فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر، وهل يعينه أو ينصحه

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أجر وَهل يُعينهُ أَو ينصحه)

قَالَ بن الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ الْبَيْعُ بِالْأَجْرِ أخذا من تَفْسِير بن عَبَّاسٍ وَقَوَّى ذَلِكَ بِعُمُومِ أَحَادِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِأَنَّ الَّذِي يَبِيعُ بِالْأُجْرَةِ لَا يَكُونُ غَرَضُهُ نُصْحَ الْبَائِعِ غَالِبًا وَإِنَّمَا غَرَضُهُ تَحْصِيلُ الْأُجْرَةِ فَاقْتضى ذَلِك إِجَازَةَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ أَوَّلَ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدِمَ بِحَلُوبَةٍ لَهُ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَكِنِ اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ فَانْظُرْ مَنْ يُبَايِعُكَ فَشَاوِرْنِي حَتَّى آمُرَكَ وَأَنْهَاكَ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا اسْتَنْصَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَنْصَحْ لَهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِلَفْظِ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ .

     قَوْلُهُ  وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ أَيْ فِي بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَان أَي بن خُثَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ أَعْرَابِيٍّ أَبِيعُ لَهُ فَرَخَّصَ لِي.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ غُرَّتَهُمْ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا بَأْسَ فَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَصْلُحُ الْيَوْمَ فَقَالَ مُجَاهِدٌ مَا أَرَى أَبَا مُحَمَّدٍ إِلَّا لَوْ أَتَاهُ ظِئْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إِلَّا سَيَبِيعُ لَهُ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ أَنْ يُحْمَلَ .

     قَوْلُهُ  هَذَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلِهَذَا نَسَبَ إِلَيْهِ مُجَاهِدٌ مَا نَسَبَ وَأَخَذَ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَمَسَّكُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ النَّهْيِ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ حَدِيثَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا فِي بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَهُوَ خَاصٌّ فَيُقْضَى عَلَى الْعَامِّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَجَمَعَ الْبُخَارِيُّ بَيْنَهُمَا بِتَخْصِيصِ النَّهْيِ بِمَنْ يَبِيعُ لَهُ بِالْأُجْرَةِ كَالسِّمْسَارِ.
وَأَمَّا مَنْ يَنْصَحُهُ فَيُعْلِمُهُ بِأَنَّ السِّعْرَ كَذَا مَثَلًا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عِنْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ جَرِيرٍ فِي النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِيمَان وَالثَّانِي حَدِيث بن عَبَّاس



[ قــ :2074 ... غــ :2158] قَوْله حَدثنَا عبد الْوَاحِد هُوَ بن زِيَادٍ .

     قَوْلُهُ  لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ فِي رِوَايَتِهِ لِلْبَيْعِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا بِمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ فِي الْأَصْلِ الْقَيِّمُ بِالْأَمْرِ وَالْحَافِظُ لَهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي مُتَوَلِّي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِغَيْرِهِ وَفِي هَذَا التَّفْسِيرِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ فَسَّرَ الْحَاضِرَ بِالْبَادِي بِأَنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ الْحَاضِرِ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَادِي فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ شَيْئًا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُ الْبَلَدِ فَهَذَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُمْ صُورَتُهُ أَنْ يَجِيءَ الْبَلَدَ غَرِيبٌ بِسِلْعَتِهِ يُرِيدُ بَيْعَهَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ فِي الْحَالِ فَيَأْتِيهِ بَلَدِيٌّ فَيَقُولُ لَهُ ضَعْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ لَكَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى مِنْ هَذَا السِّعْرِ فَجَعَلُوا الْحُكْمَ مَنُوطًا بِالْبَادِي وَمَنْ شَارَكَهُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْبَادِي فِي الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي عَدَمِ مَعْرِفَةِ السِّعْرِ الْحَاضِرِ وَإِضْرَارِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالْإِشَارَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُبَادِرَ بِالْبَيْعِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ الْبَدَاوَةَ قَيْدًا وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَلْتَحِقُ بِالْبَدَوِيِّ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ يُشْبِهُهُ قَالَ فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ يَعْرِفُونَ أَثْمَانَ السِّلَعِ وَالْأَسْوَاقِ فَلَيْسُوا داخلين فِي ذَلِك قَالَ بن الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا النَّهْيِ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ الْمَجْلُوبُ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَأَنْ يَعْرِضَ الْحَضَرِيُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَدَوِيِّ فَلَوْ عَرَضَهُ الْبَدَوِيُّ عَلَى الْحَضَرِيِّ لَمْ يُمْنَعْ وَزَادَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عُمُومَ الْحَاجَةِ وَأَنْ يَظْهَرَ بِبَيْعِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ السعَة فِي تِلْكَ الْبَلَد قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَكْثَرُ هَذِهِ الشُّرُوطِ تَدُورُ بَيْنَ اتِّبَاعِ الْمَعْنَى أَوِ اللَّفْظِ وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي الْمَعْنَى إِلَى الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ فَحَيْثُ يظْهر يخصص النَّصُّ أَوْ يُعَمَّمُ وَحَيْثُ يَخْفَى فَاتِّبَاعُ اللَّفْظِ أَوْلَى فَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَلَدِيُّ ذَلِكَ فَلَا يَقْوَى لِعَدَمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ ظُهُورِ الْمَعْنَى فِيهِ فَإِنَّ الضَّرَرَ الَّذِي عُلِّلَ بِهِ النَّهْيُ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ سُؤَالِ الْبَلَدِيِّ وَعَدَمِهِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فَمُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الظُّهُورِ وَعَدَمِهِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ ظُهُورِ السَّعَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ تَفْوِيتِ الرِّبْحِ وَالرِّزْقِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ.

     وَقَالَ  السُّبْكِيُّ شَرْطُ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ عُمُومَهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ يَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ أَوْ لَا يَصِحُّ عَلَى الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة