فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته

( قَولُهُ بَابُ خَلْقِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ آثَارًا ثُمَّ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ فَجَعَلَهُ طِينًا ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ حَمَأً مَسْنُونًا خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ كَانَ إِبْلِيسُ يَمُرُّ بِهِ فَيَقُولُ لَقَدْ خُلِقْتَ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ ثُمَّ نَفَخَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَكَانَ أَوَّلُ مَا جَرَى فِيهِ الرُّوحَ بَصَرَهُ وَخَيَاشِيمَهُ فَعَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ اللَّهُ يَرْحَمُكَ رَبُّكَ الْحَدِيثَ وَفِي الْبَابِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ رَفَعَهُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ تَرَكَهُ مَا شَاءَ أَنْ يَدَعَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يَطِيفُ بِهِ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَتَمَالَكُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَآدَمُ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ آدَامُ بِإِشْبَاعِ فَتْحَةِ الدَّالِ بِوَزْنِ خَانَامَ وَزْنُهُ فَاعَالُ وَامْتَنَعَ صَرْفُهُ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيُّ التُّرَابُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ آدَامُ فَسُمِّيَ آدَمُ بِهِ وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ الثَّانِيَةُ وَقِيلَ هُوَ عَرَبِيٌّ جَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَالْجَوَالِيقِيُّ وَقِيلَ هُوَ بِوَزْنِ أَفْعَلَ مِنَ الْأَدْمَةِ وَقِيلَ مِنَ الْأَدِيمِ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الأَرْض وَهَذَا عَن بن عَبَّاس ووجهوه بِأَنَّهُ يَكُونَ كَأَعْيَنَ وَمَنْعُ الصَّرْفِ لِلْوَزْنِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ أَدَمْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِذَا خَلَطْتُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ كَانَ مَاءً وَطِينًا فَخُلِطَا جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  صَلْصَالٌ طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ هُوَ تَفْسِيرُ الْفَرَّاءِ هَكَذَا ذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ الصَّلْصَالُ الْيَابِسُ الَّذِي لَمْ تُصِبْهُ نَارٌ فَإِذَا نَقَرْتَهُ صَلَّ فَسُمِعَتْ لَهُ صَلْصَلَةٌ فَإِذَا طُبِخَ بِالنَّارِ فَهُوَ فَخَّارٌ وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ فَهُوَ صَلْصَالٌ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  وَيُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ كَمَا يَقُولُونَ صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الْإِغْلَاقِ مِثْلَ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ أَمَّا تَفْسِيرُهُ بِالْمُنْتِنِ فَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِد وروى عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُنْتِنَ تَفْسِيرُهُ الْمَسْنُونُ.
وَأَمَّا بَقِيَّتُهُ فَكَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .

     قَوْلُهُ  فَمَرَّتْ بِهِ اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ لَا تَسْجُدَ أَنْ تَسْجُدَ يَعْنِي أَنَّ لَا زَائِدَةٌ وَأَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ أبي عُبَيْدَة وَكَذَا قَالَه وَزَاد وَلَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَتُلِحِّينَنِي فِي اللَّهْوِ أَنْ لَا أُحِبَّهُ وَلِلَّهْوِ دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ وَقِيلَ لَيْسَتْ زَائِدَةٌ بَلْ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ فَحَمَلَكَ عَلَى أَنْ لَا تَسْجُدَ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة كَذَا وَقَعَ هُنَا وَوَقْعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبُّوَيْهِ فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ أَوْلَى وَمِثْلُهُ لِلنَّسَفِيِّ وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا بَابٌ وَالْمُرَادُ بالخليفة آدم أسْندهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن سَابِطٍ مَرْفُوعًا قَالَ وَالْأَرْضُ مَكَّةُ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ السُّدِّيُّ عَنْ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ بَنِي آدَمَ يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ أَتَجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا الْآيَة وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّهُ خَلِيفَةُ الْمَلَائِكَةِ أَوْ خَلِيفَةُ الْجِنِّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَنْ سَكَنَهَا قَبْلَ آدَمَ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ قَالَ زَعَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ إِذْ فِي قَوْلِهِ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ صِلَةٌ وَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّ جَمِيعَ الْمُفَسّرين ردُّوهُ حَتَّى قَالَ الزّجاج أَنَّهَا جَرَاءَة مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ الا عَلَيْهَا حَافظ وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ وَزَادَ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ إِنْ كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ مَا زَائِدَة قَوْله فِي كبد فِي شدَّة خلق هُوَ قَول بن عَبَّاس أَيْضا روينَاهُ فِي تَفْسِير بن عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَوْلِدَهُ وَنَبَاتَ أَسْنَانِهِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ الْكَبَدُ الشِّدَّةُ قَالَ لَبِيدٌ يَا عَيْنُ هَلَّا بَكَيْتِ أَرْبَدَ إِذْ قُمْنَا وَقَامَ الْخُصُومُ فِي كَبَدِ .

     قَوْلُهُ  وَرِيَاشًا المَال هُوَ قَول بن عَبَّاس أَيْضا وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال غَيْرُهُ الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَزَادَ تَقُولُ أَعْطَانِي رِيشَهُ أَيْ كِسَوْتَهُ قَالَ وَالرِّيَاشُ أَيْضًا الْمَعَاشُ .

     قَوْلُهُ  مَا تُمْنُونَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ قَالَ يُقَالُ أَمْنَى وَمَنَى وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَقَولُهُ تُمْنُونَ يَعْنِي النُّطَفَ إِذَا قُذِفَتْ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَ ذَلِكَ أَمْ نَحْنُ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ النُّطْفَةُ فِي الْإِحْلِيلِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَادِرٌ عَلَى رَجْعِ النُّطْفَةِ الَّتِي فِي الْإِحْلِيلِ إِلَى الصُّلْبِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُعَكِّرُ عَلَى تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ أَنَّ بَقِيَّةَ الْآيَاتِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْإِنْسَانِ وَرَجْعِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقَوْلِهِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ  كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهُوَ شَفْعٌ السَّمَاءُ شَفْعٌ وَالْوِتْرُ اللَّهُ هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ أَيْضًا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَلَفْظُهُ كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ شَفْعٌ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَنَحْوُ هَذَا شَفْعٌ وَالْوِتْرُ اللَّهُ وَحْدَهُ وَبِهَذَا زَالَ الْإِشْكَالُ فَإِنَّ ظَاهِرَ إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ السَّمَاءُ شَفْعٌ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ السَّمَاوَاتِ سَبْعٌ وَالسَّبْعُ لَيْسَ بِشَفْعٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادُ مُجَاهِدٍ وَإِنَّمَا مُرَاده أَن كُلُّ شَيْءٍ لَهُ مُقَابِلٌ يُقَابِلُهُ وَيُذْكَرُ مَعَهُ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ شَفْعٌ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ إِلَخْ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خلقنَا زَوْجَيْنِ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ وَالشَّقَاءُ وَالسَّعَادَةُ وَالْهُدَى وَالضَّلَالَةُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالْوِتْرُ اللَّهُ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ نَحْوَهُ وَأُخْرِجَ عَن بن عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ قَالَ الْوِتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّفْعُ يَوْمُ الذَّبْحِ وَفِي رِوَايَةِ أَيَّامِ الذَّبْحِ وَهَذَا يُنَاسِبُ مَا فَسَّرُوا بِهِ قَوْله قبل ذَلِك وليال عشر أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ .

     قَوْلُهُ  فِي أحسن تَقْوِيم فِي أحسن خلق أَسْفَل سافلين إِلَّا مَنْ آمَنَ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  خُسْرٍ ضَلَالٍ ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ إِلَّا مَنْ آمَنَ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا قَالَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْإِنْسَان لفي خسر يَعْنِي فِي ضَلَالٍ ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى وَإِلَّا فَالتِّلَاوَةُ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا .

     قَوْلُهُ  لَازِبٍ لَازِمٍ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازب وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ من طين لازب قَالَ لَازِقٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ مِنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ يَصِيرُ طِينًا يَلْزَقُ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِاللَّازِمِ فَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ مَعْنَى اللَّازِبِ اللَّازِمُ قَالَ النَّابِغَةُ وَلَا يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبِ أَيْ لَازِمٍ .

     قَوْلُهُ  نُنْشِئَكُمْ فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَنُنْشِئَكُمْ فِيمَا لَا تعلمُونَ وَقَولُهُ فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ .

     قَوْلُهُ  نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ نُعَظِّمُكَ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو الْعَالِيَةِ فَتَلَقَّى آدَمُ هُوَ قَوْله تَعَالَى رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَاتِ أَنَّ هَذَا التَّلَقِّيَ كَانَ قَبْلَ الْهُبُوطِ لِأَن بعده قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ قُلْنَا اهْبِطُوا كَانَ سَابِقًا لِلتَّلَقِّي وَلَيْسَ فِي الْآيَاتِ صِيغَةُ تَرْتِيبٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال فَأَزَلَّهُمَا اسْتَزَلَّهُمَا وَيَتَسَنَّهْ يَتَغَيَّرُ آسِنٍ الْمَسْنُونُ الْمُتَغَيِّرُ حَمَأِ جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ بِحَذْفِ قَالَ فَكَأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَشْكَلُ وَقَولُهُ فَأَزَلَّهُمَا أَيْ دَعَاهُمَا إِلَى الزَّلَّةِ وَإِيرَادُ قَوْلِهِ يَتَسَنَّهْ يَتَغَيَّرُ فِي أَثْنَاءِ قِصَّةِ آدَمَ ذُكِرَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَسْنُونِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هُنَا بَعْدَ أَنْ قَالَ إِنَّ تَفْسِيرَ يَتَسَنَّهْ وَآسِنٍ لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِقَوْلِهِ مَسْنُونٍ وَفِي هَذَا تَكْثِيرٌ لِحَجْمِ الْكِتَابِ لَا لِتَكْثِيرِ الْفَوَائِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَقْصُودِهِ.

قُلْتُ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الشَّارِحِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى الْأَصْلِ بِمِثْلِ هَذَا وَلَا ارْتِيَابَ فِي أَنَّ إِيرَادَ شَرْحِ غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فَوَائِدُ وَادِّعَاؤُهُ نفى تَكْثِير الْفَائِدَةِ مَرْدُودٌ وَهَذَا الْكِتَابُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَوْضُوعِهِ إِيرَادَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ فَهِمُوا مِنْ إِيرَادِهِ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ جَامِعًا لِلرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ الدِّرَايَةِ شَرْحُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَجَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا وَرَدَتْ فِيهِ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ وَقَعَتْ أَوْ أَصْلُهَا أَوْ نَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَشْرَحَ اللَّفْظَةَ الْقُرْآنِيَّةَ فَيُفِيدُ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرَ الْحَدِيثِ مَعًا وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَحَادِيثَ تُوَافِقُ شَرْطَهُ سَدَّ مَكَانَهَا بِبَيَانِ تَفْسِيرِ الْغَرِيبِ الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ فَكَيْفَ يَسُوغُ نَفْيُ الْفَائِدَةِ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  يَخْصِفَانِ أَخَذَ الْخِصَافَ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ يَخْصِفَانِ قَالَ يُرَقِّعَانِ كَهَيْئَةِ الثَّوْبِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ خَصَفْتُ النَّعْلَ أَيْ خَرَزْتُهَا .

     قَوْلُهُ  سَوْآتِهِمَا كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  ومتاع إِلَى حِين الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَهُوَ هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين أَيْ إِلَى وَقْتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ من طَرِيق بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  قَبِيلُهُ جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَقَبِيلُهُ قَالَ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا أَفْرَدَ الْأَخِيرَ مِنْهَا بِبَابٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا كَذَا وَقَعَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ الرَّاوِي عَن معمر هُوَ بن الْمُبَارَكِ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَأْتِي فِي أَوَّلِ الِاسْتِئْذَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْعِتْقِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ لِآدَمَ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَدَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَنْتَقِلْ فِي النَّشْأَةِ أَحْوَالًا وَلَا تَرَدَّدَ فِي الْأَرْحَامِ أَطْوَارًا كَذُرِّيَّتِهِ بَلْ خَلَقَهُ اللَّهُ رَجُلًا كَامِلًا سَوِيًّا مِنْ أَوَّلِ مَا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَعَادَ الضَّمِيرُ أَيْضًا عَلَى آدَمَ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى صُورَتِهِ أَيْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي خَلْقِهِ أَحَدٌ إِبْطَالًا لِقَوْلِ أَهْلِ الطَّبَائِعِ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  سِتُّونَ ذِرَاعًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَدْرِ الذِّرَاعِ الْمُتَعَارَفِ يَوْمئِذٍ عِنْد الْمُخَاطَبِينَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ ذِرَاعَ كُلِّ أَحَدٍ بِقَدْرِ رُبُعِهِ فَلَوْ كَانَ بِالذِّرَاعِ الْمَعْهُودِ لَكَانَتْ يَدُهُ قَصِيرَةً فِي جَنْبِ طُولِ جَسَدِهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الِاسْتِئْذَانِ



[ قــ :3173 ... غــ :3326] .

     قَوْلُهُ  فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ أَيْ عَلَى صِفَتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ النَّقْصِ مِنْ سَوَادٍ وَغَيْرِهِ تَنْتَفِي عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ هُنَا وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَإِثْبَاتُ الْوَاوِ فِيهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ طُولُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَلَى صُورَةِ آدم وعَلى هَذَا فَقَوله وَطوله إِلَخْ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا كَانَ طُولُ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا.
وَأَمَّا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا أَنَّ آدَمَ لَمَّا أُهْبِطَ كَانَتْ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ فَحَطَّهُ اللَّهُ إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ مُفْرِطَ الطُّولِ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ خُلِقَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ عَلَى طُولِ سِتِّينَ ذِرَاعا وَهُوَ الْمُعْتَمد وروى بن أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ رَجُلًا طُوَالًا كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سُحُوقٌ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ أَيْ أَنَّ كُلَّ قَرْنٍ يَكُونُ نَشَأْتُهُ فِي الطُّولِ أَقْصَرَ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَانْتَهَى تَنَاقُصُ الطُّولِ إِلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ على ذَلِك.

     وَقَالَ  بن التِّينِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ أَيْ كَمَا يَزِيدُ الشَّخْصُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ السَّاعَتَيْنِ وَلَا الْيَوْمَيْنِ حَتَّى إِذَا كَثُرَتِ الْأَيَّامُ تَبَيَّنَ فَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي النَّقْصِ وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا يُوجَدُ الْآنَ مِنْ آثَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَدِيَارِ ثَمُودَ فَإِنَّ مَسَاكِنَهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَامَاتِهِمْ لَمْ تَكُنْ مُفْرِطَةَ الطُّولِ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيبُ السَّابِقُ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَهْدَهُمْ قَدِيمٌ وَأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آدَمَ دُونَ الزَّمَانِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي إِلَى الْآنَ مَا يُزِيلُ هَذَا الْإِشْكَالِ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَقَولُهُ





[ قــ :3174 ... غــ :337] الْأَلَنْجُوجُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ النُّونِ بِجِيمَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَالْوَاوُ سَاكِنَةٌ هُوَ الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ وَلَفْظُ الْأَلَنْجُوجِ هُنَا تَفْسِيرُ الْأَلُوَّةِ وَالْعُودُ تَفْسِيرُ التَّفْسِيرِ وَقَولُهُ فِي آخِرِهِ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِ خَلْقِ لَا بِضَمِّهِ وَقَولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ أَيْ فِي الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي سُؤَالِهَا عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا احْتَلَمَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ





[ قــ :3175 ... غــ :338] .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِهِ فَبِمَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَسَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ سَبَبِ الشَّبَهِ وَقَدْ عَلَّلَهُ هُنَا بِالسَّبْقِ وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِالْعُلُوِّ وَسَأَذْكُرُ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :3177 ... غــ :3330] .

     قَوْلُهُ  عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ لَمْ يَسْبِقْ لِلْمَتْنِ الْمَذْكُورِ طَرِيقٌ يَعُودُ عَلَيْهَا هَذَا الضَّمِيرُ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ شَيْخُهُ هُوَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي سَاقَهُ فَكَأَنَّهُ كَتَبَ مِنْ حِفْظِهِ وَتَرَدَّدَ فِي بَعْضِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ نَحْوَهُ يَعْنِي وَلَمْ أره من طَرِيق بن الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ إِلَّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَيَأْتِي عِنْدَهُ فِي ذِكْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي آخِرِهِ الدَّهْرَ .

     قَوْلُهُ  لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ يَخْنَزُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا بَعْدَهَا زَايٌ أَيْ يُنْتِنُ وَالْخَنَزُ التَّغَيُّرُ وَالنَّتْنُ قِيلَ أَصْلُهُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ادَّخَرُوا لَحْمَ السَّلْوَى وَكَانُوا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ فَعُوقِبُوا بِذَلِكَ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ.

     وَقَالَ  بَعضهم مَعْنَاهُ لَوْلَا أَن بني إِسْرَائِيلَ سَنُّوا ادِّخَارَ اللَّحْمِ حَتَّى أَنْتَنَ لَمَا ادُّخِرَ فَلَمْ يُنْتِنْ وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْية عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَوْلَا أَنِّي كَتَبْتُ الْفَسَادَ عَلَى الطَّعَامِ لَخَزَنَهُ الْأَغْنِيَاءُ عَنِ الْفُقَرَاءِ .

     قَوْلُهُ  وَلَوْلَا حَوَّاءُ أَيِ امْرَأَةُ آدَمَ وَهِيَ بِالْمَدِّ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ وَسَيَأْتِي صِفَةُ خَلْقِهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقَولُهُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ حَوَّاءَ فِي تَزْيِينِهَا لِآدَمَ الْأَكْلَ مِنَ الشَّجَرَةِ حَتَّى وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَمَعْنَى خِيَانَتِهَا أَنَّهَا قَبِلَتْ مَا زَيَّنَ لَهَا إِبْلِيسُ حَتَّى زَيَّنَتْهُ لِآدَمَ وَلَمَّا كَانَتْ هِيَ أُمَّ بَنَاتِ آدَمَ أَشْبَهَهَا بِالْوِلَادَةِ وَنَزَعَ الْعِرْقَ فَلَا تَكَادُ امْرَأَةٌ تَسْلَمُ مِنْ خِيَانَةِ زَوْجِهَا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقَوْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخِيَانَةِ هُنَا ارْتِكَابَ الْفَوَاحِشِ حَاشَا وَكَلَّا وَلَكِنْ لَمَّا مَالَتْ إِلَى شَهْوَةِ النَّفْسِ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَحَسَّنَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عُدَّ ذَلِكَ خِيَانَةً لَهُ.
وَأَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدَهَا مِنَ النِّسَاءِ فَخِيَانَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِحَسَبِهَا وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا حَدِيثُ جَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى تَسْلِيَةِ الرِّجَالِ فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ بِمَا وَقَعَ مِنْ أُمِّهِنَّ الْكُبْرَى وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طَبْعِهِنَّ فَلَا يُفْرَطُ فِي لَوْمِ مَنْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النُّدُورِ وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَّ بِهَذَا فِي الِاسْتِرْسَالِ فِي هَذَا النَّوْعِ بَلْ يَضْبِطْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَيُجَاهِدْنَ هَوَاهُنَّ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ الْحَدِيثُ السَّادِسُ





[ قــ :3178 ... غــ :3331] .

     قَوْلُهُ  مُوسَى بْنُ حِزَامٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا زَايٌ خَفِيفَةٌ وَهُوَ تِرْمِذِيٌّ نَزَلَ بَلْخَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَانَ زَاهِدًا عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ .

     قَوْلُهُ  عَن ميسرَة هُوَ بن عِمَارَةَ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ .

     قَوْلُهُ  اسْتَوْصُوا قِيلَ مَعْنَاهُ تَوَاصَوْا بِهِنَّ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالِاسْتِفْعَالُ بِمَعْنَى الْإِفْعَالِ كَالِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ السِّينُ لِلطَّلَبِ وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ أَيِ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي حَقِّهِنَّ أَوِ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ غَيْرِكُمْ بِهِنَّ كَمَنْ يَعُودُ مَرِيضًا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ آكَدُ لِضَعْفِهِنَّ وَاحْتِيَاجِهِنَّ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِنَّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتَهُنَّ.

قُلْتُ وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ فِي نَظَرِي وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ .

     قَوْلُهُ  خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا قِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ من ضلعه الْقصير أخرجه بن إِسْحَاقَ وَزَادَ الْيُسْرَى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَجُعِلَ مَكَانَهُ لَحْمٌ وَمَعْنَى خُلِقَتْ أَيْ أخرجت كَمَا تخرج النَّخْلَة من النواة.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ مَبْلَغِ ضِلَعٍ فَهِيَ كَالضِّلَعِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ قِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَعْوَجَ مَا فِي الْمَرْأَةِ لِسَانُهَا وَفِي اسْتِعْمَالِ أَعْوَجَ اسْتِعْمَالٌ لِأَفْعَلَ فِي الْعُيُوبِ وَهُوَ شَاذٌّ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ فَلَا يُنْكَرُ اعْوِجَاجُهَا أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّقْوِيمَ كَمَا أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقْبَلُهُ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ قِيلَ هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ لِلطَّلَاقِ أَيْ إِنْ أَرَدْتَ مِنْهَا أَنْ تَتْرُكَ اعْوِجَاجَهَا أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى فِرَاقِهَا وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الضِّلَعَ مُذَكَّرٌ خِلَافًا لِمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ فِي رِوَايَتِهِ لِلْمَرْأَةِ وَقِيلَ إِنَّ الضِّلَعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَعَلَى هَذَا فَاللَّفْظَانِ صَحِيحَانِ الْحَدِيثُ السَّابِع حَدِيث عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا ذُرِّيَّتُهُ فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ خَلْقِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ





[ قــ :3181 ... غــ :3334] .

     قَوْلُهُ  يَرْفَعُهُ هِيَ لَفْظَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُحَدِّثُونَ فِي مَوْضِعِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يُقَالُ هُوَ أَبُو طَالِبٍ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم الْآيَةَ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ بن مَسْعُودٍ لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ على بن آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْقِصَاصِ وَأَوْرَدَهُ هُنَا لِيُلَمِّحَ بِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ حَيْثُ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَمْ يَصِحَّ عَلَى شَرْطِهِ شَيْءٌ مِنْ قِصَّتِهِمَا وَفِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ كِفَايَةٌ عَنْ غَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْقَاتِلِ فَالْمَشْهُورُ قَابِيلُ بِوَزْنِ الْمَقْتُولِ لَكِنَّ أَوَّلَهُ هَاءٌ وَقِيلَ اسْمُ الْمَقْتُولِ قَيْنُ بِلَفْظِ الْحَدَّادِ وَقِيلَ قَايِنُ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَشَايِخِهِ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ سَبَبَ قَتْلِ قَابِيلَ لِأَخِيهِ هَابِيلَ أَنَّ آدَمَ كَانَ يُزَوِّجُ ذَكَرَ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ وَلَدِهِ بِأُنْثَى الْآخَرِ وَأَنَّ أُخْتَ قَابِيلَ كَانَتْ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ فَأَرَادَ قابيل أَن يستائر بِأُخْتِهِ فَمَنَعَهُ آدَمُ فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ أَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا فَقَرَّبَ قَابِيلُ حُزْمَةً مِنْ زَرْعٍ وَكَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَقَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً وَكَانَ صَاحِبَ مَوَاشٍ فَنَزَلَتْ نَارٌ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ دُونَ قَابِيلَ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الشَّرِّ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ آدَمُ زَوَّجَ ابْنًا لَهُ بِابْنَةٍ لَهُ وَإِنَّمَا زَوَّجَ قَابِيلَ جِنِّيَّةً وَزَوَّجَ هَابِيلَ حُورِيَّةً فَغَضِبَ قَابِيلُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ فَقَرِّبَا قُرْبَانًا وَهَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ جَابِرٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بَنِي آدَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْلِيسَ لِأَنَّهُ أَبُو الْجِنِّ كُلِّهِمْ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحُورِ الْعِينِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ وَلَا شَاهد