِلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ الدَّلِيلُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْوَلِيِّ فَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يَصُومَ عَنْهُ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ وَقِيلَ يَصِحُّ اسْتِقْلَالُ الْأَجْنَبِيِّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيَّ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ اخْتِيَارُ هَذَا الْأَخِيرِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَقَوَّاهُ بِتَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يخْتَص بالقريب قَوْله تَابعه بن وهب عَن عَمْرو يَعْنِي بن الْحَارِثِ الْمَذْكُورَ بِسَنَدِهِ وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِهِ .

     قَوْلُهُ  وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ يَعْنِي الْمِصْرِيَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ وَرِوَايَتُهُ هَذِهِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بن الرّبيع وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَوَافِقَةٌ وَرَوَاهُ الْبَزَّار من طَرِيق بن لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ فَزَادَ فِي آخِرِ الْمَتْنِ إِنْ شَاءَ





[ قــ :1870 ... غــ :1953] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بصاعقه وَمُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الْأَزْدِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْكَرْمَانِيِّ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا وَفِي الْجِهَادِ وَفِي الصَّلَاةِ بِوَاسِطَةٍ وَكَانَ طَلَبَ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورَ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ كَبِيرٌ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ طَلَبَهُ وَهُوَ عَلَى قَدْرِ سِنِّهِ لَكَانَ مِنْ أَعْلَى شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَزَائِدَةُ شَيْخه هُوَ بن قُدَامَةَ الثَّقَفِيُّ مَشْهُورٌ قَدْ لَقِيَ الْبُخَارِيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورِ وَشُعْبَةُ لَا يُحَدِّثُ عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رُبَّمَا دَلَّسُوا إِلَّا بِمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ رَجُلٌ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ زَائِدَةَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي تَسْمِيَتِهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَاتَّفَقَ مَنْ عَدَا زَائِدَةَ وَعَبْثَرَ بْنَ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ امْرَأَةٌ وَزَادَ أَبُو حَرِيزٍ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهَا خَثْعَمِيَّةٌ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ أُمِّي خَالَفَ أَبُو حَامِدٍ جَمِيعَ مَنْ رَوَاهُ فَقَالَ إِنَّ أُخْتِي وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْهُ ذَاتُ قَرَابَةٍ لَهَا.

     وَقَالَ  شُعْبَةُ عَنْهُ إِنَّ أُخْتَهَا أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ.

     وَقَالَ  حَمَّادٌ عَنْهُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا إِمَّا أُخْتُهَا وَإِمَّا ابْنَتُهَا وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِيهِ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .

     قَوْلُهُ  وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَرِيزٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ وَرِوَايَتُهُ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ إِلَّا رِوَايَةَ زَيْدِ بْنِ أبي أنيسَة فَقَالَ إِن عَلَيْهَا صَوْم ندر وَهَذَا وَاضِحٌ فِي أَنَّهُ غَيْرُ رَمَضَانَ وَبَيَّنَ أَبُو بِشْرٍ فِي رِوَايَتِهِ سَبَبَ النَّذْرِ فَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَصُومَ فَأَتَتْ أُخْتُهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ اضْطَرَبَ فِيهِ الرُّوَاةُ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ السَّائِلَ امْرَأَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رَجُلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ نَذْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالصَّوْمِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْحَجِّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السَّائِلَةَ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ خَثْعَمِيَّةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَرِيزٍ الْمُعَلَّقَةِ وَالسَّائِلَةَ عَنْ نذر الْحَج جُهَيْنَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَنِ الْحَجِّ وَعَنِ الصَّوْمِ مَعًا.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِ السَّائِلِ رجلا أَو امْرَأَة والمسؤل عَنْهُ أُخْتًا أَوْ أَمَّا فَلَا يَقْدَحُ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الصَّوْمِ أَوِ الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ وَلَا اضْطِرَابَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ قُبَيْلَ فَضْلِ الْمَدِينَةِ مُسْتَوْفًى .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُلَيْمَانُ هُوَ الْأَعْمَشُ يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِلَيْهِ قَوْله فَقَالَ الحكم أَي بن عتيبة وَسَلَمَة أَي بن كُهَيْلٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَعْمَشَ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ من ثَلَاثَة أنفس فِي مجْلِس وَاحِد من مُسْلِمِ الْبَطِينِ أَوَّلًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ثمَّ من الحكم وَسَلَمَة عَن مُجَاهِد وَقد خَالَفَ زَائِدَةَ فِي ذَلِكَ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ إِلَخْ مُحَصَّلُهُ أَنَّ أَبَا خَالِدٍ جَمَعَ بَيْنَ شُيُوخِ الْأَعْمَشِ الثَّلَاثَةِ فَحَدَّثَ بِهِ عَنْهُ عَنْهُمْ عَنْ شُيُوخٍ ثَلَاثَةٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ اللَّفَّ وَالنَّشْرَ بِغَيْرِ تَرْتِيبٍ فَيَكُونَ شَيْخُ الْحَكَمِ عَطَاءً وَشَيْخُ الْبَطِينِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَشَيْخُ سَلَمَةَ مُجَاهِدًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ عَنِ الْأَعْمَشِ مُفَصَّلًا هَكَذَا وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ أَبِي خَالِدٍ وَقَدْ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ لَكِنْ لَمْ يَسُقِ الْمَتْنَ بَلْ أَحَالَ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ زَائِدَةَ وَهُوَ مُعْتَرَضٌ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةً سَيَأْتِي بَيَانُهَا وَوَصَلَهَا أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة وبن خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال يحيى أَي بن سَعِيدٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ إِلَخْ وَافَقَا زَائِدَةَ عَلَى أَنَّ شَيْخَ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ وَعُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ وَآخَرُونَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَطُرُقُهُمْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا .

     قَوْلُهُ  وقَال عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَيِ الرَّقِّيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ إِلَخْ هَذَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ شَيْخَ الْحَكَمِ فِيهَا عَطَاءٌ وَفِي هَذِهِ شَيْخُهُ سَعِيدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَطَرِيقُ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذِهِ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو حَرِيزٍ بِالْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَالزَّايِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْن قَاضِي سجستان وَطَرِيقه هَذِه وَصلهَا بن خُزَيْمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَمِنْ جِهَتِهِ الْبَيْهَقِيُّ