فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: الرجل يوضئ صاحبه

(قَولُهُ بَابُ الرَّجُلِ يُوَضِّئُ)
صَاحِبَهُ)
أَيْ مَا حِكْمَة



[ قــ :178 ... غــ :181] قَوْله بن سَلَامٍ هُوَ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَيحيى هُوَ بن سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ يَحْيَى وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ تَابِعِيَّانِ صَغِيرَانِ من أهل الْمَدِينَة وكريب مولى بن عَبَّاسٍ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ فَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَوَقَعَ فِي تَرَاجِمِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ الْمُنِيرِ فِي هَذَا الْموضع وهم فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ بن عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ كُرَيْبٍ مَوْلَى بن عَبَّاسٍ .

     قَوْلُهُ  أَصُبُّ بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَي المَاء قَوْله يتَوَضَّأ أَيْ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ لَكِنْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِغَيْرِ الْمَشَقَّةِ أَوْ الِاحْتِيَاجِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّفَرِ وَكَذَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ الْمَذْكُورِ قَالَ بن الْمُنِيرِ قَاسَ الْبُخَارِيُّ تَوْضِئَةَ الرَّجُلِ غَيْرَهُ عَلَى صَبِّهِ عَلَيْهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مَعْنَى الْإِعَانَةِ.

قُلْتُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَلَمْ يُفْصِحِ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِجَوَازٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَذِهِ عَادَتُهُ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ الِاسْتِعَانَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إِحْضَارُ الْمَاءِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَصْلًا.

قُلْتُ لَكِنِ الْأَفْضَلُ خِلَافُهُ قَالَ الثَّانِي مُبَاشَرَةُ الْأَجْنَبِيِّ الْغُسْلَ وَهَذَا مَكْرُوهٌ إِلَّا لِحَاجَةٍ الثَّالِثُ الصَّبُّ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ وَالثَّانِي خِلَافُ الْأَوْلَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ خِلَافُ الْأَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ إِذَا كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَكيف يُنَازَعُ فِي كَرَاهَتِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ فِعْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ إِذِ الْمَكْرُوهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ بِخِلَافِ الْآخَرِ



[ قــ :179 ... غــ :18] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْفَلَّاسُ أحد الْحفاظ الْبَصرِيين وَعبد الْوَهَّاب هُوَ بن عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأنْصَارِيّ وَسعد بن إِبْرَاهِيم أَي بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَفِي الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ لِأَنَّ يَحْيَى وَسَعْدًا تَابِعِيَّانِ صَغِيرَانِ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تَابِعِيَّانِ وَسَطَانِ فَفِيهِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَهُوَ مِنَ النَّوَادِرِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ كَانَ أَدَّى عُرْوَةُ مَعْنَى كَلَامِ أَبِيهِ بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ قَالَ إِنِّي كُنْتُ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّ الْمُغِيرَةَ جَعَلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ الْتِفَاتٌ عَلَى رَأْيٍ فَيَكُونُ عُرْوَةُ أَدَّى لَفْظَ أَبِيهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ ذَهَبَ وَفِي قَوْلِهِ لَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبَاحِثُ هَذَا الْحَدِيثِ تَأْتِي فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الاستعانه.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ هَذَا مِنَ الْقُرُبَاتِ الَّتِي يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْمَلَهَا عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَالَ وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَضِّئُهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ الْمُتَوَضِّئُ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْمَاءِ لِأَعْضَائِهِ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَكْفِيَهُ ذَلِكَ غَيْرُهُ بِالصَّبِّ وَالِاغْتِرَافُ بَعْضُ عَمَلِ الْوُضُوءِ كَذَلِكَ يَجُوزُ فِي بَقِيَّة اعماله وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْوَسَائِلِ لَا مِنَ الْمَقَاصِدِ لِأَنَّهُ لَوِ اغْتَرَفَ ثُمَّ نَوَى أَنْ يَتَوَضَّأَ جَازَ وَلَوْ كَانَ الِاغْتِرَافُ عَمَلًا مُسْتَقِلًّا لَكَانَ قد قدم النِّيَّة عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَاصِلُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْإِعَانَةِ بِالصَّبِّ وَبَيْنَ الْإِعَانَةِ بِمُبَاشَرَةِ الْغَيْرِ لِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ قَبْلُ وَالْحَدِيثَانِ دَالَّانِ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبِّ وَكَذَا إِحْضَارُ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى.
وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِمَا عَلَيْهَا نَعَمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ أَصْلًا.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا أُبَالِي مَنْ أَعَانَنِي عَلَى طُهُورِي أَوْ عَلَى رُكُوعِي وَسُجُودِي فَمَحْمُولٌ عَلَى الْإِعَانَةِ بِالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّبِّ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يسْكب على بن عُمَرَ وَهُوَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَقَالَ اسْكُبِي فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ وَهَذَا أَصْرَحُ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِكَوْنِهِ فِي الْحَضَرِ وَلِكَوْنِهِ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ لَكِنَّهُ لَيْسَ على شَرط المُصَنّف وَالله أعلم