فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب غزوة الخندق وهي الأحزاب

( قَولُهُ بَابُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ)
وَهِيَ الْأَحْزَابُ يَعْنِي أَنَّ لَهَا اسْمَيْنِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْأَحْزَابُ جَمْعُ حِزْبٍ أَيْ طَائِفَةٌ فَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا الْخَنْدَقَ فَلِأَجْلِ الْخَنْدَقِ الَّذِي حُفِرَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الَّذِي أَشَارَ بِذَلِكَ سَلْمَانُ فِيمَا ذَكَرَ أَصْحَاب الْمَغَازِي مِنْهُم أَبُو مَعْشَرٌ قَالَ قَالَ سَلْمَانُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا كُنَّا بِفَارِسٍ إِذَا حُوصِرْنَا خَنْدَقْنَا عَلَيْنَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَعَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فَسَارَعُوا إِلَى عَمَلِهِ حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَحَاصَرُوهُمْ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا الْأَحْزَابَ فَلِاجْتِمَاعِ طَوَائِفَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَالْيَهُودُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ صَدْرَ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي قَالَ خَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخَطَبَ بَعْدَ قَتْلِ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى مَكَّةَ يُحَرِّضُ قُرَيْشًا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ يَسْعَى فِي بَنِي غَطَفَانَ وَيَحُضُّهُمْ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ ثَمَرِ خَيْبَرَ فَأَجَابَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ إِلَى ذَلِكَ وَكَتَبُوا إِلَى حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ طَلْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ فِيمَنْ أَطَاعَهُ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِقُرَيْشٍ فَنَزَلُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَجَاءَهُمْ مَنْ أَجَابَهُمْ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مَدَدًا لَهُمْ فَصَارُوا فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ فَهُمُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَحْزَاب وَذكر بن إِسْحَاقَ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ عِدَّتَهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ قَالَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَقِيلَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَالْمُسْلِمُونَ نَحْوَ الْأَلْفِ وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ مُدَّةَ الْحِصَارِ كَانَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إِلَّا مُرَامَاةٌ بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ وَأُصِيبَ مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَذَكَرَ أَهْلُ الْمَغَازِي سَبَبَ رَحِيلِهِمْ وَأَنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ أَلْقَى بَيْنَهُمُ الْفِتْنَةَ فَاخْتَلَفُوا وَذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فَتَفَرَّقُوا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ هَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي مَغَازِيهِ.

قُلْتُ وَتَابَعَ مُوسَى عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ مُوسَى بن دَاوُد عَنهُ.

     وَقَالَ  بن إِسْحَاقَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَمَالُ الْمُصَنِّفُ إِلَى قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَقَوَّاهُ بِمَا أخرجه أول أَحَادِيث الْبَاب من قَول بن عمر أَنه عرض يَوْم أحد وَهُوَ بن أَربع عشرَة وَيَوْم الخَنْدَق وَهُوَ بن خَمْسَ عَشْرَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ وَاحِدَةٌ وَأُحُدٌ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَيَكُونُ الْخَنْدَقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ سنة خمس لاحْتِمَال أَن يكون بن عُمَرَ فِي أُحُدٍ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا طعن فِي الرَّابِعَةَ عَشَرَ وَكَانَ فِي الْأَحْزَابِ قَدِ اسْتَكْمَلَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ وَبِهَذَا أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُؤَيِّدُ قَول بن إِسْحَاقَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ أُحُدٍ مَوْعِدُكُمُ الْعَامُ الْمُقْبِلُ بِبَدْرٍ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ إِلَى بَدْرٍ فَتَأَخَّرَ مَجِيءُ أَبِي سُفْيَانَ تِلْكَ السَّنَةِ لِلْجَدْبِ الَّذِي كَانَ حِينَئِذٍ.

     وَقَالَ  لِقَوْمِهِ إِنَّمَا يَصْلُحُ الْغَزْوُ فِي سَنَةِ الْخَصْبِ فَرَجَعُوا بَعْدَ أَنْ وَصَلُوا إِلَى عُسْفَانَ أَو دونهَا ذكر ذَلِك بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ سَبَبَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَهُوَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَعُدُّونَ التَّارِيخَ مِنَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَيَلْغُونَ الْأَشْهُرَ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ فَذَكَرَ أَنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الْكُبْرَى كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي الرَّابِعَةِ وَهَذَا عَمَلٌ صَحِيحٌ عَلَى ذَلِكَ الْبِنَاءِ لَكِنَّهُ بِنَاءٌ وَاهٍ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ جَعْلِ التَّارِيخِ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ الْهِجْرَةِ وَعَلَى ذَلِكَ تَكُونُ بَدْرٌ فِي الثَّانِيَةِ وَأُحُدٌ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقُ فِي الْخَامِسَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيث بن عُمَرَ



[ قــ :3899 ... غــ :4097] .

     قَوْلُهُ  عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ عَرْضُ الْجَيْشِ اخْتِبَارُ أَحْوَالِهِمْ قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ لِلنَّظَرِ فِي هَيْئَتِهِمْ وَتَرْتِيبِ مَنَازِلِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَرَضَنِي يَوْم أحد فِي الْقِتَال وَأَنا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَ شَرْحِهِ وَمَبَاحِثِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ وَقَولُهُ فَأَجَازَهُ أَيْ أَمْضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ أَجَازَهُ مِنَ الْإِجَازَةِ وَهِيَ الْأَنْفَالُ أَيْ أَسْهَمَ لَهُ.

قُلْتُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَيَرُدُّ الثَّانِيَ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ غَنِيمَةٌ يَحْصُلُ مِنْهَا نَفْلٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ الْغِلْمَانَ وَهُوَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ فَأَجَازَ مَنْ أَجَازَ وَرَدَّ مَنْ رَدَّ إِلَى الذَّرَارِيِّ فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجَازَةِ الْإِمْضَاءُ لِلْقِتَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ قَبْلَ حُصُولِ الْغَنِيمَةِ أَنْ لَوْ حَصَلَتْ غَنِيمَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ



[ قــ :3900 ... غــ :4098] .

     قَوْلُهُ  كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ السَّبَبِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ فِي مغازي بن عُقْبَةَ وَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعُهُمْ أَخَذَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْعَمَلِ مَعَهُمْ مُسْتَعْجِلِينَ يبادرون قدوم الْعَدو وَكَذَا ذكر بن إِسْحَاقَ نَحْوَهُ وَعِنْدَ مُوسَى أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي عَمَلِهِ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ وَفِي الرَّوْضَةِ لِلنَّوَوِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ أَقَامُوا شَهْرًا .

     قَوْلُهُ  وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا بِالْمُثَنَّاةِ جَمْعُ كَتِدٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ إِلَى الظَّهْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ عَلَى مُتُونِهِمْ وَالْمَتْنُ مُكْتَنَفُ الصُّلْبِ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَصَبِ وَوهم بن التِّينِ فَعَزَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى أَكْبَادِنَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مُوَجَّهٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَلِي الْكَبِدَ مِنَ الْجَنْبِ .

     قَوْلُهُ  اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ قَالَ بن بطال هُوَ قَول بن رَوَاحَةَ يَعْنِي تَمَثَّلَ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ لَفْظِهِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاعِرًا قَالَ وَإِنَّمَا يُسَمَّى شَاعِرًا مَنْ قَصَدَهُ وَعَلِمَ السَّبَبَ وَالْوَتَدَ وَجَمِيعَ مَعَانِيهِ مِنَ الزِّحَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَا قَالَ وَعِلْمُ السَّبَبِ وَالْوَتَدِ إِلَى آخِرِهِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ الْعَرُوضِ الَّتِي اخْتَرَعَ تَرْتِيبَهَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَقَدْ كَانَ شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُخَضْرَمِينَ وَالطَّبَقَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ شُعَرَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُصَنِّفَهُ الْخَلِيلُ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ أَنَا أَقْدَمُ مِنَ الْعَرُوضِ يَعْنِي أَنَّهُ نَظَمَ الشِّعْرَ قَبْلَ وَضْعِهِ.

     وَقَالَ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْكَاتِبُ قَدْ كَانَ شِعْرُ الْوَرَى قَدِيمًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الْخَلِيلُ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ بن التِّين إِنَّمَا قَالَ بن رَوَاحَةَ لَا هُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ بِلَا أَلِفٍ وَلَام فَأوردهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى الْمَعْنَى كَذَا قَالَ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ ظَنُّهُ أَنَّهُ يَصِيرُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ غَيْرَ مَوْزُونٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ دَخَلَهُ الْخَزْمُ وَمِنْ صُوَرِهِ زِيَادَةُ شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ .

     قَوْلُهُ  فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بَعْدَهُ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةْ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَوْزُونٍ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَلَعَلَّ أَصْلَهُ فَاغْفِرْ لِلَانْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةْ بِتَسْهِيلِ لَامِ الْأَنْصَارِ وَبِاللَّامِ فِي الْمُهَاجِرَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَبَارِكْ بَدَلَ فَاغْفِرْ الحَدِيث الثَّالِث حَدِيثُ أَنَسٍ أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فِي الثَّانِي زِيَادَةٌ





[ قــ :3901 ... غــ :4099] .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ أَيْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا فِيهِ بِأَنْفُسِهِمْ لِاحْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ الرَّغْبَةِ فِي الْأَجْرِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ فِيهِ بَيَانٌ لِسَبَبِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةْ وَعِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ مُرْسَلِ طَاوُسٍ زِيَادَةٌ فِي هَذَا الرَّجَزِ وَالْعَنْ عَضَلًا وَالْقَارَةْ هُمْ كَلَّفُونَا نَنْقُلُ الْحِجَارَةْ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مَوْزُونٍ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ كَانَ وَالْعَنْ إِلَهِي عَضَلًا وَالْقَارَةْ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِأَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِك جَوَابا لِقَوْلِهِمْ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا إِلَخْ وَلَا أَثَرَ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا قَالُوا وَيَقُولُونَ إِذَا قَالَ وَفِيهِ أَنَّ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ تَنْشِيطًا فِي الْعَمَلِ وَبِذَلِكَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْحَرْبِ وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي ذَلِكَ الرَّجَزُ .

     قَوْلُهُ  نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا هُوَ صِفَةُ الَّذِينَ لَا صِفَةَ نَحْنُ .

     قَوْلُهُ  عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْإِسْلَامِ بَدَلَ الْجِهَادِ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ طَرِيقُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ سِوَى قَوْلِهِ قَالَ يُؤْتَوْنَ إِلَخْ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَحَادِيثَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا





[ قــ :390 ... غــ :4100] .

     قَوْلُهُ  قَالَ يُؤْتَوْنَ قَائِلُ ذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  بِمِلْءِ كَفِّي رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ فَيُصْنَعُ لَهُمُ الشَّعِيرُ أَيْ يُطْبَخُ وَقَولُهُ بِإِهَالَةٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَاءِ الدُّهْنُ الَّذِي يُؤْتَدَمُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ زَيْتًا أَوْ سَمْنًا أَوْ شَحْمًا وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ الْإِهَالَةُ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ فِيهِ سَمْنٌ وَقَولُهُ سَنِخَةٌ أَيْ تَغَيَّرَ طَعْمُهَا وَلَوْنُهَا مِنْ قِدَمِهَا وَلِهَذَا وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا بَشِعَةً وَقَولُهُ بَشِعَةٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَقِيلَ بِنُونٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَالنَّشْغُ الْغَثَى أَيْ أَنَّهُمْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ عِنْدَ ازْدِرَادِهَا شَبِيهٌ بِالْغَثَى وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَقَولُهُ فِي الْحَلْقِ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ .

     قَوْلُهُ  وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عَتِيقَةٌ جِدًّا حَتَّى عَفَّنَتْ وَأَنْتَنَتْ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَلَهَا ريح مُنكر قَالَ بن التِّينِ الصَّوَابُ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ لِأَنَّ الرِّيحَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُؤَنَّثِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ وَمُنْتِنٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا



[ قــ :3903 ... غــ :4101] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي زِيَادَاتِ الْمَغَازِي عَنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَخْزُومِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَتَيْتُ جَابِرًا فَقَالَ إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمَحَارِبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ.

قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْوِيهِ عَنْكَ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ .

     قَوْلُهُ  فَعَرَضَتْ كَيْدَةٌ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ قِيلَ هِيَ الْقِطْعَةُ الشَّدِيدَةُ الصُّلْبَةُ مِنَ الْأَرْضِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا وَاحِدَةُ الْكَيْدِ كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ الْكَيْدَ وَهِيَ الْجِبِلَّةُ أَعْجَزَهُمْ فَلَجَئُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بن أَيمن وَهَهُنَا كُدْيَةٌ مِنَ الْجَبَلِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَقْدِيمِ الدَّالِ عَلَى التَّحْتَانِيَّةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الصُّلْبَةُ الصَّمَّاءُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ عَنِ الْجُرْجَانِيِّ كِنْدَةٌ بِنُونٍ وَعِنْدَ بن السَّكَنِ كَتِدَةٌ بِمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ قَالَ عِيَاضٌ لَا أَعْرِفُ لَهُمَا مَعْنًى وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ هَذِهِ كُدْيَةٌ قَدْ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ رُشُّوهَا بِالْمَاءِ فَرَشُّوهَا .

     قَوْلُهُ  أَنَا نَازِلٌ ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ زَادَ يُونُسُ مِنَ الْجُوعِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ حَتَّى رَبَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ وَفَائِدَةُ رَبْطِ الْحَجْرِ عَلَى الْبَطْنِ أَنَّهَا تُضْمِرُ مِنَ الْجُوعِ فَيُخْشَى عَلَى انْحِنَاءِ الصُّلْبِ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ فَإِذَا وَضَعَ فَوْقَهَا الْحَجَرَ وَشَدَّ عَلَيْهَا الْعِصَابَةَ اسْتَقَامَ الظَّهْرُ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ لَعَلَّهُ لِتَسْكِينِ حَرَارَةِ الْجُوعِ بِبَرْدِ الْحَجَرِ وَلِأَنَّهَا حِجَارَةٌ رِقَاقٌ قَدْرَ الْبَطْنِ تَشُدُّ الْأَمْعَاءَ فَلَا يَتَحَلَّلُ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْبَطْنِ فَلَا يَحْصُلُ ضَعْفٌ زَائِدٌ بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ .

     قَوْلُهُ  وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا هِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَوْرَدَهَا لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي رَبْطِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَا نَطْعَمُ شَيْئًا أَوْ لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيِ الْمِسْحَاةُ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ أَوِ الْمِسْحَاةَ بِالشَّكِّ .

     قَوْلُهُ  فَضَرَبَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ثُمَّ سَمَّى ثَلَاثًا ثُمَّ ضَرَبَ وَعِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَبِهِ بَدَيْنَا وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شقينا فحبذا رَبًّا وَحب دِينَا .

     قَوْلُهُ  فَعَادَ كَثِيبًا أَيْ رَمْلًا .

     قَوْلُهُ  هيل أَوْ أَهْيَمَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَهْيَلَ بِغَيْرِ شَكٍّ وَكَذَا عِنْدَ يُونُسَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَثِيبًا يُهَالُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَارَ رَمْلًا يَسِيلُ وَلَا يَتَمَاسَكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَت الْجبَال كثيبا مهيلا أَيْ رَمْلًا سَائِلًا.
وَأَمَّا أَهْيَمُ فَقَالَ عِيَاضٌ ضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِالْمُثَلَّثَةِ وَبَعْضُهُمْ بِالْمُثَنَّاةِ وَفَسَّرَهَا بِأَنَّهَا تَكَسَّرَتْ وَالْمَعْرُوفُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَهِيَ بِمَعْنَى أَهْيَلَ وَقَدْ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ الْمُرَادُ الرِّمَالُ الَّتِي لَا يَرْوِيهَا الْمَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ زِيَادَةٌ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ لَمَّا كَانَ حِينُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ عَرَضَتْ لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا.

     وَقَالَ  اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ الثُّلُثَ الْآخَرَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ أَبْيَضَ ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ.

     وَقَالَ  بِسْمِ اللَّهِ فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا السَّاعَةَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوُهُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَفِي أَوَّلِهِ خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ لِكُلِّ عَشْرَةِ أُنَاسٍ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ وَفِيهِ فَمَرَّتْ بِنَا صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ كَسَرَتْ مَعَاوِيلَنَا فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْدِلَ عَنْهَا فَقُلْنَا حَتَّى نُشَاوِرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِ سَلْمَانَ وَفِيهِ فَضَرَبَ ضَرْبَةً صَدَعَ الصَّخْرَةَ وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ وَفِيهِ رَأَيْنَاكَ تُكَبِّرُ فَكَبَّرْنَا بِتَكْبِيرِكَ فَقَالَ إِنَّ الْبَرْقَةَ الْأُولَى أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّامِ فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِمْ وَفِي آخِرِهِ فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ وَاسْتَبْشَرُوا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَأَذِنَ لِي وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ زِيَادَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ احْتَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ شَدُّوا الْحِجَارَةَ عَلَى بُطُونِهِمْ مِنَ الْجُوعِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ دَلَلْتُمْ عَلَى رَجُلٍ يُطْعِمُنَا أَكْلَةً قَالَ رَجُلٌ نَعَمْ قَالَ أَمَّا لَا فَتَقَدَّمَ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهُ جَابِرٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ فِي قَوْلِهِ ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي اسْمُهَا سُهَيْلَةُ بِنْتُ مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّةُ .

     قَوْلُهُ  عِنْدِي شَعِيرٌ بَيَّنَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ صَاعٌ .

     قَوْلُهُ  وَعَنَاقٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ الَّتِي تِلْوَ هَذِهِ فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بَهِيمَةٌ دَاجِنٌ أَيْ سَمِينَةٌ وَالدَّاجِنُ الَّتِي تُتْرَكُ فِي الْبَيْتِ وَلَا تَفْلِتُ لِلْمَرْعَى وَمِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَسْمَنَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ سَمِينَةٌ .

     قَوْلُهُ  فَذَبَحْتُ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ التَّاءِ وَقَولُهُ طَحَنَتْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ فَالَّذِي ذَبَحَ هُوَ جَابِرٌ وَامْرَأَتُهُ هِيَ الَّتِي طَحَنَتْ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَأَمَرْتُ امْرَأَتِي فَطَحَنَتْ لَنَا الشَّعِيرَ وَصَنَعَتْ لَنَا مِنْهُ خُبْزًا .

     قَوْلُهُ  وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ أَيْ لَانَ وَرَطِبَ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ الْخَمِيرُ .

     قَوْلُهُ  وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الْأَثَافِيِّ بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ أَيِ الْحِجَارَةِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَيْهَا الْقِدْرُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى جَعَلْنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى جَعَلَتْ .

     قَوْلُهُ  فِي الْبُرْمَةِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ .

     قَوْلُهُ  طُعَيِّمٌ بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحْقِيرِهِ قَالُوا مِنْ تَمَامِ الْمَعْرُوفِ تَعْجِيلُهُ وتحقيره قَالَ بن التِّينِ ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ .

     قَوْلُهُ  فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَرَجُلَانِ بِالْجَزْمِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ بَعْدَ هَذِهِ فَقُمْ أَنْتَ وَنَفر مَعَك وَفِي روايةأحمد وَكُنْتُ أُرِيدُ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ قُومُوا فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا قُومُوا وَهِيَ أَوْضَحُ فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ الْمُهَاجِرِينَ بِذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمُرَادَ فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَمَنْ مَعَهُمْ وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِمْ وَفِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ وَيْحَكِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ هَلْ سَأَلَكَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ ادْخُلُوا فِي هَذَا السِّيَاقِ اخْتِصَارٌ وَبَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ قَالَ فَلَقِيتُ مِنَ الْحَيَاءِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْتُ جَاءَ الْخَلْقُ عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ فَدَخَلْتُ عَلَى امْرَأَتِي أَقُولُ افْتَضَحْتُ جَاءَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ أَجْمَعِينَ فَقَالَتْ هَلْ كَانَ سَأَلَكَ كَمْ طَعَامُكَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَتْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَنَحْنُ قَدْ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا عِنْدَنَا فَكَشَفَتْ عَنِّي غَمًّا شَدِيدًا وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ فَجِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ بِكَ وَبِكَ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِمَنْ مَعَهُ فَجِئْتُ فَسَارَرْتُهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا أَوْصَتْهُ أَوَّلًا بِأَنْ يُعْلِمَهُ بِالصُّورَةِ فَلَمَّا قَالَ لَهَا إِنَّهُ جَاءَ بِالْجَمِيعِ ظَنَّتْ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ فَخَاصَمَتْهُ فَلَمَّا أَعْلَمَهَا أَنَّهُ أَعْلَمَهُ سَكَنَ مَا عِنْدَهَا لِعِلْمِهَا بِإِمْكَانِ خَرْقِ الْعَادَةِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُفُورِ عَقْلِهَا وَكَمَالِ فَضْلِهَا وَقَدْ وَقَعَ لَهَا مَعَ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ التَّمْرِ أَنَّ جَابِرًا أَوْصَاهَا لَمَّا زَارَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِانْصِرَافَ نَادَتْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ فَعَاتَبَهَا جَابِرٌ فَقَالَتْ لَهُ أَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُورِدُ رَسُولَهُ بَيْتِي ثُمَّ يَخْرُجُ وَلَا أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ لِجَابِرٍ فَارْجِعْ إِلَيْهِ فَبَيِّنْ لَهُ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ عَنَاقٌ وَصَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ قَالَ فَارْجِعْ فَلَا تُحَرِّكَنَّ شَيْئًا مِنَ التَّنُّورِ وَلَا مِنَ الْقِدْرِ حَتَّى آتِيَهَا وَاسْتَعِرْ صِحَافًا قَوْله وَلَا تضاغطوا بضاد مُعْجمَة وغين مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَالَةٍ أَيْ لَا تَزْدَحِمُوا وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ .

     قَوْلُهُ  وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ أَيْ يُغَطِّيهَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَنْزِعُ أَيْ يَأْخُذُ اللَّحْمَ مِنَ الْبُرْمَةِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ الَّتِي تِلْوَ هَذِهِ فَقَالَ ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكَ أَيْ تساعدك وَقَوله





[ قــ :3904 ... غــ :410] واقدحي من برمتكم أَيِ اغْرِفِي وَالْمِقْدَحَةُ الْمِغْرَفَةُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَأَقْعَدَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً فَأَكَلُوا .

     قَوْلُهُ  وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَأَكَلُوا أَيْ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ رَجَعُوا وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ فَمَا زَالَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّاسِ حَتَّى شَبِعُوا أَجْمَعُونَ وَيَعُودُ التَّنُّورُ وَالْقِدْرُ أَمْلَأَ مَا كَانَا .

     قَوْلُهُ  كُلِي هَذَا وَأَهْدِي بِهَمْزَةِ قَطْعٍ فِعْلُ أَمْرٍ لِلْمَرْأَةِ مِنَ الْهَدِيَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ كُلِي وَأَهْدِي فَلَمْ نَزَلْ نَأْكُلُ وَنُهْدِي يَوْمَنَا أَجْمَعَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَأَكَلْنَا نَحْنُ وَأَهْدَيْنَا لِجِيرَانِنَا فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ أَيْضًا فِي قِصَّةٍ أُخْرَى بِمَا يُغني عَنِ الْإِعَادَةِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ جَابِرٍ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِهِ فَكَأَنَّ هَذَا فَاتَهُ سَمَاعُهُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهَا وَاسِطَةٌ .

     قَوْلُهُ  خَمَصًا بِمُعْجَمَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْمِيمُ وَهُوَ خُمُوصُ الْبَطْنِ .

     قَوْلُهُ  فَانْكَفَيْتُ بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ أَيِ انْقَلَبْتُ وَأَصْلُهُ انْكَفَأْتُ بِهَمْزَةٍ وَكَأَنَّهُ سَهَّلَهَا .

     قَوْلُهُ  إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بِغَيْرِ هَمْزٍ هُوَ هُنَا الصَّنِيعُ بِالْحَبَشِيَّةِ وَقِيلَ الْعُرْسُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي يُحِيطُ بِالْمَدِينَةِ.
وَأَمَّا الَّذِي بِالْهَمْزِ فَهُوَ الْبَقِيَّةُ .

     قَوْلُهُ  فَحَيَّهَلا بِكُمْ هِيَ كَلِمَةُ اسْتِدْعَاءٍ فِيهَا حَثٌّ أَيْ هَلُمُّوا مُسْرِعِينَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ أَهْلًا بِكُمْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا .

     قَوْلُهُ  وَهُمْ أَلْفٌ أَيِ الَّذِينَ أَكَلُوا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ أَوْ ثَمَانِمِائَةٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ كَانُوا ثَمَانَمِائَةٍ أَوْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَالْحُكْمُ لِلزَّائِدِ لِمَزِيدِ عِلْمِهِ لِأَنَّ الْقِصَّةَ مُتَّحِدَةٌ .

     قَوْلُهُ  وَانْحَرَفُوا أَيْ مَالُوا عَنِ الطَّعَامِ .

     قَوْلُهُ  لَتَغِطُّ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة أَن تغلي وتفور



[ قــ :3905 ... غــ :4103] الْحَدِيثُ السَّادِسُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ قَالَتْ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هَكَذَا وَقَعَ مُخْتَصرا وَعند بن مرْدَوَيْه من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقكُم قَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَبَين بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي صِفَةَ نُزُولِهِمْ قَالَ نَزَلَتْ قُرَيْشٌ بِمُجْتَمَعِ السُّيُولِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَتِهَامَةَ وَنَزَلَ عُيَيْنَةُ فِي غَطَفَانَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ بِبَابِ نُعْمَانَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى سِلَعَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ وَجَعَلَ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ فِي الْآطَامِ قَالَ وَتَوَجَّهَ حُيَيُّ بْنُ أَخَطَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى غَدَرُوا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ غَدْرُهُمْ فَاشْتَدَّ بِهِمُ الْبَلَاءُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَمَنْ مَعَهُ ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعُوا فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.

     وَقَالَ ا كُنَّا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الشِّرْكِ لَا يَطْمَعُونَ مِنَّا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ نَفْعَلُهُ بَعْدَ أَنْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ وَأَعَزَّنَا بِكَ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ وَلَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ فَاشْتَدَّ بِالْمُسْلِمِينَ الْحِصَارُ حَتَّى تَكَلَّمَ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِالنِّفَاقِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا الْآيَاتُ قَالَ وَكَانَ الَّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ قَالَ بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إِلَّا مُرَامَاةٌ بِالنَّبْلِ لَكِنْ كَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ الْعَامِرِيُّ اقْتَحَمَ هُوَ وَنَفَرٌ مَعَهُ خُيُولُهُمْ مِنْ نَاحِيَةٍ ضَيِّقَةٍ مِنَ الْخَنْدَقِ حَتَّى صَارُوا بِالسَّبْخَةِ فَبَارَزَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ وَبَرَزَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ فَبَارَزَهُ الزُّبَيْرُ فَقَتَلَهُ وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَرَجَعَتْ بَقِيَّةُ الْخُيُولِ مُنْهَزِمَةً وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِحُذَيْفَةَ أَدْرَكْتُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ ندركه فَقَالَ يَا بن أَخِي وَاللَّهِ لَا تَدْرِي لَوْ أَدْرَكْتَهُ كَيْفَ تَكُونُ لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ الْخَنْدَقِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مَطِيرَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَذْهَبُ فَيَعْلَمُ لَنَا عِلْمَ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ رَفِيقَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ أَحَدٌ فَقَالَ لَنَا الثَّانِيَةَ جَعَلَهُ اللَّهُ رَفِيقِي فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْعَثْ حُذَيْفَةَ فَقَالَ اذْهَبْ فَقُلْتُ أَخْشَى أَنْ أُؤْسَرَ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُؤْسَرَ فَذَكَرَ أَنَّهُ انْطَلَقَ وَأَنَّهُمْ تَجَادَلُوا وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فَمَا تَرَكَتْ لَهُمْ بِنَاءً إِلَّا هَدَمَتْهُ وَلَا إِنَاءً إِلَّا أَكْفَأَتْهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سَرِيعِ بْنِ حُذَيْفَةَ نَحْوُهُ وَفِيهِ إِنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ صَارَ يَقُولُ يَا آل عَامر إِن الرّيح قاتلني وَتَحَمَّلَتْ قُرَيْشٌ وَإِنَّ الرِّيحَ لَتَغْلِبُهُمْ عَلَى بَعْضِ أَمْتِعَتِهِمْ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن أَخِي حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فَوْقِنَا وَقُرَيْظَةُ أَسْفَلَ مِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى ذرارينا وَمَا أَتَت علينا لَيْلَة أَشَدُّ ظُلْمَةً وَلَا رِيحًا مِنْهَا فَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَأْذِنُونَ وَيَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثُمِائَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ قَالَ فَدَعَا لِي فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي الْقَرَّ وَالْفَزَعَ فَدَخَلْتُ عَسْكَرَهُمْ فَإِذَا الرِّيحُ فِيهِ لَا تُجَاوِزُهُ شِبْرًا فَلَمَّا رَجَعْتُ رَأَيْتُ فَوَارِسَ فِي طَرِيقِي فَقَالُوا أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَفَاهُ الْقَوْمَ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِاخْتِصَارٍ وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْحَدِيثُ السَّابِعُ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ





[ قــ :3906 ... غــ :4104] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْبَرَاءِ سَيَأْتِي بعد حَدِيث بن عَبَّاسٍ الطَّرِيقُ الْأُخْرَى لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ وَفِيهِ تَصْرِيحُ أَبِي إِسْحَاقَ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ الْبَرَاءِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ كَذَا وَقَعَ بِالشَّكِّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا فَأَمَّا الَّتِي بِالْمُوَحَّدَةِ فَوَاضِحٌ مِنَ الْغُبَارِ.
وَأَمَّا الَّتِي بِالْمِيمِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَالْمَعْنَى وَارَى التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ وَمِنْهُ غِمَارُ النَّاسِ وَهُوَ جَمْعُهُمْ إِذَا تَكَاثَفَ وَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ وَرُوِيَ أَعْفَرَ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ وَالْعَفَرُ بِالتَّحْرِيكِ التُّرَابُ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِنَصْبِ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِرَفْعِهَا وَعِنْدَ النَّسَفِيِّ حَتَّى غَبَّرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بِمُعْجَمَةٍ فِيهِمَا وَمُوَحَّدَةٍ وَلِأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي زَيْدٍ حَتَّى أَغْمَرَ قَالَ وَلَا وَجْهَ لَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى ستركما فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَتَّى وَارَى عَنِّي التُّرَابُ بَطْنَهُ قَالَ وَأَوْجَهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ اغْبَرَّ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَبِرَفْعِ بَطْنِهِ.

قُلْتُ وَفِي حَدِيثِ أُمٍّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَاطِيهِمُ اللَّبَنَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَقَدِ اغْبَرَّ شَعْرُ صَدْرِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَ بَطْنِهِ وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ كثير شعر الصَّدْر ولي كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ أَيِ الشَّعْرِ الَّذِي فِي الصَّدْرِ إِلَى الْبَطْنِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ دِقَّتِهِ كَثِيرًا أَيْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَشِرًا بَلْ كَانَ مُسْتَطِيلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَنَّ هَذَا الرَّجَزَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَقَولُهُ إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ وَتَحْرِيرُهُ إِنَّ الَّذِينَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا فَذَكَرَ الرَّاوِي الْأُلَى بِمَعْنَى الَّذِينَ وَحذف قد وَزعم بن التِّين أَن الْمَحْذُوف قد وهم قَالَ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأُلَى هُمْ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا وَهُوَ يَتَّزِنُ بِمَا قَالَ لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ وَذَكَرَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَبَوْا بَدَلَ بَغَوْا وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ أَيْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِنَا وَوَقَعَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ إِنَّ الْأُلَى قَدْ رَغِبُوا عَلَيْنَا كَذَا لِلسَّرَخْسِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَالْأَصِيلِيِّ وَكَذَا فِي نُسْخَة بن عَسَاكِرَ وَلِلْبَاقِينَ قَدْ بَغَوْا كَالْأُولَى.
وَأَمَّا الْأَصِيلِيُّ فَضَبَطَهَا بِالْغَيْنِ الثَّقِيلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَضَبَطَهَا فِي الْمَطَالِعِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضُبِطَتْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ كَذَا لَكِنْ بِزَايٍ أَوَّلُهُ وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْمَطَالِعِ .

     قَوْلُهُ  وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ أَبَيْنَا أَبَيْنَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِمُوَحَّدَةٍ وَفِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ قَالَ ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَبَيْنَا مَا وَقَعَ فِي آخِرِ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا وَقَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا فَإِنَّهُ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَكَرِيمَةَ أَتَيْنَا بِمُثَنَّاةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَالْأَصِيلِيِّ وَالسَّجْزِيِّ بِمُثَنَّاةٍ قَالَ عِيَاضٌ كِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ إِذَا صِيحَ بِنَا لِفَزَعٍ أَوْ حَادِثٍ أَبَيْنَا الْفِرَارَ وَثَبَتْنَا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْنَاهُ جِئْنَا وَأَقْدَمْنَا عَلَى عَدُوِّنَا قَالَ وَالرِّوَايَةُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِالْمُثَنَّاةِ أَوْجَهُ لِأَنَّ إِعَادَةَ الْكَلِمَةِ فِي قَوَافِي الرَّجَزِ عَنْ قُرْبٍ عَيْبٌ مَعْلُومٌ عِنْدَهُ فَالرَّاجِحُ أَنَّ قَوْلَهُ إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَقَولُهُ إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا بِالْمُثَنَّاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ أَرَادُونَا عَلَى فِتْنَةٍ أَبَيْنَا وَهُوَ تَغْيِيرٌ الحَدِيث الثَّامِن حَدِيث بن عَبَّاس





[ قــ :3907 ... غــ :4105] .

     قَوْلُهُ  نُصِرْتُ بِالصَّبَا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ وَالدَّبُورُ هِيَ الرِّيحُ الْغَرْبِيَّةُ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ شَيْءٍ تَقُولُهُ قَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ قَالَ نَعَمْ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا قَالَ فَضَرَبَ اللَّهُ وُجُوهَ أَعْدَائِنَا بِالرِّيحِ فَهَزَمَهُمُ الله عز وَجل بِالرِّيحِ وروى بن مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ قَالَتِ الصَّبَا لِلشِّمَالِ اذْهَبِي بِنَا نَنْصُرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ الْحَرَائِرَ لَا تَهُبُّ بِاللَّيْلِ فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا فَجَعَلَهَا عَقِيمًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي نُصِرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ذِكْرُ النُّكْتَةِ فِي تَخْصِيصِ الدَّبُورِ بِعَادٍ وَالصَّبَا بِالْمُسْلِمِينَ وَعُرِفَ بِهَذَا وَجْهُ إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا وَأَنَّ اللَّهَ نَصَرَ نَبِيَّهُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ بِالرِّيحِ قَالَ تَعَالَى فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا قَالَ مُجَاهِدٌ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فَكَفَأَتْ قدورهم ونزعت خيامهم حَتَّى أظعنتهم وَذكر بن إِسْحَاقَ فِي سَبَبِ رَحِيلِهِمْ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَوْمُهُ فَقَالَ لَهُ خَذِّلْ عَنَّا فَمَضَى إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ نَدِيمًا لَهُمْ فَقَالَ قَدْ عَرَفْتُمْ مَحَبَّتِي قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسَتْ هَذِهِ بِلَادَهُمْ وَإِنَّهُمْ إِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِلَّا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَتَرَكُوكُمْ فِي الْبَلَاءِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ قَالُوا فَمَا تَرَى قَالَ لَا تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا رَهْنًا مِنْهُمْ فَقَبِلُوا رَأْيَهُ فَتَوَجَّهَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ الْيَهُودَ نَدِمُوا عَلَى الْغَدْرِ بِمُحَمَّدٍ فَرَاسَلُوهُ فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ فَرَاسَلَهُمْ بِأَنَّا لَا نَرْضَى حَتَّى تَبْعَثُوا إِلَى قُرَيْشٍ فَتَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا فَاقْتُلُوهُمْ ثُمَّ جَاءَ غَطَفَانَ بِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو سُفْيَانَ بَعَثَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنَّا قَدْ ضَاقَ بِنَا الْمَنْزِلُ وَلَمْ نَجِدْ مَرْعًى فَاخْرُجُوا بِنَا حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا فَأَجَابُوهُمْ إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ وَلَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا وَلَا بُدَّ لَنَا مِنَ الرَّهْنِ مِنْكُمْ لِئَلَّا تَغْدِرُوا بِنَا فَقَالَتْ قُرَيْشٌ هَذَا مَا حَذَّرَكُمْ نُعَيْمٌ فَرَاسَلُوهُمْ ثَانِيًا أَنْ لَا نُعْطِيَكُمْ رَهْنًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فَافْعَلُوا فَقَالَتْ قُرَيْظَةُ هَذَا مَا أَخْبَرَنَا نُعَيْمٌ قَالَ بن إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نُعَيْمًا كَانَ رَجُلًا نَمُومًا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ إِنَّ الْيَهُودَ بَعَثَتْ إِلَيَّ إِنْ كَانَ يرضيك أَن نَأْخُذ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رَهْنًا نَدْفَعُهُمْ إِلَيْكَ فَتَقْتُلُهُمْ فَعَلْنَا فَرَجَعَ نُعَيْمٌ مُسْرِعًا إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمْ وَإِنَّهُمْ لَأَهْلُ غَدْرٍ وَكَذَلِكَ قَالَ لِقُرَيْشٍ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ خِذْلَانِهِمْ وَرَحِيلِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّادِسِ بَيَانُ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ الحَدِيث التَّاسِع





[ قــ :3909 ... غــ :4107] قَوْله حَدثنَا عبد الصَّمد هُوَ بن عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ .

     قَوْلُهُ  أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدْتُهُ يَوْمُ الْخَنْدَقِ أَيْ بَاشَرْتُ فِيهِ الْقِتَالَ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ نَافِعٍ عَنْهُ الْمَاضِيَةَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَنِي خَالِي عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي حَاجَةٍ فَاسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لِي.

     وَقَالَ  مَنْ لَقِيتَ فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا قَالَ فَلَا وَاللَّهِ مَا عَطَفَ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ