فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام

( قَوْله نزُول عِيسَى بن مَرْيَمَ)
يَعْنِي فِي أَوَاخِرِ الزَّمَانِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِغَيْرِ بَابٍ وَأَثْبَتَهُ غَيْرُهُ وَذَكَرَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَدُهُمَا حَدَيثُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ بن مَرْيَم الحَدِيث



[ قــ :3290 ... غــ :3448] قَوْله حَدثنَا إِسْحَاق هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ وَإِنَّمَا جَزَمْتُ بِذَلِكَ مَعَ تَجْوِيزِ أَبِي عَلِيٍّ الْجَيَّانِيِّ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَوْ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ لِتَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ يَعْتَمِدُهَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ كَمَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا أَخْبَرَنَا وَلَا يَقُولُ حَدَّثَنَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ.

     وَقَالَ  أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ .

     قَوْلُهُ  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فِيهِ الْحَلِفُ فِي الْخَبَرِ مُبَالَغَةٌ فِي تَأْكِيدِهِ .

     قَوْلُهُ  لَيُوشِكَنَّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَيَقْرَبَنَّ أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ سَرِيعًا .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ أَيْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِبَعْضِ الْأُمَّةِ مِمَّنْ لَا يُدْرِكُ نُزُولَهُ .

     قَوْلُهُ  حَكَمًا أَيْ حَاكِمًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ لَا تُنْسَخُ بَلْ يَكُونُ عِيسَى حَاكِمًا مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَكَمًا مُقْسِطًا وَلَهُ مِنْ طَرِيق بن عُيَيْنَة عَن بن شِهَابٍ إِمَامًا مُقْسِطًا وَالْمُقْسِطُ الْعَادِلُ بِخِلَافِ الْقَاسِطِ فَهُوَ الْجَائِرُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أقرءوه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيَمْكُثُ عِيسَى فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغفل ينزل عِيسَى بن مَرْيَمَ مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدِ عَلَى مِلَّتِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ أَيْ يُبْطِلُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ بِأَنْ يَكْسِرَ الصَّلِيبَ حَقِيقَةً وَيُبْطِلُ مَا تَزْعُمُهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَحْرِيمُ اقْتِنَاءِ الْخِنْزِيرِ وَتَحْرِيمُ أَكْلِهِ وَأَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُنْتَفَعُ بِهِ لَا يُشْرَعُ إِتْلَافُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ وَوَقَعَ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَالْقِرْدَ زَادَ فِيهِ الْقِرْدَ وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ الْقِرْدَ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ اتِّفَاقًا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَيْضًا تَغْيِيرُ الْمُنْكَرَاتِ وَكَسْرُ آلَةِ الْبَاطِلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ .

     قَوْلُهُ  وَيَضَعُ الْحَرْبَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْجِزْيَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّينَ يَصِيرُ وَاحِدًا فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَالَ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُمْكِنُ صَرْفُ مَالِ الْجِزْيَةِ لَهُ فَتُتْرَكُ الْجِزْيَةُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ تَقْرِيرُهَا عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ وَيَكُونُ كَثْرَةُ الْمَالِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَتعقبه النَّوَوِيُّ.

     وَقَالَ  الصَّوَابُ أَنَّ عِيسَى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَكُونُ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَى وَضْعِ عِيسَى الْجِزْيَةَ مَعَ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِنُزُولِ عِيسَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْخَبَرُ وَلَيْسَ عِيسَى بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ الْجِزْيَةِ بَلْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبين للنسخ بقوله هَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَإِنَّمَا قَبِلْنَاهَا قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى لِلْحَاجَةِ إِلَى الْمَالِ بِخِلَافِ زَمَنِ عِيسَى فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْمَالِ فَإِنَّ الْمَالَ فِي زَمَنِهِ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ مَشْرُوعِيَّةَ قَبُولِهَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ شُبْهَةِ الْكِتَابِ وَتَعَلُّقِهِمْ بِشَرْعٍ قَدِيمٍ بِزَعْمِهِمْ فَإِذَا نَزَلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ زَالَتِ الشُّبْهَةُ بِحُصُولِ مُعَايَنَتِهِ فَيَصِيرُونَ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فِي انْقِطَاعِ حُجَّتِهِمْ وَانْكِشَافِ أَمْرِهِمْ فَنَاسَبَ أَنْ يُعَامَلُوا مُعَامَلَتَهُمْ فِي عَدَمِ قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا احْتِمَالًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَيَفِيضُ الْمَالُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَكْثُرُ وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ الْمَذْكُورةِ وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ وَسَبَبُ كَثْرَتِهِ نُزُولُ الْبَرَكَاتِ وَتَوَالِي الْخَيْرَاتِ بِسَبَبِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ الظُّلْمِ وَحِينَئِذٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ كُنُوزَهَا وَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِي اقْتِنَاءِ الْمَالِ لِعِلْمِهِمْ بِقُرْبِ السَّاعَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَيْ إِنَّهُمْ حِينَئِذٍ لَا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِالْعِبَادَةِ لَا بِالتَّصَدُّقِ بِالْمَالِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يَرْغَبُونَ عَنِ الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَقد روى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ وَاحِدَةٌ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَوْله ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة واقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قبل مَوته الْآيَة هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا تَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ هَذِهِ الْآيَةَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُنَاسَبَتِهَا لِقَوْلِهِ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَإِنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى صَلَاحِ النَّاسِ وَشِدَّةِ إِيمَانِهِمْ وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى الْخَيْرِ فَهُمْ لِذَلِكَ يُؤْثِرُونَ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ عَلَى جَمِيعِ الدُّنْيَا وَالسَّجْدَةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الرَّكْعَةُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الصَّدَقَةِ لِكَثْرَةِ الْمَالِ إِذْ ذَاكَ وَعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى لَا يقبله أحد وَقَوله فِي الْآيَةِ وَإِنْ بِمَعْنَى مَا أَيْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِذَا نَزَلَ عِيسَى إِلَّا آمَنَ بِهِ وَهَذَا مُصَيَّرٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ يَعُودُ عَلَى عِيسَى أَي إِلَّا ليؤمن بِعِيسَى قبل موت عِيسَى وَبِهَذَا جزم بن عَبَّاس فِيمَا رَوَاهُ بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى وَاللَّهِ إِنَّهُ الْآنَ لَحَيٌّ وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ آمِنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَجَّحَهُ بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا أُخَرَ وَأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ بِهِ يَعُودُ لِلَّهِ أَوْ لِمُحَمَّدٍ وَفِي مَوْتِهِ يَعُودُ عَلَى الْكِتَابِيِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ عَلَى عِيسَى وروى بن جرير من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ لَا يَمُوتُ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِعِيسَى فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ أَرَأَيْتَ إِنْ خَرَّ مِنْ بَيْتٍ أَوِ احْتَرَقَ أَوْ أَكَلَهُ السَّبُعُ قَالَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ بِالْإِيمَانِ بِعِيسَى وَفِي إِسْنَادِهِ خُصَيْفٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْمَذْهَبَ بِقِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِمْ أَيْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ إِلَّا آمَنَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ قَبْلَ خُرُوجِ روحه بِعِيسَى وَأَنه عبد الله وبن أَمَتِهِ وَلَكِنْ لَا يَنْفَعُهُ هَذَا الْإِيمَانُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآن قَالَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَخُصُّ الْكِتَابِيَّ الَّذِي يُدْرِكُ نُزُولَ عِيسَى وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ عُمُومُهُ فِي كُلِّ كِتَابِيٍّ فِي زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى وَقَبْلَهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ عِيسَى دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الرَّدُّ عَلَى الْيَهُودِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبَهُمْ وَأَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلُهُمْ أَوْ نُزُولُهُ لِدُنُوِّ أَجَلِهِ لِيُدْفَنَ فِي الْأَرْضِ إِذْ لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ مِنَ التُّرَابِ أَنْ يَمُوتَ فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ إِنَّهُ دَعَا اللَّهَ لَمَّا رَأَى صِفَةَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْهُمْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَأَبْقَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مُجَدِّدًا لِأَمْرِ الْإِسْلَامِ فَيُوَافِقُ خُرُوجَ الدَّجَّالِ فَيَقْتُلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَرَوَى مُسلم من حَدِيث بن عُمَرَ فِي مُدَّةِ إِقَامَةِ عِيسَى بِالْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ أَنَّهَا سَبْعُ سِنِينَ وَرَوَى نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ عِيسَى إِذْ ذَاكَ يَتَزَوَّجُ فِي الْأَرْضِ وَيُقِيمُ بِهَا تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِإِسْنَادٍ فِيهِ مُبْهَمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُقِيمُ بِهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يَنْزِلُ عِيسَى عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ وَتَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بْنَ عَلِيٍّ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ليهلن بن مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْزِلُ عِيسَى فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيُمْحِي الصَّلِيبَ وَتُجْمَعُ لَهُ الصَّلَاةُ وَيُعْطِي الْمَالَ حَتَّى لَا يُقْبَلَ وَيَضَعُ الْخَرَاجَ وَيَنْزِلُ الرَّوْحَاءَ فَيَحُجُّ مِنْهَا أَوْ يَعْتَمِرُ أَوْ يَجْمَعُهُمَا وَتَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ الْآيَةَ قَالَ حَنْظَلَةُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُؤْمِنُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَوْتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ رَفْعِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى أَنِّي متوفيك ورافعك فَقِيلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ وَمَضَتِ الْمُدَّةُ الْمُقَدَّرَةُ لَهُ يَمُوتُ ثَانِيًا وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ مُتَوَفِّيكَ مِنَ الْأَرْضِ فَعَلَى هَذَا لَا يَمُوتُ إِلَّا فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَاخْتُلِفَ فِي عُمُرِهِ حِينَ رُفِعَ فَقِيلَ بن ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ





[ قــ :391 ... غــ :3449] .

     قَوْلُهُ  عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ هُوَ أَبُو مُحَمَّد بن عَيَّاش الأفرع قَالَ بن حِبَّانَ هُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنْ غِفَارٍ وَقِيلَ لَهُ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ.

قُلْتُ وَلَيْسَ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ أَنْتُمْ إِذا نزل بن مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ سَقَطَ .

     قَوْلُهُ  فِيكُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالْأَوْزَاعِيّ يَعْنِي تَابعا يُونُس عَن بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَّا مُتَابَعَةُ عُقَيْلٍ فوصلها بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ مِثْلُ سِيَاقِ أَبِي ذَرٍّ سَوَاءٌ وَأما مُتَابعَة الْأَوْزَاعِيّ فوصلها بن مَنْدَه أَيْضا وبن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وبن الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ مِثْلُ رِوَايَةِ يُونُسَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيق بن أبي ذِئْب عَن بن شِهَابٍ بِلَفْظِ وَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ إِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ حَدَّثَنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ قَالَ بن أَبِي ذِئْبٍ أَتَدْرِي مَا أَمَّكُمْ مِنْكُمْ.

قُلْتُ تُخْبِرُنِي قَالَ فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ من رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ بِلَفْظِ كَيْفَ بِكُمْ إِذا نزل فِيكُم بن مَرْيَمَ فَأَمَّكُمْ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى وَإِذَا هُمْ بِعِيسَى فَيُقَالُ تَقَدَّمَ يَا رُوحَ اللَّهِ فَيَقُولُ لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ وَلِابْنِ مَاجَهْ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الطَّوِيلِ فِي الدَّجَّالِ قَالَ وَكُلُّهُمْ أَيِ الْمُسْلِمُونَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ قَدْ تَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ إِذْ نَزَلَ عِيسَى فَرَجَعَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى فَيَقِفُ عِيسَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ تَقَدَّمْ فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ.

     وَقَالَ  أَبُو الْحَسَنِ الْخَسْعِيُّ الْآبِدِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ عِيسَى يُصَلِّي خَلْفَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ رَدًّا لِلْحَدِيثِ الَّذِي أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ وَلَا مَهْدِيَّ إِلَّا عِيسَى.

     وَقَالَ  أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ حَدَّثَنَا الْجَوْزَقِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ يَعْنِي أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْقُرْآنِ لَا بِالْإِنْجِيلِ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ مُتَّصِلَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ فِي كُلِّ قَرْنٍ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ لَا يُبَيِّنُ كَوْنَ عِيسَى إِذَا نَزَلَ يَكُونُ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عِيسَى إِمَامًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى يَؤُمُّكُمْ عِيسَى حَالَ كَوْنِهِ فِي دِينِكُمْ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيُقَالُ لَهُ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنْ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةً لِهَذِهِ الْأمة.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ لَوْ تَقَدَّمَ عِيسَى إِمَامًا لَوَقَعَ فِي النَّفْسِ إِشْكَالٌ وَلَقِيلَ أَتُرَاهُ تَقَدَّمَ نَائِبًا أَوْ مُبْتَدِئًا شَرْعًا فَصَلَّى مَأْمُومًا لِئَلَّا يَتَدَنَّسَ بِغُبَارِ الشُّبْهَةِ وَجْهُ قَوْلِهِ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَفِي صَلَاةِ عِيسَى خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ كَوْنِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَقُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ دَلَالَةٌ لِلصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو عَنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ وَاللَّهُ أعلم