فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

( قَولُهُ بَابُ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا)
يَبْدُو بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ يَظْهَرُ وَالثِّمَارُ بِالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ ثَمَرَةٍ بِالتَّحْرِيكِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الرُّطَبِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُجْزَمْ بِحُكْمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَوَهَمَ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْبُطْلَانِ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ شُرِطَ التَّبْقِيَةُ وَهُوَ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَوَهَمَ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَيْضًا وَقِيلَ إِنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ لَمْ يَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ يَصِحُّ إِنْ لَمْ يُشْتَرَطِ التَّبْقِيَةُ وَالنَّهْيُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْمُصَدَّرُ بِهِ الْبَابُ يَدُلُّ لِلْأَخِيرِ وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ



[ قــ :2109 ... غــ :2193] .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ إِلَخْ لَمْ أَرَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ وَلَكِنْ بِالْإِسْنَادِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بالْإِسْنَادَيْنِ مَعًا .

     قَوْلُهُ  مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ مِثْلِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ عَنْ مِثْلِهِ وَالْأَرْبَعَةُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا جَذَّ النَّاسُ بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الثَّقِيلَةِ أَيْ قَطَعُوا ثَمَرَ النَّخْلِ أَيِ اسْتَحَقَّ الثَّمَرَ الْقَطْعُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ أجذ بِزِيَادَة ألف وَمثله للنسفي قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ دَخَلُوا فِي زَمَنِ الْجِذَاذِ كَأَظْلَمَ إِذَا دَخَلَ فِي الظَّلَامِ وَالْجِذَاذُ صِرَامُ النَّخْلِ وَهُوَ قَطْعُ ثَمَرَتِهَا وَأَخْذُهَا مِنَ الشَّجَرِ .

     قَوْلُهُ  وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْمُبْتَاعُ أَيِ الْمُشْتَرِي .

     قَوْلُهُ  الدُّمَانُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ ضَبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَضَبَطَهُ الْخَطَّابِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ قَالَ عِيَاضٌ هُمَا صَحِيحَانِ وَالضَّمُّ رِوَايَةُ الْقَابِسِيِّ وَالْفَتْحُ رِوَايَةٌ السَّرَخْسِيِّ قَالَ وَرَوَاهَا بَعْضُهُمْ بِالْكَسْرِ وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ الْأَدَمَانِ زَادَ فِي أَوَّلِهِ الْأَلِفَ وَفَتَحَهَا وَفَتَحَ الدَّالَ وَفَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّهُ فَسَادُ الطَّلْعِ وَتَعَفُّنُهُ وَسَوَادُهُ.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِيُّ الدُّمَالُ بِاللَّامِ الْعَفَنُ.

     وَقَالَ  الْقَزَّازُ الدُّمَانُ فَسَادُ النَّخْلِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي الطَّلْعِ يَخْرُجُ قَلْبُ النَّخْلَةِ أَسْوَدَ مَعْفُونًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الدُّمَارُ بِالرَّاءِ بَدَلَ النُّونِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَوَجَّهَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْهَلَاكَ كَأَنَّهُ قَرَأَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَهُ مَرَضٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالنَّسَفِيِّ مِرَاضٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ لِلْأَكْثَرِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ بِضَمِّهِ وَهُوَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْأَمْرَاضِ بِوَزْنِ الصُّدَاعِ وَالسُّعَالِ وَهُوَ دَاءٌ يَقَعُ فِي الثَّمَرَةِ فَتَهْلَكُ يُقَالُ أَمْرَضَ إِذَا وَقَعَ فِي مَالِهِ عَاهَةٌ وَزَادَ الطَّحَاوِيُّ فِي رِوَايَةٍ أَصَابَهُ عَفَنٌ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  قُشَامٌ بِضَمِّ الْقَافِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ خَفِيفَةٌ زَادَ الطَّحَاوِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَالْقُشَامُ شَيْءٌ يُصِيبُهُ حَتَّى لَا يَرْطُبَ.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِيُّ هُوَ أَنْ يَنْتَقِضَ ثَمَرُ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ بَلَحًا وَقِيلَ هُوَ أَكَّالٌ يَقَعُ فِي الثَّمَرِ .

     قَوْلُهُ  عَاهَاتٌ جَمْعُ عَاهَةٍ وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ أَوَّلًا وَالْعَاهَةُ الْعَيْبُ وَالْآفَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يُصِيبُ الثَّمَرَ مِمَّا ذُكِرَ .

     قَوْلُهُ  فَإِمَّا لَا أَصْلُهَا إِنِ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا زَائِدَةٌ فأدغمت قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبشر أحدا فَاكْتَفَى بِلَفْظِهِ عَنِ الْفِعْلِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ مَنْ أَكْرَمَنِي أَكْرَمْتُهُ وَمَنْ لَا أَيْ وَمَنْ لَمْ يُكْرِمْنِي لَمْ أُكْرِمْهُ وَالْمَعْنَى إِنْ لَا تَفْعَلْ كَذَا فَافْعَلْ كَذَا وَقَدْ نَطَقَتِ الْعَرَبُ بِإِمَالَةِ لَا إِمَالَةً خَفِيفَةً وَالْعَامَّةُ تُشْبِعُ إِمَالَتَهَا وَهُوَ خَطَأٌ .

     قَوْلُهُ  كَالْمَشُورَةِ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ لُغَتَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ فَعُولَةٌ وَعَلَى الثَّانِي مَفْعَلَةٌ وَزَعَمَ الْحَرِيرِيُّ أَنَّ الْإِسْكَانَ مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِك فقد أثبتها الْجَامِع والصحاح والمحكم وَغَيْرُهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْقَائِلُ هُوَ أَبُو الزِّنَادِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا أَيْ مَعَ الْفَجْرِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا رُفِعَتِ الْعَاهَةُ عَنْ كُلِّ بَلَدٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبَى حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءٍ رُفِعَتِ الْعَاهَةُ عَنِ الثِّمَارِ وَالنَّجْمُ هُوَ الثُّرَيَّا وَطُلُوعُهَا صَبَاحًا يَقَعُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّيْفِ وَذَلِكَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَابْتِدَاءِ نُضْجِ الثِّمَارِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْحَقِيقَةِ النُّضْجُ وَطُلُوعُ النَّجْمِ عَلَامَةٌ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ وَيَتَبَيَّنُ الْأَصْفَرُ مِنَ الْأَحْمَرِ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ سَأَلْتُ بن عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ.

قُلْتُ وَمَتَى ذَلِكَ قَالَ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَبِيهِ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَسَمِعَ خُصُومَةً فَقَالَ مَا هَذَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَفَادَ مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ وَقْتَ صُدُورِ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ هُوَ الّقَطَّانُ الرَّازِيُّ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وحكام هُوَ بن سَلْمٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ رَازِيٌّ أَيْضًا وَعَنْبَسَةُ بِسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هُوَ بن سَعِيدِ بْنِ الضُّرَيْسِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرُ ضِرْسٍ كُوفِيٌّ وَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ فَعُرِفَ بِالرَّازِيِّ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ عَنْبَسَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ غَيْرُ هَذَا وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيِّ فَرَأَيْتُ بِخَطِّهِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مَا نَصُّهُ حَدِيثُ عَنْبَسَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَكَّامٍ أَخْرَجَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَنْبَسَةَ انْتَهَى فَظَنَّ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا اثْنَانِ وَشَيْخُهُمَا مُخْتَلِفٌ وَلَيْسَ لِعَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَوْقُوفِ بِخِلَافِ عَنْبَسَةَ بن خَالِد وَكَذَا زَكَرِيَّا شَيْخه وَهُوَ بن خَالِدٍ الرَّازِيُّ وَلَا أَعْرِفُ عَنْهُ رَاوِيًا غَيْرَ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَقَولُهُ عَنْ سَهْلٍ أَي بن أبي حثْمَة الْمُتَقَدّم ذكره وَزيد هُوَ بن ثَابِتٍ وَالْغَرَضُ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُولَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ لَيْسَتْ غَرِيبَةً فَرْدَةً الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ نَافِع عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ أَمَّا الْبَائِعُ فَلِئَلَّا يَأْكُلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ.
وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ وَيُسَاعِدَ الْبَائِعَ عَلَى الْبَاطِلِ وَفِيهِ أَيْضًا قَطْعُ النِّزَاعِ وَالتَّخَاصُمِ وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ بَيْعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اشْتَرَطَ الْإِبْقَاءَ أَمْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا وَقَدْ جَعَلَ النَّهْيَ مُمْتَدًّا إِلَى غَايَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَن تؤمن فِيهَا العاهة وَتَغْلِبَ السَّلَامَةُ فَيَثِقُ الْمُشْتَرِي بِحُصُولِهَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ بِصَدَدِ الْغَرَرِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فَزَادَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى يَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ بِبُدُوِّ صَلَاحِهِ حُمْرَتُهُ وصفرته وَهَذَا التَّفْسِير من قَول بن عُمَرَ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ مَا صَلَاحُهُ قَالَ تَذْهَبُ عَاهَتُهُ وَإِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّمَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِبْقَاءُ فَإِنْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَحَّحَ الْبَيْعَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ قبل بَدو الصّلاح وَبَعْدَهُ وَأَبْطَلَهُ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَأَهْلُ مَذْهَبِهِ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي





[ قــ :110 ... غــ :194] قَوْلِهِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا هَلِ الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ الثِّمَارِ حَتَّى لَوْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي بُسْتَانٍ مِنَ الْبَلَدِ مَثَلًا جَازَ بَيْعُ ثَمَرَةِ جَمِيعِ الْبَسَاتِينِ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِيهَا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كُلِّ بُسْتَانٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كُلِّ جِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ عَلَى حِدَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ اللَّيْثِ وَهُوَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الصَّلَاحُ مُتَلَاحِقًا وَالثَّانِي قَوْلُ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَالرَّابِعِ وَالثَّالِثُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنَ التَّعْبِيرِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِمُسَمَّى الْإِزْهَارِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ تَكَامُلِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الِاكْتِفَاء بزهو بعض الثَّمَرَة وبزهو بعض الشَّجَرَةِ مَعَ حُصُولِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْأَمْنُ مِنَ الْعَاهَةِ وَلَوْلَا حُصُولُ الْمَعْنَى لَكَانَ تَسْمِيَتُهَا مُزْهِيَةً بِإِزْهَاءِ بَعْضِهَا قَدْ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْحَقِيقَةِ وَأَيْضًا فَلَوْ قِيلَ بِإِزْهَاءِ الْجَمِيعِ لَأَدَّى إِلَى فَسَادِ الْحَائِطِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِ الثِّمَارِ لَا تَطِيبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِيَطُولَ زَمَنُ التَّفَكُّهِ بِهَا الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث أنس





[ قــ :111 ... غــ :195] قَوْله أخبرنَا عبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ .

     قَوْلُهُ  نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ كَذَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالنَّخْلِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَأُطْلِقَ فِي غَيْرِهَا وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّخْلَ لِكَوْنِهِ كَانَ الْغَالِبَ عِنْدَهُمْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي حَتَّى تَحْمَرَّ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ وَرِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ تُشْعِرُ بِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَلَعَلَّ أَدَاةَ الْكُنْيَةِ فِي رِوَايَتِنَا مَزِيدَةٌ وَسَيَأْتِي هَذَا التَّفْسِيرُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ وَنَذْكُرُ فِيهِ من حكى أَنه مدرج الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث جَابر





[ قــ :11 ... غــ :196] .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تُشْقَحَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ يُقَالُ أَشْقَحَ ثَمَرُ النَّخْلِ إِشْقَاحًا إِذَا احْمَرَّ أَوِ اصْفَرَّ وَالِاسْمُ الشُّقْحُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ حَتَّى تُشْقَهَ فَأَبْدَلَ مِنَ الْحَاءِ هَاءً لِقُرْبِهَا مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ وَمَا تُشْقَحُ هَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ رَاوِي الْحَدِيثِ بَيَّنَ ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ مِينَاءَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بَهْزٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ.

قُلْتُ لِجَابِرٍ مَا تُشْقَحُ إِلَخْ فَظَهَرَ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ هُوَ سَعِيدٌ وَالَّذِي فَسَّرَهُ هُوَ جَابِرٌ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ جَابِرٍ مُطَوَّلًا وَفِيهِ وَأَنْ يَشْتَرِيَ النَّخْلَ حَتَّى يُشْقَهَ وَالْإِشْقَاءُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ زَيْدٌ فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ أَسَمِعْتَ جَابِرًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ هَذَا جَمِيعَ الْحَدِيثِ فَيَدْخُلُ فِيهِ التَّفْسِيرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا التَّفْسِيرَ فَيَكُونُ التَّفْسِيرُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ رِوَايَة بن مَهْدِيٍّ أَنَّهُ جَابِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا يُقَوِّي كَوْنَهُ مَرْفُوعًا وُقُوعُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ خَوْفُ الْغَرَرِ لِكَثْرَةِ الْجَوَائِحِ فِيهَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ فَإِذَا احْمَرَّتْ وَأُكِلَ مِنْهَا أُمِنَتِ الْعَاهَةُ عَلَيْهَا أَيْ غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ اللَّوْنَ الْخَالِصَ مِنَ الصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً بِكُمُودَةٍ فَلِذَلِكَ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ قَالَ وَلَوْ أَرَادَ اللَّوْنَ الْخَالِصَ لَقَالَ تحمر وَتَصْفَر.

     وَقَالَ  بن التِّينِ التَّشْقِيحُ تَغَيُّرُ لَوْنِهَا إِلَى الصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ ظُهُورَ أَوَائِلِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْبَعَ قَالَ وَإِنَّمَا يُقَالُ تَفْعَالُّ فِي اللَّوْنِ الْغَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ إِذَا كَانَ يَتَلَوَّنُ وَأَنْكَرَ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

     وَقَالَ  لَا فَرْقَ بَيْنَ تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ وَتَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةَ فِي احْمِرَارِهَا وَاصْفِرَارِهَا كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَدُلُّ عَلَى التَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ تَكْمِيلٌ قَالَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا عَلَيْهِمْ تَأْوِيلٌ مِنْ بَعْضِ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ ورد الْجَزْم بِالنَّهْي كَمَا بَينه حَدِيث بن عُمَرَ وَغَيْرُهُ.

قُلْتُ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ فَرَتَّبَ أَحَادِيثَ الْبَابِ بِحَسْبِ ذَلِكَ فَأَفَادَ حَدِيثُ زيد بن ثَابت سَبَب النَّهْي وَحَدِيث بن عُمَرَ التَّصْرِيحَ بِالنَّهْيِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ وَجَابِرٍ بَيَانَ الْغَايَة الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا النهى