فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {ولا تخزني يوم يبعثون} [الشعراء: 87]



[ قــ :4509 ... غــ :4769] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا قَالَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا وَأَشَارَ إِلَى الطَّرِيقِ الْأُخْرَى الَّتِي زِيدَ فِيهَا بَيْنَ سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَجُلٌ فَذَكَرَهَا مُعَلَّقَةً وَسَعِيدٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَمِعَ مِنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا وَمِنْ أَبِيهِ عَنْهُ تَامَّا أَوْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ ثَبَّتَهُ فِيهِ أَبُوهُ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ وُجِدَ لِلْحَدِيثِ أَصْلٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَشَاهِدُهُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يرى أَبَاهُ يَوْم الْقِيَامَة وَعَلِيهِ الْغيرَة وَالْقَتَرَةُ وَالْغَبَرَةُ هِيَ الْقَتَرَةُ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ وَعَلَيْهِ الْغَبَرَةُ وَالْقَتَرَةُ فَقَالَ لَهُ قَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ هَذَا فَعَصَيْتَنِي قَالَ لَكِنِّي لَا أَعْصِيكَ الْيَوْمَ الْحَدِيثَ فَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ وَالْغَبَرَةُ هِيَ الْقَتَرَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُونُسَ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوههم قتر وَلَا ذلة القتر الْغُبَار وَأنْشد لذَلِك شَاهِدين قَالَ بن التِّينِ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  فِي سُورَةِ عَبَسَ غيرَة ترهقها قترة تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ كَأَنَّهُ قَالَ غَبَرَةٌ فَوْقَهَا غَبَرَةٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْقَتَرَةُ مَا يَغْشَى الْوَجْهَ مِنَ الْكَرْبِ وَالْغَبَرَةُ مَا يَعْلُوهُ مِنَ الْغُبَارِ وَأَحَدُهُمَا حِسِّيٌّ وَالْآخَرُ مَعْنَوِيٌّ وَقِيلَ الْقَتَرَةُ شِدَّةُ الْغَبَرَةِ بِحَيْثُ يَسْوَدُّ الْوَجْهُ وَقِيلَ الْقَتَرَةُ سَوَادُ الدُّخَانِ فَاسْتُعِيرَ هُنَا .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَيَقُولُ اللَّهُ إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا وَسَاقَهُ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ تَامَّا .

     قَوْلُهُ  يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ هَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي تَسْمِيَةِ وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ سَبَقَتْ نِسْبَتُهُ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ضَعِيفَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ آزَرَ اسْمُ الصَّنَمِ وَهُوَ شَاذٌّ .

     قَوْلُهُ  وَعَلَى وَجْهٍ آزَرَ قترة وغبرة هَذَا مُوَافق لظَاهِر الْقُرْآن وُجُوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة ترهقها قترة أَيْ يَغْشَاهَا قَتَرَةٌ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْغَبَرَةَ الْغُبَارُ مِنَ التُّرَابِ وَالْقَتَرَةُ السَّوَادُ الْكَائِنُ عَنِ الْكَآبَةِ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي فَيَقُولُ أَبُوهُ فَالْيَوْمُ لَا أَعْصِيكَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ فَقَالَ لَهُ قَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ هَذَا فَعَصَيْتَنِي قَالَ لَكِنِّي لَا أَعْصِيكَ وَاحِدَةً .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْأَبْعَدِ عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِ إِذَا لَمْ تُقْبَلْ شَفَاعَتُهُ فِي أَبِيهِ وَقِيلَ الْأَبْعَدُ صِفَةُ أَبِيهِ أَيْ أَنَّهُ شَدِيدُ الْبُعْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ بَعِيدٌ مِنْهَا فَالْكَافِرٌ أَبْعَدٌ وَقِيلَ الْأَبْعَدُ بِمَعْنَى الْبَعِيدَ وَالْمُرَادُ الْهَالِكُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَإِنْ أَخْزَيْتَ أَبِي فَقَدْ أَخْزَيْتَ الْأَبْعَدَ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ يَلْقَى رَجُلٌ أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لَهُ أَيُّ ابْنٍ كُنْتَ لَك فَيَقُول خير بن فَيَقُولُ هَلْ أَنْتَ مُطِيعِي الْيَوْمَ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُول خُذ بازرتي فَيَأْخُذ بازرته تمّ يَنْطَلِقُ حَتَّى يَأْتِيَ رَبَّهُ وَهُوَ يَعْرِضُ الْخَلْقَ فَيَقُولُ اللَّهُ يَا عَبْدِي ادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَبِي مَعِي فَإِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ اللَّهُ إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُنَادَى إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا مُشْرِكٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمَ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ انْظُرْ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَيَقُولُ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ أَبُوكَ قَالَ أَنْتَ أَخَذْتَهُ مِنِّي قَالَ انْظُرْ أَسْفَلَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا ذِيخٌ يَتَمَرَّغُ فِي نَتْنِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ فَيَمْسَخُ اللَّهُ أَبَاهُ ضَبُعًا فَيَأْخُذُ بِأَنْفِهِ فَيَقُولُ يَا عَبْدِي أَبُوكَ هُوَ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُحَوَّلُ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ فِي صُورَةِ ضِبْعَانَ زَاد بن الْمُنْذِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا رَآهُ كَذَا تَبَرَّأَ مِنْهُ قَالَ لَسْتَ أَبِي وَالذِّيخُ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ ذَكَرُ الضِّبَاعِ وَقِيلَ لَا يُقَالُ لَهُ ذِيخٌ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ وَالضِّبْعَانُ لُغَةٌ فِي الضَّبْعِ وَقَولُهُ مُتَلَطِّخٌ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَيْ فِي رَجِيعٍ أَوْ دَمٍ أَوْ طِينٍ وَقَدْ عَيَّنَتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْمُرَادَ وَأَنَّهُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ حَيْثُ قَالَ فَيَتَمَرَّغُ فِي نَتْنِهِ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي مَسْخِهِ لِتَنْفِرَ نَفْسُ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُ وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّارِ عَلَى صُورَتِهِ فَيَكُونُ فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي مَسْخِهِ ضَبْعًا أَنَّ الضَّبْعَ مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ وَآزَرَ كَانَ مِنْ أَحْمَقِ الْبَشَرِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَلَدِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى مَاتَ وَاقْتَصَرَ فِي مَسْخِهِ عَلَى هَذَا الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ وَسَطٌ فِي التَّشْوِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِلَى مَا فَوْقَهُ كَالْأَسَدِ مَثَلًا وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بَالَغَ فِي الْخُضُوعِ لَهُ وَخَفْضَ الْجَنَاحَ فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ فَعُومِلَ بِصِفَةِ الذُّلِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِأَنَّ لِلضَّبْعِ عِوَجًا فَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ آزَرَ لَمْ يَسْتَقِمْ فَيُؤْمِنُ بَلِ اسْتَمَرَّ عَلَى عِوَجِهِ فِي الدِّينِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلِهِ وَطَعَنَ فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ هَذَا خَبَرٌ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَكَيْفَ يَجْعَلُ مَا صَارَ لِأَبِيهِ خِزْيًا مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ انْتَهَى وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَبَرَّأَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِيهِ فَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لَمَّا مَاتَ آزَرَ مُشْرِكًا وَهَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ قَالَ اسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَحْوَ ذَلِك وَقيل إِنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَّا يَئِسَ مِنْهُ حِينَ مُسِخَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَة بن الْمُنْذِرِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَبِّ وَالِدِي رَبِّ وَالِدِي فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَةُ أُخِذَ بِيَدِهِ فَيَلْتَفِتَ إِلَيْهِ وَهُوَ ضِبْعَانُ فَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ إِنِّي كُنْتَ آمُرُكَ فِي الدُّنْيَا وَتَعْصِينِي وَلَسْتُ تَارِكَكَ الْيَوْمَ فَخُذْ بِحَقْوِي فَيَأْخُذُ بِضَبْعَيْهِ فَيُمْسَخُ ضَبْعًا فَإِذَا رَآهُ إِبْرَاهِيمُ مُسِخَ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ لَمَّا مَاتَ مُشْرِكًا فَتَرَكَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ لَكِنْ لَمَّا رَآهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَدْرَكَتْهُ الرَّأْفَةُ وَالرِّقَّةُ فَسَأَلَ فِيهِ فَلَمَّا رَآهُ مُسِخَ يَئِسَ مِنْهُ حِينَئِذٍ فتبرأ مِنْهُ تبرءا أَبَدِيًّا وَقِيلَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَوْتَهُ عَلَى الْكُفْرِ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آمَنَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَطَّلِعْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ تَبْرِئَتُهُ مِنْهُ حِينَئِذٍ بَعْدَ الْحَالِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا أَدْخَلَ اللَّهُ أَبَاهُ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَاهُ لِقَوْلِهِ إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَخِزْيُ الْوَالِدِ خِزْيُ الْوَلَدِ فَيَلْزَمُ الْخُلْفُ فِي الْوَعْد وَهُوَ محَال وَلَو لم يَدْخُلُ النَّارَ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي الْوَعِيدِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِذَا مُسِخَ فِي صُورَةِ ضَبُعٍ وَأُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ تَبْقَ الصُّورَةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْخِزْيِ فَهُوَ عَمَلٌ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْوَعْدَ كَانَ مَشْرُوطًا بِالْإِيمَانِ وَإِنَّمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَفَاءً بِمَا وَعَدَهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ.

قُلْتُ وَمَا قَدَّمْتُهُ يُؤَدِّي الْمَعْنَى الْمُرَادَ مَعَ السَّلَامَةِ مِمَّا فِي اللَّفْظِ مِنَ الشناعة وَالله أعلم