فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التنكيل لمن أكثر الوصال

( قَولُهُ بَابُ التَّنْكِيلِ لِمَنْ أَكْثَرَ الْوِصَالَ)
التَّقْيِيدُ بِأَكْثَرَ قد يفهم مِنْهُ أَن من قلل مِنْهُ لَا نَكَالَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقْلِيلَ مِنْهُ مَظِنَّةٌ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّنْكِيلِ ثُبُوتُ الْجَوَازِ .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَهُ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ



[ قــ :1882 ... غــ :1965] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَكَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَتَابَعَهُ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِيرِ وَمَعْمَرٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّمَنِّي وَيُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَآخَرُونَ وَخَالَفَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُحَارِبِينَ وَفِي التَّمَنِّي وَلَيْسَ اخْتِلَافًا ضَارًّا فَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ هَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَكَذَا ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الزبيدِيّ تَابع بن نُمَيْرٍ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْوِصَالِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنَ الْوِصَالِ .

     قَوْلُهُ  وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ ظَاهِرُهُ أَنَّ قَدْرَ الْمُوَاصَلَةِ بِهِمْ كَانَتْ يَوْمَيْنِ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  لَوْ تَأَخَّرَ أَيِ الشَّهْرُ لَزِدْتُكُمْ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ لَوْ وَحُمِلَ النَّهْيُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ التَّمَنِّي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ أَيْ فِي الْوِصَالِ إِلَى أَنْ تَعْجِزُوا عَنْهُ فَتَسْأَلُوا التَّخْفِيفَ عَنْكُمْ بِتَرْكِهِ وَهَذَا كَمَا أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا مِنْ حِصَارِ الطَّائِفِ فَلَمْ يُعْجِبُهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِمُبَاكَرَةِ الْقِتَالِ مِنَ الْغَدِ فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحٌ وَشِدَّةٌ وَأَحَبُّوا الرُّجُوعَ فَأَصْبَحَ رَاجِعًا بِهِمْ فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ مُوَضَّحًا فِي كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ وَوَقَعَ فِيهَا عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي كَالْمُنْكِرِ بِالرَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ مِنَ الْإِنْكَارِ وَلِلْحَمَوِيِّ كَالْمُنْكِي بِتَحْتَانِيَّةِ سَاكِنَةٍ قَبْلَهَا كَافٌ مَكْسُورَة خَفِيفَة مِنَ النِّكَايَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي تَضَافَرَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ خَارِجَ هَذَا الْكِتَابِ وَالتَّنْكِيلُ الْمُعَاقَبَةُ





[ قــ :1883 ... غــ :1966] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى كَذَا لِلْأَكْثَرِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ وَلِأَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى .

     قَوْلُهُ  إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ مَرَّتَيْنِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَرَّتَيْنِ اخْتِصَارٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَوْ شَيْخِهِ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا قَالَ أَحْمد وَرَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ .

     قَوْلُهُ  ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ كَذَا فِي الطَّرِيقَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَظَلُّ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مُطْلَقِ الْكَوْنِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ لَيْلًا لَا نَهَارًا وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَبِيتُ وَكَانَ بعض الروَاة عبر عَنْهَا بأظل نَظَرًا إِلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْكَوْنِ يَقُولُونَ كَثِيرًا أَضْحَى فُلَانٌ كَذَا مَثَلًا وَلَا يُرِيدُونَ تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِوَقْتِ الضُّحَى وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِنَهَارٍ دُونَ لَيْلٍ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيد بن مَنْصُور وبن أَبِي شَيْبَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي فَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد أَيْضا عَن بن نُمَيْرٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعيد عَن بن نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَذَلِكَ وَأخرجه هُوَ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ وَوَقَعَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ شَيْءٌ غَرِيبٌ فَإِنَّهُ أخرجه عَن بن نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَلَفْظُ عُمَارَةَ الْمَذْكُورُ عِنْدَهُ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَقَدْ عَرَفْتُ أَن رِوَايَة بن نُمَيْرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فِيهَا عِنْدَ رَبِّي وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا الْأَعْمَشُ فَقَدْ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَوَقَعَتْ فِي حَدِيثِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ الْمَاضِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا بِلَفْظِ أَظَلُّ عِنْدَ اللَّهِ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بِلَفْظِ عِنْدَ رَبِّي وَوَقَعَتْ أَيْضًا كَذَلِكَ عِنْدَ سعيد بن مَنْصُور وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ بِلَفْظِ إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَقِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامِ وَشَرَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَرَامَةً لَهُ فِي ليَالِي صِيَامه وَتعقبه بن بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَبِأَنَّ قَوْلَهَ يَظَلُّ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ فَلَوْ كَانَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ صَائِمًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاجِحَ مِنَ الرِّوَايَاتِ لَفْظُ أَبِيتُ دُونَ أَظَلُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ فَلَيْسَ حَمْلُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الْمَجَازِ بِأَوْلَى لَهُ مِنْ حَمْلِ لَفْظِ أَظَلُّ عَلَى الْمَجَازِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يُؤْتَى بِهِ الرَّسُولُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَشَرَابِهَا لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ فِيهِ كَمَا غُسِلَ صَدْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَسْتِ الذَّهَبِ مَعَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ أَوَانِي الذَّهَب الدُّنْيَوِيَّة حرَام.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ الَّذِي يُفْطِرُ شَرْعًا إِنَّمَا هُوَ الطَّعَامُ الْمُعْتَادُ.
وَأَمَّا الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ كَالْمُحْضَرِ مِنَ الْجَنَّةِ فَعَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ تَعَاطِيهِ مِنْ جِنْسِ الْأَعْمَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الثَّوَابِ كَأَكْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَالْكَرَامَةُ لَا تُبْطِلُ الْعِبَادَةَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بَلِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ أَبِيتُ وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ فِي اللَّيْلِ مِمَّا يُؤْتَى بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ لَا يَقْطَعُ وِصَالَهُ خُصُوصِيَّةً لَهُ بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمَّا قِيلَ لَهُ إِنَّكَ تُوَاصِلُ فَقَالَ إِنِّي لَسْتُ فِي ذَلِكَ كَهَيْئَتِكُمْ أَيْ عَلَى صِفَتِكُمْ فِي أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْكُمْ أَوْ شَرِبَ انْقَطَعَ وِصَالُهُ بَلْ إِنَّمَا يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَلَا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ مُوَاصَلَتِي فَطَعَامِي وَشَرَابِي عَلَى غَيْرِ طَعَامِكُمْ وَشَرَابِكُمْ صُورَةً وَمَعْنًى.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَحَالِ النَّائِمِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَيَسْتَمِرُّ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ وَلَا يَنْقَطِعُ وِصَالُهُ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَالَةِ اسْتِغْرَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْوَالِهِ الشَّرِيفَةِ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ فِيهِ حِينَئِذٍ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ .

     قَوْلُهُ  يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ يُعْطِينِي قُوَّةَ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ وَيُفِيضُ عَلَيَّ مَا يَسُدُّ مَسَدَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيُقَوِّي عَلَى أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الْقُوَّةِ وَلَا كَلَالٍ فِي الْإِحْسَاسِ أَوِ الْمَعْنَى إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَا يُغْنِيه عَن الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يُحِسُّ بِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُعْطي الْقُوَّة من غير شبع ولارى مَعَ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ وَعَلَى الثَّانِي يُعْطَى الْقُوَّةَ مَعَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الثَّانِي يُنَافِي حَالَ الصَّائِمِ وَيُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنَ الصِّيَامِ وَالْوِصَالِ لِأَنَّ الْجُوعَ هُوَ رُوحُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ بِخُصُوصِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إِلَى حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُ وَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحِجَارَة من الْجُوع قلت وَتمسك بن حِبَّانَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَضْعِيفِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجُوعُ وَيَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُطْعِمُ رَسُولَهُ وَيَسْقِيهِ إِذَا وَاصَلَ فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ جَائِعًا حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى شَدِّ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَاذَا يُغْنِي الْحَجَرُ مِنَ الْجُوعِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ تَصْحِيفٌ مِمَّنْ رَوَاهُ وَإِنَّمَا هِيَ الْحُجَزُ بِالزَّايِ جَمْعُ حُجْزَةٍ وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَأَبْلَغُ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ أَنه أخرج فِي صَحِيحه من حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ مَا أَخْرَجَكُمَا قَالَا مَا أَخْرَجَنَا إِلَّا الْجُوعُ فَقَالَ وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَخْرَجَنِي إِلَّا الْجُوعُ الْحَدِيثَ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُغْنِي الْحَجَرُ مِنَ الْجُوعِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُقِيمُ الصُّلْبَ لِأَنَّ الْبَطْنَ إِذَا خَلَا رُبَّمَا ضَعُفَ صَاحِبُهُ عَنِ الْقِيَامِ لِانْثِنَاءِ بَطْنِهِ عَلَيْهِ فَإِذَا رُبِطَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ اشْتَدَّ وَقَوِيَ صَاحِبُهُ عَلَى الْقِيَامِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ كُنْتُ أَظُنُّ الرِّجْلَيْنِ يَحْمِلَانِ الْبَطْنَ فَإِذَا الْبَطْنُ يَحْمِلُ الرِّجْلَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي أَيْ يَشْغَلُنِي بِالتَّفَكُّرِ فِي عَظَمَتِهِ وَالتَّمَلِّي بِمُشَاهَدَتِهِ وَالتَّغَذِّي بِمَعَارِفِهِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ بِمَحَبَّتِهِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي مُنَاجَاتِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِلَى هَذَا جنح بن الْقَيِّمِ.

     وَقَالَ  قَدْ يَكُونُ هَذَا الْغِذَاءُ أَعْظَمَ مِنْ غِذَاءِ الْأَجْسَادِ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَتَجْرِبَةٍ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ بِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْغِذَاءِ الْجُسْمَانِيِّ وَلَا سِيَّمَا الْفَرِحَ الْمَسْرُورَ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ قَوْله اكلفوا بِسُكُون الْكَاف وَضم اللَّام أَيِ احْمِلُوا الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ يُقَالُ كَلِفْتُ بِكَذَا إِذَا وَلِعْتَ بِهِ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَهُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ اللَّامِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ لُغَةً .

     قَوْلُهُ  بِمَا تُطِيقُونَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِمَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ