فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم} [البقرة: 223] الآية

( .

     قَوْلُهُ  أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يأتكم مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ الْآيَة)

ذكر فِيهِ حَدِيث بن أبي مليكَة عَن بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثُهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُوسُفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَولُهُ بَابُ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنِّي شِئْتُم اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى أَنَّى فَقِيلَ كَيْفَ وَقِيلَ حَيْثُ وَقِيلَ مَتَى وَبِحَسَبِ هَذَا الِاخْتِلَافِ جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ هُوَ بن رَاهْوَيْهِ



[ قــ :4276 ... غــ :4526] .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا أَيْ أَمْسَكْتُ الْمُصْحَفَ وَهُوَ يَقْرَأُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ وَجَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ نَافِعٍ قَالَ قَالَ لي بن عُمَرَ أَمْسِكْ عَلَيَّ الْمُصْحَفَ يَا نَافِعُ فَقَرَأَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ قَالَ تَدْرِي فِيمَا أُنْزِلَتْ.

قُلْتُ لَا قَالَ أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ مَضَى هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُبْهِمًا لِمَكَانِ الْآيَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَسَأَذْكُرُ مَا فِيهِ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن عبد الصَّمد وَهُوَ بن عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاق بن رَاهْوَيْهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ بِسَنَدِهِ وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بِسَنَدِهِ .

     قَوْلُهُ  يَأْتِيهَا فِي هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ لَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَ الظَّرْفِ وَهُوَ الْمَجْرُورِ وَوَقَعَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ يَأْتِيهَا فِي الْفَرْجِ وَهُوَ مِنْ عِنْدِهِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى سَلَفِهِ فِيهِ وَهُوَ الْبَرْقَانِيُّ فَرَأَيْتُ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ زَادَ الْبَرْقَانِيُّ يَعْنِي الْفَرْجَ وَلَيْسَ مطابقا لما فِي نفس الرِّوَايَة عَن بن عُمَرَ لِمَا سَأَذْكُرُهُ وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّفْسِيرِ فَقَالَ يَأْتِيهَا فِي وَتَرَكَ بَيَاضًا وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ صَنَّفَ فِيهَا مُحَمَّدُ بن سَحْنُون جُزْءا وصنف فِيهَا مُحَمَّد بن شعْبَان كتابا وَبَين أَن حَدِيث بن عمر فِي إِتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَيِ الْقَطَّانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ هَكَذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ وَالَّذِي قَبْلَهُ قَدِ اخْتَصَرَهُ كَمَا تَرَى فَأَمَّا الرِّوَايَة الأولى وَهِي رِوَايَة بن عون فقد أخرجهَا إِسْحَاق بن رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي تَفْسِيرِهِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.

     وَقَالَ  بَدَلَ قَوْلِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتوا حَرْثكُمْ أَنِّي شِئْتُم فَقَالَ أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

قُلْتُ لَا قَالَ نَزَلَتْ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أدبارهن وَهَكَذَا أوردهُ بن جرير من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن علية عَن بن عَوْنٍ مِثْلَهُ وَمَنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكَرَابِيسِي عَن بن عون نَحوه وَأخرجه أَبُو عُبَيْدَةَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ مُعَاذٍ عَن بن عَوْنٍ فَأَبْهَمَهُ فَقَالَ فِي كَذَا وَكَذَا.
وَأَمَّا رِوَايَة عبد الصَّمد فأخرجها بن جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ يَأْتِيهَا فِي الدُّبُرِ وَهُوَ يُؤَيّد قَول بن الْعَرَبِيِّ وَيَرُدُّ قَوْلَ الْحُمَيْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ الْبُخَارِيُّ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ يُسَمَّى الِاكْتِفَاءَ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ يَحْسُنُ بِسَبَبِهَا اسْتِعْمَالُهُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ فَوَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْيَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى الْمَذْكُور بالسند الْمَذْكُور إِلَى بن عُمَرَ قَالَ إِنَّمَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ رُخْصَةٌ فِي إِتْيَانِ الدُّبُرِ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِلَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ كَذَا قَالَ وَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَقَدْ رَوَاهُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَيْضًا كَمَا سَأَذْكُرُهُ بَعْدُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ أَيْضا جمَاعَة غير من ذكرنَا ورواياتهم بذلك ثَابِتَة عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي فَوَائِدِ الْأَصْبَهَانِيِّينَ لِأَبِي الشَّيْخ وتاريخ نيسابور للْحَاكِم وغرائب مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهَا وَقَدْ عَابَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ صَنِيعَ البُخَارِيّ فَقَالَ جَمِيع مَا أخرج عَن بن عُمَرَ مُبْهَمٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَقَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ عَنْ مَالِكٍ وَعبيد الله بن عمر وبن أَبِي ذِئْبٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ نَافِعٍ بِالتَّفْسِيرِ وَعَنْ مَالِكٍ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ اه كَلَامُهُ وَرِوَايَةُ الدَّرَاوَرْدِيِّ الْمَذْكُورَةِ قَدْ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِهِ عَنِ الثَّلَاثَةِ عَنْ نَافِعٍ نَحْو رِوَايَة بن عَوْنٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَقَالَ لَا إِلَّا فِي دُبُرِهَا وتابع نَافِعًا على ذَلِك زيد بن أسلم عَن بن عُمَرَ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَتَكَلَّمَ الْأَزْدِيّ فِي بعض رُوَاته ورد عَلَيْهِ بن عبد الْبر فَأصَاب قَالَ وَرِوَايَة بن عُمَرَ لِهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ بِغَيْرِ نَكِيرٍ أَنْ يَرْوِيَهَا عَنْهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ.

قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَيْضًا ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَسَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ وَسَالِمُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ وَرِوَايَتُهُمَا عَنْهُ عِنْد النَّسَائِيّ وبن جَرِيرٍ وَلَفْظُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ.

قُلْتُ لِمَالِكٍ إِنَّ نَاسًا يَرْوُونَ عَنْ سَالِمٍ كَذَبَ الْعَبْدُ عَلَى أَبِي فَقَالَ مَالِكٌ أَشْهَدُ عَلَى زَيْدِ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَنِي عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بن يسَار عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أُفٍّ أَوَ يَقُولُ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فَقَالَ مَالِكٌ أَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَأَخْبَرَنِي عَن سعيد بن يسَار عَن بن عُمَرَ مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.

     وَقَالَ  هَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ اهـ وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ بْنِ رَوْحٍ قَالَ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا أَنْتُمْ قَوْمُ عَرَبٍ هَلْ يَكُونُ الْحَرْثُ إِلَّا مَوْضِعَ الزَّرْعِ وَعَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ اعْتَمَدَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَلَعَلَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَ يَرَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ بن عُمَرَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ صَحِيحَة على قَاعِدَته وَلم ينْفَرد بن عُمَرَ بِسَبَبِ هَذَا النُّزُولِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يعلى وبن مرْدَوَيْه وبن جَرِيرٍ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالُوا نُعَيِّرُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَعَلَّقَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدٍ وَهَذَا السَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَشْهُورٌ وَكَأَنَّ حَدِيث أبي سعيد لم يبلغ بن عَبَّاس وبلغه حَدِيث بن عُمَرَ فَوَهَّمَهُ فِيهِ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس قَالَ أَن بن عُمَرَ وَهِمَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ وَذَلِكَ أَسْتُرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ فَأَخَذَ ذَلِكَ الْأَنْصَارُ عَنْهُمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَلَذَّذُونَ بِنِسَائِهِمْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَفْعَلُ فِيهَا ذَلِكَ فَامْتَنَعَتْ فَسَرَى أَمْرُهُمَا حَتَّى بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ فِي الْفَرْجِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ من وَجه آخر صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ وَهَذَا الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ الْآيَةُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ كَمَا سأذكره عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَرَوَى الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ احْتَمَلَتِ الْآيَةُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ حَيْثُ شَاءَ زَوْجُهَا لِأَنَّ أَنَّى بِمَعْنَى أَيْنَ شِئْتُمْ وَاحْتَمَلَتْ أَنْ يُرَادَ بِالْحَرْثِ مَوْضِعُ النَّبَاتِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْوَلَدُ هُوَ الْفَرْجُ دُونَ مَا سِوَاهُ قَالَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ وَأَحْسَبُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ تَأَوَّلَ مَا وَصَفْتُ مِنِ احْتِمَالِ الْآيَةِ قَالَ فَطَلَبْنَا الدَّلَالَةَ فَوَجَدْنَا حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ وَهُوَ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فِي التَّحْرِيمِ فَقَوَّى عِنْدَهُ التَّحْرِيمَ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي من طَرِيق بن عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ حَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ مُنَاظَرَةً جرت بَينه وَبَين مُحَمَّد الْحسن فِي ذَلِك وَأَن بن الْحَسَنِ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحَرْثَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَرْجِ فَقَالَ لَهُ فَيَكُونُ مَا سِوَى الْفَرْجِ مُحَرَّمًا فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ وَطِئَهَا بَين سافيها أَوْ فِي أَعْكَانِهَا أَفِي ذَلِكَ حَرْثٌ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَحْرُمُ قَالَ لَا قَالَ فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا تَقُولُ بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ.
وَأَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَصَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ اه وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَلْزَمَ مُحَمَّدًا بِطَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا انْتَصَرَ لِأَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْحُجَّةُ عِنْدَهُ فِي التَّحْرِيمِ غَيْرُ الْمَسْلَكِ الَّذِي سَلَكَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَعَلَّقَ مَنْ قَالَ بِالْحِلِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَانْفَصَلَ عَنْهَا مَنْ قَالَ يَحْرُمُ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّبَبِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ يَعْنِي كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْآتِي قَالَ وَالْعُمُومُ إِذَا خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ قُصِرَ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ حُجَّةً فِي الْجَوَازِ لَكِنْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِالْمَنْعِ فَتَكُونُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الْآيَةِ وَفِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِبَعْضِ خَبَرِ الْآحَادِ خِلَافٌ اه وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَالذُّهْلِيِّ وَالْبَزَّارِ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ.

قُلْتُ لَكِنْ طُرُقُهَا كَثِيرَةٌ فَمَجْمُوعُهَا صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ أَنَّا لَوْ قَدَّمْنَا أَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ لَلَزِمَ أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ حَرُمَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّالِحَةِ الْإِسْنَادِ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَخْرَجَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَححهُ بن حبَان أَيْضا وَحَدِيث بن عَبَّاس وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَو امْرَأَة فِي الدبر وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَيْضًا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ صَلَحَ أَنْ يُخَصِّصَ عُمُومَ الْآيَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِتْيَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَنَّى حَيْثُ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى السِّيَاقِ وَيُغْنِي ذَلِك عَن حملهَا علىمعنى آخَرَ غَيْرِ الْمُتَبَادِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :477 ... غــ :458] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ هَذَا السِّيَاقُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ مُطَابِقٌ لحَدِيث بن عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِلَفْظِ بَارِكَةً مُدْبِرَةً فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ بن الْمُنْكَدِرِ بِلَفْظِ إِذَا أَتَيْتَ امْرَأَةً مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنِ بن الْمُنْكَدر بِلَفْظِ إِذَا أَتَيْتَ الْمَرْأَةَ مِنْ دُبُرِهَا فَحَمَلَتْ وَقَولُهُ فَحَمَلَتْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ فِي الْفَرْجِ لَا فِي الدُّبُرِ وَهَذَا كُله يُؤَيّد تَأْوِيل بن عَبَّاس الَّذِي رد بِهِ على بن عُمَرَ وَقَدْ أَكْذَبَ اللَّهُ الْيَهُودَ فِي زَعْمِهِمْ وَأَبَاحَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَتَمَتَّعُوا بِنِسَائِهِمْ كَيْفَ شَاءُوا وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُجْمَلُ وَالْمُفَسِّرُ قُدِّمَ الْمُفَسِّرُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ مُفَسِّرٌ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ بِهِ من حَدِيث بن عُمَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ زِيَادَةً فِي طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنِ بن الْمُنْكَدِرِ بِلَفْظِ إِنْ شَاءَ مُحْبِيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُحْبِيَةٍ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ لِخُلُوِّهَا مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَاب بن الْمُنْكَدِرِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَقَولُهُ مُحْبِيَةً بِمِيمٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ بَارِكَةً وَقَولُهُ صِمَامٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيف هُوَ المنفذ