فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ مُخْتَصَرَةٌ



[ قــ :4415 ... غــ :4670] .

     قَوْلُهُ  عَن عبيد الله هُوَ بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ ثُمَّ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِمْ مِنْ تَبُوكَ وَذَلِكَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَتْ مُدَّةُ مَرَضِهِ عِشْرِينَ يَوْمًا ابْتِدَاؤُهَا مِنْ لَيَالٍ بَقِيَتْ مِنْ شَوَّالٍ قَالُوا وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ هُوَ وَمن تبعه عَن غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادوكم إِلَّا خبالا وَهَذَا يدْفع قَول بن التِّينِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ لَمَّا احْتُضِرَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَبِي قَدِ احْتُضِرَ فَأُحِبُّ أَنْ تَشْهَدَهُ وَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ مَا اسْمُكَ قَالَ الْحُبَابُ يَعْنِي بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا قَالَ بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ الْحُبَابُ اسْمُ الشَّيْطَانِ وَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي هَذَا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ بَعْضُ مَقَالَاتِ أَبِيهِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِهِ قَالَ بل أحسن صحبته أخرجه بن مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ نَحْوَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَمْرَ أَبِيهِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ الْتَمَسَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِعَهْدِ مِنْ أَبِيهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ أَهْلَكَكَ حُبُّ يَهُودٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَغْفِرَ لِي وَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ لِتُوَبِّخَنِي ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفَّنَ فِيهِ فَأَجَابَهُ وَهَذَا مُرْسَلٌ مَعَ ثِقَةِ رِجَالِهِ وَيُعَضِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ قَدْ فَهِمْتُ مَا تَقُولُ فَامْنُنْ عَلَيَّ فَكَفِّنِّي فِي قَمِيصِكَ وَصَلِّ عَلَيَّ فَفَعَلَ وَكَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ أَرَادَ بِذَلِكَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ وَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَظْهَرَ الرَّغْبَةَ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَوَقَعَتْ إِجَابَتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ إِلَى أَنْ كَشَفَ اللَّهُ الْغِطَاءَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَجْوِبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ ثَانِي حَدِيثِ الْبَابِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي على بن أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مِثْلِ قَوْلِهِ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفضوا وَإِلَى مِثْلِ قَوْلِهِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمُنَافِقِينَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِطْلَاقُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جِدًّا حَتَّى أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هَذَا وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَعَاكَسَهُ غَيْرُهُ فَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى نَهْيٍ خَاصٍّ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي خَاطِرِ عُمَرَ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْهَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين.

قُلْتُ الثَّانِي يَعْنِي مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَقْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمِ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ تَجَوُّزًا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ فَقَالَ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَن بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهَذَا لَقَدْ قَالَ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُم وَوَقع عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ قَالَ قَالَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ الْآيَةَ وَهَذَا مِثْلُ رِوَايَةِ الْبَابِ فَكَأَنَّ عُمَرَ قَدْ فَهِمَ مِنَ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّ أَوْ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّسْوِيَةِ فِي عَدَمِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ وَعَدَمَ الِاسْتِغْفَارِ سَوَاءٌ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُم لَكِنِ الثَّانِيَةَ أَصْرَحُ وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ وَفَهِمَ عُمَرُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ سَبْعِينَ مَرَّةً أَنَّهَا لِلْمُبَالَغَةِ وَأَنَّ الْعَدَدَ الْمُعَيَّنَ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلِ الْمُرَادُ نَفْيُ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ وَلَوْ كَثُرَ الِاسْتِغْفَارُ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ فَأَطْلَقَهُ وَفَهِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ وَالشَّفَاعَةِ لَهُ فَلِذَلِكَ اسْتَلْزَمَ عِنْدَهُ النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ تَرْكَ الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ جَاءَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِطْلَاقُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَلِهَذِهِ الْأُمُورِ اسْتَنْكَرَ إِرَادَةَ الصَّلَاةِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذَا تَقْرِيرُ مَا صَدَرَ عَنْ عُمَرَ مَعَ مَا عُرِفَ مِنْ شِدَّةِ صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ وَكَثْرَةِ بُغْضِهِ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَهُوَ الْقَائِلُ فِي حَقِّ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ مَعَ مَا كَانَ لَهُ مِنَ الْفَضْلِ كَشُهُودِهِ بَدْرًا وَغَيْرِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَاتَبَ قُرَيْشًا قَبْلَ الْفَتْحِ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَدْ نَافَقَ فَلِذَلِكَ أَقْدَمَ عَلَى كَلَامِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى احْتِمَالِ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَابَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ حِرْصًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشُورَةً لَا إِلْزَامًا وَلَهُ عَوَائِدٌ بِذَلِكَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَلَا يَسْتَلْزِمُ مَا وَقَعَ مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ اجْتَهَدَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ كَمَا تَمَسَّكَ بِهِ قَوْمٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَشَارَ بِالَّذِي ظَهَرَ لَهُ فَقَطْ وَلِهَذَا احْتَمَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهُ بِثَوْبِهِ وَمُخَاطَبَتِهِ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَقَامِ حَتَّى ألتفت إِلَيْهِ مُتَبَسِّمًا كَمَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً وسأزيده على السّبْعين فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ مِنَ الزِّيَادَةِ فَتَبَسَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ أَيْ خُيِّرْتُ بَيْنَ الِاسْتِغْفَارِ وَعَدَمه وَقد بَين ذَلِك حَدِيث بن عُمَرَ حَيْثُ ذَكَرَ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَولُهُ





[ قــ :4416 ... غــ :4671] فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا وَحَدِيث بن عُمَرَ جَازِمٌ بِقِصَّةِ الزِّيَادَةِ وَآكَدُ مِنْهُ مَا رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تستغفر لَهُم قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَيَّرَنِي رَبِّي فَوَاللَّهِ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ وَالطَّبَرِيُّ أَيْضًا وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مِثْلِهِ وَهَذِهِ طُرُقٌ وَإِنْ كَانَتْ مَرَاسِيلُ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُعَضِّدُ بَعْضًا وَقَدْ خَفِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى مَنْ خَرَّجَ أَحَادِيثَ الْمُخْتَصَرِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَاقْتَصَرُوا عَلَى مَا وَقَعَ فِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطَالَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ مُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطَالَ عَلَى جِنَازَةٍ قَطُّ مَا أَطَالَ عَلَى جِنَازَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مِنَ الْوُقُوفِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُم فَأَنَا أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ سَبْعِينَ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِينَ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مَنْ جَعَلَ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةً وَكَذَا مَفْهُومُ الصِّفَةِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ بِخِلَافِ السَّبْعِينَ فَقَالَ سَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ وَأَجَابَ مَنْ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ بِمَا وَقَعَ فِي بَقِيَّةِ الْقِصَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَافِعٍ لِلْحُجَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسَّبْعِينَ الْمُبَالَغَةُ لَكَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْمَفْهُومِ بَاقِيًا .

     قَوْلُهُ  قَالَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَصَلَّى عَلَيْهِ أَمَّا جَزْمُ عُمَرَ بِأَنَّهُ مُنَافِقٌ فَجَرَى عَلَى مَا كَانَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ إِجْرَاءً لَهُ عَلَى ظَاهِرِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاسْتِصْحَابًا لِظَاهِرِ الْحُكْمِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِكْرَامِ وَلَدِهِ الَّذِي تَحَقَّقَتْ صَلَاحِيَتُهُ وَمَصْلَحَةُ الِاسْتِئْلَافِ لِقَوْمِهِ وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَيَعْفُو وَيَصْفَحُ ثُمَّ أُمِرَ بِقِتَال الْمُشْركين فاستمر صفحه وعفوه عَمَّن يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كَانَ بَاطِنُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الِاسْتِئْلَافِ وَعَدَمِ التَّنْفِيرِ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ فَلَمَّا حَصَلَ الْفَتْحُ وَدَخَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْإِسْلَامِ وَقَلَّ أَهْلُ الْكُفْرِ وَذَلُّوا أُمِرَ بِمُجَاهَرَةِ الْمُنَافِقِينَ وَحَمْلِهِمْ عَلَى حُكْمِ مُرِّ الْحَقِّ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ النَّهْيِ الصَّرِيح عَن الصَّلَاة علىالمنافقين وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرَ فِيهِ بِمُجَاهِرَتِهِمْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَمَّا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَا فَعَلَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ بِطَرَفٍ مِنَ الدِّينِ وَلِتَطْيِيبِ قَلْبِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلِتَأَلُّفِ قَوْمِهِ مِنَ الْخَزْرَجِ لِرِيَاسَتِهِ فِيهِمْ فَلَوْ لَمْ يُجِبْ سُؤَالَ ابْنِهِ وَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ النَّهْيِ الصَّرِيحِ لَكَانَ سُبَّةً عَلَى ابْنِهِ وَعَارًا عَلَى قَوْمِهِ فَاسْتَعْمَلَ أَحْسَنَ الْأَمْرَيْنِ فِي السِّيَاسَةِ إِلَى أَنْ نُهِيَ فَانْتَهَى وَتَبِعَهُ بن بَطَّالٍ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَرَجَا أَنْ يَكُونَ مُعْتَقَدًا لبَعض مَا كَانَ يظهره من الْإِسْلَام وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِن مُرَاد بن بَطَّالٍ أَنَّ إِيمَانَهُ كَانَ ضَعِيفًا.

قُلْتُ وَقَدْ مَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى تَصْحِيحِ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ وَذَهَلَ عَنِ الْوَارِدِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ فِي حَقِّهِ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ وَلَمْ يَقِفْ عَلَى جَوَابٍ شَافٍ فِي ذَلِكَ فَأَقْدَمَ عَلَى الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مَحْجُوجٍ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى نَقِيضِ مَا قَالَ وَإِطْبَاقِهِمْ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ فِي كُتُبِ الصَّحَابَةِ مَعَ شُهْرَتِهِ وَذِكْرُ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الشَّرَفِ وَالشُّهْرَةِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تقم على قَبره قَالَ فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي مِنَ اللَّهِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُسْلِمَ بِذَلِكَ أَلْفٌ مِنْ قَوْمِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره زَادَ عَنْ مُسَدَّدٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي آخِره فَترك الصَّلَاة عَلَيْهِم أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُسَدَّدٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ يَحْيَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجَنَائِزِ عَنْ مُسَدَّدٍ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرا حَتَّى نزلت زَاد بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِسَنَدِهِ فِي ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ قَالَ فَمَا صَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُنَافِقٍ بَعْدَهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَمِنْ هَذَا الْوَجْه أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن إِسْحَاقَ فَزَادَ فِيهِ وَلَا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ الله لَهُم وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَتَانِ مَعًا نزلتا فِي ذَلِك الحَدِيث الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَقِيلٌ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَالْغَيْرُ الْمَذْكُورِ هُوَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ مُعَاذٍ عَنْهُ عَنِ اللَّيْثِ قَالَ حَدَّثَنِي عَقِيلٌ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا لَامٌ هُوَ اسْمُ امْرَأَةٍ وَهِيَ وَالِدَةُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ وَهِيَ خُزَاعِيَّةٌ.
وَأَمَّا هُوَ فَمن الْخَزْرَج أحد قبيلتي الْأَنْصَار وبن سَلُولَ يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهُ صِفَةُ عَبْدِ اللَّهِ لَا صِفَةَ أَبِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَتَبَسَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  أَخِّرْ عَنِّي أَيْ كَلَامَكُ وَاسْتَشْكَلَ الدَّاوُدِيُّ تَبَسُّمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ مَا ثَبَتَ أَنَّ ضَحِكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَبَسُّمًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ شُهُودِ الْجَنَائِزِ يَسْتَعْمَلُ ذَلِكَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ طَلَاقَةِ وَجهه بذلك تأنيسا لعمر وتطييبا لِقَلْبِهِ كَالْمُعْتَذِرِ عَنْ تَرْكِ قَبُولِ كَلَامِهِ وَمَشُورَتِهِ .

     قَوْلُهُ  إِنْ زِدْتَ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ يُغْفَرْ بِسُكُونِ الرَّاءِ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَغُفِرَ لَهُ بِفَاءِ وَبِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَضَمِّ أَوَّلِهِ وَالرَّاءُ مَفْتُوحَةٌ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهٌ .

     قَوْلُهُ  فَعَجِبْتُ بَعْدُ بِضَمِّ الدَّالِ مِنْ جُرْأَتِي بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ إِقْدَامِي عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا تَوْجِيهَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَوْلُ عمر وَيحْتَمل أَن يكون قَول بن عَبَّاسٍ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاس فِي نَحْو هَذِه الْقِصَّة قَالَ بن عَبَّاسٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ صَلَاةٍ كَانَتْ وَمَا خَادَعَ مُحَمَّدٌ أَحَدًا قَطُّ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الشُّرَّاحِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَقَدَّمَ لِلصَّلَاةِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ كَانَ نَاسِيًا لِمَا صَدَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي السِّيَاقِ مِنْ تَكْرِيرِ الْمُرَاجَعَةِ فَهِيَ دَافِعَةٌ لِاحْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ فَدلَّ على أَنه كَانَ ذَاكِرًا