فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون، والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا)

( قَولُهُ بَابُ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ)
سَاقَ إِلَى قَوْلِهِ شَهِيدًا وَسَقَطَ ذَلِكَ لِغَيْرِ أبي ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  وقَال مَعْمَرٌ أَوْلِيَاءُ مَوَالِيَ أَوْلِيَاءُ وَرَثَةٌ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ هُوَ مَوْلَى الْيَمِينِ وَهُوَ الحليف وَالْمولى أَيْضا بن الْعَمِّ وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ الْمُعْتِقُ أَيْ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ أَيْ بِفَتْحِهَا وَالْمَوْلَى الْمَلِيكُ وَالْمَوْلَى مَوْلًى فِي الدِّينِ انْتَهَى وَمَعْمَرٌ هَذَا بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكُنْتُ أَظُنُّهُ مَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ إِلَى أَنْ رَأَيْتُ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَجَازِ لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَاسْمُهُ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَلَمْ أَرَهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ قَالَ الْمَوَالِي الْأَوْلِيَاءُ الْأَبُ وَالْأَخُ وَالِابْنُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَصَبَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ أَوْلِيَاء وَرَثَة وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم فالمولى بن الْعَمِّ وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَنْشَدَ فِي الْمولى بن الْعَمِّ مَهْلًا بَنِي عَمِّنَا مَهْلًا مَوَالِينَا وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَوْلَى الْمُحِبُّ وَالْمَوْلَى الْجَارُ وَالْمَوْلَى النَّاصِرُ وَالْمَوْلَى الصِّهْرُ وَالْمَوْلَى التَّابِعُ وَالْمَوْلَى الْقَرَارُ وَالْمَوْلَى الْوَلِيُّ وَالْمولى الموازى وَذكروا أَيْضا الْعم وَالْعَبْد وبن الْأَخِ وَالشَّرِيكَ وَالنَّدِيمَ وَيَلْتَحِقُ بِهِمْ مُعَلِّمُ الْقُرْآنِ جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مَنْ عَلَّمَ عَبْدًا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ مَوْلَاهُ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَنَحْوُهُ قَوْلُ شُعْبَةَ مَنْ كَتَبْتَ عَنْهُ حَدِيثًا فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ كُلُّ مَنْ يَلِيكَ أَوْ وَالَاكَ فَهُوَ مَوْلًى



[ قــ :4327 ... غــ :4580] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي الْكَفَالَةِ وَأُحِيلَ بِشَرْحِهِ عَلَى هَذَا الْموضع قَوْله عَن إِدْرِيس هُوَ بن يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الْفَقِيهِ الْكُوفِيِّ وَإِدْرِيسُ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ يَزِيدَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَقَعَ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ إِدْرِيسَ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ .

     قَوْلُهُ  وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ قَالَ وَرَثَةً هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنَ السَّلَفِ أَسْنَدَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ وَلِكُلِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ جَعَلْنَا عَصَبَةً يَرِثُونَهُ مِمَّا تَرَكَ وَالِدَهُ وَأَقْرَبُوهُ من ميراثهم لَهُ وَذكر غَيره لِلْآيَةِ تَقْدِيرًا غَيْرَ ذَلِكَ فَقِيلَ التَّقْدِيرُ جَعَلْنَا لِكُلِّ مَيِّتٍ وَرَثَةً تَرِثُ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ وَلِكُلِّ مَالٍ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ جَعَلْنَا وَرَثَةً يَحُوزُونَهُ فَعَلَى هَذَا كُلٍّ مُتَعَلقَة بِجعْل وَمِمَّا ترك صفة لكل والوالدان فَاعِلُ تَرَكَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ وَقَدْ سُمِعَ كَثِيرًا وَفِي الْقُرْآنِ قُلْ أغير الله أَتَّخِذ وليا فاطر السَّمَاوَات فَإِنَّ فَاطِرَ صِفَةُ اللَّهِ اتِّفَاقًا وَقِيلَ التَّقْدِيرُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ جَعَلْنَاهُمْ مَوْلًى أَيْ وَرَثَةً نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ وَالِدَاهُمْ وَأَقْرَبُوهُمْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لكل خبر مقدم وَنصِيب مُبْتَدأ مُؤخر وجعلناهم صفة لقوم وَمِمَّا ترك صفة للمبتدأ الَّذِي حذف وَنصِيب صِفَتُهُ وَكَذَا حُذِفَ مَا أُضِيفَتْ إِلَيْهِ كُلٌّ وَبَقِيَتْ صِفَتُهُ وَكَذَا حُذِفَ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُوفِ هَذَا حَاصِلٌ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْرِبُونَ وَذَكَرُوا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ظَاهِرُهُ التَّكَلُّفُ وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُضَافُ إِلَيْهِ كُلٌّ هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتسبن ثُمَّ قَالَ وَلِكُلٍّ أَيْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَعَلْنَا أَيْ قَدَّرْنَا نَصِيبًا أَيْ مِيرَاثًا مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ أَيْ بِالْحَلِفِ أَوِ الْمُوَالَاةِ وَالْمُؤَاخَاةِ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ خِطَابٌ لِمَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ أَيْ مَنْ وَلِيَ عَلَى مِيرَاثِ أَحَدٍ فَلْيُعْطِ لِكُلِّ مَنْ يَرِثُهُ نَصِيبَهُ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْمُتَّضِحِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْإِعْرَابُ وَيُتْرَكَ مَا عَدَاهُ مِنَ التَّعَسُّفِ .

     قَوْلُهُ  وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ هَكَذَا حَمَلَهَا بن عَبَّاسٍ عَلَى مَنْ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ وَحَمَلَهَا غَيْرُهُ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَنُسِخَ ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَرِثُهُ وَعَاقَدَ أَبُو بَكْرٍ مَوْلًى فَوَرِثَهُ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا نَزَلَتْ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ نُسِخَتْ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ نَاسِخَ مِيرَاثِ الْحَلِيفِ هَذِهِ الْآيَةُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا يَقُولُ إِلَّا أَنْ تُوصُوا لِأَوْلِيَائِكُمُ الَّذِينَ عَاقَدْتُمْ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ دَمِي دَمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ وَهُوَ السُّدُسُ ثُمَّ نُسِخَ بِالْمِيرَاثِ فَقَالَ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ وَمِنْ طُرُقٍ شَتَّى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى حَيْثُ كَانَ الْمُعَاقِدُ يَرِثُ وَحْدَهُ دُونَ الْعَصَبَةِ فَنَزَلَتْ وَلِكُلٍّ وَهِيَ آيَةُ الْبَابِ فَصَارُوا جَمِيعًا يَرِثُونَ وعَلى هَذَا يتنزل حَدِيث بن عَبَّاسٍ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ آيَةُ الْأَحْزَابِ وَخُصَّ الْمِيرَاثُ بِالْعَصَبَةِ وَبَقِيَ لِلْمُعَاقِدِ النَّصْرُ وَالْإِرْفَادُ وَنَحْوُهُمَا وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ بَقِيَّةُ الْآثَارِ وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ بن عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ النَّاسِخَ الثَّانِيَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصَى لَهُ كَذَا وَقَعَ فِيهِ وَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ بَيَّنَهُ الطَّبَرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ إِلَخْ فَ.

     قَوْلُهُ  مِنَ النَّصْرِ يَتَعَلَّقُ بِآتُوهُمْ لَا بِعَاقَدَتْ وَلَا بِأَيْمَانِكُمْ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ وَالرِّفَادَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ خَفِيفَةٌ الْإِعَانَةُ بِالْعَطِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ إِدْرِيسَ وَسَمِعَ إِدْرِيسُ طَلْحَةَ وَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَقَدْ قَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَنْ وَقَعَ عِنْدَهُ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ لِأَبِي أُسَامَةَ مِنْ إِدْرِيسَ وَلِإِدْرِيسَ مِنْ طَلْحَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ المُصَنّف وَالله أعلم