فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير}

( .

     قَوْلُهُ  بَاب حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير)




[ قــ :4540 ... غــ :4800] قَوْله حَدثنَا عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاءَ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ فَإِذَا سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِذَلِكَ صُعِقُوا وَخَرُّوا سُجَّدًا فَيَكُونُ أَوَّلُهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ فَيَنْتَهِي بِهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهُ مَاذَا قَالَ رَبُّنَا قَالَ الْحَقَّ فَيَنْتَهِي بِهِ حَيْثُ أُمِرَ .

     قَوْلُهُ  ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا بِفَتْحَتَيْنِ مِنَ الْخُضُوعِ وَفِي رِوَايَةٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى خَاضِعِينَ .

     قَوْلُهُ  كَأَنَّهُ أَيِ الْقَوْلُ الْمَسْمُوعُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ صَلْصَلَةٌ كَصَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ صَوْتُ الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ وَقَدْ رَوَى بن مرْدَوَيْه من حَدِيث بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ يَسْمَعُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ فَيَفْزَعُونَ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ وَقَرَأَ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ الْآيَةَ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَعَلَّقَهُ الْمُصَنِّفُ مَوْقُوفًا وَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّلْصَلَةُ صَوْتُ الْحَدِيدِ إِذَا تَحَرَّكَ وَتَدَاخَلَ وَكَأَنَّ الرِّوَايَةَ وَقَعَتْ لَهُ بِالصَّادِ وَأَرَادَ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَالَّذِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ هَذَا وَالَّذِي هُنَا جَرُّ السِّلْسِلَةِ من الْحَدِيد على الصَّفْوَانِ الَّذِي هُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ يَكُونُ الصَّوْتُ النَّاشِئُ عَنْهُمَا سَوَاءً .

     قَوْلُهُ  عَلَى صَفْوَانٍ زَادَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ غَيْرُهُ يَعْنِي غَيْرَ سُفْيَانَ يَنْفُذُهُمْ ذَلِك فِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ فَلَا يَنْزِلُ عَلَى أَهْلِ سَمَاءٍ إِلَّا صُعِقُوا وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا إِذَا رُمِيَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ مَاتَ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ فَقَالَ إِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ رَبَّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ سَمَاءَ الدُّنْيَا ثُمَّ يَقُولُونَ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِيهِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ .

     قَوْلُهُ  وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَمُسْتَرِقٌ بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ فَصِيحٌ .

     قَوْلُهُ  هَكَذَا بعضه فَوق بعض وَصفه سُفْيَان أَي بن عُيَيْنَةَ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ أَيْ فَرَّقَ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ فَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوق بعض وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ كَانَ لِكُلِّ قَبِيلٍ مِنَ الْجِنِّ مَقْعَدٌ مِنَ السَّمَاءِ يَسْمَعُونَ مِنْهُ الْوَحْيَ يَعْنِي يُلْقِيهَا زَادَ عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْأَرْضِ فَيُلْقَى .

     قَوْلُهُ  عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ فِي رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ عَلَى لِسَانِ الْآخَرِ بَدَلَ السَّاحِرِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ السَّاحِرِ وَالْكَاهِنِ وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ .

     قَوْلُهُ  فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ إِلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْهُمْ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُدْرِكُهُ الشِّهَابُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَيَرْمِي هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى يُلْقَى عَلَى فَمِ سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ .

     قَوْلُهُ  فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ زَادَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْحِجْرِ فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا الْكَلِمَةُ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فَيَقُولُ يَكُونُ الْعَامُ كَذَا وَكَذَا فَيَسْمَعُهُ الْجِنُّ فَيُخْبِرُونَ بِهِ الْكَهَنَةَ فَتُخْبِرُ الْكَهَنَةُ النَّاسَ فَيَجِدُونَهُ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِ هَذَا الْقَدْرِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحِجْرِ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.

قُلْتُ لِسُفْيَانَ إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْكَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَرَأَ فُرِّغَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَقَالَ سُفْيَانُ هَكَذَا قَرَأَ عَمْرو يَعْنِي بن دِينَارٍ فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لَا وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ رُوِيَتْ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَرَأَهَا بن عَامِرٍ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَمَعْنَاهُ بِالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ أَدْهَشَ الْفَزَعُ عَنْهُمْ وَمَعْنَى الَّتِي بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ذَهَبَ عَنْ قُلُوبِهِمْ مَا حَلَّ فِيهَا فَقَالَ سُفْيَانُ هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ أَمْ لَا قَالَ سُفْيَانُ وَهِيَ قِرَاءَتُنَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَتِ الْقِرَاءَةُ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَسْمُوعَةً فَالْجَوَابُ لَعَلَّ مَذْهَبَهُ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ بِدُونِ السَّمَاعِ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا.

قُلْتُ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا لَكِنْ إِذَا وُجِدَ احْتِمَالٌ غَيْرَهُ فَهُوَ أَوْلَى وَذَلِكَ مَحْمَلُ قَوْلِ سُفْيَانَ لَا أَدْرِي سَمِعَهُ أَمْ لَا عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ سَمِعَهُ مِنْ عِكْرِمَةَ الَّذِي حَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ شَكَّ فِي أَنَّهُ هَلْ سَمِعَهُ مُطْلَقًا فَالظَّنُّ بِهِ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ بِالْأَخْذِ مِنَ الصُّحُفِ بِغَيْرِ سَمَاعٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ وَهِيَ قِرَاءَتُنَا فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا وَافَقَتْ مَا كَانَ يَخْتَارُ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ كَمَا نسب لغيره