فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53]

( .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ سَبَأٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

سَقَطَ لَفْظُ سُورَةُ وَالْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهَذِهِ السُّورَةُ سُمِّيَتْ بِقَوْلِهِ فِيهَا لَقَدْ كَانَ لسبأ فِي مساكنهم الْآيَة قَالَ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ هُوَ سَبَإِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ قَالَ أُنْزِلَ فِي سَبَأٍ مَا أُنْزِلَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا سَبَأٌ أَرْضٌ أَوِ امْرَأَةٌ قَالَ لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْعَرَبِ فَتَيَامَنَ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَة الحَدِيث قَالَ وَفِي الْبَاب عَن بن عَبَّاس قلت حَدِيث بن عَبَّاس وفروة صححهما الْحَاكِم وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي حَدِيثِ فَرْوَةَ زِيَادَةً أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَبَأَ قَوْمٌ كَانَ لَهُمْ عِزٌّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَرْتَدُّوا فَأُقَاتِلَهُمْ قَالَ مَا أُمِرْتُ فِيهِمْ بِشَيْء فَنزلت لقد كَانَ لسبأ فِي مساكنهم الْآيَاتِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا سبأ فَذكره وَأخرج بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْأَنْسَابِ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَأَصْلُهُ قِصَّةُ سَبَأٍ وَقَدْ ذكرهَا بن إِسْحَاقَ مُطَوَّلَةً فِي أَوَّلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَأَخْرَجَ بَعْضهَا بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ مُطَوَّلًا .

     قَوْلُهُ  مُعَاجِزِينَ مُسَابِقِينَ بِمُعْجِزِينَ بِفَائِتِينَ مُعَاجِزِي مُسَابِقِي سَبَقُوا فَاتُوا لَا يَعْجِزُونَ لَا يَفُوتُونَ يَسْبِقُونَا يُعْجِزُونَا .

     قَوْلُهُ  بِمُعْجِزِينَ بِفَائِتِينَ وَمَعْنَى مُعَاجِزِينَ مُغَالِبِينَ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صَاحِبِهِ أَمَّا .

     قَوْلُهُ  مُعَاجِزِينَ مُسَابِقِينَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتنَا معاجزين أَيْ مُسَابِقِينَ يُقَالُ مَا أَنْتَ بِمُعْجِزِي أَيْ سَابِقِي وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْ مُعَاجِزِينَ عَلَى إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى لِابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو مُعْجِزِينَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ بِمَعْنَاهَا وَقِيلَ مَعْنَى مُعَاجِزِينَ معاندين وَمُغَالِبِينَ وَمَعْنَى مُعْجِزِينَ نَاسِبِينَ غَيْرَهُمْ إِلَى الْعَجْزِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بِمُعْجِزِينَ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَقد أخرج بن أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ نَحْوَهُ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  مُعَاجِزِي مُسَابِقِي فَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَثَبَتَ عِنْدَهُمَا مُعَاجِزِينَ مُغَالِبِينَ وَتَكَرَّرَ لَهُمَا بَعْدُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ بَقِيَّةُ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ كَمَا قَدَّمْتُهُ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  سَبَقُوا إِلَخْ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي سُورَة الْأَنْفَال فِي قَوْله وَلَا تحسبن الَّذين كفرُوا سبقوا مجازه فاتوا أَنهم لَا يعجزون أَي لَا يفوتون وَأما قَوْله يسبقونا فَأخْرج بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ أَمْ حسب الَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات أَن يسبقونا أَيْ يُعْجِزُونَا.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بِمُعْجِزِينَ بِفَائِتِينَ فَكَذَا وَقَعَ مُكَرَّرًا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  مُعَاجِزِينَ مُغَالِبِينَ إِلَخْ فَقَالَ الْفراء مَعْنَاهُ معاندين وَذكر بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ مُعَاجِزِينَ قَالَ مُرَاغِمِينَ وَكُلُّهَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  مِعْشَارَ عُشْرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُم أَيْ عُشْرَ مَا أَعْطَيْنَاهُمْ.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ الْمَعْنَى وَمَا بَلَغَ أَهْلُ مَكَّةَ مِعْشَارَ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْجِسْمِ وَالْوَلَدِ وَالْعَدَدِ وَالْمِعْشَارُ الْعُشْرُ .

     قَوْلُهُ  يُقَالُ الْأُكُلُ الثَّمَرَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خمط وأثل قَالَ الْخَمْطُ هُوَ كُلُّ شَجَرٍ ذِي شَوْكٍ وَالْأُكُلُ الْجَنَى أَيْ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَقْصُورٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الثَّمَرَةِ .

     قَوْلُهُ  بَاعِدْ وَبَعِّدْ وَاحِدٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَالُوا رَبنَا باعد بَين أسفارنا مَجَازُهُ مَجَازُ الدُّعَاءِ وَقَرَأَهُ قَوْمٌ بَعِّدْ يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ.

قُلْتُ قِرَاءَةُ بَاعِدْ لِلْجُمْهُورِ وَقَرَأَهُ بَعِّدْ أَبُو عَمْرو وبن كَثِيرٍ وَهِشَامٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ لَا يَعْزُبُ لَا يَغِيبُ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ بِهَذَا .

     قَوْلُهُ  سَيْلَ الْعَرِمِ السُّدِّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ الشَّدِيدُ بِمُعْجَمَةٍ وَزْنَ عَظِيمٍ .

     قَوْلُهُ  فَشَقَّهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِمُعْجَمَةٍ قَبْلَ الْقَافِ الثَّقِيلَةِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَبَثَقَهُ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ قَبْلَ الْقَافِ الْخَفِيفَةِ قَالَ وَهُوَ الْوَجْهُ تَقُولُ بَثَقْتَ النَّهْرَ إِذَا كَسَرْتَهُ لِتَصْرِفَهُ عَنْ مَجْرَاهُ .

     قَوْلُهُ  فَارْتَفَعَتَا عَنِ الْجَنَبَتَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ فَوْقَانِيَّةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ ثُمَّ نُونٌ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ بِغَيْرِ مُوَحَّدَةِ تَثْنِيَةُ جَنَّةٍ وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّرْتِيبُ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ ارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلَى الْجَنَّتَيْنِ وَارْتَفَعَتِ الْجَنَّتَانِ عَنِ الْمَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِارْتِفَاعِ الزَّوَالُ أَيِ ارْتَفَعَ اسْمُ الْجَنَّةِ مِنْهُمَا فَالتَّقْدِيرُ فَارْتَفَعَتِ الْجَنَّتَانِ عَنْ كَوْنِهِمَا جَنَّتَيْنِ وَتَسْمِيَةُ مَا بُدِّلُوا بِهِ جَنَّتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَكُنِ الْمَاءُ الْأَحْمَرُ مِنَ السُّدِّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَلِلْمُسْتَمْلِيِّ مِنَ السَّيْلِ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنَ السُّيُولِ وَهَذَا الْأَثَرُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا.

     وَقَالَ  السُّدُّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَقَالَ فَشَقَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ الثَّقِيلَةِ.

     وَقَالَ  عَلَى الْجَنَّتَيْنِ تَثْنِيَةُ جَنَّةٍ كَمَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا .

     قَوْلُهُ  وقَال عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ الْعَرِمُ الْمُسَنَّاةُ بِلَحْنِ أَهْلِ الْيَمَنِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْعَرِمُ الْوَادِي أَمَّا قَوْلُ عَمْرٍو فَوَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ فَذَكَرَهُ سَوَاءً وَاللَّحْنُ اللُّغَةُ وَالْمُسَنَّاةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَضُبِطَ فِي أَصْلِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ بن التِّينِ الْمُرَادُ بِهَا مَا يُبْنَى فِي عُرْضِ الْوَادِي لِيَرْتَفِعَ السَّيْلُ وَيَفِيضَ عَلَى الْأَرْضِ وَكَأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ عَرَامَةِ الْمَاءِ وَهُوَ ذَهَابُهُ كُلَّ مَذْهَبٍ.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ الْعَرِمُ الْمُسَنَّاةُ وَهِيَ مُسَنَّاةٌ كَانَتْ تَحْبِسُ الْمَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مِنْهَا فَيُسَيِّبُونَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الْآخَرِ وَلَا يَنْفُذُ حَتَّى يَرْجِعَ الْمَاءُ السَّنَةَ الْمُقْبِلَةَ وَكَانُوا أَنْعَمَ قَوْمٍ فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَكَفَرُوا بَثَقَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْمُسَنَّاةِ فَغَرِقَتْ أَرْضُهُمْ وَدَقَّتِ الرَّمْلُ بُيُوتَهُمْ وَمُزِّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ حَتَّى صَارَ تَمْزِيقُهُمْ عِنْدَ الْعَرَبِ مَثَلًا يَقُولُونَ تَفَرَّقُوا أَيْدِيَ سَبَأٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ غَيره فَأخْرجهُ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْعَرِمُ اسْمُ الْوَادِي وَقِيلَ الْعَرِمُ اسْمُ الْجُرَذِ الَّذِي خَرَّبَ السَّدَّ وَقِيلَ هُوَ صِفَةُ السَّيْلِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَرَامَةِ وَقِيلَ اسْمُ الْمَطَرِ الْكَثِيرِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ هُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ سَيْلُ الْعَرِمِ وَاحِدَتُهَا عَرِمَةٌ وَهُوَ بِنَاءٌ يُحْبَسُ بِهِ الْمَاءُ يُبْنَى فَيُشْرَفُ بِهِ عَلَى الْمَاءِ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ وَيُتْرَكُ فِيهِ سَبِيلٌ لِلسَّفِينَةِ فَتِلْكَ الْعَرِمَاتُ وَاحِدَتُهَا عَرِمَةٌ .

     قَوْلُهُ  السَّابِغَاتُ الدُّرُوعُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ أَن أعمل سابغات أَيْ دُرُوعًا وَاسِعَةً طَوِيلَةً .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ يجازي يُعَاقب وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ قَالَ هُوَ الْمُنَاقَشَةُ فِي الْحِسَابِ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ وَهُوَ الْكَافِرُ لَا يُغْفَرُ لَهُ تَنْبِيهٌ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ الْحَصْرِ فِي الْكُفْرِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْكُفْرِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ ان الْعَذَاب على من كذب وَتَوَلَّى وَقيل ولسوف يعطيك رَبك فترضى وَقِيلَ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَقيل كل يعْمل على شاكلته وَقِيلَ



[ قــ :4550 ... غــ :4810] قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ وَقِيلَ آيَةُ الدَّيْنِ وَقِيلَ وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة وَهَذَا الْأَخِيرُ نَقَلَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَقِبَ حَدِيثِ الْإِفْكِ وَفِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنِ بن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي .

     قَوْلُهُ  أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ بِطَاعَةِ اللَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى وَاحِد واثنين وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا .

     قَوْلُهُ  التَّنَاوُشُ الرَّدُّ مِنَ الْآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ من طَرِيق مُجَاهِد بِلَفْظ وأنى لَهُم التَّنَاوُشُ قَالَ رَدٌّ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا وَعِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ التَّمِيمِي عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَان بعيد قَالَ يَسْأَلُونَ الرَّدَّ وَلَيْسَ بِحِينِ رَدٍّ .

     قَوْلُهُ  وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ زَهْرَةٍ .

     قَوْلُهُ  بِأَشْيَاعِهِمْ بِأَمْثَالِهِمْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ قَالَ الْكُفَّارُ من قبلهم قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاس كالجوابي كَالْجَوْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ تَقَدَّمَ هَذَا فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قِيلَ الْجَوَابِي فِي اللُّغَةِ جَمْعُ جَابِيَةٍ وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الشَّيْءُ أَيْ يُجْمَعُ.
وَأَمَّا الْجَوْبَةُ مِنَ الْأَرْضِ فَهِيَ الْمَوْضِعُ الْمُطْمَئِنُ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُ الْجَوَابِي بِهَا وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَسَّرَ الْجَابِيَةَ بِالْجَوْبَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ اشْتِقَاقَهُمَا وَاحِدٌ .

     قَوْلُهُ  الْخَمْطُ الْأَرَاكُ وَالْأَثْلُ الطَّرْفَاءُ الْعَرِمُ الشَّدِيدُ سَقَطَ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ للنسفي وَقد وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ بِهَذَا كُلِّهِ مُفَرَّقًا

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الْآيَة)
ذكر فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قد قتلوا



[ قــ :4550 ... غــ :4810] قَوْله ان بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ يَعْلَى أَيْ قَالَ قَالَ يعلى.

     وَقَالَ  تَسْقُطُ خَطًا وَتَثْبُتُ لَفْظًا وَيَعْلَى هَذَا هُوَ بن مُسْلِمٍ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حجاج بن مُحَمَّد عَن بن جُرَيْجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ بِلَفْظِ أَخْبَرَنِي مُسلم بن يعلى وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجٍ هَذَا لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُمَا عَنْ يَعْلَى غَيْرُ مَنْسُوبٍ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِيهِ يَعْلَى بْنُ حَكِيمٌ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِهِ وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ غير بن جُرَيْجٍ عَنْ يَعْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ بَصْرِيُّ الْأَصْلِ سَكَنَ مَكَّةَ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَن سعيد بن جُبَير وبرواية بن جُبَيْرٍ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَرَوَى عَنْهُ بن جُرَيْجٍ وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بن عَبَّاسٍ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ هُوَ وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَاتِلُ حَمْزَةَ وَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ نَزَلَتْ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا الْآيَةَ فَقَالَ هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ فَنزلت قل يَا عبَادي الْآيَة وروى بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ اتَّعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَنْ نُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّتِهِمْ وَرُجُوع رَفِيقه فَنزلت قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ قَالَ فَكَتَبْتُ بِهَا إِلَى هِشَامٍ .

     قَوْلُهُ  وَنَزَلَ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فَقَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أَصَبْنَا مَا أَصَابَ وَحْشِيٌّ فَقَالَ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَذِهِ الْآيَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ فَقَالَ رَجُلٌ وَمَنْ أَشْرَكَ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ وَمَنْ أَشْرَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَاسْتُدِلَّ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى غُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِحَقِّ الْآدَمِيِّينَ أَمْ لَا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا تُغْفَرُ بِالتَّوْبَةِ وَأَنَّهَا تُغْفَرُ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ لَكِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ إِذَا تَابَ صَاحِبُهَا مِنَ الْعَوْدِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ مِنَ الْعَوْدِ.
وَأَمَّا خُصُوصُ مَا وَقَعَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَدِّهِ لِصَاحِبِهِ أَوْ مُحَالَلَتِهِ مِنْهُ نَعَمْ فِي سِعَةِ فَضْلِ اللَّهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرِضَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَنْ حَقِّهِ وَلَا يُعَذَّبَ الْعَاصِي بِذَلِكَ وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَالله أعلم