فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب هجرة الحبشة

( قَولُهُ بَابُ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ)
أَيْ هِجْرَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ فِي شَهْرِ رَجَبَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْمَبْعَثِ وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَقِيلَ وَامْرَأَتَانِ وَقِيلَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَقِيلَ عَشَرَةً وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مُشَاةً إِلَى الْبَحْرِ فَاسْتَأْجَرُوا سَفِينَةً بِنصْف دِينَار وَذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ لَمَّا رَأَى الْمُشْرِكِينَ يُؤْذُونَهُمْ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُفَّهُمْ عَنْهُمْ إِنَّ بِالْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ فَلَوْ خَرَجْتُمْ إِلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأخرج يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بِسَنَدٍ مَوْصُولٍ إِلَى أَنَسٍ قَالَ أَبْطَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمَا فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ لَقَدْ رَأَيْتُهُمَا وَقَدْ حَمَلَ عُثْمَانُ امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ صَحِبَهُمَا اللَّهُ إِنَّ عُثْمَانَ لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ.

قُلْتُ وَبِهَذَا تَظْهَرُ النُّكْتَةُ فِي تَصْدِيرِ الْبُخَارِيِّ الْبَابَ بِحَدِيثِ عُثْمَان وَقد سرد بن إِسْحَاقَ أَسْمَاءَهُمْ فَأَمَّا الرِّجَالُ فَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامِّ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْر وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسُهَيْلُ بن بَيْضَاءَ وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ الْعَامِرِيُّ قَالَ وَيُقَالُ بَدَلَهُ حَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو الْعَامِرِيُّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ الْعَشَرَةُ أَوَّلُ مَنْ خرج من الْمُسلمين إِلَى الْحَبَشَة قَالَ بن هِشَامٍ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ.
وَأَمَّا النِّسْوَةُ فَهُنَّ رُقَيَّةَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْلَةُ بِنْتُ سَهْلٍ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ امْرَأَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَلَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ امْرَأَةُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَوَافَقَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي سَرْدِهِنَّ وَزَادَ اثْنَيْنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَحَاطِبَ بْنَ عَمْرٍو مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رجلا فَالصَّوَاب مَا قَالَ بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي الْحَادِي عَشَرَ هَلْ هُوَ أَبُو سُبْرَة أَو حَاطِب واما بن مَسْعُود فَجزم بن إِسْحَاقَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ بَعَثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ نَحْوَ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ ذِكْرُ أَبِي مُوسَى فِيهِمْ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا مُوسَى خَرَجَ مِنْ بِلَادِهِ هُوَ وَجَمَاعَةٌ قَاصِدًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَأَلْقَتْهُمُ السَّفِينَةُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَحَضَرُوا مَعَ جَعْفَرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ أَبُو مُوسَى هَاجَرَ أَوَّلًا إِلَى مَكَّةَ فَأَسْلَمَ فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَنْ بَعَثَ إِلَى الْحَبَشَةِ فَتَوَجَّهَ إِلَى بِلَادِ قَوْمِهِ وَهُمْ مُقَابِلُ الْحَبَشَةِ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ فَلَمَّا تَحَقَّقَ اسْتِقْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِالْمَدِينَةِ هَاجَرَ هُوَ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَلْقَتْهُمُ السَّفِينَةُ لِأَجْلِ هَيَجَانِ الرِّيحِ إِلَى الْحَبَشَةِ فَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَلْيُعْتَمَدْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ أَبِي مُوسَى بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَلَغَنَا مَبْعَثُهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عِلْمُ مَبْعَثِهِ إِلَى مُضِيِّ نَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً وَمَعَ الْحَمْلِ عَلَى مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ اسْتِقْرَارِهِ بِهَا وَانْتِصَافِهِ مِمَّنْ عَادَاهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَبَعِيدٌ أَيْضًا أَنْ يَخْفَى عَنْهُمْ خَبَرُ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّ سِنِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ إِقَامَةَ أَبِي مُوسَى بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ طَالَتْ لِأَجْلِ تَأَخُّرِ جَعْفَرٍ عَنِ الْحُضُورِ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْإِذْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُدُومِ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَذُكِرَ فِيهِمْ وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي الأولى لَان بن إِسْحَاقَ وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَلَغَهُمْ وَهُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَسْلَمُوا فَرَجَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَجِدُوا مَا أُخْبِرُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ صَحِيحًا فَرَجَعُوا وَسَارَ مَعَهُمْ جَمَاعَةٌ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهِيَ الْهِجْرَة الثَّانِيَة وسرد بن إِسْحَاقَ أَسْمَاءَ أَهْلِ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ وَهُمْ زِيَادَةٌ على ثَمَانِينَ رجلا.

     وَقَالَ  بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ كَانُوا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا سِوَى نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَشَكَّ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ هَلْ كَانَ فِيهِمْ وَبِهِ تَتَكَمَّلُ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَقِيلَ إِنَّ عِدَّةَ نِسَائِهِمْ كَانَتْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ امْرَأَةً .

     قَوْلُهُ  وقَالتْ عَائِشَةُ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ إِلَخْ هَذَا وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مَوْصُولًا مُطَوَّلًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَسْمَاءَ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ وَهِيَ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ كَانَتْ أَسْمَاءُ هَاجَرَتْ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَى النَّجَاشِيِّ الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي مَضَتْ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا مُسْتَوْفًى بِتَمَامِهِ وَفِيهِ .

     قَوْلُهُ  هُنَا أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ وَالْغَرَضُ مِنْهَا قَوْلُ عُثْمَانَ وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَمَا قلت والاوليين بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَحْتَانِيَّتَيْنِ تَثْنِيَةُ أُولَى وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ أُولَى وَثَانِيَةً.
وَأَمَّا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْأَوَّلِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَعْيَانِ مَنْ هَاجَرَ فَإِنَّهُمْ هَاجَرُوا مُتَفَرِّقِينَ فَتُعَدَّدُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ فَمِنْ أَوَّلِ مَنْ هَاجر عُثْمَان



[ قــ :3693 ... غــ :3872] قَوْله.

     وَقَالَ  يُونُس هُوَ بن يزِيد وبن أخي الزُّهْرِيِّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَطَرِيقُ يُونُسَ وَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ.
وَأَمَّا طَرِيقُ بن أَخِي الزُّهْرِيِّ فَوَصَلَهَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ فِي مُصَنفه وَمن طَرِيقه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَمْهِيدِهِ وَهُوَ بِاللَّفْظِ الَّذِي عَلَّقَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا التَّعْلِيقُ عَنْ هَذَيْنِ وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ مِنَ التَّفْسِيرِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ إِلَخْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ أَيْضًا وَأَوْرَدَهُ هُنَا لِقَوْلِهِ قَدِ ابْتَلَاكَ الله وَالْمرَاد بِهِ الاختبار وَلِهَذَا قَالَ هُوَ مِنْ بَلَوْتُهُ إِذَا اسْتَخْرَجْتُ مَا عِنْدَهُ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ نَبْلُو أَيْ نَخْتَبِرُ وَمُبْتَلِيكُمْ أَيْ مُخْتَبِرُكُمْ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ فَقَالَ.
وَأَمَّا قَوْله بلَاء من ربكُم عَظِيم أَي نعم وَهُوَ مِنِ ابْتَلَيْتُهُ إِذَا أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ مِنِ ابْتَلَيْتُهُ إِذَا امْتَحَنْتُهُ وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ فَرَّقَهُ فِي مَوَاضِعِهِ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْبَلَاءِ مِنَ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ النِّعْمَةُ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ النِّقْمَةُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الِاخْتِبَارِ وَوَقَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى بَلَاءً حَسَنًا فَهَذَا مِنَ النِّعْمَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَقَوْلِهِ بَلَاءٌ عَظِيمٌ فَهَذَا مِنَ النِّقْمَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الِاخْتِبَارِ وَكَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُم والابتلاء بِلَفْظ الافتعال يُرَاد بِهِ النقمَة وَالِاخْتِيَار أَيْضًا الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ الْحَدِيثَ كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَدْ هَاجَرَتْ فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهَاجَرَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ هُنَاكَ وَيُقَالُ إِنَّهُ قَدْ تَنَصَّرَ وَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِد وَهُوَ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَكَانَ أَبُوهَا مِمَّنْ هَاجَرَ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ وَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ فَسَمَّاهَا أَمَةَ وَكَنَّاهَا أُمَّ خَالِدٍ وَأُمُّهَا أُمَيْنَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ هُمَيْنَةُ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ بِنْتُ خَلَفٍ الْخُزَاعِيَّةُ





[ قــ :3695 ... غــ :3874] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاق بن سعيد السعيدي هُوَ بْنُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَجَدُّ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأَصْغَر هُوَ بن عَمِّ أُمِّ خَالِدٍ الْمَذْكُورَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ الْأَعْمَشُ





[ قــ :3696 ... غــ :3875] .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ قَدْ قَدَّمْتُ من عِنْد احْمَد حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ أَنَّ رُجُوع بن مَسْعُودٍ مِنَ الْحَبَشَةِ وَقَعَ لَمَّا بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِالْحَبَشَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَصَلَ مِنْهُمْ إِلَى مَكَّةَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا وَكَانَ وُصُولُ بن مَسْعُودٍ إِلَى الْمَدِينَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ إِلَى بَدْرٍ وَظَهَرَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ الْهِجْرَةِ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ وهم من زعم ان بن مَسْعُودٍ كَانَ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَهُوَ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَبْعَثُهُ





[ قــ :3697 ... غــ :3876] .

     قَوْلُهُ  وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ أَيْ مِنْ بِلَادِ قَوْمِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَرَكِبْنَا سَفِينَةً أَيْ لِنَصِلَ فِيهَا إِلَى مَكَّةَ .

     قَوْلُهُ  فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ كَأَنَّ الرِّيحَ هَاجَتْ عَلَيْهِمْ فَمَا مَلَكُوا أَمْرَهُمْ حَتَّى أَوْصَلَتْهُمْ بِلَادَ الْحَبَشَةِ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ سَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مُطَوَّلًا وَفِيهِ الْبَيَانُ بِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَكْمِلَةٌ أَرْضُ الْحَبَشَةِ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ وَمَسَافَتُهَا طَوِيلَةٌ جِدًّا وَهُمْ أَجْنَاسٌ وَجَمِيعُ فِرَقِ السُّودَانِ يُعْطُونَ الطَّاعَةَ لِمَلِكِ الْحَبَشَةِ وَكَانَ فِي الْقَدِيمِ يُلَقَّبُ بِالنَّجَاشِيِّ.
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَيُقَالُ لَهُ الْحَطِي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ وَيُقَالُ إِنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ حَبَشِ بْنِ كُوشِ بْنِ حام قَالَ بن دُرَيْدٍ جَمْعُ الْحَبَشِ أُحْبُوشٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ مْ الْحَبَشَةُ فَعَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ وَقَدْ قَالُوا أَيْضًا حُبْشَانٌ وَقَالُوا أَحْبُشٌ وَأَصْلُ التَّحْبِيشِ التَّجْمِيعُ وَالله اعْلَم