فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه

( قَولُهُ بَابُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ)
هُوَ جُنْدُب وَقيل بريد بن جُنَادَة بِضَم الْجِيم وَالنُّون الْخَفِيفَة بن سُفْيَان وَقيل سفير بن عبيد بن حرَام بالمهملتين بن غِفَارِ وَغِفَارُ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ



[ قــ :3682 ... غــ :3861] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْمثنى هُوَ بن سَعِيدٍ الضُّبَعِيُّ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثَانِ هَذَا وَآخَرُ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَبُو جَمْرَةَ هُوَ بِالْجِيمِ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِأَخِيهِ هُوَ أُنَيْسٌ .

     قَوْلُهُ  ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي أَيْ وَادِي مَكَّةَ وَفِي أَوَّلِ رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ الْمَاضِيَةِ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ قَالَ لَنَا بن عَبَّاسٍ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْنَا بَلَى قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ وَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ بن عَبَّاسٍ تَلَقَّاهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ قِصَّةَ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ وَفِيهَا مُغَايَرَةٌ كَثِيرَة لسياق بن عَبَّاسٍ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ وَأَوَّلُ حَدِيثِهِ خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ فَذَكَرَ لَنَا ذَلِكَ فَقُلْنَا لَهُ أَمَّا مَا مَضَى لَنَا مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ فَتَحَمَّلْنَا عَلَيْهِ وَجَلَسَ يَبْكِي فَانْطَلَقْنَا نَحْوَ مَكَّةَ فَنَافَرَ أَخِي أُنَيْسٌ رَجُلًا إِلَى الْكَاهِنِ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا قَالَ وَقَدْ صليت يَا بن أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ.

قُلْتُ لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ.

قُلْتُ فَأَيْنَ تُوَجَّهُ قَالَ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي قَالَ فَقَالَ لِي أُنَيْسٌ إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَانْطَلَقَ ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ ماصنعت قَالَ لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ.

قُلْتُ فَمَا يَقُولُ النَّاسُ قَالَ يَقُولُونَ شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ وَكَانَ أُنَيْسٌ شَاعِرًا فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ كَلَامَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ قلت وَهَذَا الْفَصْل فِي الظَّاهِرُ مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِأَخِيهِ مَا شَفَيْتَنِي وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ كَانَ أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِتَفَاصِيلَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَخْبَارِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ إِلَّا بِمُجْمَلٍ .

     قَوْلُهُ  فَانْطَلَقَ الْأَخُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَانْطَلَقَ الْآخَرُ أَيْ أُنَيْسٌ قَالَ عِيَاضٌ وَقَعَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَانْطَلَقَ الْأَخُ الْآخَرُ وَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي ذَرٍّ إِلَّا أَخٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أُنَيْسٌ.

قُلْتُ وَعِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَيْ عَنِ الْمُثَنَّى فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَسْبُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى قَدِمَهُ أَيِ الْوَادِي وَادِي مَكَّةَ وَفِي رِوَايَة بن مَهْدِيٍّ فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ .

     قَوْلُهُ  رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَوَافَقَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَولُهُ وَكَلَامًا مَنْصُوبٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُرَى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا وَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْإِضْمَارُ أَيْ وَسَقَيْتُهَا أَوْ ضَمَّنَ الْعَلَفَ مَعْنَى الْإِعْطَاءِ وَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ أَوْ ضَمَّنَ الرُّؤْيَةَ مَعْنَى الْأَخْذِ عَنْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ قَوْمَهُ يُؤْذُونَ مَنْ يَقْصِدُهُ أَوْ يُؤْذُونَهُ بِسَبَبِ قَصْدِ مَنْ يَقْصِدُهُ أَوْ لِكَرَاهَتِهِمْ فِي ظُهُورِ أَمْرِهِ لَا يَدُلُّونَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ عَلَيْهِ أَوْ يَمْنَعُونَهُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ بِهِ أَوْ يَخْدَعُونَهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَرَآهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ أَبِي ذَرٍّ وَقَعَتْ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِعَلِيٍّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِمُخَاطَبَةِ الْغَرِيبِ وَيُضَيِّفُهُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي سِنِّ عَلِيٍّ حِينَ الْمَبْعَثِ كَانَ عَشْرَ سِنِين وَقيل أقل من ذَلِك وَهَذَا الْخَبَرُ يُقَوِّي الْقَوْلَ الصَّحِيحِ فِي سِنِّهِ .

     قَوْلُهُ  فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ فَقَالَ كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ.

قُلْتُ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ قَالَ فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَيْ أَمَا حَانَ يُقَالُ نَالَ لَهُ بِمَعْنَى آنَ لَهُ وَيُرْوَى أَمَا آن بِمد الْهمزَة وانى بِالْقَصْرِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَكُلُّهَا بِمَعْنًى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَمَا آنَ لِلرَّحِيلِ مِثْلُهُ وَقَولُهُ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ أَيْ مَقْصِدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى دَعَوْتِهِ إِلَى بَيْتِهِ لِضِيَافَتِهِ ثَانِيًا وَتَكُونُ إِضَافَةُ الْمَنْزِلِ إِلَيْهِ مَجَازِيَّةً لِكَوْنِهِ قَدْ نَزَلَ بِهِ مَرَّةً وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ فِي جَوَابِهِ.

قُلْتُ لَا كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ .

     قَوْلُهُ  يَوْمَ الثَّالِثِ كَذَا فِيهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَلَيْسَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ .

     قَوْلُهُ  فَعَادَ عَلِيٌّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَغَدَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ فَقَالَ فَانْطَلِقْ مَعِي .

     قَوْلُهُ  لَتُرْشِدَنَّنِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِنُونَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِوَاحِدَةٍ مُدْغَمَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَخْبَرْتُهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَخْبَرَهُ عَلَى نَسَقِ مَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُمَا جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ أَيْ يَتْبَعُهُ .

     قَوْلُهُ  وَدَخَلَ مَعَهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ الدُّخُولُ بِدُخُولِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَأَنَّ هَذَا قَبْلَ آيَةِ الاسْتِئْذَان وَتعقبه بن التِّين فَقَالَ لاتؤخذ الْأَحْكَامُ مِنْ مِثْلِ هَذَا.

قُلْتُ وَفِي كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى .

     قَوْلُهُ  فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ كَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ عَلَامَاتِ النَّبِيِّ فَلَمَّا تَحَقَّقَهَا لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي الْإِسْلَامِ هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَمُقْتَضَاهَا أَنَّ الْتِقَاءَ أَبِي ذَرٍّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِدَلَالَةِ عَلِيٍّ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ فِي الطَّوَافِ بِاللَّيْلِ قَالَ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ.

قُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِالسَّلَامِ قَالَ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ.

قُلْتُ مِنَ بَنِي غِفَارٍ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقُلْتُ كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي شَأْنِ زَمْزَمَ وَأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ وَأَنَّهُ أَطْعَمَهُ مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ الْحَدِيثُ واكثره مُغَاير لما فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَقِيَهُ أَوَّلًا مَعَ عَلِيٍّ ثُمَّ لَقِيَهُ فِي الطَّوَافِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَحَفِظَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْهُ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ مِنَ الزِّيَادَة مَا ذَكرْنَاهُ فَفِي رِوَايَة بن عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنَ الزِّيَادَةِ قِصَّتُهُ مَعَ عَلِيٍّ وَقِصَّتُهُ مَعَ الْعَبَّاسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَكَلُّفٌ شَدِيدٌ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَقَامَ ثَلَاثِينَ لَا زَاد لَهُ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ زَادٌ وَقِرْبَةُ مَاءٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بِأَنَّ المُرَاد بالزاد فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَا تَزَوَّدَهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ قَوْمِهِ فَفَرَغَ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ وَالْقِرْبَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ كَانَ فِيهَا الْمَاءُ حَالَ السَّفَرِ فَلَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى مَلْئِهَا وَلَمْ يَطْرَحْهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ الْمَذْكُورَةِ فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَدِيثُ .

     قَوْلُهُ  ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ اكْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِيَ أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ فَذَكَرَ قِصَّةَ إِسْلَامِ أَخِيهِ أُنَيْسٍ وَأُمِّهِ وَأَنَّهُمْ تَوَجَّهُوا إِلَى قَوْمِهِمْ غِفَارٍ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ الْحَدِيثُ .

     قَوْلُهُ  لَأَصْرُخَنَّ بِهَا أَيْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ جِهَارًا بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالْكِتْمَانِ لَيْسَ عَلَى الْإِيجَابِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ أَنَّ بِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ وَلِهَذَا أَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَيُؤْخَذ مِنْهُ جَوَازُ قَوْلِ الْحَقِّ عِنْدَ مَنْ يُخْشَى مِنْهُ الْأَذِيَّةُ لِمَنْ قَالَهُ وَإِنْ كَانَ السُّكُوتُ جَائِزًا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَاصِدِ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَتَرَتِّبُ وُجُودُ الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَة فَقَالُوا قومُوا إِلَى هَذَا الصابىء بِالْيَاءِ اللَّيِّنَةِ فَقَامُوا وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَنْ أَسْلَمَ صَابِيًا لِأَنَّهُ مِنْ صَبَا يَصْبُو إِذَا انْتَقَلَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَوْجَعُوهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ أَيْ ضُرِبْتُ ضَرْبًا لايبالي مَنْ ضَرَبَنِي أَنْ لَوْ أَمُوتُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  فأقلعوا عني أَيْ كَفُّوا .

     قَوْلُهُ  فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالْأَمْسِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ تَأَتِّي الْعَبَّاسِ وَجَوْدَةِ فِطْنَتِهِ حَيْثُ تَوَصَّلَ إِلَى تَخْلِيصِهِ مِنْهُمْ بِتَخْوِيفِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يُقَاصُّوهُمْ بِأَنْ يَقْطَعُوا طُرُقَ مَتْجَرِهِمْ وَكَانَ عَيْشُهُمْ مِنَ التِّجَارَةِ فَلِذَلِكَ بَادَرُوا إِلَى الْكَفِّ عَنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكَايَةِ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ إِنِّي وُجِّهَتْ لِيَ أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ كَانَ قُرْبَ الْهِجْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ