فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا تقبل صلاة بغير طهور

( قَولُهُ بَابُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ)
هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من حَدِيث بن عُمَرَ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُلَيْحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَأَوْرَدَ فِي الْبَابِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ .

     قَوْلُهُ  لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي رِوَايَتِنَا بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ وَالْمرَاد بِالْقبُولِ هُنَا مَا يُرَادِفُ الصِّحَّةَ وَهُوَ الْإِجْزَاءُ وَحَقِيقَةُ الْقَبُولِ ثَمَرَةُ وُقُوعِ الطَّاعَةِ مُجْزِئَةً رَافِعَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِشُرُوطِهَا مَظِنَّةَ الْإِجْزَاءِ الَّذِي الْقَبُولُ ثَمَرَتُهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَبُولِ مَجَازًا.
وَأَمَّا الْقَبُولُ الْمَنْفِيُّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ فَهُوَ الْحَقِيقِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَيَتَخَلَّفُ الْقَبُولُ لِمَانِعٍ وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ لَأَنْ تُقْبَلَ لِي صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَمِيعِ الدُّنْيَا قَالَه بن عُمَرَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ



[ قــ :134 ... غــ :135] .

     قَوْلُهُ  أَحْدَثَ أَيْ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِأَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهًا بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظِ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يَقَعَانِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا بَاقِي الْأَحْدَاثِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كَمَسِّ الذَّكَرِ وَلَمْسِ الْمَرْأَةِ وَالْقَيْءِ مِلْءَ الْفَمِ وَالْحِجَامَةِ فَلَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ لَا يَرَى النَّقْضَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا من المخرجين وَقِيلَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِعِلْمِهِ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ يَعْلَمُ مَا عَدَا ذَلِكَ وَفِيهِ بُعْدٌ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ سَوَاءٌ كَانَ خُرُوجُهُ اخْتِيَارِيًّا أَمِ اضْطِرَارِيًّا وَعَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ الْقَبُولَ انْتَفَى إِلَى غَايَةِ الْوُضُوءِ وَمَا بَعْدَهَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ قَبُولَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا .

     قَوْلُهُ  يَتَوَضَّأُ أَيْ بِالْمَاءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ فَأَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى التَّيَمُّمِ أَنَّهُ وَضُوءٌ لِكَوْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبُولِ صَلَاةِ مَنْ كَانَ مُحْدِثًا فَتَوَضَّأَ أَيْ مَعَ بَاقِي شُرُوط الصَّلَاة وَالله أعلم