فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} [الصافات: 139] "

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ يُونُسَ لمن الْمُرْسلين إِلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُلِيمٌ)
هُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ مَقْصُورٌ وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ اسْمُ أُمِّهِ وَهُوَ مَرْدُود بِمَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ فَهَذَا أَصَحُّ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى اتِّصَالِ نَسَبِهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْفُرْسِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ مُجَاهِدٌ مُذْنِبٌ يَعْنِي تَفْسِيرَ قَوْلِهِ وَهُوَ مليم وَقد أخرجه بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مليم مِنْ أَلَامَ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْمُلِيمُ هُوَ الْمُكْتَسِبُ اللوم قَوْله والمشحون الموقر وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمَشْحُونُ الْمَمْلُوءُ وَمن طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ الْمَشْحُونُ الْمُوقَرُ .

     قَوْلُهُ  فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ من المسبحين الْآيَة فنبذناه بالعراء بِوَجْهِ الْأَرْضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ فنبذناه بالعراء أَيْ بِوَجْهِ الْأَرْضِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ نَبَذْتُهُ بِالْعَرَاءِ أَيْ بِالْأَرْضِ الْفَضَاءِ قَالَ الشَّاعِرُ وَنَبَذْتُ بِالْبَلَدِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي وَالْعَرَاءُ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ يُوَارِي مِنْ شَجَرٍ وَلَا غَيْرِهِ.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ الْعَرَاءُ الْمَكَانُ الْخَالِي .

     قَوْلُهُ  مِنْ يَقْطِينٍ مِنْ غَيْرِ ذَاتِ أَصْلٍ الدُّبَّاءُ وَنَحْوُهُ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَزَادَ لَيْسَ لَهَا سَاقٌ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُّ شَجَرَةٍ لَا تَقُومُ عَلَى سَاقٍ فَهِيَ يَقْطِينٌ نَحْوُ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْظَلِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْقَرْعُ وَقِيلَ التِّينُ وَقِيلَ الْمَوْزُ وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي الْقَرْعِ هِيَ شَجَرَةُ أَخِي يُونُسَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مكظوم كَظِيمٌ مَغْمُومٌ كَذَا فِيهِ وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِذْ نَادَى وَهُوَ مكظوم أَي من الْغم مثل كظيم وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ مَكْظُومٌ يَقُولُ مَغْمُومٌ ثمَّ ذكر حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُس بن مَتى وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَطَمَ الْيَهُودِيَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي أَوَاخِرِ قِصَّةِ مُوسَى.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَحَدِيثَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا مُقْتَصِرًا عَلَى مِثْلِ لَفْظِ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقُولَ إِلَخْ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ للطبراني فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ سَبَّحَ اللَّهَ فِي الظُّلُمَاتِ فَأَشَارَ إِلَى جِهَةِ الْخَيْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَأَمَّا



[ قــ :3257 ... غــ :3412] .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَتَّى اسْمُ أُمِّهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي الْمُبْتَدَأ وَذكره الطَّبَرِيّ وَتَبعهُ بن الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَقِيلَ سَبَبُ قَوْلِهِ وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل يُونُس بن فُلَانٍ فَنَسِيَ الرَّاوِي اسْمَ الْأَبِ وَكَنَّى عَنْهُ بِفُلَانٍ وَقِيلَ إِنْ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ الَّذِي نَسِيَ اسْمَ أَبِيهِ يُونُسُ بْنُ مَتَّى وَهُوَ أُمُّهُ ثُمَّ اعْتَذَرَ فَقَالَ وَنَسَبَهُ أَيْ شَيْخُهُ إِلَى أَبِيهِ أَيْ سَمَّاهُ فَنَسَبَهُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا التَّأْوِيلِ وَتَكَلُّفُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا إِنْ كَانَ قَالَهُ بَعْدَ أَنْ أُعْلِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَإِنْ كَانَ قَالَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَلَا إِشْكَالَ وَقِيلَ خَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ لِمَا يَخْشَى عَلَى مَنْ سَمِعَ قِصَّتَهُ أَنْ يَقَعَ فِي نَفْسِهِ تَنْقِيصٌ لَهُ فَبَالَغَ فِي ذِكْرِ فَضْلِهِ لِسَدِّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ وَقَدْ رَوَى قِصَّتَهُ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيره بأسانيده عَن بن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ يُونُسَ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ فَكَذَّبُوهُ فَوَعَدَهُمْ بِنُزُولِ الْعَذَابِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَخَرَجَ عَنْهُمْ مُغَاضِبًا لَهُمْ فَلَمَّا رَأَوْا آثَارَ ذَلِكَ خَضَعُوا وَتَضَرَّعُوا وَآمَنُوا فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَذَهَبَ يُونُسُ فَرَكِبَ سَفِينَةً فَلَجَّجَتْ بِهِ فَاقْتَرَعُوا فِيمَنْ يَطْرَحُونَهُ مِنْهُمْ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فالتقمه الْحُوت وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَن بن مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِيهِ وَأَصْبَحَ يُونُسُ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقَرْيَةِ فَلَمْ يَرَ الْعَذَابَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ فِي شَرِيعَتِهِمْ مَنْ كَذَبَ قُتِلَ فَانْطَلَقَ مُغَاضِبًا حَتَّى رَكِبَ سَفِينَةً.

     وَقَالَ  فِيهِ فَقَالَ لَهُمْ يُونُسُ إِنَّ مَعَهُمْ عَبْدًا آبِقًا مِنْ رَبِّهِ وَإِنَّهَا لَا تَسِيرُ حَتَّى تُلْقُوهُ فَقَالُوا لَا نُلْقِيكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَبَدًا قَالَ فَاقْتَرَعُوا فَخَرَجَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَلْقَوْهُ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فَبَلَغَ بِهِ قَرَارَ الْأَرْضِ فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَى فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الْآيَة وروى الْبَزَّار وبن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَمَرَ اللَّهُ الْحُوتَ أَنْ لَا يَكْسِرَ لَهُ عَظْمًا وَلَا يَخْدِشَ لَهُ لَحْمًا فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى قَعْرِ الْبَحْرِ سَبَّحَ اللَّهَ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبنَا إِنَّا نسْمع صَوتا ضَعِيفا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ قَالَ ذَاكَ عَبْدِي يُونُسَ فَشَفَعُوا لَهُ فَأَمَرَ الْحُوتَ فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِلِ قَالَ بن مَسْعُودٍ كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ وَرَوَى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ لَبِثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ قَالَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ ثَلَاثًا وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْتَقَمَهُ ضُحًى وَلَفَظَهُ عَشِيَّةً