فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب خراج الحجام

( قَولُهُ بَابُ ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ)
وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الْإِمَاءِ الضَّرِيبَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مَا يُقَدِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَضَرَائِبُ جَمْعُهَا وَيُقَالُ لَهَا خَرَاجٌ وَغَلَّةٌ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَأَجْرٌ وَقَدْ وَقَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَّمَ مَوَالِيهِ فَخَفَّفُوا عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى التَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَيَانُ حُكْمِ ذَلِكَ وَفِي تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ وَسَأَذْكُرُ كَمْ كَانَ قَدْرُ الضَّرِيبَةِ بَعْدَ بَاب وَأما ضَرَائِب الْإِمَاء فَيُؤْخَذ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ وَاخْتِصَاصُهَا بِالتَّعَاهُدِ لِكَوْنِهَا مَظِنَّةَ تَطَرُّقِ الْفَسَادِ فِي الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَكَمَا يُخْشَى مِنِ اكْتِسَابِ الْأَمَةِ بِفَرْجِهَا يُخْشَى مِنِ اكْتِسَابِ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ مَثَلًا وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ هُوَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الْأَحْمَرِيِّ قَالَ خَطَبَنَا حُذَيْفَةُ حِينَ قَدِمَ الْمَدَائِنَ فَقَالَ تَعَاهَدُوا ضَرَائِبَ إِمَائِكُمْ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِلَفْظِ ضَرَائِبَ غِلْمَانِكُمْ وَاسْمُ الْأَحْمَرِيِّ هَذَا مَالِكٌ وَأَوْرَدَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي السُّنَنِ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ شِدَادِ بْنِ الْفُرَاتِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدَائِنِ قَالَ كُنْتُ تَحْتَ مِنْبَرِ حُذَيْفَةَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا نُهِيَ عَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّعَاهُدِ التَّفَقُّدَ لِمِقْدَارِ ضَرِيبَةِ الْأَمَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ ثَقِيلَةً فَتَحْتَاجَ إِلَى التَّكَسُّبِ بِالْفُجُورِ وَدَلَالَتُهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَمْرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَخْفِيفِ ضَرِيبَةِ الْحَجَّامِ فَلُزُومُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ أَقْعَدُ وَأَوْلَى لأجل الغائلة الْخَاصَّة بهَا قَولُهُ بَابُ خَرَاجِ الْحَجَّامِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَزَادَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ بِلَفْظِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ وَعُرِفَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيم وَكَأن بن عَبَّاسٍ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ كَسْبَ الْحَجَّامِ حَرَامٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ حَلَالٌ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا هُوَ كَسْبٌ فِيهِ دَنَاءَةٌ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فَحَمَلُوا الزَّجْرَ عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيهِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ وَأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ الِاحْتِرَافَ بِالْحِجَامَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا وَيَجُوزُ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ مِنْهَا وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ فَذَكَرَ لَهُ الْحَاجَةَ فَقَالَ اعْلِفْهُ نَوَاضِحَكَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَذَكَرَ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ أَجْرَ الْحَجَّامِ إِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ إِعَانَةً لَهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لَهُ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا وَجمع بن الْعَرَبِيِّ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَبَيْنَ إِعْطَائِهِ الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ مَا إِذَا كَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ وَيُحْمَلُ الزَّجْرُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ وَفِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْحِجَامَةِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا يُتَدَاوَى مِنْ إِخْرَاجِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَفِيهِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْهَا وَجَوَازُ مُخَارَجَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَكْتَسِبَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ كَذَا وَمَا زَادَ فَهُوَ لَك وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ الْخَاصِّ إِذَا كَانَ قَدْ تَضَمَّنَ تَمْكِينُهُ مِنَ الْعَمَلِ إِذْنه الْعَام



[ قــ :2187 ... غــ :2280] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَلَيْسَتْ لَهُ رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ حَدِيثٌ فِي الطَّهَارَةِ وَآخر فِي الصَّلَاة وَهَذَا وَهُوَ جَمِيع مَاله عِنْدَهُ .

     قَوْلُهُ  كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِيهِ إِشْعَارٌ بِالْمُوَاظَبَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَقَولُهُ وَلَمْ يَكُنْ يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ فِيهِ إِثْبَاتُ إِعْطَائِهِ أُجْرَةَ الْحَجَّامِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَفِيهَا الْجَزْمُ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيق التَّنْصِيص