فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران: 170]

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ)
إِلَى قَوْلِهِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤمنِينَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ الْأَصِيلِيُّ وَكَرِيمَةُ الْآيَتَيْنِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَضْلُ قَوْلِ اللَّهِ أَيْ فَضْلُ مَنْ وَرَدَ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ وَقَدْ حَذَفَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَفْظَ فَضْلٍ مِنَ التَّرْجَمَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَينِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي بِئْرِ مَعُونَةَ أَوْرَدَهَا مُخْتَصَرَةً وَسَتَأْتِي بِتَمَامِهَا فِي الْمَغَازِي وَأَشَارَ بِإِيرَادِ الْآيَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ هُنَاكَ فِي آخِرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَأَنْزَلَ فِيهِمْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ زَادَ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فِيهِ فنسخ بعد مَا قَرَأْنَاهُ زَمَانًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الْآيَةَ ثَانِيهِمَا حَدِيثُ جَابِرٍ اصْطَبَحَ نَاسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي أَنَّ وَالِدَ جَابِرٍ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ من أَشَارَ إِلَيْهِم قَالَ بن الْمُنِيرِ مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ فِيهِ عُسْرٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي شَرِبُوهَا يَوْمَئِذٍ لَمْ تَضُرَّهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَرَفَعَ عَنْهُمُ الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ مُبَاحَةً.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَوْرَدَهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْمُتَرْجَمِ بِهَا فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ لَمَّا كَلَّمَ وَالِدَ جَابِرٍ وَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ بَلِّغْ مَنْ وَرَائِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ



[ قــ :2687 ... غــ :2815] .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ لِسُفْيَانَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ لَيْسَ هَذَا فِيهِ أَيْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ فَقُتِلُوا شُهَدَاءَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ سُفْيَانُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَوَارِيرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَكِنْ بِلَفْظِ اصْطَبَحَ قَوْمٌ الْخَمْرَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَقُتِلُوا آخِرَ النَّهَارِ شُهَدَاءَ فَلَعَلَّ سُفْيَانَ كَانَ نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ وَأَخْرَجَهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُفْيَانَ بِإِثْبَاتِهَا وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى