فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب غزوة ذي الخلصة

( .

     قَوْلُهُ  غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ)

بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّام بعْدهَا مُهْملَة وَحكى بن دُرَيْد فتح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه وَحكى بن هِشَامٍ ضَمَّهَا وَقِيلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ وَالْخَلَصَةُ نَبَاتٌ لَهُ حَبٌّ أَحْمَرُ كَخَرَزِ الْعَقِيقِ وَذُو الْخَلَصَةِ اسْمٌ لِلْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّنَمُ وَقِيلَ اسْمُ الْبَيْتِ الْخَلَصَةُ وَاسْمُ الصَّنَمِ ذُو الْخَلَصَةِ وَحَكَى الْمُبَرِّدُ أَنَّ مَوْضِعَ ذِي الْخَلَصَةِ صَارَ مَسْجِدًا جَامِعًا لِبَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا الْعَبْلَاتُ مِنْ أَرْضِ خَثْعَمَ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ فِي بِلَادِ فَارِسَ



[ قــ :4119 ... غــ :4355] قَوْله حَدثنَا خَالِد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ وَبَيَانٌ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَة وَهُوَ بن بشر وَقيس هُوَ بن أبي حَازِمٍ .

     قَوْلُهُ  كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَنَّهُ كَانَ فِي خَثْعَمَ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ وَزْنُ جَعْفَرٍ قَبِيلَةٌ شَهِيرَةٌ يَنْتَسِبُونَ إِلَى خَثْعَمَ بْنِ أَنْمَار بِفَتْح أَوله وَسُكُون النُّون أَي بن إِرَاشٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَفِي آخِرِهِ مُعْجمَة بن عَنْزٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا زَايٌ أَي بن وَائِلٍ يَنْتَهِي نَسَبُهُمْ إِلَى رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ إِخْوَةِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ جَدِّ قُرَيْشٍ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ ذِي الْخَلَصَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مَرْفُوعًا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبُ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ صَنَمًا تَعْبُدُهُ دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمُرَادِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَإِنْ كَانَ السُّهَيْلِيُّ يُشِيرُ إِلَى اتِّحَادِهِمَا لِأَنَّ دَوْسًا قَبِيلَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى دَوْسِ بْنِ عُدْثَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الدَّالِ السَّاكِنَةِ مُثَلَّثَةٌ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَهْرَانَ يَنْتَهِي نَسَبُهُمْ إِلَى الْأَزْدِ فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَثْعَمَ تَبَايُنٌ فِي النَّسَبِ والبلد وَذكر بن دِحْيَةَ أَنَّ ذَا الْخَلَصَةِ الْمُرَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ قَدْ نَصَبَهُ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَكَانُوا يُلْبِسُونَهُ الْقَلَائِدَ وَيَجْعَلُونَ عَلَيْهِ بَيْضَ النَّعَامِ وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهُ.
وَأَمَّا الَّذِي لِخَثْعَمَ فَكَانُوا قَدْ بَنَوْا بَيْتًا يُضَاهُونَ بِهِ الْكَعْبَةَ فَظَهَرَ الِافْتِرَاقُ وَقَوِيَ التَّعَدُّدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ كَذَا فِيهِ قِيلَ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْيَمَانِيَّةُ فَقَطْ سَمُّوهَا بِذَلِكَ مُضَاهَاةً لِلْكَعْبَةِ وَالْكَعْبَةُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَكُونُ جِهَةَ الْيَمَنِ شَامِيَّةٌ فَسَمُّوا الَّتِي بِمَكَّةَ شَامِيَّةً وَالَّتِي عِنْدَهُمْ يَمَانِيَّةً تَفْرِيقًا بَيْنَهُمَا وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الَّذِي فِي الرِّوَايَةِ صَوَابٌ وَأَنَّهَا كَانَ يُقَالُ لَهَا الْيَمَانِيَّةُ بِاعْتِبَارِ كَوِّنْهَا بِالْيَمَنِ وَالشَّامِيَّةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا بَابَهَا مُقَابِلَ الشَّامِ وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ بِغَيْرِ وَاو قَالَ وَفِيه إِيهَام قَالَ وَالْمَعْنَى كَانَ يُقَالُ لَهَا تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا وَهَذَا يُقَوِّي مَا قُلْتُهُ فَإِنَّ إِرَادَةَ ذَلِكَ مَعَ ثُبُوتِ الْوَاوِ أَوْلَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ هِيَ الَّتِي بِمَكَّةَ وَقيل الْكَعْبَة مُبْتَدأ والشامية خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ وَالْمَعْنَى وَالْكَعْبَةُ هِيَ الشَّامِيَّةُ لَا غَيْرَ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ لَهُ زَائِدَةٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ كَانَ يُقَالُ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ أَيْ لِهَذَا الْبَيْتِ الْجَدِيدِ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ أَيْ لِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَوْ بِالْعَكْسِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَلَيْسَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ وَإِنَّمَا اللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ أَيْ كَانَ يُقَالُ مِنْ أَجْلِهِ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ أَيْ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ لِلْعَتِيقِ وَالْأُخْرَى لِلْجَدِيدِ .

     قَوْلُهُ  أَلَا تُرِيحُنِي هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ طَلَبٌ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ وَخَصَّ جَرِيرًا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي بِلَادِ قَوْمِهِ وَكَانَ هُوَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالرَّاحَةِ رَاحَةُ الْقَلْبِ وَمَا كَانَ شَيْءٌ أَتْعَبَ لِقَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَقَاءِ مَا يُشْرَكُ بِهِ مِنْ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي بَجِيلَةَ وَبَنِي قُشَيْرٍ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ عَنْ بَنِي خَثْعَمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى عَامَّةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَنَدَبَ مَعَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى خَثْعَمَ فَيَدْعُوهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِن أجابوا إلىالاسلام قَبِلَ مِنْهُمْ وَهَدَمَ صَنَمَهُمْ ذَا الْخَلَصَةِ وَإِلَّا وَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ .

     قَوْلُهُ  فَنَفَرْتُ أَيْ خَرَجْتُ مُسْرِعًا .

     قَوْلُهُ  فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا زَادَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ أَيْ يَثْبُتُونَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَكُنْتُ لَا أثبت علىالخيل وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ فِي الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ فَلَعَلَّهَا إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً يَكُونُ الزَّائِدُ رَجَّالَةً وَأَتْبَاعًا ثُمَّ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ السَّكَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَذُكِرَ عَنْ قَيْسِ بْنِ غَرَبَةَ الْأَحْمَسِيِّ أَنَّهُ وَفَدَ فِي خَمْسِمِائَةٍ قَالَ وَقَدِمَ جَرِيرٌ فِي قَوْمِهِ وَقَدِمَ الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الْأَعْيُنِ فِي مِائَتَيْنِ قَالَ وَضُمَّ إِلَيْنَا ثَلَاثُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ فَغَزَوْنَا بَنِي خَثْعَمَ فَكَأَنَّ الْمِائَةَ وَالْخَمْسِينَ هُمْ قَوْمُ جَرِيرٍ وَتَكْمِلَةَ الْمِائَتَيْنِ أَتْبَاعُهُمْ وَكَأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا سَبْعُمِائَةٍ مَنْ كَانَ مِنْ رَهْطِ جَرِيرٍ وَقَيْسِ بْنِ غَرَبَةَ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ كَانُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ وَغَرَبَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُ .

     قَوْلُهُ  فَكَسَرْنَاهُ أَيِ الْبَيْتَ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ كَذَا فِيهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ رَسُولُ جَرِيرٍ فَكَأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى جَرِيرٍ مَجَازًا .

     قَوْلُهُ  فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ بِمُهْمَلَةٍ وَزْنُ أَحْمَرَ وَهُمْ إِخْوَةُ بَجِيلَةَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكسر الْجِيم رَهْط جرير ينتسبون إلىأحمس بْنِ الْغَوْثِ بْنِ أَنْمَارٍ وَبَجِيلَةُ امْرَأَةٌ نُسِبَتْ إِلَيْهَا الْقَبِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ وَمَدَارُ نَسَبِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنْمَارٍ وَفِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أحمس لَيست مُرَادة هُنَا ينتسبون إلىأحمس بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرَجَّالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ أَيْ دَعَا لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ بن شِهَابٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فَدَعَا لأحمس بِالْبركَةِ





[ قــ :410 ... غــ :4356] قَوْله وَكنت لَا أثبت علىالخيل فَضَرَبَ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَشَكَا جَرِيرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَلَعَ فَقَالَ ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا عَلَى وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ حَتَّى بَلَغَ عَانَتَهُ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَرْسَلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى أَلْيَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ بِيَدِهِ الْمُبَارَكَةِ فَائِدَةٌ الْقَلَعُ بِالْقَافِ ثُمَّ اللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ ضَبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى السَّرْجِ وَقِيلَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ رَجُلٌ قَلِعُ الْقَدَمِ بِالْكَسْرِ إِذَا كَانَتْ قَدَمُهُ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ الْحَرْبِ وَفُلَانٌ قَلِعَةٌ إِذَا كَانَ يَتَقَلَّعُ عَنْ سَرْجِهِ وَسُئِلَ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي قَوْلِهِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَقِيلَ مُبَالَغَةً وَاقْتِصَارًا عَلَى الْوَتْرِ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ ثُمَّ ظَهَرَ لِي احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ دَعَا لِلْخَيْلِ وَالرِّجَالِ أَوْ لَهُمَا مَعًا ثُمَّ أَرَادَ التَّأْكِيدَ فِي تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا فَدَعَا لِلرِّجَالِ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَلِلْخَيْلِ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لِيَكْمُلَ لِكُلٍّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ ثَلَاثًا فَكَانَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ خَمْسَ مَرَّاتٍ .

     قَوْلُهُ  اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا قِيلَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ هَادِيًا حَتَّى يَكُونَ مَهْدِيًّا وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَامِلًا مُكَمَّلًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ إِمْرَارِ يَدِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَرَّتَيْنِ وَزَادَ وَبَارِكْ فِيهِ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمِزِّيِّ فِي الْأَطْرَافِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ هُنَا مِنْ طَرِيقَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا أَيْ هَدَمَ بِنَاءَهَا وَرَمَى النَّارَ فِيمَا فِيهَا مِنَ الْخَشَبِ





[ قــ :411 ... غــ :4357] قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ إِلَخْ يُشْعِرُ بِاتِّحَادِ قِصَّتِهِ فِي غَزْوَةِ ذِي الْخَلَصَةِ بِقِصَّةِ ذَهَابِهِ إِلَى الْيَمَنِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ ذِي الْخَلَصَةِ وَأَرْسَلَ رَسُولَهُ مُبَشِّرًا اسْتَمَرَّ ذَاهِبًا إِلَى الْيَمَنِ لِلسَّبَبِ الَّذِي سَيُذْكَرُ بَعْدَ بَابٍ وَقَولُهُ يَسْتَقْسِمُ أَيْ يَسْتَخْرِجُ غَيْبَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ وَحَكَى أَبُو الْفَرْجِ الْأَصْبِهَانِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ عِنْدَ ذِي الْخَلَصَةِ وَأَنَّ امْرَأَ الْقِيسِ لَمَّا خَرَجَ يَطْلُبُ بِثَأْرِ أَبِيهِ اسْتَقْسَمَ عِنْدهُ فَخَرَجَ لَهُ مَا يَكْرَهُ فَسَبَّ الصَّنَمَ وَرَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ وَأَنْشَدَ لَوْ كُنْتَ يَا ذَا الْخَلَصِ الْمَوْتُورَا لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورًا قَالَ فَلَمْ يَسْتَقْسِمْ عِنْدَهُ أَحَدٌ بَعْدُ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ.

قُلْتُ وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا يَسْتَقْسِمُونَ عِنْدَهُ حَتَّى نَهَاهُمُ الْإِسْلَامُ وَكَأَنَّ الَّذِي اسْتَقْسَمَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْلُغْهُ التَّحْرِيمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ حَتَّى زَجَرَهُ جَرِيرٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدهَا مُهْمَلَةٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ هَاءُ تَأْنِيثٍ وَاسْمُ أَبِي أَرْطَاةَ هَذَا حُصَيْنُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَعَ مُسَمًّى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلِبَعْضِ رُوَاتِهِ حُسَيْنٌ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الصَّادِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَمِنْهُمْ مَنْ سَمَّاهُ حِصْنٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَقَلَبَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ حُصَيْنٍ وَمِنْهُمْ مَنْ سَمَّاهُ أَرْطَاةَ وَالصَّوَابُ أَبُو أَرْطَاة حُصَيْن بن ربيعَة وَهُوَ بن عَامِرِ بْنِ الْأَزْوَرِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ بَجَلِيٌّ لَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ نَزْعِ زِينَتِهَا وَإِذْهَابِ بَهْجَتِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهَا صَارَتْ مِثْلَ الْجَمَلِ الْمَطْلِيِّ بِالْقَطِرَانِ مِنْ جَرَبِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا صَارَتْ سَوْدَاءَ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ التَّحْرِيقِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ وَقِيلَ إِنَّهَا رِوَايَةُ مُسَدَّدٍ أَجْوَفُ بِوَاوٍ بَدَلَ الرَّاءِ وَفَاءٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صَارَتْ صُورَةً بِغَيْرِ مَعْنَى وَالْأَجْوَفُ الْخَالِي الْجَوْفِ مَعَ كِبْرِهِ فِي الظَّاهِرِ وَوَقَعَ لِابْنِ بَطَّالٍ مَعْنَى قَوْلِهِ أَجْرَبُ أَيْ أَسْوَدُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَجْوَفُ أَيْ أَبْيَضُ وَحَكَاهُ عَنْ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيِّ وَأَنْكَرَهُ عِيَاضٌ.

     وَقَالَ  هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِفْسَادٌ لِلْمَعْنَى كَذَا قَالَ فَإِنْ أَرَادَ إِنْكَارَ تَفْسِيرِ أَجْوَفَ بِأَبْيَضَ فَمَقْبُولٌ لِأَنَّهُ يُضَادُّ مَعْنَى الْأَسْوَدِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَرَقَهَا وَالَّذِي يُحْرَقُ يَصِيرُ أَثَرُهُ أَسْوَدَ لَا مَحَالَةَ فِيهِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ أَبْيَضَ وَإِنْ أَرَادَ إِنْكَارَ لَفْظِ أَجْوَفَ فَلَا إِفْسَادَ فِيهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ صَارَ خَالِيًا لَا شَيْءَ فِيهِ كَمَا قَرَّرْتُهُ وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ إِزَالَةِ مَا يُفْتَتَنُ بِهِ النَّاسُ مِنْ بِنَاءٍ وَغَيْرِهِ سَوَاءً كَانَ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا وَفِيهِ اسْتِمَالَةُ نُفُوسِ الْقَوْمِ بِتَأْمِيرِ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَالِاسْتِمَالَةُ بِالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَالْبِشَارَةِ فِي الْفُتُوحِ وَفَضْلُ رُكُوبِ الْخَيْلِ فِي الْحَرْبِ وَقَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي نِكَايَةِ الْعَدُوِّ وَمَنَاقِبُ لِجَرِيرٍ وَلِقَوْمِهِ وَبَرَكَةُ يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِهِ وَأَنَّهُ كَانَ يَدْعُو وِتْرًا وَقَدْ يُجَاوِزُ الثَّلَاثَ وَفِيهِ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ قَوْلِ أَنَسٍ كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ وَكَأَنَّ الزِّيَادَةَ لِمَعْنَى اقْتَضَى ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَحْمَسَ لِمَا اعْتَمَدُوهُ مِنْ دَحْضِ الْكُفْرِ وَنَصْرِ الْإِسْلَامِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ مِنْهُمْ