فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الطعام عند القدوم

( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ وَحَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَهُوَ طرف من حَدِيثه الطَّوِيل قَولُهُ بَابُ الطَّعَامِ عِنْدَ الْقُدُومِ أَيْ مِنَ السَّفَرِ وَهَذَا الطَّعَامُ يُقَالُ لَهُ النَّقِيعَةُ بِالنُّونِ وَالْقَافِ قِيلَ اشْتُقَّ مِنَ النَّقْعِ وَهُوَ الْغُبَارُ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَأْتِي وَعَلَيْهِ غُبَارُ السَّفَرِ وَقِيلَ النَّقِيعَةُ مِنَ اللَّبَنِ إِذَا بَرُدَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِك قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ أَيْ لِأَجْلِ مَنْ يَغْشَاهُ وَالْأَصْل فِيهِ أَن بن عُمَرَ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا وَكَانَ يُكْثِرُ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فِي الْحَضَرِ وَكَانَ إِذَا سَافَرَ أَفْطَرَ وَإِذَا قَدِمَ صَامَ إِمَّا قَضَاءً إِنْ كَانَ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ وَإِمَّا تَطَوُّعًا إِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَكِنَّهُ يُفْطِرُ أَوَّلَ قُدُومِهِ لِأَجْلِ الَّذِينَ يَغْشَوْنَهُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَالتَّهْنِئَةِ بِالْقُدُومِ ثُمَّ يَصُومُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَصْنَعُ بَدَلَ يُفْطِرُ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصْوَبُ فَقَدْ وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ بن عُمَرَ إِذَا كَانَ مُقِيمًا لَمْ يُفْطِرْ وَإِذَا كَانَ مُسَافِرًا لَمْ يَصُمْ فَإِذَا قَدِمَ أَفْطَرَ أَيَّامًا لغاشيته ثمَّ يَصُوم قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ إِطْعَامُ الْإِمَامِ وَالرَّئِيسِ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ السَّلَفِ وَيُسَمَّى النَّقِيعَةَ بِنُونٍ وَقَافٍ وَزْنُ عَظِيمَةٍ وَنُقِلَ عَن الْمُهلب أَن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَنْ سَفَرٍ أَطْعَمَ مَنْ يَأْتِيَهُ وَيُفْطِرُ مَعَهُمْ وَيَتْرُكُ قَضَاءَ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ فَإِذَا انْتَهَى الطَّعَامُ ابْتَدَأَ قَضَاءَ رَمَضَانَ قَالَ وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ لِإِسْمَاعِيلَ القَاضِي وَتعقبه بن بَطَّالٍ بِأَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ لَيْسَ فِيهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُهَلَّبُ يَعْنِي مِنَ التَّقْيِيدِ بِرَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ يَتَنَاوَلُهُ بِعُمُومِهِ وَإِنَّمَا حَمَلَ الْمُهلب على ذَلِك مَا جَاءَ عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ أَفْطَرَ إِنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَأَنَّهُ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَحَضَرَ وَلَمْ يَأْكُلْ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ فَاحْتَاجَ أَنْ يُقَيِّدَهُ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ إِذَا حُمِلَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي ابْتَدَأْتُ بِهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ حِينَئِذٍ بَلْ يَقْصِدُ الْفِطْرَ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ قَضَاءً وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ بَيْعِ جَمَلِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِبٍ عَنْهُ بِاخْتِصَارٍ وَالْغَرَضُ مِنْهُ



[ قــ :2950 ... غــ :3089] .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا الْحَدِيثَ وَصِرَارٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلَهُ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ و.

     قَوْلُهُ  فِي أَوَّلِ السَّنَدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّد هُوَ بن سَلَامٍ وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ وَكِيعٍ وَمِمَّنْ يُسمى مُحَمَّد مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَيْثُ يُطلق مُحَمَّد لَا يُرِيد الا الذهلي أَو بن سَلَامٍ وَيُعْرَفُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ زَادَ مُعَاذٌ أَي بن مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهُوَ مَوْصُولٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِ طَرِيقِ أَبِي الْوَلِيدِ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ مَنْ قَالَ إِنَّ حَدِيثَ أَبِي الْوَلِيدِ لَا يُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ وَأَنَّ اللَّائِقَ بِهِ الْبَابُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبٍ فَرَوَى وَكِيعٌ طَرَفًا مِنْهُ وَهُوَ ذَبْحُ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قُدُومِ الْمَدِينَةِ وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ طَرَفًا مِنْهُ وَهُوَ أَمْرُهُ جَابِرًا بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقُدُومِ وَرَوَى عَنْهُ مُعَاذٌ جَمِيعَهُ وَفِيهِ قِصَّةُ الْبَعِيرِ وَذِكْرُ ثَمَنِهِ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ وَقَدْ تَابَعَ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ عَنْ شُعْبَةَ فِي سِيَاقِهِ جَمَاعَةٌ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْجِهَادِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى هُنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسَبْعِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ طَرِيقًا وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى مِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَالْخَالِصُ مِائَةٌ وَعَشَرَةُ أَحَادِيثَ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ وَحَدِيثِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا وَحَدِيثِ جَابِرٍ اصْطَبَحَ نَاسٌ الْخَمْرَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ وَحَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَحَدِيثِ سَهْلٍ فِي أَسْمَاءِ الْخَيْلِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْعَضْبَاءُ لَا تُسْبَقُ وَحَدِيثِ سَعْدٍ إِنَّمَا تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ وَحَدِيثِ سَلمَة ارموا وَأَنا مَعَ بن الْأَدْرَعِ وَحَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ إِذَا أَكْثَبُوكُمْ وَحَدِيثِ أبي أُمَامَة فِي حلية السيوف وَحَدِيث بن عمر بعثت بَين يَدي السَّاعَة وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الدُّعَاءِ بِبَدْرٍ لَكِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ فِي قِتَالِ التُّرْكِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التحريق وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ فِيمَا غَبَرَ مِنَ الدُّنْيَا وَحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ فِي التَّرْجِيلِ وَحَدِيثِ الْعَبَّاسِ فِي الرَّايَةِ وَحَدِيثِ جَابِرٍ فِي التَّسْبِيحِ وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى إِذا مرض العَبْد وَحَدِيث بن عُمَرَ فِي السَّيْرِ وَحْدَهُ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأُسَارَى وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ مَعَ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ قَتْلِ خُبَيْبٍ وَفِيهِ حَدِيثُ بِنْتِ عِيَاضٍ وَحَدِيثُ سَلَمَةَ فِي عَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَحَدِيثِ عُمَرَ فِي مني وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي قِصَّةِ الْغَالِّ وَحَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فِي الْمُلَاقَاةِ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سَبْعَة وَعِشْرُونَ أثرا وَالله أعلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم



( قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ فَرْضِ الْخُمُسِ)
كَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَلِلْأَكْثَرِ بَابُ وحذفه بَعضهم وَثبتت الْبَسْمَلَة للْأَكْثَر وَالْخمس بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَرْضُ الْخُمُسِ أَيْ وَقْتُ فَرْضِهِ أَوْ كَيْفِيَّةُ فَرْضِهِ أَوْ ثُبُوتُ فَرْضِهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِ الْخُمُسِ كَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه وَلِلرَّسُولِ الْآيَةَ وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ فَيُعْزَلُ خُمُسٌ مِنْهَا يُصْرَفُ فِيمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي مُسْتَحِقِّيهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَكَانَ خُمُسُ هَذَا الْخُمُسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَعَنْهُ يُرَدُّ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِمْ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ الْخَلِيفَةُ وَيُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ إِلَّا السَّلَبَ فَإِنَّهُ لِلْقَاتِلِ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا سَيَأْتِي وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي البَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قِصَّةِ الشَّارِفَيْنِ



[ قــ :95 ... غــ :3091] .

     قَوْلُهُ  كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ الشَّارِفُ الْمُسِنُّ مِنَ النُّوقِ وَلَا يُقَالُ لِلذَّكَرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَحَكَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ جَوَازَهُ قَالَ عِيَاضٌ جَمْعُ فَاعِلٍ عَلَى فُعُلٍ بِضَمَّتَيْنِ قَلِيلٌ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شارفا من الْخمس قَالَ بن بَطَّالٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُمُسَ شُرِعَ يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ الْخُمُسَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ قِيلَ إِنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ فُرِضَ فِيهِ الْخُمُسُ قَالَ وَقِيلَ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ ولَمْ يَأْتِ مَا فِيهِ بَيَانٌ شَافٍ وَإِنَّمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي غَنَائِم حنين قَالَ بن بَطَّالٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ قَوْلُ عَلِيٍّ إِلَى تَأْوِيلٍ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا ذكر بن إِسْحَاقَ فِي سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ فِي رَجَبٍ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ وَأَن بن إِسْحَاقَ قَالَ ذَكَرَ لِي بَعْضُ آلِ جَحْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ الْخُمُسَ فَعَزَلَ لَهُ الْخُمُسَ وَقَسَّمَ سَائِرَ الْغَنِيمَةَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ قَالَ فَوَقَعَ رِضَا اللَّهِ بِذَلِكَ قَالَ فَيُحْمَلُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَكَانَ قَدْ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ أَيْ مِنَ الَّذِي حَصَلَ مِنْ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ.

قُلْتُ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فِي الْمَغَازِي وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ وَالْعجب أَن بن بَطَّالٍ عَزَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِأَبِي دَاوُدَ وَجَعَلَهَا شَاهِدَةً لِمَا تَأَوَّلَهُ وَغَفَلَ عَنْ كَوْنِهَا فِي الْبُخَارِيِّ الَّذِي شَرَحَهُ وَعَنْ كَوْنِ ظَاهِرِهَا شَاهِدًا عَلَيْهِ لَا لَهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا نَقله عَن أَهْلُ السِّيَرِ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ خُمُسٌ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يُثْبِتُ فِي غَنِيمَةِ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَبْلَ بَدْرٍ الْخُمُسَ وَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ رَضِيَ بِذَلِكَ وَيَنْفِيهِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ مَعَ أَنَّ الْأَنْفَالَ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِفَرْضِ الْخُمُسِ نَزَلَ غَالِبُهَا فِي قِصَّةِ بَدْرٍ وَقَدْ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ بِأَنَّ آيَةَ الْخُمُسِ نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ.

     وَقَالَ  السُّبْكِيُّ نَزَلَتِ الْأَنْفَالُ فِي بَدْرٍ وَغَنَائِمِهَا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ آيَةَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ نَزَلَتْ بَعْدَ تَفْرِقَةِ الْغَنَائِمِ لِأَنَّ أَهْلَ السِّيَرِ نَقَلُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَهَا عَلَى السَّوَاءِ وَأَعْطَاهَا لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَوْ غَابَ لِعُذْرٍ تَكَرُّمًا مِنْهُ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كَانَتْ أَوَّلًا بِنَصِّ أَوَّلَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ حَدِيثُ عَلِيٍّ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ وَأَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ فِيهَا خُمُسٌ.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِسْمَةُ غَنَائِمِ بَدْرٍ وَقَعَتْ عَلَى السَّوَاءِ بَعْدَ أَنْ أُخْرِجَ الْخُمُسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَفَادَتْ آيَةُ الْأَنْفَالِ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم إِلَى آخِرِهَا بَيَانُ مَصْرِفِ الْخُمُسِ لَا مَشْرُوعِيَّةَ أَصْلِ الْخُمُسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَن أهل السّير فَأخْرجهُ بن إِسْحَاقَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ فَلَمَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْغَنِيمَةِ وَسَاءَتْ أَخْلَاقُنَا انْتَزَعَهَا اللَّهُ مِنَّا فَجَعَلَهَا لِرَسُولِهِ فَقَسَمهَا عَلَى النَّاسِ عَنْ سَوَاءٍ أَيْ عَلَى سَوَاءٍ سَاقَهُ مُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقه وَصَححهُ بن حبَان من وَجه آخر لَيْسَ فِيهِ بن إِسْحَاقَ .

     قَوْلُهُ  أَبْتَنِي بِفَاطِمَةَ أَيْ أَدْخُلُ بِهَا وَالْبِنَاءُ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَأَصْلُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بُنِيَتْ لَهُ قُبَّةٌ فَخَلَا فِيهَا بِأَهْلِهِ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ دُخُولِ عَلِيٍّ بِفَاطِمَةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ عَقِبَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ وَقْعَةَ بَدْرٍ كَانَتْ فِي رَمَضَانَ مِنْهَا وَقِيلَ تَزَوَّجَهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَعَلَّ قَائِلَ ذَلِك أَرَادَ العقد وَنقل بن الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ فِي رَجَبٍ وَقِيلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ.

قُلْتُ وَهَذَا الْأَخِيرُ يُشْبِهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى شَهْرِ الدُّخُولِ بِهَا وَقِيلَ تَأَخَّرَ دُخُولُهُ بِهَا إِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ فَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أحد حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِيهِ بُعْدٌ .

     قَوْلُهُ  وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّشْدِيدِ وَلَمْ أَقِفْ على اسْمه وَوَقع فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ فِي الشُّرْبِ طَابِعٌ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ وَطَالِعٌ بِلَامٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَنْ يَدُلُّهُ وَيُسَاعِدُهُ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُ اسْمُ الصَّائِغِ الْمَذْكُورِ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ بُعْدٌ .

     قَوْلُهُ  مُنَاخَتَانِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُمَا نَاقَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ كَرِيمَةَ مُنَاخَانِ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الشَّارِفِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ .

     قَوْلُهُ  فَرَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جمعت زَاد فِي رِوَايَة بن جريج عَن بن شِهَابٍ فِي الشُّرْبِ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ أَيْ الَّذِي أَنَاخَ الشَّارِفَيْنِ بِجَانِبِهِ وَمَعَهُ قَيْنَةٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا نُونٌ هِيَ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ فَقَالَتْ أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءُ وَالشُّرُفُ جَمْعُ شَارِفٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَالنِّوَاءُ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ مُخَفَّفًا جَمْعُ نَاوِيَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ السَّمِينَةُ وَحَكَى الْخطابِيّ أَن بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ رَوَاهُ ذَا الشَّرَفِ بِفَتْحِ الشِّينِ وَفَسَّرَهُ بِالرِّفْعَةِ وَجَعَلَهُ صِفَةً لِحَمْزَةَ وَفَتَحَ نُونَ النِّوَاءِ وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ أَيْ الشَّرَفِ الْبَعِيدِ أَيْ مَنَالُهُ بَعِيدٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ وَحَكَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ أَبَا يَعْلَى حَدَّثَهُ بِهِ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ فَقَالَ الثِّوَاءُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ فَلَمْ نَضْبِطْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ النَّوَى بِالْقَصْرِ وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ النِّوَاءُ الْخِبَاءُ وَهَذَا أَفْحَشُ فِي الْغَلَطِ وَحَكَى الْمَرْزُبَانِيُّ فِي مُعْجَمِ الشُّعَرَاءِ أَنَّ هَذَا الشِّعْرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ جَدِّ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ وَبَقِيَّتُهُ وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا وضرجهن حمرَة بِالدِّمَاءِ وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبهَا لِشَرْبٍ قَدِيدًا مِنْ طَبِيخٍ أَوْ شِوَاءِ وَالشَّرْبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ شَارِبٍ كَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ وَالْفِنَاءُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ الْجَانِبُ أَيْ جَانِبُ الدَّارِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَالْقَدِيدُ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ وَالتَّضْرِيجُ بِمُعْجَمَةٍ وَجِيمٍ التَّلْطِيخُ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَقَدْ عَرَّفَ بَعْضَ الْمُبْهَمِ فِي قَوْلِهِ فِي شَرْبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَكِنَّ الْمَخْزُومِيَّ لَيْسَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَأَرَادَ الَّذِي نَظَمَ هَذَا الشِّعْرَ وَأَمَرَ الْقَيْنَةَ أَنْ تُغَنِّيَ بِهِ أَنْ يَبْعَثَ هِمَّةَ حَمْزَةَ لِمَا عَرَفَ مِنْ كَرَمِهِ عَلَى نَحْرِ النَّاقَتَيْنِ لِيَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِهِمَا وَكَأَنَّهُ قَالَ انْهَضْ إِلَى الشُّرُفِ فَانْحَرْهَا وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الشِّعْرِ وَفِي قَوْلِهَا لِلشُّرُفِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَ أَنه لم يكن هُنَاكَ الِاثْنَتَانِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ إِطْلَاقِ صِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَقَولُهُ يَا حَمْزُ تَرْخِيمٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا .

     قَوْلُهُ  قَدْ أُجِبَّتْ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَنْبَسَةَ فِي الْمَغَازِي وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا قَدْ جُبَّتْ بِضَمِّ الْجِيمِ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ قُطِعَتْ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ قَدِ اجْتُبَّتْ وَهُوَ صَوَابٌ أَيْضًا وَالْجَبُّ الِاسْتِئْصَالُ فِي الْقَطْعِ .

     قَوْلُهُ  وَأُخِذَ من أكبادهما زَاد بن جُرَيْجٍ.

قُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ وَمِنَ السَّنَامِ قَالَ قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهَمَا وَالسَّنَامُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ وَقَولُهُ بَقَرَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ أَيْ شَقَّ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَيْثُ رَأَيْتُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بَكَى مِنْ شِدَّةِ الْقَهْرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ رَأَيْتُ مَنْظَرًا أَفْظَعَنِي بِفَاءٍ وَظَاءٍ مُشَالَةٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ نَزَلَ بِي أَمْرٌ مُفْظِعٌ أَيْ مُخِيفٌ مَهُولٌ وَذَلِكَ لِتَصَوُّرِهِ تَأَخُّرَ الِابْتِنَاءِ بِزَوْجَتِهِ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ لِخَشْيَةِ أَنْ يُنْسَبَ فِي حَقِّهَا إِلَى تَقْصِيرٍ لَا لِمُجَرَّدِ فَوَاتِ النَّاقَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَدْخُلَ كَذَا فِيهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  فَطَفِقَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ لِآبَائِي قِيلَ أَرَادَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ جَدٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعَلِيٍّ أَيْضًا وَالْجَدُّ يُدْعَى سَيِّدًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَمْزَةَ أَرَادَ الِافْتِخَارَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  الْقَهْقَرَى هُوَ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفٍ وَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَزْدَادَ عَبَثُ حَمْزَةَ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْقَوْلِ إِلَى الْفِعْلِ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا يَقَعُ مِنْ حَمْزَةَ بِمَرْأَى مِنْهُ لِيَدْفَعَهُ إِنْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ .

     قَوْلُهُ  وَخَرَجْنَا مَعَهُ زَاد بن جُرَيْجٍ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَاخِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ بِقَوْلِهِ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ فَإِنَّهُ إِذَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِك كَانَ قبل تَحْرِيم الْخمر كات تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى نَفْسِهِ الضَّرَرَ وَالَّذِي يَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ السُّكْرَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فَعُوقِبَ بِإِمْضَاءِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ وَلَا نَفْيِهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سُنَّةً.

قُلْتُ وَفِيهِ أَنَّ الْغَانِمَ يُعْطَى مِنَ الْغَنِيمَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ بِحَقِّ الْغَنِيمَةِ وَمِنَ الْخُمُسِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ وَأَنَّ لِمَالِكِ النَّاقَةِ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا وَفِيهِ الْإِنَاخَةُ عَلَى بَابِ الْغَيْرِ إِذَا عَرَفَ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَعَدَمَ تَضَرُّرِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبُكَاءَ الَّذِي يَجْلُبُهُ الْحُزْنُ غَيْرُ مَذْمُومٍ وَأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَيْظُ وَفِيهِ مَا رُكِّبَ فِي الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوْتِ مَا فِيهِ نَفْعُهُ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَأَنَّ اسْتِعْدَاءَ الْمَظْلُومِ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَإِخْبَارَهُ بِمَا ظَلَمَ بِهِ خَارِجٌ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَجَوَازُ الِاجْتِمَاعِ فِي الشُّرْبِ الْمُبَاحِ وَجَوَازُ تَنَاوُلِ مَا يُوضَعُ بَيْنَ أَيْدِي الْقَوْمِ وَجَوَازُ الْغِنَاءِ بِالْمُبَاحِ مِنَ الْقَوْلِ وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَالِاسْتِمَاعِ مِنَ الْأَمَةِ وَالتَّخَيُّرُ فِيمَا يَأْكُلُهُ وَأَكْلُ الْكَبِدِ وَإِنْ كَانَتْ دَمًا وَفِيهِ أَنَّ السُّكْرَ كَانَ مُبَاحًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ السُّكْرَ لَمْ يُبَحْ قَطُّ وَيُمكن حمل ذَلِك على السكر الَّذِي يفقد مَعَهُ التَّمْيِيزُ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي النِّكَاحِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الصِّيَاغَةِ وَالتَّكَسُّبِ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ وَجَوَازُ جَمْعِ الْإِذْخِرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَالتَّكَسُّبِ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الشُّرْبِ وَفِيهِ الِاسْتِعَانَةُ فِي كُلِّ صِنَاعَةٍ بِالْعَارِفِ بِهَا قَالَ الْمُهَلَّبُ وَفِيهِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ جِنَايَةَ ذَوِي الرَّحِمِ مُغْتَفَرَةٌ.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بن أَبِي شَيْبَةَ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْرَمَ حَمْزَةَ ثَمَنَ النَّاقَتَيْنِ وَفِيهِ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى بَيْتِ مَنْ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَلَى مُنْكَرٍ لِيُغَيِّرَهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِيهِ حِلُّ تَذْكِيَةِ الْغَاصِبِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا بَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا إِلَّا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَفِيهِ سُنَّةُ الِاسْتِئْذَانِ فِي الدُّخُولِ وَأَنَّ الْإِذْنَ لِلرَّئِيسِ يَشْمَلُ أَتْبَاعَهُ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَلِيًّا دَخَلَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ اسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُ وَأَنَّ السَّكْرَانَ يُلَامُ إِذَا كَانَ يَعْقِلُ اللَّوْمَ وَأَنَّ لِلْكَبِيرِ فِي بَيْتِهِ أَنْ يُلْقِيَ رِدَاءَهُ تَخْفِيفًا وَأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ لِقَاءَ أَتْبَاعِهِ يَكُونُ عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَةٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى حَمْزَةَ أَخَذَ رِدَاءَهُ وَأَنَّ الصَّاحِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُخَاطِبَ السَّكْرَانَ وَأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ زَائِلِ الْعَقْلِ لَا يُوَلِّيهِ ظَهْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ قَدْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَجَوَازُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ لِقَوْلِ حَمْزَةَ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي وَمُرَادُهُ كَالْعَبِيدِ وَنُكْتَةُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَهُ فِي الْخُضُوعِ لَهُ وَجَوَازُ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِمْ فِي حُكْمِ الْعَبِيدِ وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ.

قُلْتُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الِانْتِزَاعَاتِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ





[ قــ :953 ... غــ :309] .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَالح هُوَ بن كَيْسَانَ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالْعَبَّاسِ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ .

     قَوْلُهُ  مَا تَرَكَ هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِيرَاثَهَا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِمَّا تَرَكَ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَرَأَ قَوْلَهُ لَا يُورث بالتحتانية أَوله وَصدقَة بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَهِيَ دَعْوَى مِنْ بَعْضِ الرَّافِضَةِ فَادَّعَى أَنَّ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَةِ هَذَا الْحَدِيثِ هَكَذَا وَالَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيم والْحَدِيث لَا نورث بالنُّون وَصدقَة بِالرَّفْع وَأَن الْكَلَام جملتان وَمَا تركنَا فِي مَوضِع الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَصدقَة خَبَرُهُ وَيُؤَيِّدُهُ وُرُودُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الصَّحِيحِ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى بَعْضِ الْإِمَامِيَّةِ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ احْتَجَّ بِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَا الْتَمَسَتْ مِنْهُ مِنَ الَّذِي خَلَّفَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَرَاضِي وَهُمَا مِنْ أَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ وَأَعْلَمِهِمْ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقْرَؤُهُ الرَّافِضِيُّ لَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حُجَّةٌ وَلَا كَانَ جَوَابُهُ مُطَابِقًا لِسُؤَالِهَا وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ أَنْصَفَ .

     قَوْلُهُ  مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَرُدُّ تَأْوِيلَ الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ فَاطِمَةَ حَمَلَتْ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ غَضِبَتْ وَمَا قَدَّمْتُهُ مِنَ التَّأْوِيلِ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَة فَلم تكَلمه حَتَّى مَاتَت وَوَقَعَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَعْمَرٍ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَكَذَا نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ فَاطِمَةَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا أُكَلِّمُكُمَا أَيْ فِي هَذَا الْمِيرَاثِ.
وَتَعَقَّبَهُ الشَّاشِيُّ بِأَنَّ قَرِينَةَ قَوْلِهِ غَضِبَتْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا امْتَنَعَتْ مِنَ الْكَلَامِ جُمْلَةً وَهَذَا صَرِيحُ الْهَجْرِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْتَ وَرِثْتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَهْلُهُ قَالَ لَا بَلْ أَهْلُهُ قَالَتْ فَأَيْنَ سَهْمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهَا لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَتْ فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتَهُ فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ صَرِيحِ الْهُجْرَانِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ وَهِيَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ بَلْ أَهْلُهُ فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ نَعَمْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَادَ فَاطِمَةَ فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ قَالَتْ أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَتَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَإِسْنَادُهُ إِلَى الشَّعْبِيِّ صَحِيحٌ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي جَوَازِ تَمَادِي فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عَلَى هَجْرِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إِنَّمَا كَانَتْ هِجْرَتُهَا انْقِبَاضًا عَنْ لِقَائِهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْهُجْرَانِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَلْتَقِيَا فَيُعْرِضُ هَذَا وَهَذَا وَكَأَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ لَمَّا خَرَجَتْ غَضْبَى مِنْ عِنْدِ أَبِي بَكْرٍ تَمَادَتْ فِي اشْتِغَالِهَا بِحُزْنِهَا ثُمَّ بِمَرَضِهَا.
وَأَمَّا سَبَبُ غَضَبِهَا مَعَ احْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلِاعْتِقَادِهَا تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنَّهَا اعْتَقَدَتْ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ لَا نُورَثُ وَرَأَتْ أَنَّ مَنَافِعَ مَا خَلَّفَهُ مِنْ أَرْضٍ وَعَقَارٍ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُورَثَ عَنْهُ وَتَمَسَّكَ أَبُو بَكْرٍ بِالْعُمُومِ وَاخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ مُحْتَمِلٍ لِلتَّأْوِيلِ فَلَمَّا صَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ انْقَطَعَتْ عَنْ الِاجْتِمَاعِ بِهِ لِذَلِكَ فَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ أَزَالَ الْإِشْكَالَ وَأَخْلَقُ بِالْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ وُفُورِ عَقْلِهَا وَدِينِهَا عَلَيْهَا السَّلَامُ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ زِيَادَةٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ مَنْ يَرِثُكَ قَالَ أَهْلِي وَوَلَدِي قَالَتْ فَمَا لِي لَا أَرِثُ أَبِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا نُورَثُ وَلَكِنِّي أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُولُهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْ جَمِيعِ مَا خَلَّفَ وَإِنَّمَا طَلَبَتْ شَيْئًا مَخْصُوصًا فَأَمَّا خَيْبَرُ فَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَذْكُورَةِ وَسَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ وَنِصْفُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَرَوَاهُ بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا لَيْسَ فِيهِ سَهْلٌ.
وَأَمَّا فَدَكُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا كَافٌ بَلَدٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا مَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي قَاطِبَةً أَنَّ أَهْلَ فَدَكَ كَانُوا مِنْ يَهُودَ فَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أَرْسَلَ أَهْلُ فَدَكَ يَطْلُبُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْبَلَدَ وَيَرْحَلُوا وروى أَبُو دَاوُد من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُسَيِّرَهُمْ فَفَعَلَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ معمر عَن بن شِهَابٍ صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ فَدَكَ وَقُرًى سَمَّاهَا وَهُوَ يُحَاصِرُ قَوْمًا آخَرِينَ يَعْنِي بَقِيَّةَ أَهْلِ خَيْبَرَ.
وَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ قِصَّةَ بَنِي النَّضِيرِ فَقَالَ فِي آخِرِهِ وَكَانَتْ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً أَعْطَاهَا إِيَّاهُ فَقَالَ





[ قــ :954 ... غــ :3094] مَا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُوله مِنْهُم الْآيَةَ قَالَ فَأَعْطَى أَكْثَرَهَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي فِي أَيْدِي بَنِي فَاطِمَةَ وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَتْ صَدَقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَمْوَالًا لِمُخَيْرِيقٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ مُصَغَّرٌ وَكَانَ يَهُودِيًّا مِنْ بَقَايَا بَنِي قَيْنُقَاعَ نَازِلًا بِبَنِي النَّضِيرِ فَشَهِدَ أُحُدًا فَقُتِلَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيْرِيقٌ سَابِقُ يَهُودَ وَأَوْصَى مُخَيْرِيقٌ بِأَمْوَالِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ مُخَيْرِيقٌ إِنْ أُصِبْتُ فَأَمْوَالِي لِمُحَمَّدٍ يَضَعُهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ فَهِيَ عَامَّةُ صَدَقَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانَتْ أَمْوَالُ مخيريق فِي بني النَّضِير وعَلى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الْآتِي وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ شَمِلَ جَمِيعَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ فِي الْمَنَاقِبِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ سَهْمَ النَّبِيِّ يَصْرِفُهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِمَنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُهُ لَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ وَفِي وَجْهٍ هُوَ لِلْإِمَامِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ يُصْرَفُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ.

     وَقَالَ  بن جرير يرد إِلَى الْأَرْبَعَة قَالَ بن الْمُنْذِرِ كَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْقَوْلِ مَنْ يُوجِبُ قَسْمَ الزَّكَاةِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ فَإِنْ فُقِدَ صِنْفٌ رُدَّ عَلَى الْبَاقِينَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ يُرَدُّ مَعَ سَهْمِ ذَوِيِ الْقُرْبَى إِلَى الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ يُرَدُّ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَى الْغَانِمِينَ وَمِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْمَصَالِحِ .

     قَوْلُهُ  فَأَمَّا صَدَقَتُهُ أَيْ صَدَقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى على إِلَى وَعَبَّاسٍ سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ .

     قَوْلُهُ .
وَأَمَّا خَيْبَرُ أَيْ الَّذِي كَانَ يَخُصُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَفَدَكَ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ أَيْ لَمْ يَدْفَعْهَا لِغَيْرِهِ وَبَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ صَدَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْتَصُّ بِمَا كَانَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ.
وَأَمَّا سَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكَ فَكَانَ حُكْمُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُقَدِّمُ نَفَقَة نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيْرِهَا مِمَّا كَانَ يَصْرِفُهُ فَيَصْرِفُهُ مِنْ خَيْبَرَ وفدك وَمَا فضل من ذَلِك جعله فِي الْمَصَالِحِ وَعَمِلَ عُمَرُ بَعْدَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ تَصَرَّفَ فِي فَدَكَ بِحَسَبِ مَا رَآهُ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ جَمَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَنِي مَرْوَانَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْفِقُ مِنْ فَدَكَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَيُزَوِّجُ أَيِّمَهُمْ وَأَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى وَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ثُمَّ أُقْطِعَهَا مَرْوَانُ يَعْنِي فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَقْطَعَ عُثْمَانُ فَدَكَ لِمَرْوَانَ لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ فَاسْتَغْنَى عُثْمَانُ عَنْهَا بِأَمْوَالِهِ فَوَصَلَ بِهَا بَعْضَ قَرَابَتِهِ وَيَشْهَدُ لِصَنِيعِ أَبِي بَكْرٍ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعُ الْآتِي بَعْدَ بَابٍ بِلَفْظِ مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ فَقَدْ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي قَامَ لَهُمَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْبَحْثِ فِي قَوْلِهِ لَا نُورَثُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ هُوَ كَلَامُ الزُّهْرِيِّ أَيْ حِينَ حَدَّثَ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَيِ الْمُصَنِّفُ اعْتَرَاكَ افْتَعَلْتَ كَذَا فِيهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ افْتَعَلَكَ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمَجَازِ لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَقَولُهُ مِنْ عَرَوْتُهُ فَأَصَبْتُهُ وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي أَرَادَ بِذَلِكَ شَرْحَ قَوْلِهِ يَعْرُوهُ وَبَيَّنَ تَصَارِيفَهُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِصَابَةُ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ وَأَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ وَهَذِهِ عَادَةُ الْبُخَارِيِّ يُفَسِّرُ اللَّفْظَةَ الْغَرِيبَةَ مِنَ الْحَدِيثِ بِتَفْسِيرِ اللَّفْظَةِ الْغَرِيبَةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عُمَرَ مَعَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ وَقَعَ قَبْلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ قِصَّةُ فَدَكَ وَكَأَنَّهَا تَرْجَمَةٌ لِحَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَدْ بَيَّنْتُ أَمْرَ فَدَكٍ فِي الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ هُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ قِتَالِ الْيَهُودِ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَمَا تقدم فِي الصُّلْح وَفِي رِوَايَة بْنِ شَبَّوَيْهِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَرَوِيُّ وَهُوَ مَقْلُوبٌ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ مِثْلَهُ قَالَ وَهُوَ وَهْمٌ.

قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ خَارِجَ الْمُوَطَّإِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ مِمَّا لم يذكرهُ بن الصَّلَاحِ وَهِيَ تَشَابُهُ الطَّرَفَيْنِ مِثَالُهُ مَا وَقَعَ هُنَا بن شهَاب عَن مَالك وَعنهُ مَالك الْأَعْلَى بن أَوْس والأدنى بن أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْ بن مُطْعِمٍ قَدْ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ أَيْ الْآتِي ذِكْرُهُ .

     قَوْلُهُ  فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ كَذَا فِيهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْمَاضِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهِيَ مُبَالَغَةٌ لِإِرَادَةِ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ وَيَجُوزُ ضَمُّ أَدْخُلَ عَلَى أَنَّ حَتَّى عَاطِفَةً أَيِ انْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّ حَتَّى بِمَعْنَى إِلَى أَنْ .

     قَوْلُهُ  مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ بْنِ الْحَدَثَانِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ نَصْرِيٌّ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ.
وَأَمَّا هُوَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الصَّحَابَة.

     وَقَالَ  بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ لَا تَصِحُّ لَهُ صُحْبَةٌ وَحكى بن أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ مُصْعَبٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ رَكِبَ الْخَيْلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

قُلْتُ فَعَلَى هَذَا لَعَلَّهُ لَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَقَعَ لِقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ دَخَلَ أَبُوهُ وَصَحِبَ وَتَأَخَّرَ هُوَ مَعَ إِمْكَانِ ذَلِكَ وَقَدْ تَشَارَكَ أَيْضًا فِي أَنَّهُ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِنَّهُ أَخَذَ عَنِ الْعَشَرَةِ وَلَيْسَ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي الْبيُوع وَفِي صَنِيع بن شِهَابٍ ذَلِكَ أَصْلٌ فِي طَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَنِعْ بِالْحَدِيثِ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ليشافهه بِهِ وَفِيه حرص بن شِهَابٍ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ وَتَحْصِيلِهِ تَنْبِيهٌ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الزُّهْرِيَّ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ أَنْكَرَهُ قَوْمٌ وَقَالُوا هَذَا من مستنكر مَا رَوَاهُ بن شِهَابٍ قَالَ فَإِنْ كَانُوا عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْدٍ فَهَيْهَاتَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَهُوَ جَهْلٌ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ وَأَيُّوبُ بْنُ خَالِدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَغَيْرُهُمْ .

     قَوْلُهُ  حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُثَنَّاةِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ عَلَا وَامْتَدَّ وَقِيلَ هُوَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ حِينَ تَعَالَى النَّهَار وَفِي رِوَايَة يُونُس عَن بن شهَاب عِنْد عمر بن شبة بعد مَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا رَسُولُ عُمَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ يَرْفَأَ الْحَاجِبَ الْآتِي ذِكْرُهُ .

     قَوْلُهُ  عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَدْ تُضَمُّ وَهُوَ مَا يُنْسَجُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ هُوَ السَّرِيرُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنَ الْجَرِيدِ وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رِمَالِهِ أَيْ لَيْسَ تَحْتَهُ فِرَاشٌ وَالْإِفْضَاءُ إِلَى الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بِحَائِلٍ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَى السَّرِيرِ فِرَاشٌ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا مَالُ كَذَا هُوَ بِالتَّرْخِيمِ أَيْ مَالِكٌ وَيَجُوزُ فِي اللَّامِ الْكَسْرُ عَلَى الْأَصْلِ وَالضَّمُّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ اسْمًا مُسْتَقِلًّا فَيُعْرَبُ إِعْرَابَ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَيْ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ أَيْ وَرَدَ جَمَاعَةٌ بِأَهْلِيهِمْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ يَسِيرُونَ قَلِيلًا قَلِيلًا وَالدَّفِيفُ السَّيْرُ اللَّيِّنُ وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَصَابَهُمْ جَدْبٌ فِي بِلَادهمْ فانتجعوا الْمَدِينَة قَوْله يرْضخ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ عَطِيَّةٍ غَيْرِ كَثِيرَةٍ وَلَا مُقَدَّرَةٍ وَقَولُهُ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي قَالَهُ تَحَرُّجًا مِنْ قَبُولِ الْأَمَانَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا جَرَى لَهُ فِيهِ اكْتِفَاءً بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَبَضَهُ لِعَزْمِ عُمَرَ عَلَيْهِ ثَانِيَ مَرَّةٍ .

     قَوْلُهُ  أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ مُشْبَعَةٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَقَدْ تُهْمَزُ وَهِيَ رِوَايَتُنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَيَرْفَا هَذَا كَانَ مِنْ مَوَالِي عُمَرَ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَلَا تُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَدْ حَجَّ مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَهُ ذِكْرٌ فِي حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ يَرْفَا إِذَا جَاءَ طَعَامُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَأَعْلِمْنِي فَذَكَرَ قِصَّةً وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ يَرْفَا قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَنْزِلَةَ مَالِ الْيَتِيمِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ .

     قَوْلُهُ  هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ أَي بن عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ من طرقه زِيَادَةً عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن بن شِهَابٍ وَزَادَ فِيهَا وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَذَا فِي رِوَايَة الإمامي عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ أَيْضًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ قَالَ دَخَلَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا وَفِيهَا ذُكِرَ طَلْحَةُ لَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ عُثْمَانُ .

     قَوْلُهُ  فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي الْمَغَازِي فَأَدْخَلَهُمْ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ زَادَ شُعَيْبٌ يَسْتَأْذِنَانِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا زَادَ شُعَيْبٌ وَيُونُسُ فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ وَفِي رِوَايَة عقيل عَن بن شِهَابٍ فِي الْفَرَائِضِ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الظَّالِمِ اسْتَبَّا وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْ عَلِيٍّ فِي حَقِّ الْعَبَّاسِ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا يُفْهَمُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ اسْتَبَّا وَاسْتَصْوَبَ الْمَازِرِيُّ صَنِيعَ مَنْ حَذَفَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  لَعَلَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ وَهِمَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَأَجْوَدُ مَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَهَا دَلَالًا عَلَى عَلِيٍّ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ فَأَرَادَ رَدْعَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِيهِ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ يَتَّصِفُ بِهَا لَوْ كَانَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ عَنْ عَمْدٍ قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الْخَلِيفَةِ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ إِنْكَارٌ لِذَلِكَ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ تَشَدُّدِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ .

     قَوْلُهُ  وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ يَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ الرَّهْطُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الْقَوْمُ وَزَادَ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ.

قُلْتُ وَرَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيّ فِي مُسْند بن أَبِي عُمَرَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ اقْضِ بَيْنَهُمَا فَأَفَادَتْ تَعْيِينَ مَنْ بَاشَرَ سُؤَالَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَئِيدَكُمْ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ مَهْمُوزٌ وَفَتْحِ الدَّال قَالَ بن التِّينِ أَصْلُهَا تَيْدَكُمْ وَالتُّؤَدَةُ الرِّفْقُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ كَرُوَيْدًا أَيِ اصْبِرُوا وَأَمْهِلُوا وَعَلَى رِسْلِكُمْ وَقِيلَ إِنَّهُ مَصْدَرُ تَادَ يَتِيدُ كَمَا يُقَالُ سِيرُوا سَيْرَكُمْ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فِي اللُّغَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة عقيل وَشُعَيْب ايتدوا أَيْ تَمَهَّلُوا وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ عُمَرُ ايْتَدْ بِلَفْظِ الْأَمْرِ لِلْمُفْرَدِ .

     قَوْلُهُ  أَنْشُدُكُمَا أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ كَذَا فِيهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَا نَعَمْ وَمَعْنَى أَنْشُدُكُمَا أَسْأَلُكُمَا رَافِعًا نَشْدِي أَيْ صَوْتِي .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِخَاصَّةٍ لَمْ يَخْصُصْ بِهَا غَيْرَهُ وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن بن شِهَابٍ فِي التَّفْسِيرِ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ فِي النَّفَقَاتِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قوْتَ سَنَتِهِمْ أَيْ ثَمَرَ النَّخْلِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ بن شِهَابٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ صَفَايَا بَنُو النَّضِيرِ وَخَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَكَانَتْ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ.
وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ حَبْسًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَسَّمَ جُزْءًا لِنَفَقَةِ أَهْلِهِ وَمَا فَضَلَ مِنْهُ جَعَلَهُ فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَسِّمَ فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَفِي مُشْتَرَى السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَذَلِكَ مُفَسِّرٌ لِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهِ وَهَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ ثُمَّ فِي طُولِ السَّنَةِ يَحْتَاجُ لِمَنْ يَطْرُقُهُ إِلَى إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْهُ فَيُخْرِجُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهَا عِوَضَهُ فَلذَلِك اسْتَدَانَ قَوْله مَا احتازها كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُخْتَصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ وَاسَى بِهِ أَقْرِبَاءَهُ وَغَيْرَهُمْ بِحَسَبِ حَاجَتِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنْشُدُكُمَا اللَّهُ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ زَادَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ قَالَا نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَذَا وَكَذَا وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ كَمَا تَقُولَانِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَجِئْتُمَا تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ من بن أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَة فرأيتماه كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا وَكَأَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً فَيُصَرِّحُ وَتَارَةً فَيُكَنِّي وَكَذَلِكَ مَالِكٌ وَقَدْ حُذِفَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْهُ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ الْعَبَّاسِ لِعَلِيٍّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ حُذِفَتْ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْفَرَوِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ وَسَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ كِلَاهُمَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَلَى مَا قَالَ جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ وَاجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ عَنْ مَالِكٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ حَفِظُوهُ وَهَذَا الْقَدْرُ الْمَحْذُوفُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ ثَبَتَ مِنْ رِوَايَتِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْحَدِيثِ لَكِنْ جَعَلَ الْقِصَّةَ فِيهِ لِعُمَرَ حَيْثُ قَالَ جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلنِي نصيبك من بن أَخِيكَ وَفِيهِ فَقُلْتُ لَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ فَاشْتَمَلَ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى مُخَالَفَةِ إِسْحَاقَ لِبَقِيَّةِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِي كَوْنِهِمْ جَعَلُوا الْقِصَّةَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَجَعَلُوا الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ جعلَ الْقِصَّةَ عِنْدَ عُمَرَ وَجَعَلَ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ أَبِي بَكْرٍ وَقد وَقع فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن بن شِهَابٍ نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْفَرَوِيِّ سَوَاءً وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عُقَيْلٍ الْآتِيَةُ فِي الْفَرَائِضِ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ عِنْدَ عُمَرَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَصْلًا وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ لِسِيَاقِ إِسْحَاقَ الْفَرَوِيِّ أَصْلًا فَلَعَلَّ الْقِصَّتَيْنِ مَحْفُوظَتَانِ وَاقْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنَ الشُّرَّاحِ لِبَيَانِ ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ إِشْكَالٌ شَدِيدٌ وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْقِصَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا قَدْ عَلِمَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ فَإِنْ كَانَا سَمِعَاهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَطْلُبَانِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَا إِنَّمَا سَمِعَاهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَوْ فِي زَمَنِهِ بِحَيْثُ أَفَادَ عِنْدَهُمَا الْعِلْمُ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَطْلُبَانِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي حَقِّ فَاطِمَةَ وَأَنَّ كُلًّا مِنْ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسِ اعْتَقَدَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ لَا نُورَثُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ مَا يَخْلُفُهُ دُونَ بَعْضٍ وَلِذَلِكَ نَسَبَ عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا مُخَاصَمَةُ عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ بَعْدَ ذَلِكَ ثَانِيًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمِيرَاثِ إِنَّمَا تَنَازَعَا فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَةِ وَفِي صَرْفِهَا كَيْفَ تُصْرَفُ كَذَا قَالَ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يُقَسَّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِهِ ثُمَّ جِئْتُمَانِي الْآنَ تختصمان يَقُول هَذَا أُرِيد نَصِيبي من بن أَخِي وَيَقُولُ هَذَا أُرِيدُ نَصِيبِي مِنَ امْرَأَتِي وَاللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إِلَّا بِذَلِكَ أَيْ إِلَّا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوِلَايَةِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ نَحْوَهُ وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَرَادَا أَنَّ عُمَرَ يُقَسِّمُهَا لِيَنْفَرِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَظَرِ مَا يَتَوَلَّاهُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ قَسْمٍ وَلِذَلِكَ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ وَاسْتَحْسَنُوهُ وَفِيهِ مِنَ النَّظَرِ مَا تقدم وأعجب من ذَلِك جزم بن الْجَوْزِيِّ ثُمَّ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بِأَنَّ عَلِيًّا وَعَبَّاسًا لَمْ يَطْلُبَا مِنْ عُمَرَ إِلَّا ذَلِكَ مَعَ أَنَّ السِّيَاقَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمَا جَاءَاهُ مَرَّتَيْنِ فِي طَلَبِ شَيْءٍ وَاحِدٍ لَكِنَّ الْعُذْرَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَالنَّوَوِيِّ أَنَّهُمَا شَرَحَا اللَّفْظَ الْوَارِدَ فِي مُسْلِمٍ دُونَ اللَّفْظِ الْوَارِدِ فِي الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَمَرَ جِئْتَنِي يَا عَبَّاس تَسْأَلنِي نصيبك من بن أَخِيكَ فَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ لِبَيَانِ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ كَيْفَ يُقْسَمُ أَنْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مِيرَاثٌ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْغَضَّ مِنْهُمَا بِهَذَا الْكَلَامِ وَزَاد الإمامي عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ فِي آخِرِهِ فَأَصْلِحَا أَمْرَكُمَا وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ وَاللَّهِ إِلَيْكُمَا فَقَامَا وَتَرَكَا الْخُصُومَةَ وَأُمْضِيَتْ صَدَقَةً وَزَادَ شُعَيْبٌ فِي آخِره قَالَ بن شِهَابٍ فَحَدَّثْتُ بِهِ عُرْوَةَ فَقَالَ صَدَقَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ أَنَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَبَّاسًا فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ الْحَسَنِ ثُمَّ بِيَدِ الْحُسَيْنِ ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ وَهِيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ مَعْمَرٌ ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ حَتَّى وَلِيَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ فَقَبَضُوهَا وَزَادَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي أَنَّ إِعْرَاضَ الْعَبَّاسِ عَنْهَا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ سَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَدَنِيُّ يَقُولُ إِنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ الْيَوْمَ بِيَدِ الْخَلِيفَةِ يَكْتُبُ فِي عَهْدِهِ يُوَلِّي عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِهِ مَنْ يَقْبِضُهَا وَيُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

قُلْتُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ ثُمَّ تَغَيَّرَتِ الْأُمُورُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ فَقَالَ مَالِكٌ الْفَيْءُ وَالْخُمُسُ سَوَاءٌ يُجْعَلَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُعْطِي الْإِمَامُ أَقَارِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَبَيْنَ الْفَيْءِ فَقَالَ الْخُمُسُ مَوْضُوعٌ فِيمَا عَيَّنَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمُسَمَّيْنَ فِي آيَةِ الْخُمُسِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ لَا يُتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا الْفَيْءُ فَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ النَّظَرُ فِي مَصْرِفِهِ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَانْفَرَدَ الشَّافِعِي كَمَا قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْفَيْءَ يُخَمَّسُ وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ خُمُسُ الْخُمُسِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ لِمُسْتَحِقِّ نَظِيرِهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ كُلُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ عُمَرَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ يُرِيد الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة قَالَ بن بَطَّالٍ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ فِي بَابِ فَرْضِ الْخُمُسِ أَنَّ الَّذِي سَأَلَتْ فَاطِمَةُ أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْ جُمْلَتِهِ خَيْبَرُ وَالْمُرَادُ بِهِ سَهْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَهُوَ الْخُمُسُ وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي بِلَفْظِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ كُلِّ قَبِيلَةٍ كَبِيرُهُمْ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَادِيَ الرَّجُلَ الشَّرِيفَ الْكَبِيرَ بِاسْمِهِ وَبِالتَّرْخِيمِ حَيْثُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَنْقِيصَهُ وَفِيهِ اسْتِعْفَاءُ الْمَرْءِ مِنَ الْوِلَايَةِ وَسُؤَالُهُ الْإِمَامَ ذَلِكَ بِالرِّفْقِ وَفِيهِ اتِّخَاذُ الْحَاجِبِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدي الإِمَام والشفاعة عِنْده فِي انفاذ الحكم وَتَبْيِينِ الْحَاكِمِ وَجْهَ حُكْمِهِ وَفِيهِ إِقَامَةُ الْإِمَامِ مَنْ يَنْظُرُ عَلَى الْوَقْفِ نِيَابَةً عَنْهُ وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَازُ أَكْثَرِ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الِادِّخَارِ خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ مُشَدِّدِي الْمُتَزَهِّدِينَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْعَقَارِ وَاسْتِغْلَالِ مَنْفَعَتِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اتِّخَاذِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ وَالْمَنْفَعَةُ مِنْ زِرَاعَةٍ وَتِجَارَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا قَامَ عِنْدَهُ الدَّلِيلُ صَارَ إِلَيْهِ وَقَضَى بِمُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ وَأَنَّ الْأَتْبَاعَ إِذَا رَأَوْا مِنَ الْكَبِيرِ انْقِبَاضًا لَمْ يُفَاتِحُوهُ حَتَّى يُفَاتِحَهُمْ بِالْكَلَامِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الْفَيْءِ وَلَا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ إِلَّا قَدْرَ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِالْقَسْمِ وَالْعَطِيَّةِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مِلْكَ رَقَبَةِ مَا غَنِمَهُ وَإِنَّمَا مَلَّكَهُ مَنَافِعَهُ وَجَعَلَ لَهُ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ بِالْأَمْرِ بعده.

     وَقَالَ  بن الْبَاقِلَّانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُورَثُ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ قَالَ أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الْعُمُومَ فَلَا اسْتِغْرَاقَ عِنْدَهُ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ أَنَّهُ يُورَثُ.
وَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَهُ فَلَا يُسَلِّمُ دُخُولَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمَ دُخُولَهُ لَوَجَبَ تَخْصِيصُهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ وَخَبَرُ الْآحَادِ يُخَصِّصُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْسَخُ فَكَيْفَ بِالْخَبَرِ إِذَا جَاءَ مِثْلَ مَجِيءِ هَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ لَا نُورَثُ