فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ هَلْ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِحَوَائِجِهِ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ)

أَوْرَدَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ لِاحْتِمَالِ الْقَضِيَّةِ مَا تَرْجَمَ لَهُ لَكِنَّ تَقْيِيدَهُ ذَلِكَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَنْ بَتِّ الْحُكْمِ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاشْتِغَالِ فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ الْعِبَادَةِ



[ قــ :1951 ... غــ :2035] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخْبرته عِنْد بن حِبَّانَ فِي رِوَايَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بِمُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ مُصَغرًا بن أَخْطَبَ كَانَ أَبُوهَا رَئِيسَ خَيْبَرَ وَكَانَتْ تَكَنَّى أُمَّ يَحْيَى وَسَيَأْتِي شَرْحُ تَزْوِيجِهَا فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي تَصْرِيحِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِأَنَّهَا حَدَّثَتْهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ أَوْ نَحْوَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَاتَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حِينَ سَمِعَ مِنْهَا صَغِيرًا وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي وَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ الطَّرِيقَ الْمَوْصُولَةَ وَحَمَلَ الطَّرِيقَ الْمُرْسَلَةَ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَ عَلِيٍّ عَنْ صَفِيَّةَ فَلَمْ يَجْعَلْهَا عِلَّةً لِلْمَوْصُولِ كَمَا صَنَعَ فِي طَرِيقِ مَالِكٍ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْآتِيَةِ فِي صِفَةِ إِبْلِيسَ فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ.

     وَقَالَ  لِصَفِيَّةَ لَا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اخْتِصَاصَ صَفِيَّةَ بِذَلِكَ لِكَوْنِ مَجِيئِهَا تَأَخَّرَ عَنْ رُفْقَتِهَا فَأَمَرَهَا بِتَأْخِيرِ التَّوَجُّهِ لِيَحْصُلَ لَهَا التَّسَاوِي فِي مُدَّةِ جُلُوسِهِنَّ عِنْدَهُ أَوْ أَنَّ بُيُوتَ رُفْقَتِهَا كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْ مَنْزِلِهَا فَخَشِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا أَوْ كَانَ مَشْغُولًا فَأَمَرَهَا بِالتَّأَخُّرِ لِيَفْرُغَ مِنْ شُغْلِهِ وَيُشَيِّعَهَا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاق من طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي الْمَسْجِدِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ فَقَالَ لِصَفِيَّةَ أَقْلِبُكِ إِلَى بَيْتكِ فَذَهَبَ مَعَهَا حَتَّى أَدْخَلَهَا بَيْتَهَا وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَيِ الدَّارِ الَّتِي صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ أُسَامَةَ إِذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَارٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِحَيْثُ تَسْكُنُ فِيهَا صَفِيَّةُ وَكَانَتْ بُيُوتُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَالَيْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ تَرْجَمَةِ المُصَنّف قَوْله فتحدثت عِنْده سَاعَة زَاد بن أَبِي عَتِيقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ أَيْ تَرُدُّ إِلَى بَيْتِهَا فَقَامَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ يَرُدُّهَا إِلَى مَنْزِلِهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي رِوَايَةِ بن أَبِي عَتِيقٍ الَّذِي عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ وَالْمُرَادُ بِهَذَا بَيَانُ الْمَكَانِ الَّذِي لَقِيَهُ الرَّجُلَانِ فِيهِ لِإِتْيَانِ مَكَانِ بَيْتِ صَفِيَّةَ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِمَا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ بن الْعَطَّارِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ زَعَمَ أَنَّهُمَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْآتِيَةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ فَأَبْصَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بالافراد.

     وَقَالَ  بن التِّينِ إِنَّهُ وَهَمٌ ثُمَّ قَالَ يَحْتَمِلُ تَعَدُّدَ الْقِصَّةِ.

قُلْتُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ تَبَعًا لِلْآخَرِ أَوْ خُصَّ أَحَدُهُمَا بِخِطَابِ الْمُشَافَهَةِ دُونَ الْآخَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزُّهْرِيُّ كَانَ يَشُكُّ فِيهِ فَيَقُولُ تَارَةً رَجُلٌ وَتَارَةً رَجُلَانِ فَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَقِيَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ بِالشَّكِّ وَلَيْسَ لِقَوْلِهِ رَجُلٌ مَفْهُومٌ نَعَمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِالْإِفْرَادِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ تَبَعًا لِلْآخَرِ فَحَيْثُ أَفْرَدَ ذَكَرَ الْأَصْلَ وَحَيْثُ ثَنَّى ذَكَرَ الصُّورَةَ .

     قَوْلُهُ  فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَجَازَا أَيْ مَضَيَا يُقَالُ جَازَ وَأَجَازَ بِمَعْنًى وَيُقَالُ جَازَ الْمَوْضِعَ إِذَا سَارَ فِيهِ وَأَجَازَهُ إِذَا قطعه وَخَلفه وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عَتِيقٍ ثُمَّ نَفَذَا وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَلَّفَاهُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا أَيْ فِي الْمَشْيِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْد بن حِبَّانَ فَلَمَّا رَأَيَاهُ اسْتَحْيَيَا فَرَجَعَا فَأَفَادَ سَبَبَ رُجُوعِهِمَا وَكَأَنَّهُمَا لَوِ اسْتَمَرَّا ذَاهِبَيْنِ إِلَى مَقْصِدِهِمَا مَا رَدَّهُمَا بَلْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُمَا تَرَكَا مَقْصِدَهُمَا وَرَجَعَا رَدَّهُمَا .

     قَوْلُهُ  عَلَى رِسْلِكُمَا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ عَلَى هِينَتِكُمَا فِي الْمَشْيِ فَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ تَكْرَهَانِهِ وَفِيهِ شَيْءٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ امْشِيَا عَلَى هِينَتِكُمَا وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَالَيَا وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَي قفا وَأنْكرهُ بن التِّينِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ مَعْنَاهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَلَمَّا أَبْصَرَهُ دَعَاهُ فَقَالَ تَعَالَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ هَذِهِ صَفِيَّةُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ ذَلِك وَمثله فِي رِوَايَة بن مُسَافِرٍ الْآتِيَةِ فِي الْخَمْسِ وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عَتِيقٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا مَا قَالَ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا وَفِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَظُنُّ بِكَ إِلَّا خَيْرًا .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الشَّيْطَانَ يبلغ من بن آدم مبلغ الْقدَم كَذَا فِي رِوَايَة بن مُسَافر وبن أَبِي عَتِيقٍ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَكَذَا لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ التَّيْمِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ زَادَ عَبْدُ الْأَعْلَى فَقَالَ إِنِّي خِفْتُ أَنْ تَظُنَّا ظَنًّا إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ مَا أَقُولُ لَكُمَا هَذَا أَنْ تَكُونَا تَظُنَّانِ شَرًّا وَلَكِنْ قد علمت أَن الشَّيْطَان يجْرِي من بن آدم مجْرى الدَّم قَوْله بن آدَمَ الْمُرَادُ جِنْسُ أَوْلَادِ آدَمَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَقَوْلِهِ يَا بَنِي آدَمَ وَقَوْلِهِ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِلَفْظِ الْمُذَكَّرِ إِلَّا أَنَّ الْعُرْفَ عَمَّمَهُ فَأَدْخَلَ فِيهِ النِّسَاءَ .

     قَوْلُهُ  وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا كَذَا فِي رِوَايَة بن مُسَافِرٍ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ سُوءًا أَوْ قَالَ شَيئًا وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ شَرًّا بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ بَدَلَ سُوءًا وَفِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ إِنِّي خِفْتُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْكُمَا شَيْئًا وَالْمُحَصَّلُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْسُبْهُمَا إِلَى أَنَّهُمَا يَظُنَّانِ بِهِ سُوءًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ صِدْقِ إِيمَانِهِمَا وَلَكِنْ خَشِيَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُوَسْوِسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ فَقَدْ يُفْضِي بِهِمَا ذَلِكَ إِلَى الْهَلَاكِ فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامِهِمَا حَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَتَعْلِيمًا لِمَنْ بَعْدَهُمَا إِذَا وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ رَوَى الْحَاكِم أَن الشَّافِعِي كَانَ فِي مجْلِس بن عُيَيْنَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمَا الْكُفْرَ إِنْ ظَنَّا بِهِ التُّهْمَةَ فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامِهِمَا نَصِيحَةً لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَقْذِفَ الشَّيْطَانُ فِي نُفُوسِهِمَا شَيْئًا يَهْلِكَانِ بِهِ.

قُلْتُ وَهُوَ بَيِّنٌ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي أَسْلَفْتُهَا وَغَفَلَ الْبَزَّارُ فَطَعَنَ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ هَذَا وَاسْتَبْعَدَ وُقُوعَهُ وَلَمْ يَأْتِ بِطَائِلٍ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَقَولُهُ يَبْلُغُ أَوْ يَجْرِي قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ مِنْ كَثْرَةِ إِغْوَائِهِ وَكَأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ كَالدَّمِ فَاشْتَرَكَا فِي شِدَّةِ الِاتِّصَالِ وَعَدَمِ الْمُفَارَقَةِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ اشْتِغَالِ الْمُعْتَكِفِ بِالْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ مِنْ تَشْيِيعِ زَائِرِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ وَالْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهِ وَإِبَاحَةُ خَلْوَةِ الْمُعْتَكِفِ بِالزَّوْجَةِ وَزِيَارَةُ الْمَرْأَةِ لِلْمُعْتَكِفِ وَبَيَانُ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَإِرْشَادُهُمْ إِلَى مَا يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْإِثْمَ وَفِيهِ التَّحَرُّزُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالِاحْتِفَاظُ مِنْ كَيَدِ الشَّيْطَان والاعتذار قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهَذَا مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلًا يُوجِبُ سُوءَ الظَّنِّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ مَخْلَصٌ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ إِلَى إِبْطَالِ الِانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِمْ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجْهَ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ خَافِيًا نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ يَتَظَاهَرُ بِمَظَاهِرِ السُّوءِ وَيَعْتَذِرُ بِأَنَّهُ يُجَرِّبُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ عَظُمَ الْبَلَاءُ بِهَذَا الصِّنْفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ إِضَافَةُ بُيُوتُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِنَّ وَفِيهِ جَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ لَيْلًا وَفِيهِ قَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ عِنْدَ التَّعَجُّب وَقد وَقَعَتْ فِي الْحَدِيثِ لِتَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَتَهْوِيلِهِ وَلِلْحَيَاءِ مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي جَوَازِ تَمَادِي الْمُعْتَكِفِ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَانِ اعْتِكَافِهِ لِحَاجَتِهِ وَأَقَامَ زَمَنًا يَسِيرًا زَائِدًا عَنِ الْحَاجَةِ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ أَكْثَرَ الْيَوْمِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَنْزِلَ صَفِيَّةَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فَاصِلٌ زَائِدٌ وَقَدْ حَدَّ بَعْضُهُمُ الْيَسِيرَ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يدل عَلَيْهِ