فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

( قَولُهُ بَابُ الْمَاءِ)
أَيْ حُكْمِ الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الْإِنْسَانِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ الطَّهَارَةُ لِأَنَّ الْمُغْتَسِلَ قَدْ يَقَعُ فِي مَاءِ غُسْلِهِ مِنْ شَعْرِهِ فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَتَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَنَّبَ ذَلِكَ فِي اغْتِسَالِهِ بَلْ كَانَ يُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَذَلِكَ يُفْضِي غَالِبًا إِلَى تَنَاثُرِ بَعْضِهِ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الْقَوْلَ بِتَنْجِيسِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى طَهَارَتِهِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ شَعْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكرم لَا يُقَاس عَلَيْهِ غَيره ونقضه بن الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ قَالُوا وَيَلْزَمُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَحْتَجَّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَنِيِّ بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا مَكَان أَنْ يُقَالَ لَهُ مَنِيُّهُ طَاهِرٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ إِلَّا فِيمَا خُصَّ بِدَلِيلٍ وَقَدْ تَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى طَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ وَعَدَّ الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ فِي خَصَائِصِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَ أَئِمَّتُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي شَعْرِ الْآدَمِيِّ أَمَّا شَعْرُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ الْمَأْكُولِ الْمُذَكَّى فَفِيهِ اخْتِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ هَلْ تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ فَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَوْ لَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى خِلَافه وَاسْتدلَّ بن الْمُنْذِرِ عَلَى أَنَّهُ لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ فَلَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالِانْفِصَالٍ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى طَهَارَةِ مَا يُجَزُّ مِنَ الشَّاةِ وَهِيَ حَيَّةٌ وَعَلَى نَجَاسَةِ مَا يُقْطَعُ مِنْ أَعْضَائِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَائِهَا وَعَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حَالَتَيِ الْمَوْتِ وَالِانْفِصَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَا عَدَا مَا يُؤْكَلُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ لَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ اه وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى رِيشِ الْمَيْتَةِ وَعَظْمِهَا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ عَطَاءٌ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى عَطاء وَهُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالِانْتِفَاعِ بِشُعُورِ النَّاسِ الَّتِي تُحْلَقُ بِمِنًى .

     قَوْلُهُ  وَسُؤْرِ الْكِلَابِ هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْمَاءِ وَالتَّقْدِيرُ وَبَابُ سُؤْرِ الْكِلَابِ أَيْ مَا حُكْمُهُ وَالسُّؤْرُ الْبَقِيَّةُ وَالظَّاهِرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَكْلُهَا وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ .

     قَوْلُهُ  وقَال الزُّهْرِيُّ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا حُكْمُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَسُؤْرِ الْكَلْبِ فَذَكَرَ التَّرْجَمَةَ الْأُولَى وَأَثَرَهَا مَعَهَا ثُمَّ ثَنَّى بِالثَّانِيَةِ وَأَثَرَهَا مَعَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دَلِيلِ الْأُولَى مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ ثُمَّ ثَنَّى بِأَدِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ هَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي مُصَنَّفِهِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ فِي إِنَاءٍ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً غَيْرَهُ قَالَ يتَوَضَّأ بِهِ وَأخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال سُفْيَانُ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنه بن عُيَيْنَةَ لِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ دُونَ الثَّوْرِيِّ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الثَّوْرِيُّ فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ عَقَّبَ أَثَرَ الزُّهْرِيِّ هَذَا بِقَوْلِهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَقَالَ وَاللَّهِ هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ فَذَكَرَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ شَيْءٌ فَأَرَى أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَتَيَمَّمَ فَسَمَّى الثَّوْرِيُّ الْأَخْذَ بِدَلَالَةِ الْعُمُومِ فِقْهًا وَهِيَ الَّتِي تضمنها قَوْله تَعَالَى فَلم تَجدوا مَاء لِكَوْنِهَا نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَلَا تَخُصُّ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَتَنْجِيسُ الْمَاءِ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَزَادَ مِنْ رَأْيِهِ التَّيَمُّمُ احْتِيَاطًا.
وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ بِهِ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَدُلُّ عَلَى تَنْجِيسِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ أَوْلَى فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ طَهَارَتَهُ إِلَى التَّيَمُّمِ.
وَأَمَّا فُتْيَا سُفْيَانَ بِالتَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوُضُوءِ بِهِ فَلِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ مِنْ أَجْلِ الِاخْتِلَافِ فَاحْتَاطَ لِلْعِبَادَةِ وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يَكُونَ جَسَدُهُ طَاهِرًا بِلَا شَكٍّ فَيَصِيرُ بِاسْتِعْمَالِهِ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْأَوْلَى أَنْ يُرِيقَ ذَلِكَ الْمَاءَ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ سُفْيَانَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَفِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَلَمْ تَجِدُوا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتِّلَاوَةِ.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ لِإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي يَعْنِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُفْيَانَ قَالَ وَمَا أَعْرِفُ مَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ.

قُلْتُ لَعَلَّ الثَّوْرِيَّ حَكَاهُ بِالْمَعْنَى وَكَانَ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَرَّ الْمُصَنِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



[ قــ :167 ... غــ :170] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَاصِمٍ هُوَ بن سُلَيْمَان وبن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد وَعبيدَة هُوَ بن عَمْرٍو السَّلْمَانِيُّ أَحَدُ كِبَارِ التَّابِعِينَ الْمُخَضْرَمِينَ أَسْلَمَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ وَلَمْ يَرَهُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَي شَيْء .

     قَوْلُهُ  أَصَبْنَاهُ أَيْ حَصَلَ لَنَا مِنْ جِهَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِإِيرَادِ هَذَا الْأَثَرِ تَقْرِيرَ أَنَّ الشَّعَرَ الَّذِي حَصَلَ لِأَبِي طَلْحَةَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ بَقِيَ عِنْدَ آلِ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ صَارَ لِمَوَالِيهِمْ مِنْهُ لِأَنَّ سِيرِينَ وَالِدَ مُحَمَّدٍ كَانَ مَوْلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ أَنَسٌ رَبِيبَ أَبِي طَلْحَةَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى التَّرْجَمَةِ أَنَّ الشَّعْرَ طَاهِرٌ وَإِلَّا لَمَا حَفِظُوهُ وَلَا تَمَنَّى عُبَيْدَةُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ طَاهِرًا فَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ طَاهِر



[ قــ :168 ... غــ :171] قَوْله حَدثنَا عباد هُوَ بن عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِ شَيْخِهِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بَلْ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَاصِم وَغَيره من أَصْحَاب بن عون فَيَقَع بَينه وَبَين بن عون وَاحِد وَهنا بَينه وَبَينه ثَلَاثَة أَنْفُسٍ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا حَلَقَ أَيْ أَمَرَ الْحَلَّاقَ فخلقه فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ مَجَازًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .

     قَوْلُهُ  كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَعْنِي الْأَنْصَارِيَّ زَوْجَ أُمِّ سُلَيْمٍ وَالِدَةِ أَنَسٍ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَذْكُورِ أَبَيْنَ مِمَّا سَاقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْحَلَّاقَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَدَفَعَ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ ثُمَّ حَلَقَ الشِّقَّ الْآخَرَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَرَوَاهُ مُسلم من طَرِيق بن عُيَيْنَة عَن هِشَام بن حسان عَن بن سِيرِينَ بِلَفْظِ لَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ قَسَمَ الْأَيْمَنَ فِيمَنْ يَلِيهِ وَفِي لَفْظٍ فَوَزَّعَهُ بَيْنَ النَّاسِ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ وَأَعْطَى الْأَيْسَرَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَفِي لَفْظٍ أَبَا طَلْحَةَ وَلَا تَنَاقُضَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بَلْ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُا أَنَّهُ نَاوَلَ أَبَا طَلْحَةَ كُلًّا مِنَ الشِّقَّيْنِ فَأَمَّا الْأَيْمَنُ فَوَزَّعَهُ أَبُو طَلْحَةَ بِأَمْرِهِ.
وَأَمَّا الْأَيْسَرُ فَأَعْطَاهُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ زَوْجَتِهِ بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَهُ لِتَجْعَلَهُ فِي طِيبِهَا وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ يَقْسِمُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ يَعُودُ عَلَى الشق الْأَيْمن وَكَذَا قَوْله فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْبَدَاءَةِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِ الْمَحْلُوقِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهِ طَهَارَةُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِشَعْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَازُ اقْتِنَائِهِ وَفِيهِ الْمُوَاسَاةُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي الْعَطِيَّةِ وَالْهَدِيَّةِ أَقُولُ وَفِيهِ أَنَّ الْمُوَاسَاةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُسَاوَاةَ وَفِيهِ تَنْفِيلُ مَنْ يَتَوَلَّى التَّفْرِقَةَ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ الْحَالِقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَقِيلَ هُوَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ بِمُعْجَمَتَيْنِ اهـ وَالصَّحِيحُ أَنَّ خِرَاشًا كَانَ الْحَالِقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقع هُنَا فِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ قَبْلَ إِيرَادِ حَدِيثِ مَالِكٍ بَابُ إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ





[ قــ :169 ... غــ :17] .

     قَوْلُهُ  إِذَا شَرِبَ كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ إِذَا وَلَغَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ وَلَغَ يَلَغُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا إِذَا شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ أَوْ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِيهِ فَحَرَّكَهُ.

     وَقَالَ  ثَعْلَبٌ هُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ من كل مَائِع فيحركه زَاد بن درسْتوَيْه شرب أَو لم يشرب.

     وَقَالَ  بن مَكِّيٍّ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَائِعٍ يُقَالُ لَعِقَهُ.

     وَقَالَ  الْمُطَرِّزِيُّ فَإِنْ كَانَ فَارِغًا يُقَالُ لَحِسَهُ وَادّعى بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ لَفْظَ شَرِبَ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا مَالِكٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ رَوَاهُ بِلَفْظِ وَلَغَ وَلَيْسَ كَمَا ادّعى فقد رَوَاهُ بن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِذَا شَرِبَ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ بِلَفْظِ إِذَا وَلَغَ كَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ شَيْخُ مَالِكٍ بِلَفْظِ إِذَا شَرِبَ وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ وَكَذَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى نَعَمْ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ إِذَا وَلَغَ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الطَّهُورِ لَهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَوْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ سنَن بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَكَأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ حَدَّثَ بِهِ بِاللَّفْظَيْنِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَعْنَى لَكِنَّ الشُّرْبَ كَمَا بَيَّنَّا أَخَصُّ مِنَ الْوُلُوغِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إِذَا وَلَغَ يَقْتَضِي قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ لِلتَّنْجِيسِ يَتَعَدَّى الْحُكْمَ إِلَى مَا إِذَا لَحِسَ أَوْ لَعِقَ مَثَلًا وَيَكُونُ ذِكْرُ الْوُلُوغِ لِلْغَالِبِ.
وَأَمَّا إِلْحَاقُ بَاقِي أَعْضَائِهِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لِأَنَّ فَمَهُ أَشْرَفُهَا فَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَخَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ الْأَوَّلِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ إِنَّهُ وَجْهٌ شَاذٌّ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إِنَّهُ الْقَوِيُّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ وَالْأَوْلَوِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ قَدْ تُمْنَعُ لِكَوْنِ فَمِهِ مَحَلَّ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَاتِ .

     قَوْلُهُ  فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الْآنِيَةِ وَمَفْهُومُهُ يُخْرِجُ الْمَاءَ الْمُسْتَنْقَعَ مَثَلًا وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مُطْلَقًا لَكِنْ إِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْغَسْلَ لِلتَّنْجِيسِ يَجْرِي الْحُكْمُ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْبَاب دُونَ الْكَثِيرِ وَالْإِضَافَةُ الَّتِي فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ يُلْغَى اعْتِبَارُهَا هُنَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَلْيَغْسِلْهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغَاسِلَ وَزَادَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلْيُرِقْهُ وَهُوَ يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ الْغَسْلَ لِلتَّنْجِيسِ إِذِ الْمُرَاقُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَاءً أَوْ طَعَامًا فَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِإِرَاقَتِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ لَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ عَلَى زِيَادَةِ فَلْيُرِقْهُ.

     وَقَالَ  حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ إِنَّهَا غَيْرُ محفوظه.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَذْكُرْهَا الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَش كَأبي مُعَاوِيَة وَشعْبَة.

     وَقَالَ  بن مَنْدَهْ لَا تُعْرَفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوِهِ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

قُلْتُ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أخرجه بن عَدِيٍّ لَكِنْ فِي رَفْعِهِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَكَذَا ذَكَرَ الْإِرَاقَةَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَن أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَغْسِلْهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ لَكِنْ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ إِلَّا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ الْإِنَاءَ .

     قَوْلُهُ  سَبْعًا أَيْ سَبْعَ مِرَارٍ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ التَّتْرِيبُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَات عَن أبي هُرَيْرَة الا عَن بن سِيرِينَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي رَافِعٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالِدِ السُّدِّيِّ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَاخْتلف الروَاة عَن بن سِيرِينَ فِي مَحَلِّ غَسْلَةِ التَّتْرِيبِ فَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْهُ أُولَاهُنَّ وَهِي رِوَايَة الْأَكْثَر عَن بن سِيرِينَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ الْمَذْكُورَةِ وَاخْتلف عَن قَتَادَة عَن بن سِيرِينَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْهُ أُولَاهُنَّ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

     وَقَالَ  أَبَانُ عَنْ قَتَادَةَ السَّابِعَةُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلِلشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَن أَيُّوب عَن بن سِيرِين اولاهن أَو إِحْدَاهُنَّ وَفِي رِوَايَةِ السُّدِّيِّ عَنِ الْبَزَّارِ إِحْدَاهُنَّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ فَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنْ يُقَالَ إِحْدَاهُنَّ مُبْهَمَةٌ وَأُولَاهُنَّ وَالسَّابِعَةُ مُعَيَّنَةٌ وأو إِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ فَمُقْتَضَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَاب وَذكره بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالسُّبْكِيُّ بَحْثًا وَهُوَ مَنْصُوصٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ أَوْ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي فَرِوَايَةُ مَنْ عَيَّنَ وَلَمْ يَشُكَّ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَبْهَمَ أَوْ شَكَّ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ رِوَايَةِ أُولَاهُنَّ وَرِوَايَةِ السَّابِعَةِ وَرِوَايَةُ أُولَاهُنَّ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الْأَكْثَرِيَّةُ وَالْأَحْفَظِيَّةُ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا لِأَنَّ تَتْرِيبَ الْأَخِيرَةِ يَقْتَضِي الِاحْتِيَاجَ إِلَى غَسْلَةٍ أُخْرَى لِتَنْظِيفِهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ عَلَى أَنَّ الْأُولَى أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ يَتَعَدَّى عَنْ مَحَلِّهَا إِلَى مَا يُجَاوِرُهَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَائِعًا وَعَلَى تَنْجِيسِ الْمَائِعَاتِ إِذَا وَقَعَ فِي جُزْءٍ مِنْهَا نَجَاسَةٌ وَعَلَى تَنْجِيسِ الْإِنَاءِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالْمَائِعِ وَعَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَنَّ وُلُوغَ الْكَلْبِ لَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ غَالِبًا وَعَلَى أَنَّ وُرُودَ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ يُخَالِفُ وُرُودَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْمَاءِ لَمَّا وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي إِرَاقَةِ جَمِيعِهِ وَأَمَرَ بِغَسْلِهِ وَحَقِيقَتُهُ تَتَأَدَّى بِمَا يُسَمَّى غَسْلًا وَلَوْ كَانَ مَا يُغْسَلُ بِهِ أَقَلَّ مِمَّا أُرِيقَ فَائِدَةٌ خَالَفَ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّتْرِيبِ أَصْلًا مَعَ إِيجَابِهِمُ التَّسْبِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ التَّتْرِيبَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ مِنْهُمْ قَدْ صَحَّتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ فَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ لَمْ يَقُولُوا بِهَا وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيعِ لِلنَّدْبِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ لَكِنَّهُ لِلتَّعَبُّدِ لِكَوْنِ الْكَلْبِ طَاهِرًا عِنْدَهُمْ وَأَبْدَى بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ لَهُ حِكْمَةً غَيْرَ التَّنْجِيسِ كَمَا سَيَأْتِي وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ نَجِسُ لَكِنَّ قَاعِدَتَهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ فَلَا يَجِبُ التَّسْبِيعُ لِلنَّجَاسَةِ بَلْ لِلتَّعَبُّدِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُسْتَعْمَلُ إِمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ الْخَبَثُ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة تطهرهُمْ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَالْجَوَاب عَن الأول بَان التَّيَمُّم ناشيء عَن حدث فَلَمَّا قَامَ مَا يُطَهِّرُ الْحَدَثَ سُمِّيَ طَهُورًا وَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ يَمْنَعُ هَذَا الْإِيرَادَ مِنْ أَصله وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ أَلْفَاظَ الشَّرْعِ إِذَا دَارَتْ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ حُمِلَتْ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ إِلَّا إِذَا قَامَ دَلِيلٌ وَدَعْوَى بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ الْكَلْبُ الْمَنْهِيُّ عَنِ اتِّخَاذِهِ دُونَ الْمَأْذُونِ فِيهِ يَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ تَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنِ الِاتِّخَاذِ عَنِ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ وَإِلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي اتِّخَاذِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ الْكَلْبُ أَنَّهَا لِلْجِنْسِ أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ فَيَحْتَاجُ الْمُدَّعِي أَنَّهَا لِلْعَهْدِ إِلَى دَلِيلٍ وَمِثْلُهُ تَفْرِقَةُ بَعْضِهِمْ بَيْنَ الْبَدَوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْكَلْبِ الْكَلِبِ وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِهِ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ السَّبْعَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ كَقَوْلِهِ صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْكَلْبَ الْكَلِبَ لَا يَقْرَبُ الْمَاءَ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ وَأَجَابَ حفيد بن رُشْدٍ بِأَنَّهُ لَا يَقْرَبُ الْمَاءَ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ الْكَلْبِ مِنْهُ أَمَّا فِي ابْتِدَائِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّخْصِيصَ بِلَا دَلِيلٍ وَالتَّعْلِيلُ بِالتَّنْجِيسِ أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ بن عَبَّاسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْغَسْلَ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِأَنَّهُ رِجْسٌ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَة خِلَافه وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ إِنَاءِ الْمَاءِ فَيُرَاقُ وَيُغْسَلُ وَبَيْنَ إِنَاءِ الطَّعَامِ فَيُؤْكَلُ ثُمَّ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ تَعَبُّدًا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِرَاقَةِ عَامٌّ فَيُخَصُّ الطَّعَامُ مِنْهُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَعُورِضَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِضَاعَةِ مَخْصُوصٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِرَاقَةِ وَيَتَرَجَّحُ هَذَا الثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِرَاقَةِ مَا تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِنْ قَلِيلِ الْمَائِعَاتِ وَلَوْ عَظُمَ ثَمَنُهُ فَثَبَتَ أَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ عَنِ الْإِضَاعَةِ مَخْصُوصٌ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْإِرَاقَةِ وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ كَانَ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ طَارِئَةٍ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ مَثَلًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي الْحُكْمِ كَالْهِرَّةِ مَثَلًا وَإِذَا ثَبت نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ لِعَيْنِهِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَجَاسَةِ بَاقِيهِ إِلَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَأَنْ يُقَالَ لُعَابُهُ نَجِسٌ فَفَمُهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مُتَحَلِّبٌ مِنْهُ وَاللُّعَابُ عَرَقُ فَمِهِ وَفَمُهُ أَطْيَبُ بَدَنِهِ فَيَكُونُ عَرَقُهُ نَجِسًا وَإِذَا كَانَ عَرَقُهُ نَجِسًا كَانَ بَدَنُهُ نَجِسًا لِأَنَّ الْعَرَقَ مُتَحَلِّبٌ مِنَ الْبَدَنِ وَلَكِنْ هَلْ يَلْتَحِقُ بَاقِي أَعْضَائِهِ بِلِسَانِهِ فِي وُجُوبِ السَّبْعِ وَالتَّتْرِيبِ أَمْ لَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ يَقُولُوا بِوُجُوبِ السَّبْعِ وَلَا التَّتْرِيبِ وَاعْتَذَرَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ بِأُمُورٍ مِنْهَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَاوِيهِ أَفْتَى بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْتَى بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ نَدْبِيَّةَ السَّبْعِ لَا وُجُوبَهَا أَوْ كَانَ نَسِيَ مَا رَوَاهُ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ النَّسْخُ وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْغَسْلِ سَبْعًا وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ مُوَافِقَةً فُتْيَاهُ لِرِوَايَتِهِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ مُخَالَفَتُهَا مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَمَّا النَّظَرُ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا الْإِسْنَادُ فَالْمُوَافَقَةُ وَرَدَتْ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَن بن سِيرِينَ عَنْهُ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ.
وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ فَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْقُوَّةِ بِكَثِيرٍ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَذِرَةَ أَشَدُّ فِي النَّجَاسَةِ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالسَّبْعِ فَيَكُونُ الْوُلُوغُ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا أَشَدَّ مِنْهُ فِي الِاسْتِقْذَارِ أَنْ لَا يَكُونَ أَشَدَّ مِنْهَا فِي تَغْلِيظِ الْحُكْمِ وَبِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ وَمِنْهَا دَعْوَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَلَمَّا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهَا كَانَ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَالْأَمْرُ بِالْغَسْلِ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغفل وَقد ذكر بن مُغَفَّلٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْغَسْلِ وَكَانَ إِسْلَامُهُ سَنَةَ سَبْعٍ كَأَبِي هُرَيْرَةَ بَلْ سِيَاقُ مُسْلِمٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَمِنْهَا إِلْزَامُ الشَّافِعِيَّةِ بِإِيجَابِ ثَمَانِ غَسَلَاتٍ عَمَلًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِالتُّرَابِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَقُولُونَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنْ يَتْرُكُوا هُمُ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ أَصْلًا وَرَأْسًا لِأَنَّ اعْتِذَارَ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مُتَّجِهًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَلُومٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ قَالَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَدِ اعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ الْكِرْمَانِيِّ عَنْهُ وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُثْبِتُ الْعُذْرَ لِمَنْ وَقَفَ عَلَى صِحَّتِهِ وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّرْجِيحِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة على حَدِيث بن مُغَفَّلٍ وَالتَّرْجِيحُ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ الْجمع وَالْأَخْذ بِحَدِيث بن مُغَفَّلٍ يَسْتَلْزِمُ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ دُونَ الْعَكْسِ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلَوْ سَلَكْنَا التَّرْجِيحَ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ نَقُلْ بِالتَّتْرِيبِ أَصْلًا لِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ بِدُونِهِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَثْبَتَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَقُلْنَا بِهِ أَخْذًا بِزِيَادَةِ الثِّقَةِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ الْمَجَازِ فَقَالَ لَمَّا كَانَ التُّرَابُ جِنْسًا غَيْرَ الْمَاءِ جُعِلَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمَرَّةِ الواحده معدودا بِاثْنَتَيْنِ وَتعقبه بن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا غَسْلَةً مُسْتَقِلَّةً لَكِنْ لَوْ وَقَعَ التَّعْفِيرُ فِي أَوَّلِهِ قَبْلَ وُرُودِ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ كَانَتِ الْغَسَلَاتُ ثَمَانِيَةً وَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْغَسْلَةِ عَلَى التَّتْرِيبِ مَجَازًا وَهَذَا الْجَمْعُ مِنْ مُرَجِّحَاتِ تَعَيُّنِ التُّرَابِ فِي الْأُولَى وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْهُ مُنْتَشِرٌ جِدًّا وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّصْنِيفِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَافٍ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ





[ قــ :170 ... غــ :173] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ بن مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَعبد الصَّمد هُوَ بن عَبْدِ الْوَارِثِ وَشَيْخُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُ صَدُوقٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْإِسْنَادُ مِنْهُ فَصَاعِدًا مَدَنِيُّونَ وَأَبُوهُ وَشَيْخُهُ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ تَابِعِيَّانِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا لَمْ يُسَمَّ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  يَأْكُلُ الثَّرَى بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَلْعَقُ التُّرَابَ النَّدِيَّ وَفِي الْمُحْكَمِ الثَّرَى التُّرَابُ وَقِيلَ التُّرَابُ الَّذِي إِذَا بُلَّ لَمْ يَصِرْ طِينًا لَازِبًا .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْعَطَشِ أَيْ بِسَبَبِ الْعَطَشِ .

     قَوْلُهُ  يَغْرِفُ لَهُ بِهِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ سَقَى الْكَلْبَ فِيهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ قُلْنَا بِهِ لَكَانَ مَحَلُّهُ فِيمَا لَمْ يُنْسَخْ وَمَعَ إِرْخَاءِ الْعِنَانِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَبَّهُ فِي شَيْءٍ فَسَقَاهُ أَوْ غَسَلَ خُفَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَلْبَسْهُ بَعْدَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ أَيْ أَثْنَى عَلَيْهِ فَجَزَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَبِلَ عَمَلَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ مِنْ كِتَابِ الشُّرْبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :171 ... غــ :174] وَقَولُهُ وقَال أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ .

     قَوْلُهُ  حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الله أَي بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتِ الْكِلَابُ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ الْمَذْكُورِ مَوْصُولًا بِصَرِيحِ التَّحْدِيثِ قَبْلَ قَوْلِهِ تُقْبِلُ تَبُولُ وَبَعْدَهَا وَاوُ الْعَطْفِ وَكَذَا ذَكَرَ الْأَصِيلِيُّ أَنَّهَا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ شَيْخِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَعَلَى هَذَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ الْكلاب للاتفاق على نَجَاسَة بولها قَالَه بن الْمُنِيرِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْكَلْبَ يُؤْكَلُ وَأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ يَقْدَحُ فِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ جَمْعٌ بِأَنَّ أَبْوَالَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا طَاهِرَةٌ الا الْآدَمِيّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ بن وَهْبٍ حَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ غَسْلِ الْبَوْلِ.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي مَوَاطِنِهَا ثُمَّ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَلَقٌ قَالَ وَيَبْعُدُ أَنْ تُتْرَكَ الْكِلَابُ تَنْتَابُ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَمْتَهِنَهُ بِالْبَوْلِ فِيهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ بِطَهَارَتِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِرَّةِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَكْرِيمِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْهِيرِهَا وَجَعْلِ الْأَبْوَابِ عَلَيْهَا وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ مَا زَادَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ من طَرِيق بن وهب فِي هَذَا الحَدِيث عَن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ اجتنبوا اللَّغْو فِي الْمَسْجِد قَالَ بن عُمَرَ وَقَدْ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ الْكِلَابُ إِلَخْ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَكْرِيمِ الْمَسْجِدِ حَتَّى مِنْ لَغْوِ الْكَلَامِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ الْكَلْبِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُضَافٌ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا قَبْلَ الزَّمَنِ الَّذِي أُمِرَ فِيهِ بِصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ وَفِي قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ مُبَالَغَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ الْغَسْلِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَاسْتَدَلَّ بذلك بن بَطَّالٍ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِهِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْكِلَابِ أَنْ تَتْبَعَ مَوَاضِعَ الْمَأْكُولِ وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لَا بُيُوتَ لَهُمْ إِلَّا الْمَسْجِدَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَصِلَ لُعَابُهَا إِلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَسْجِدِ مُتَيَقَّنَةٌ وَمَا ذُكِرَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ ثُمَّ إِنَّ دَلَالَتَهُ لَا تُعَارِضُ دَلَالَةَ مَنْطُوقِ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَةُ بِالْجَفَافِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ صَبِّ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَافَ يُفِيدُ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ مَا تَرَكُوا ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ تَنْبِيهٌ حكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَبْدَلَ قَوْلَهُ يَرُشُّونَ بِلَفْظِ يَرْتَقِبُونَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَخْشَوْنَ فَصُحِّفَ اللَّفْظُ وَأَبْعَدَ فِي التَّفْسِيرِ لِأَنَّ مَعْنَى الِارْتِقَابِ الِانْتِظَارُ.
وَأَمَّا نَفْيُ الْخَوْفِ مِنْ نَفْيِ الِارْتِقَابِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِبَعْض لوازمه وَالله أعلم





[ قــ :17 ... غــ :175] قَوْله بن أَبِي السَّفَرِ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَّ السَّفَرَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَوَهِمَ مَنْ سَكَّنَهَا .

     قَوْلُهُ  عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَيِ الطَّائِيُّ .

     قَوْلُهُ  سَأَلْتُ أَيْ عَنْ حُكْمِ صَيْدِ الْكِلَابِ وَحَذَفَ لَفْظَ السُّؤَالِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِي الصَّيْدِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا سَاقَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ هُنَا لِيَسْتَدِلَّ بِهِ لِمَذْهَبِهِ فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَمُطَابَقَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا وَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِ مَا صَادَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِغَسْلِ مَوْضِعِ فَمِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ مَالِكٌ كَيْفَ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَيَكُونُ لُعَابُهُ نَجِسًا وَأَجَابَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِتَعْرِيفِ أَنَّ قَتْلَهُ ذَكَاتُهُ وَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ نَجَاسَةٍ وَلَا نَفْيُهَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ اغْسِلِ الدَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ نَابِهُ لَكِنَّهُ وَكَلَهُ إِلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدُهُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ الدَّمِ فَلَعَلَّهُ وَكَلَهُ أَيْضًا إِلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدُهُ مِنْ غسل مَا يماسه فَمه.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ السِّكِّينَ إِذَا سُقِيَتْ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَذَبَحَ بِهَا نَجَّسَتِ الذَّبِيحَةَ وَنَابُ الْكَلْبِ عِنْدَهُمْ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ ذَكَاتَهُ شَرْعِيَّةٌ لَا تُنَجِّسُ الْمُذَكَّى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَةَ لَا تَصِيرُ نَجِسَةً بِعَضِّ الْكَلْبِ ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُتَنَجِّسَةً فَمَا أَلْزَمَهُمْ بِهِ مِنَ التَّنَاقُضِ لَيْسَ بِلَازِمٍ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمْ خِلَافًا وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ غَسْلِ الْمَعَضِّ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَة